Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎

 “أيّها الربّ إلهي لقد عظمتَ جدّاً”

أرفع أنواع الصلاة هي تسابيح التمجيد، إنّها فوق تضرّعات الاستغفار والطلبات. وهنا يرفع المرنّم (داؤود)، من قلب معترف بالجميل وبالإعجاب، يرفع صرخات التسبيح والشكر لإله يتمجّد في أعماله الصالحة وفي هذه الخليقة التي تُعلن كلّ لحظة وفي كلّ شيء جماله وصلاحه. التأمّل بالخليقة يرفعنا بقلب مفعم بالشكران إلى الله الخالق، فنرفع تسابيح التمجيد.

يتتبّع هذا المزمور الطويل تسلسلاً ما في جولته على الخليقة كلّها. ومن الواضح أنّه يجول بعينَيه عليها بحسب ترتيب الخلق في سفر التكوين ذاته(38). فنجده:

1. في الآيات (1-3) يتأمّل النور ويقابلها (تك 1، 3) وهو عمل اليوم الأوّل.

2. في الآيات (2-3) يتأمّل في خلق السموات وهي أعمال اليوم الثاني (تك1، 1-8).

3. في الآيات (5-18) يتأمّل في تكوين الأرض ونباتاتها وخيراتها وطيورها وتقابلها (تك1، 9-13) وهي عمل اليوم الثالث.

4. في الآيات (19-23) يتأمّل في الشمس والقمر وتبادل الليل والنهار والأوقات والأزمنة وتقابلها أعمال اليوم الرابع، ثمّ تسبحة وتمجيد الآية 24.

5. في الآيات (25-30) يتأمّل في البحر وعالمه وما فيه ويقابلها (تك 1، 20-23) وهي أعمال اليوم الخامس.

6. في الآيات (31-35) يتأمّل في الإنسان الذي يسبح الله لجلاله ويقابلها (تك 1، 26-31) وهي أعمال اليوم السادس.

هكذا يدور المصلّي بناظره حول كلّ عناصر الخليقة كمَن يتدرّج على آيات التكوين ويسبّح الله الخالق.

لا شكّ أنّ الصور والكلمات التي يستخدمها المرنّم عن الخليقة والخالق هي صور مأخوذة بالأساس من كتاب التكوين، كما ويلاحَظ فيها تشابهٌ مع سفر أيوب (ربّما أخذ هذا السفر من المصدر ذاته، أي التكوين)، ولكن أيضاً من الثقافة العالميّة والوثنيّة المحيطة بالعالم اليهوديّ آنذاك.

 مقارنة صغيرة مع سفر أيّوب نلاحظ تشابهاً في الآيات:

المزمور 103 سفر أيّوب الموضوع
1-3 9، 8 عرش الله في السماء
6-9 38، 8-11 فصل السماء عن الأرض
28-30 12، 10 الله ضابط الحياة
21 و27 38، 39-41 الله يطعم الحيوانات
32 9، 5 و26، 11 الزلازل واضطراب الأرض
13-14 38، 27 الأمطار
11 39، 5-8 الوحوش ومساكنه
26 41، 23-24 التنين الذي يلعب في البحر

وهذا التشابه وارد على صعيد القاموس اللغويّ والمعاني أيضا(39).

 أمّا عن وجه الشبه بينه وبين الأناشيد لإله الشمس (Ήλιος)، الإله الأشهر في الشرق الأوسط ومصر، فهناك نشيد للإله الشمس يشابهه تماماً في نقاط عديدة لهذا المزمور(40).

على أنّ الفرق الكبير هو في جوهر المعاني. حيث الله في المزمور هو الخالق والمتعالي على خليقته ومن خارجها. أمّا في تلك الأناشيد فعناصر الطبيعة (كما هي واردة في المزمور: الشمس – المطر- …) تتألَّه. وهذا هو الفرق الحقيقيّ بين الوثنيّة والكتاب المقدّس، ليس في تصوّر الخليقة وجمالها إنّما في تصوّر الله الخالق فوقها أو منها، قبلها أو معها. الأمر طبيعيّ في استخدام الكتاب أو المرنّم للغة العالم، لكن دائماً بمعانٍ وكشوف جديدة، وهنا في أنّ الله هو الخالق وهو مَن أوجد الخليقة وليس منها وهو قبلها.

 يتشابه هذا المزمور (103) بسابقه تماماً (102)، ويعود لداؤود النبيّ. يتميّز بنظرته البانوراميّة للخليقة كلّها. إنّه يحوّل قصّة الخلق من سفر التكوين إلى شعرٍ وتسبحة في سفر المزامير. إنّه تسبحة تمجيد وشكران.

يُتلى هذا المزمور في بداية صلاة الغروب، ويُتلى دَرَجاً وقراءةً في الغروب اليوميّ، فيما يرتَّل القسم الأخير من – “تفتح يدك فيمتلئ الكلّ خيراً”(41) – في السهرانيّات. ويتصدّر هذا المزمور مجموعة المزامير الأخيرة التي تُختم ب “هلّلوليا”. سنعتمد هنا الترجمة الواردة في كتاب السواعي الكبير المستخدَم في الخدم الليتورجيّة.

(1) باركي يا نفسي الربّ، أيّها الربّ إلهي لقد عظمتَ جدّ

“باركي يا نفسي الربّ”: بهذه العبارة يبدأ المرنّم وسوف يُنهي المزمور بها. يخاطب المرنّم أعماقه (نفسه) ويدعو ذاته لرفع التسبيح لله الخالق. إنّ كلمة بارك، عندما تُعاد لله تعني إهداء البركات والعناية، وعندما تُعاد للإنسان تعني رفع التسبيح والشكر على البركات المعطاة لنا.

كلمة نفس لها معانٍ عديدة، وهنا تعني أعماق النفس، والعودة إلى الذات. كما شجّعنا السيّد عندما نصلّي أن “ندخل إلى مخدعنا” داخلنا. “العظمة” هي الصفات الأساسيّة في الله عند الإنسان الشرقيّ، الذي يرى الله ملكاً، لكن ليس كالأمم، بل ملك العدل والرحمة وهذه عظمته. وهنا يستخدم المرنّم كلمتَي “الربّ والإله”: “يهوه وإلوهيم” فهو السيّد وهو الله. ولكن إذا كان الله “عظيماً جدّاً” فهذا لا يمنع برفعته أن يكون إلهي في ضعتي! فعظمة الله لا تجعل الإنسان يشعر بحقارته بمقدار ما تجعله يسبّح الله على محبّته لأنّه يتبنّانا في ضعتنا. في الآيات اللاحقة سيشرح المرنّم كيف استنتج عظمة الله، من خليقته العظيمة. لا يمكننا أن نعرف الله بجوهره ولكنّنا نعرف عنه الكثير من أعماله، الله في جوهره غيرُ مدرك لكنّه معروف من خليقته وعنايته وأعماله الصالحة. لذلك نجد المرنّم يتعجّب من جمال وعظمة الخليقة، لا ليمدح الخليقة وحسب بل ليسبّح عظمة الخالق وهذا هو الاستنتاج الطبيعيّ للإنسان العاقل، أنّه يقرأ في عظمة الخليقة عظمة خالقها، فيعبد الله ويشكره على استخدام الخليقة.

§ الاعترافَ وعظمَ الجلال لبستَ

الاعتراف هنا يعني الإقرار بإحسان الله وأنّه مستحقّ كلّ شكر وتمجيد. أمّا عظمة الجلال فهي صورة الخالق من هذه الخليقة العظيمة. هنا، كما سبق أيضاً، يستخدم الأفعال في زمنها الماضي، فيقول لبسْتَ وعَظُمتَ. دالاً بذلك على زمن التكوين. لذلك يأتي شكر المرنّم وتسبيحه اعترافاً بمجد وجلال الله القديم، فنحن “نعترف بالإحسان” ونشكره بالتسبيح. كما أنّ رداء الملك مميّز، ويفرّقه عن باقي الحشم والخدام. هكذا هو رداء الله الملكيّ، إنّه عظمته وجلاله منذ لحظة التكوين. فالله مميّز بلباسه الخاصّ، وهو رداء الخالق، الذي لبسه يوم خلق ولا يستطيع سواه أن يرتديه. ليس رداء الله أقمشةً نعرفه منها، بل رداؤه: العظمة والمحبّة المبرهنة في خلقه للعالم لخدمتنا.

(2) أنتَ المتسربل النور كالثوب

هنا ينتقل المرنّم إلى زمن الحاضر في اسم الفاعل “المتسربل”، ليعطي لهذه الصفة ديمومة واستمراريّة. لقد تعظّم الله عندما خلق، ولكن هنا يجري الكلام عن حضرته في التاريخ كنور للعالم، ولأنّ عنايته مستمرّة على الدوام … “أبي يعمل حتّى الآن”(42)، نعم عناية الله دائمة.

النور في الكتاب المقدّس يدلّ على حضرة الله وفعله(43). “فالنور جاء إلى العالم والظلمة لم تقبله”.

الله “وحده إله عدم الموت ساكناً في نورٍ لا يدنى منه”. النور في الحسّ البشريّ مدلول على كلّ ما هو جميل ونقيّ ويعطي حياةً. النور هنا يعبّر عن عظمة الله وعن عنايته وجماله بالوقت ذاته(44). النور يضفي على الله البهاء والصفاء من جهة ولكن القربى ورغبة البشر برؤيته من جهة أخرى. هكذا نرنّم للربّ يسوع ساعة غروب شمس العالم: “يا نوراً بهيّاً”. فالله يلتحف بالنور لأنّه منظور ولكن غير مدرك. هكذا يمكننا أن نرى النور ونشعر به ولكن غير ممكن أن نحدّق به وندركه. وأولى أعمال الله في الخلق كانت إدخال النور في اليوم الأوّل. يستخدم فيما يلي المرنّم والمصلّي الخليقة بكلّ عناصرها كمرآة يرى فيها وجه الله، أي شخصه المحبّ والسخيّ والعظيم.

§ الباسط السماء كالخيمة

(3) المسقّف بالمياه علاليه

خلق اللهُ السموات في اليوم الثاني. وتبدو السماء بلغة الكتاب المقدّس بصورتَين: الأولى كخيمة يبسطها الله أو كبلاط سماويّ قائم في الهواء. لهذا يستخدم المرنّمُ الصورتَين هنا. لكن صورة خلق السماء ك “بسط الخيمة” تدلّ على عظمة الله الذي خلق كلّ هذه العظمة بكلّ هذه السهولة، كالبدويّ الذي يبسط خيمة حيث يحلّ. والسموات هي خيمة الله ومسكنه. هذه السماء هي كالستار الذي يحجب قوّة نور الله عن عيوننا، فهو منظور غير مدرك مكشوف ومحتجب بالوقت ذاته.

أمّا الصورة الثانية (المسقّف بالمياه علاليه) فهي مأخوذة من سفر التكوين مباشرة: “فعمل الله الجلد (السماء) وفصل بين المياه التي تحت الجَلَد والمياه التي فوق الجلد وكان كذلك. ودعا الله الجَلَدَ سماءً. وكان مساءٌ وكان صباحٌ يوماً ثانياً”(45). هنا تظهر عظمة الله الذي يبني في السماء مسكنه. ومسكنه هذا ليس في السماء وحسب بل في أعالي السموات حيث لا يصل الإنسان. وهذه الصورة فيها من الغرابة بمقدار يبرهن العظمة. فالسقف في فكر الإنسان يوضع ليحمي من مياه الأمطار. بينما الله له من القدرة الفائقة أن يجمع المياه ويجعل منها سقفاً للسماء التي يسكن فيها. فالمياه عنصر لا يقدر الإنسان على ضبطه. تضبطه هنا يد الله وتستخدمه بحكمة. هنا عظمة الله في عناصر الخليقة وقدرته على الخلق فيها.

§ الجاعلُ السحاب مركبة له، الماشي على أجنحة الرياح

السحاب في الكتاب المقدّس هو مكان إعلان مجد الله وحضوره. فالسحاب قاد الشعب في البريّة، والسحاب ظلّل خيمة العهد عند تدشين معبد سليمان، السحاب ظلّل يسوع في التجلّي، وعلى السحاب صعد إلى السموات. وعلى السحاب سيعود المسيح في مجيئه الثاني. فالسحاب يُعلن حضرة الله ويخفيه بالآن ذاته. لأنّ الله موجود غير مدرَك. يعلن السحاب تعالي الله وقدرته ورفعته فوق السموات.

لليهوديّ، النظريّة الكونيّة تؤمن أنّ السموات على طبقات. ففوق الأرض هناك قبّة السماء ومنها ينحدر المطر. لكن فوقها هناك سماء لمسكن الله(46)، والسحاب أشبه بمركبة ترفعه إلى سمائه. البرق والرعد هي عناصر تعبّر عن أصوات وسرعة ملائكته. فكلّ شيء في الكون هو في خدمة الله الملك.

يسير الله على أجنحة الرياح فحركته سريعة جدّاً في كلّ مكان، ولا نعرف أين تذهب وأين تعود “الريح تهبّ حيث تشاء وتسمع صوتها لكنّك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب”(47). مركبة من سحاب وأجنحة من رياح هي عناصر تفوق العالم البشريّ في معرفته وقدراته عظمةً وسرعةً، وهذه إحدى علائم عظمة الله الخالق ومجده.

هكذا بعد أن تصوّر المرنّم عظمة الله من كون النور ثوبه، والسماء خيمة سكناه، والريح والسحاب مركبته، ينتقل إلى التأمّل بعظمته من العالم غير المنظور.

(4) الصانع ملائكته أرياحاً، وخدّامه لهيب نار

الربّ الخالق هو سيّد الخليقة كلّها، المنظورة كالسماء والغيوم والأرض والرياح، ولكن أيضاً هو سيّد الخليقة غير الهيوليّة وغير المنظورة كالملائكة وكاللهيب. لقد صنع ملائكته سريعين في الحركة والخدمة يأمرهم فكالريح يهبّون للعمل وسريعاً يصلون إلى هدفهم في الخدمة وهم غيرُ منظورين كالريح السريعة. وخدمه هؤلاء – الملائكة- حارّون بالروح كاللهيب، متهيّأون دوماً لتنفيذ كلامه لا يقف بوجههم شيء كاللّهيب الذي يتناول كلّ شيء ولا يمنعه شيء!

سفر التكوين لا يعلّمنا عن كيفيّة خلق الملائكة، ما نعرفه بالأساس هو من سفر أيّوب(48). وهنا في آية المزمور يتّضح أنّ الملائكة هم خليقة الله، كما يؤكّد ذلك بولس في رسالته إلى العبرانيّين مطالباً برفع العبادة للابن يسوع فقط الذي هو فوق الملائكة بمقدار ما يفوق الخالق الخليقة(49) والملائكة هم كائنات: “لاهيوليّة” كما نذكرهم في صلواتنا (άüλα)، أي أنّهم غيرُ منظورين، لهم مادّة لكن ليست ظاهرة ماديّاً بشكل كثيف كمادّتنا ومواد عالمنا. لهذا نسمّيهم “غير المتجسّمين”، أي لهم مادّة لكنّها ليست كالجسم، بل غير منظورة. لهذا يقارن المرنّمُ الملائكةَ مع الريح. وإنّهم “خدّام” كلهيب النار. ولم يقل كالنار (مادّة) بل كلهيب النار دالاً على المعنى الروحيّ أي الحرارة في الخدمة والإخلاص والطهارة والقداسة والنقاوة والإخلاص. هكذا عاين موسى ملاك الله في لهيب علّيقة ملتهبة غير محترقة(50).

(5) المؤسِّس الأرض على استيثاقها، فلا تتزعزع إلى دهر الداهرين

يعود المرنّم بنظره من جولته في السماء نحو الأرض، فينظر إلى عظمة هذا الجزء من الخليقة، التي تسير بانتظام عبر الزمان ولا يؤثّر فيها عبث الإنسان. في مفهوم اليهوديّ من الشرق الأدنى، ترتكز الأرض على قواعد أساساتها في أعماق المياه! فهي هكذا بأساسات ثابتة لا تتزعزع. إلاّ أنّ العديد من الآباء القدّيسين لا ينظرون إلى النظام الطبيعيّ على أنّه أتوماتيكيّ الحركة، أي ينظّم ذاته بذاته. إنّ ثبات الخليقة وانتظام قوانين عملها لا يقوم بالأساس على قوانين فيزيائيّة وحسب، هذه القوانين تفسّر كيفيّة ثبات النظام، لكن السبب بحدّ ذاته هو “كلمة الله”. أساسات الكون هي كلمة الله، وإرادته بأن يكون. فإن كانت أساسات الأرض عميقة مثبّتة في غور البحار والأنهار، كما يقول المزمور: “للربّ الأرض بكمالها المسكونة وكلّ الساكنين فيها، لأنّه على البحار أسّسها وعلى الأنهار ثبّتها”(51).

إلاّ أنّ علّة كلّ ذلك وسبب ثباته هي إرادة الله (الذهبيّ الفمّ). فلا يهمّنا أين هي أساسات الأرض، لذلك يعلن المرنّم تسبيحه للربّ الذي يؤسّس الأرض فلا تتزعزع. أساسات الأرض هي إذن عناية الله ومحبّته للبشر وإرادته أن يضع هذه الخليقة في خدمة الإنسان. على أنّ المرنّم يستخدم هنا زمنيّاً كلمة “دهر الداهرين”، فهذا الزمن هو زمن عالمنا حتّى يوم القيامة العامّة. حين سيعلن عن تجديد كونيّ تزول فيه السماء والأرض في يوم مجيء الربّ العظيم(52).

(6) رداؤه اللجّة كالثوب، على الجبال تقف المياه

تحيط المياه والمحيطات باليابسة كرداء حولها، لكن عالم المياه الكبيرة مهيب ومجهول! فاللجّة هي البقعة التي لا يجوز لإنسان عبورها والاجتياز فيها. إلاّ أنّ الله يسيطر على هذه العوالم المهيبة ويطويها كرداء يلتحفه بخفّة وسهولة! لكن هذه اللّجج المهيبة بأمواجها المخيفة الهائجة والجبارة هي تحت سيطرة يد الله المعتنية، لذلك وضع الله الجبال والشواطئ العالية لتتصدّى لهذه القوّة الفتّاكة ويضع لها حدّاً تقف عنده.

(7) من انتهارك تهرب، ومن صوت رعدك تجزع

“وقال الله لتجتمع المياهُ تحت السماء إلى مكانٍ واحد ولتظهر اليابسة، وكان ذلك”(53). هذه كلمات سفر التكوين التي يتأمّل فيها مرنّم المزامير، ويمجّد الله على عزّته، فهو يأمر هذا العالم المجهول والقويّ، عالم اللّجج والمحيطات، يجمعها بكلمة ويُظهر الأرض. أمرُ الربّ أقوى من مهابة أيّ عنصر من عناصر الخليقة مهما كان مخيفاً للإنسان. صوت الربّ كالرعد يزلزل الجبال وتجزع منه المياه، وعندما صار صوته تكوّنت المسكونة: “أرعد الربّ من السموات والعليّ أطلق صوته… فظهرت أعماق المياه وانكشفت أسس المسكونة من رجزك يا ربّ من نسمة ريح أنفك” يقول المزمور(54). “صوت الربّ على المياه، إله المجد أرعد… صوت الربّ بالقوّة صوت الربّ بالجلال”،(55) “رأتْكَ المياه فجزعت”. تذكّرنا هذه الصور والكلمات بترانيم عيد الظهور الإلهيّ والغطاس، حيث تعلن الترانيم سيطرة الله وعنايته على أرهب قوى الطبيعة، المياه.

(8) ترتفع الجبال وتنخفض البقاع، إلى الموضع الذي أسّستَه له

كما يضع الربّ للمياه الجبّارة حدودها، كذلك يحدّد للسهول المنخفضة والجبال المرتفعة أيضاً مواقعها، كلّها بأمر الله صُنعتْ، قال فكانتْ، أمَرَ فخُلقتْ. فبعد أن سبّح المرنّمُ اللهَ الخالق على جمعه للمياه إلى أماكنها، وحسب سفر التكوين حينها ظهرت اليابسة(56) وهذه اليابسة تشكّلتْ بأمره جبالاً مرتفعة وودياناً منخفضة. كلّ شيء في الخليقة بأمر الله ومعرفته وإرادته.

(9) جعلتَ لها حدّاً فلا تتعدّاه، ولا ترجع فتغطّي وجه الأرض

هكذا فصل الله في الخلق بين المياه واليابسة، فالمجد لسيّد اللّجج والسّحب، لمن شكّل اليابسة بوديانها وجبالها، ولكن العظمة أيضاً لله الذي نظّم الحدّ بين البرّ والبحر، بين المياه واليابسة. لقد وضع الله نظاماً طبيعيّاً للخليقة لا تتعدّاه وتنتظم عليه. وهذا النظام يذهل الإنسان بترتيبه وحكمته. يحكم الله العالم بهذا النظام ويسوسه بدقّة. بالطبع إنّ الطوفان الذي يذكره الكتاب لا يشكّل لحظة خطأ في هذا النظام أو هروب من يد الله الضابطة للكلّ، إنّما يشكل مظهر طاعة لأمر خاصّ منه تأديبيّ آنذاك. الله هو واضع النظام الطبيعيّ الفيزيائيّ وهو يبدّله بأمره لسبب تربويّ كما حدث في الطوفان. يعلن هنا بقوّة المرنّم مجد الله، الذي لا تغلبه أنظمة الطبيعة بل تخضع له إنّه واضعها.

(10) أنتَ المرسل العيون في الشعاب، في وسط الجبال تعبرُ المياه

فصل الله بين المياه واليابسة، ونظّم لكلّ منها حدّها. لكن بسبب ما تحتاجه من ماء، جعل الله عيوناً وينابيعَ في الشعاب، تجري بين الجبال في الوديان. هناك رسم لها خطّها بحيث تخدم اليابسة ولا تهدّدها. هذا التناغم بين المنع والسماح تنظيم هو يدلّ على حكمة الله وعظمته وقدرته. هناك مشهد من الهرمونيّة والسلام بين عناصر الطبيعة المتعاكسة، المياه واليبس. ليست العلاقة هي الخطر والخوف بل تحت النظام الإلهيّ كلّ شيء يقود للتكامل والمساعدة(57).

(11) تسقي كلّ وحوش الغياض، تُقبِل حمير الوحش عند عطشها

يرسل الله الماء بين الجبال ويخرجها ينابيعَ عنايةً حتّى بالوحوش وحمير الوحش، لأنّ عنايته لا تنسى حتّى الوحوش ولو ابتعد عنها الإنسان، فهذه أيضاً تعطش جدّاً وتحتاج لمياه والله يعتني بها. فإذا كان الله يهتمّ ويعتني بالوحوش وبزنابق الحقل والطيور… فكم بالحريّ أنْ يهتمّ بنا نحن البشر، فكم بالأحرى أن نطلب أوّلاً ملكوت الله وبرّه وبعدها كلّ شيء يزاد لنا. عناية الله واسعة تشمل الإنسان أوّلاً ولكن كلّ حياة تدبّ على الأرض أيضاً.

(12) عليها طيور السماء تسكن، من بين الصخور تغرّد بأصواته

يورد سفر التكوين خلق الطيور(58)، ولهذا يرفع نظره المرنّم إلى هذا القسم من العالم الحيّ. وهذه لا تنساها عناية الله الخالق ومحبّته. على ينابيع المياه تحوم طيور السماء وتسكن لتروي عطشها من يد الله الجوّاد.

(13) أنتَ الذي يسقي الجبال من علاليه، من ثمرة أعمالك تشبع الأرض

العلالي هي السماء حيث الغيوم التي تمطر على الأرض من خيرات الله وعنايته. وكلّ الأرض تشبع وترتوي، ليس الجبال فقط، كلّ هذه الخيرات تأتي من يد الله المحسِنة. هكذا هناك حيث لا يوجد مياه على الجبال العالية يسكب الله من نعمة الأمطار. عندها تشبع الأرض كلّها وتثمر. عناية الله شاملة لكلّ الخليقة ولكوكبنا الصغير ولكلّ صغير أو كبير فيه، بحيث أنّ كلّ شيء يعطي ثمره. الخصوبة إذن ليست من الأرض، بل من نعمة الله.

(14) أنتَ الذي ينبت العشب للبهائم، والخضرة لخدمة البشر

تمطر السماء ويرسل الله “الأوقات والأزمنة” المناسبة، كما نطلب في صلواتنا: “من أجل خصب الأرض بالثمار وأوقات سلاميّة (موافقة)، إلى الربّ نطلب”. ونتيجة هذه العناية الإلهيّة تنبت الأرض عشباً للبهائم وخضرة لطعام البشر. إنّ العشب نبات تخرجه الأرض بمجرّد تلقّت هبة السماء من الأمطار الموافقة. أمّا “الخضرة لخدمة الإنسان”، فهي نباتات تخرج من الأرض مع خدمة الإنسان، وتحتاج للحراثة والزرع والحصاد… فالمقصود هنا

ب “لخدمة الإنسان” هو “لعمل الإنسان”، وبعمله هذا يخرج الإنسان من تلك الخضرة خبزه اليوميّ. قد تعني العبارة هنا بكلمة “خضرة” سنابل القمح وبالخبز ما ينتج عنها. لكن بصورة أعمّ المقصود هو أنّ أمطار السماء تنزل من عناية الله على الأرض فتنبت للحيوانات عشباً لطعامها، وتساعد خدمة الإنسان الذي يزرع ليحصل على حصاد وفير وثمار يُخرج منها طعامه الضروريّ.

§ ليخرج خبزاً من الأرض

(15) والخمر تفرح قلب الإنسان، ليبتهج الوجه بالزيت، والخبز يشدّد قلب الإنسان

يعيد هنا المرنّم، بشكل تسبحة وشكر أيضاً، كلّ الخيرات الأساسيّة إلى عناية الله التي تنسكب على الأرض من “علاليه” مطراً، فيعمل الإنسان في الأرض، وبفضل هذه الأمطار يستطيع أن يستخرج الخبز والخمر والزيت، هذه هي العناصر الأساسية للطعام اليوميّ. لذلك في صلوات “الخبزات الخمسة” نضع خبزاً وقمحاً وزيتاً ونباركها، لأنّها العناصر الأساسيّة في الطعام، ونرمز بها اختصاراً لكلّ خيرات الأرض التي يعيش الإنسان عليها.

كلّ الخيرات إذن، وبخاصّة الخبز الذي يشكّل القوت الأوّل للإنسان ويشدّد قلبه المتعب من أعمال اليوم، والخمر الذي يفرح به ويبتهج، والزيت الذي يمسح به وجهه، كلّها يهبها الله للإنسان بإعطائه الأمطار والطقس المناسب. يمتلئ المرنّم بروح الشكر ويعبّر عن امتنانه لله الذي جعل لنا الحياة ليس فقط ممكنة بواسطة الخبز الضروريّ بل ومفرحة حين يهبنا ما هو فوق الحاجة الضروريّة مثل الخمر الذي يفرّح قلب الإنسان ويخدم أفراحه وموائده، ويعطي أيضاً فيها من الكماليّات ومن العفّة بالوقت ذاته. بعبارة مماثلة توجه بولس نحو أهل لسترة يخبرهم عن الله: “وهو يفعل خيراً يعطينا من السماء أمطاراً وأزمنة مثمرة ويملأ قلوبنا طعاماً وسروراً”(59). الإمتلاء والشبع هما شأن يخص البطن وليس القلب، إلا عندما يتناول الإنسان طعامه بشكر أي بشكل ليتورجيّ. لا يعطينا اللهُ القليلَ للشبع بل الكافي ليمتلئ القلب مع الطعام شكراناً والكافي لنحيا بسرور وبهجة أيضاً.

يعطي الله المناخ والأمطار المناسبة فتنتج الأرض عشباً للبهائم، فيزرع الإنسان ثم يحصد ويعمل فيخرج لنفسه طعامه وسروره وبهجته أيضاً؛ يقوت نفسه بالخبز ويُسَرّ بالخمر ويدهن رأسه بالزيت للبهجة.

(16) تُروى أشجار الغاب، أرز لبنان الذي غرستَه

بعد النباتات والأعشاب، يجول المرنّم بنظره على الأشجار والغابات. كلّ هذا العالم الملآن بالحيويّة والجمال والخير، كلّه هديّة من الله الذي يمطر على الأرض وينبت هذا العالم الساحر والمفيد. ولعلّ أجمل الأشجار لذهن المرنّم، والذي زيّن خشبُه عمارة الهيكلَ، هو أرز لبنان. شجر شامخ قديم الزمان يبرهن أن لا فضل للإنسان عليه، بل الله هو الذي غرسه وأنماه. لهذا يتابع المرنّم “التي غرستها”. لهذا يعود الشكر لله والسبح أيضاً، أمّا الإنسان فله أن يتمتّع ويبتهج بهذه الهبات الإلهيّة، وبالتالي أن يشكر ويسبّح.

(17) هناك تعشّش العصافير، ومسكن الهيروديّ يتقدّمه

ما أجمل عناية الله الشاملة لكلّ عناصر الخليقة. لقد وضع الله كلّ شيء في الخليقة لخدمة الإنسان، لإشباعه ولمسرّته ولبهجته. لهذا يهتمّ الله بكلّ هذه العناصر كلاً بمفردها. فالأشجار والغابات التي تظهر ليست مفيدة مباشرة للإنسان، هي مفيدة أوّلاً للطيور التي تجد فيها مكاناً لعشّها وتضع فيها أفراخها وتحيا وتتكاثر. الطيور عنصر مفيد للإنسان وخاصّة بما ترميه على وجه الأرض من عنصر جماليّ وروحيّ ّأيضاً. وهذه الغابات تحمي صغار الطيور مثل العصافير، ولكنها أيضاً تأوي كبارها مثل الهيرودي. البعض يرى في الهيرودي طائر اللقلق. ما يميّز هذا الطائر أوّلاً ضخامته بالمقارنة مع العصافير، ولكن أيضاً أنّه أكثر الطيور التي تظهر رابطاً حنوناً بين الطير وأفراخه. لهذا بينما يطلق المرنّم على مكان العصافير كلمة عشّ الذي يُستخدم لفترة وجيزة تنتهي بنمو صغار الطير، فإنّه يُستخدم لمكان الهيرودي كلمة “مسكن” وهو الأشبه بسكن العائلة الإنسانيّة. عندما يجول المرنّم بناظره يرى تنوّع النباتات وتنوّع الأشجار وتنوّع الطيور… وهذه كلّها دلائل على عظمة الله وحكمته ومحبّته.

(18) الجبال العالية للأيّلة، والصخور ملجأ للأرانب

كلّ شيء في الخليقة يخدم باتجاهَين. الأوّل، وجهُه خَدَمَي للإنسان والثاني ذو وجه جماليّ. فهذه الجبال العالية التي لا يسكنها الإنسان تسكنها الأيائل، ومغاورها وصخورها القاسية المهيبة التي لا يقترب منها الإنسان تلجأ إليها الأرنب. كلّ شيء من يد الله فهو إذن صالح وله استخدام مفيد مباشر أو غبر مباشر للإنسان، عندما تستخدمه أيضاً طيور السماء أو حيوانات البرّ، التي هي أيضاً خليقة الله. ينظر المرنّم إلى كلّ شيء بشكر لأنّه جميل وحسن.

(19) صنع القمر للأوقات، والشمس عرفت غروبه

يتقدّم هنا المرنّم بناظره متأمّلاً بمسيرة الأوقات وحكمة الله وعظمته. فبعد أن وصف الأمطار والأرض والنباتات والجبال، يلتفت إلى الشمس والقمر، وفائدة كلّ من الليل والنهار(60). لقد خلق الله بحكمة المكان (الأرض والجبال والبحار) وأيضاً الزمان (يحدّده كلّ من الشمس والقمر)(61). هذه العناصر الضروريّة والمذهلة كالشمس والقمر، كانت قديماً آلهة، الآن على لسان المرنّم هي خلائق يتمجّد اللهُ الخالقُ بها.

هكذا بتبادل مسيرة الشمس والقمر يتولّد لنا على الأرض النهار والليل بانتظام وبحركة ثابتة. لقد اعتمد الإنسان قديماً في “التقويم” للأيّام القمر أوّلاً ثمّ الشمس. فكانت الشمس تخدم سير الليل والنهار وكان القمر يحدّد مسيرة الشهور والسنين و”الأوقات”. “لقد عرفت الشمس غروبها” عبارة تدلّ على حكمة الله العميقة في النظام الذي ركّب عليه مسيرةَ كلّ العناصر حتّى الشمس منها. هذا الكوكب “الإله” أيضاً يخضع لحكمة ونظام الله الخالق. إنّها “عجيبة الخليقة” التي تمّتْ على يد الخالق.

(20) جعل الظلمة فكان ليلٌ، فيه تعبر جميع وحوش الغاب

في النصّ الأصليّ الفعل “جعل” هو في الشخص الثاني، أي “جعلتَ الظلمة”. الليل ليس زمناً ضائعاً أو سيّئاً أو ميتاً نتيجة غياب الله وغروب الشمس واختفائها. الليل جزء من عناية الله. صحيح أنّ زمنه هو لراحة الإنسان، وهذه إحدى خدماته، لكنّه بالوقت ذاته هو الزمن لتتحرّك فيه وتخرج لطعامها كلُّ وحوش الغاب. ليس الليل زمناً للخوف أبداً بل هو زمن ضروريّ يقرؤه المرنّم بفرح ويتأمّل به بإعجاب.

(21) أشبال تزأر لتخطف، وتلتمس من الله طعامه

إذا كانت عينك صالحة كلّ شيء لك صالح، أمّا إذا كانتْ شريرة فكلّ شيء يغدو شريراً. عين المصلّي عين يملؤها السلام ومفعمة بفرح الثّقة بالله. تلك الأشبال الصغيرة المخيفة للإنسان التي يرهب من صوت زئيرها، ليست عدوّاً مرعباً. على العكس إنّ لها الحقّ بالحياة، هي خليقة الله. وهذا الزئير.

(22) أشرقت الشمس فاجتمعتْ، وفي صيرها ربضتْ

كما تأمّل المرنّم بالليل وبحركة الوحوش فيه في الآيات 20 و21 يتأمّل الآن بالنهار وحركة الإنسان في الآيات 22 و23 وهذا التبادل في زمن الأعمال والسعي للعيش هو إحدى جماليّات الخليقة ومظهر من مظاهر حكمة الله.

(23) يخرج الإنسان إلى عمله، وإلى خدمته حتّى المساء

العمل هو رسالة للإنسان على الأرض، ووصيّة إلهيّة لبنائه الروحيّ أوّلاً ولتأمين عيشه(62). هذا العمل يمتدّ في فترة النهار حتّى الغروب. وبحكم الأعمال الزراعيّة آنذاك، في زمن وفي محيط داؤود النبيّ، كان النهار هو زمن الأعمال والليل هو زمن الاستراحة. “مَن لا يعمل لا يأكل” و”بعرق جبينك تكسب خبزك”. كلّها آيات تنتظر النهار لتكسب قدسيّتها وتحقيقها. كلمة “خدمة” هنا تدلّ على بُعد روحيّ أوسع من كلمة “عمل”.

(24) ما أعظم أعمالك يا ربّ، كلّها بحكمة صنعتَ، قد امتلأتِ الأرض من خليقتك

يقطع المرنّم جولته حول عالم الخليقة، إذْ غَمَر قلبَه التسبيحُ، ويرفع عينيه إلى الله، لم يعد يستطيع أن يتوقّف عند الخلائق، التي قاده التأمّل فيها إلى طلب وجه الله الخالق. تدخل هذه الذكصولوجيا كفاصل بين سلسلة تأمّلات للمرنّم في عناصر الخليقة، بل هي الصلاة وحركة القلب التي تصدر بحرارة بعد هذه الجولة على الخليقة.

هناك سببان يجعلان داؤود يصرخ “ما أعظم أعمالك يا ربّ” كما صرخ في بداية المزمور “أيّها الربّ إلهي لقد عظمتَ جدّاً”. السبب الأوّل هو: “كلّها”، أي عدد وتنوّع خلائق الله. وهذا ما لحظناه في تأمّله بكلّ الكائنات فهناك طيور آهلة وهناك طيور بريّة، منها الصغير ومنها الكبير، وكلّها تقدّم خدماتها المباشرة أو غير المباشرة لحياة الخليقة وخدمة الإنسان، وكلّها برعاية الله الخالق. هذا التنوّع مدلول عظمة الله ومحبّته. لكن النظام الذي يجعل كلّ هذه الخلائق تكون جملة واحدة من الحياة، وأسرار تكوينها ومسيرها وترابطها… كلّها أمور تُعلن للملأ حكمةَ الله السامية. نعم، “كلّها بحكمة صنعتَها”. فأعمال الله عديدة ولكنّها مهمّة وثمينة. أعمال الله بقدر ما تدلّ على قدرته وعظمته تُشهر محبّته وحكمته. وهذه الحكمة الإلهيّة من أهمّ الصفات التي سبّحها الإنسان. يقول سفر الأمثال(63): “الله بالحكمة ثبَّتَ الأرض، وبالفهم هيّأ السموات”. أَلم يكن الله للفلاسفة “فنّاناً” رائعاً؟ يزيد الكتاب على حكمة الله أنّه صنعَ الخليقة. ليس الله مجرّد فنّان يبدّل شكل خليقةٍ عمياء حين يضفي عليها من حكمته فتصير مادّة ساحرة! الله هو الخالق، كان قبل الخليقة. الله خالق ليس بمعنى خلاّق وفنّان بل بمعنى “معطي الحياة”. لهذا يقول المرنّم: “ما أعظم أعمالك يا ربّ كلّها: “بحكمة” “صنعتَ”. كلّ الأمور بحكمة صُنِعَتْ، لذلك لكلّ الأمور استخدام حسن ما! لا توجد نظرة تفاؤليّة وإيجابيّة ومنفتحة على المادّة والكون أكثر من هذه النظرة. لا توجد نظرة تضارب بين المادّة والروح على الإطلاق، ما دامت الحكمة قد كوّنت كلّ المواد، إلاّ إذا أفسد استخدامُ الإنسان تلك الحكمة أو لم يفهمها.

قد امتلأت الأرض من خليقتك: هذه كلمات تعبّر عن عظم إحسان الله وجوده، وعن إعجاب المصلّي بذلك وشكره عليه. والجميل والعميق هنا هو كلمة “خليقتكَ”: أي أن يعِيد المرنّم كلّ الخليقة إلى الله، كما نرنّم قبالة الاستحالة في القدّاس الإلهيّ – سرّ الشكر: “التي لك مما لم، نقدّمها لكَ على كلِّ شيء ومن جهةِ كلِّ شيء”. نعم هذه الخليقة الساحرة والعظيمة لا تسيطر على قلب المرنّم بل ترسله إلى الله، إنّها “بوق” يعلن عن حضور الملك في مملكته. يستريح المرنّم هنا قليلاً من الالتفات إلى السماء والأرض وما فيها من أعمال كثيرة وعظيمة تمجّد الله، فيرفع هذه التعظيمة، ثم يتابع بعدها.

(25) هذا البحر الكبير الواسع، هناك دابّات لا عدد لها، حيوانات صغار مع كبار

مرّ المرنّم بناظره على البحر في الآية (6) ولكن هناك، كان يتأمّل علاقتها مع البرّ، والنظام الذي رتّبه الله بين المياه واليابسة. أمّا هنا فيتأمّل بالبحر كعالم فيه خلائق عديدة ومهيبة خلقها الله في اليوم الخامس بحسب سفر التكوين: “فخلق الله التنانين العظام وكلّ ذوات الأنفس الحيّة الدبّابة التي فاضت المياه كأجناسها… وباركها الله قائلاً أثمري وأكثري واملأي المياه في البحار… وكان مساءٌ وكان صباحٌ يوماً خامساً”(64).

فهذا البحر الواسع الكبير هو عالم آخر بحدّ ذاته قد نجهل عنه أكثر مما نعرف عن اليابسة. لا بل هذا العالم الثاني عالم البحار يحوي حيوانات صغاراً مع كبار لا عدد لها ولأنواعها، وتدبّ في أعماقها ما لا نعرفه من حيوانات وأسماك. هذا البحر الواسع يعجّ بالحياة والكائنات، ولا تقلّ عناية الله التي هناك ولا نراها عن هذه التي على اليابسة ونلاحظ بعضاً منها.

(26) هناك تجري السفن، هذا التنين الذي خلقتَه يلعب فيه

بعد أن تأمّل المرنّم بإعجاب في أعماق البحار والكائنات التي تدبّ فيها، هوذا ينظر إلى سطح المياه الذي تعبر عليه السفن في اتّجاهات عديدة تصل الناس بعضهم البعض بدل المسافات البريّة الصعبة والطويلة وربّما المستحيلة، فيتبادلون التعارف والتعاون والأعمال. ولكن هذا البحر ليس للخدمات وحسب بل ما أجمله يشبع عين الإنسان فرحاً وراحة وسلاماً وإعجاباً. هوذا مشهد التنّين – وهو عبدٌ لله وخليقته – يلعب على سطح البحار. هناك تفاسير عديدة حول “التنّين” المذكور هنا. هل هي الحيتان الكبيرة أم رمز للشيطان أم كائنات بحريّة عجيبة…! بعض المخطوطات تورد اسم “لوياثان” المذكور في سفر أيوب(65): “هوذا بهيموت الذي صنعتُه معكَ…”، وهو حيوان موجود في نيل مصر المعروف بفرس البحر(66). لا شكّ أنّه مهما تعدّدت التفسيرات، فالواضح أنّ المرنّم يقلب الصورة عن البحار. فبعد أن كانت عالم المجهول والخوف، حيث يمضي الناس ولا يعودون، ومَن يموت هناك تأكله التنانين ولا يُعرف له أثر من بعد! صار البحر مكاناً تبحر فيه السفن ويستخدمه البشر، وتنانينه الجبّارة المخيفة ما هي إلاّ خليقة الله وسوف تلعب على سطحه ليتمتّع الإنسان بمشاهدتها. صورة مشابهة نستخدمها في صلواتنا يوم الظهور الإلهيّ “رأتْكَ المياه فجزعتْ، الأردن رجع إلى الوراء”. لهذا في أيقونة الظهور، في المياه وتحت أقدام يسوع، هناك تنّينان يهربان كلّ واحدٍ من جهة، الأوّل عليه امرأة (تمثّل البحر وهو اسم أنثى في اليونانيّة عكس اللّغات العبريّة والعربيّة)، والآخر عليه رجل (يمثّل نهر الأردن)؛ والمعنى العميق هو انكسار قوى الشرّ الكامنة في البحار أمام السلطة التي أعطاها الله للإنسان عندما خلقه وبعدها في اليوم السادس: “لنعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا. فيتسلّطون على سمك البحر…”. وهذا ما يعنيه سفر المزامير: “أنتَ شققتَ البحر بقوّتك، كسرتَ رؤوس التنانين على المياه. أنتَ رضضتَ رؤوس لوياثان، جعلتَه طعاماً للشعب لأهل البريّة”[(67).

لا شكّ أنّ لوياثان هذا هو في سفر أيوب رمز للمجهول والعبث(68)، الذي عبّر عنه سفر التكوين: “في البدء خلق الله السموات والأرض وكانت الأرض خربةً وعلى وجه الغمر ظلمةٌ…”(69) جاء هذا التنّين من الميثولوجيا الكنعانيّة، عن حرب بين إله الخصب “بعل” و”لوثان” البحر(70). لكن هذا الاسم في الكتاب المقدّس لا يُستخدَم ميثولوجيّاً بل يرمز إلى انكسار التنانين الجبّارة أمام سلطة الإنسان التي وهبها الله إيّاها؛ فهو مجرّد حيوان بحريّ محدّد وليس إلهاً(71). هؤلاء الجبابرة، في أخطر وأضعف مكان للإنسان أي البحر، باتوا ألعوبةً يتسلّى بها الإنسان حين يراها ترقص على سطح المياه(72)، ما أعظم أعمالك يا ربّ كلّها فعلاً بحكمة صنعتَها!

(27) كلّها إيّاك تترجّى، لتعطيها طعامها في حينه، وإذا أنتَ أعطيتَها جمعتْ

أبوّة الله لا تظهر من عمل الخلق الرائع وحسب، هذا يُظهر ربّما عظمته. لكن أبوّته تظهر من كلمات المرنّم: “أنتَ أعطيتَها هي جمعتْ”. عناية الله شأن يظهر أبوّته في خليقته كما يُظهر الخلق عظمته فيها. يلخّص هنا المرنّم المشهد السابق في الآيات (19- 26)، فالله يجلب الحياة، لكن الحياة لا تستمرّ دون تغذية، الله هو الذي يغذّي شعبه وخليقته. لا تأتي الخليقة من الله فقط، بل وتستمرّ بفضل عنايته؛ إنّه يهتمّ بكلّ شيء فيها ويؤمّن له طعامه. محبّة الله لا تخلق العالم لتتركه بل لتحييه على الدوام.

“كلّها إيّاك تترجّى”، حياة كلّ الخلائق متعلّقة بمحبّة الله. “أعُين الكلّ إيّاك تترجّى وأنتَ تعطيهم طعامهم في حينه”(73). “إليكَ رفعتُ عينَيَّ يا ساكن السماء كما هي عيون العبيد إلى أيدي مواليهم…”.

(28) تفتح يدك فيمتلئ الكلُّ خيراً، تصرف وجهك فيضطربون

يلتفت في الآية السابقة المرنّم إلى الخلائق فيراها تتطلّع إلى الله تنتظر منه طعامها- حياتها. لكنّه يُعيد نظره هنا إلى الله فيكتشف ما هو أهمّ، أنّ الله كريم جوّاد يفتح يده فيمتلئ الكلُّ خيراً. نعم، الخلائق كائنات محتاجة تنظر إلى مَن يعولها. ولكن الأهمّ أنّ الله أبٌ مدبّر يعطي بسخاء. وبلغ جود الله أنّه فتح- بسط يدَيه على الصليب وأعطى بذلك خبرات لا ثمن لها.

كما أنّ فتح اليد دليل المحبّة الكريمة، كذلك صرف الوجه دليل المحبّة المتألّمة. طبعاً هذه صور من الحياة البشريّة، التي يريد المرنّم أن يعبّر بها عن المحبّة الإلهيّة. إذا صرَفَ اللهُ وجهَه “الكلّ” يضطربون، أي يعدمون الحياة بدرجة ما. وفي الحالتَين: صورة اليد المفتوحة فيحيا الجميع، وصرف الوجه فيضطربون، تريدان التأكيد أنّ الله هو مصدر الحياة وقوّتها.

(29) تنزع أرواحهم فيفنون، وإلى ترابهم يرجعون

يفتح الربُّ يدَه فيمتلئ الكلّ خيراتٍ ويعيشون. لكن الله سيّد الروح أيضاً وليس المادّة أو الجسد فقط، لذلك له وحده السلطان أن يسحب الروح التي وهبها، فيفنون وإلى ترابهم يرجعون. إنّ الله هو واهب الطعام وواهب الروح وسيّدها كلّها على السواسيّة. يعطي فنحيا يحجب فنموت.

للروح في لغة الكتاب معانٍ عدّة، لكنّها هنا تعني روح الحياة وعنصرها(74)، وهو ما يسمّى مرّات عديدة ال “نفس”(75). وهذه المعاني محصورة في الحياة البيولوجيّة ولا تقصد معنى الروح التي نالها الإنسان في الخلق بعد أن جبله الله وصار نفساً حيّة، حيث هذه الأخيرة تعني بالروح الحياةَ الروحيّة وليس الحياة البيولوجيّة فقط.

لذلك يستخدم المرنّمُ فعلَ “تنزع” وهو يعني: تعيد، تسحب (αντανελείς)، أي تسحب العطيّة. الروح هي هبة الله كما يصرّح عن ذلك كلّ المزمور. ولله السلطان أن يحجب الهبة. سلطان الله ليس كسلطان البشر، هؤلاء لهم سلطة على الجسد فلا نخافهم، لكنّنا “نرهب من سلطان على الروح أيضاً”. إنّ عظمة الله هذه لا تقارَن بما هو معهود ومعروف في عالم البشر.

(30) ترسل روحك فيخلقون، وتجدّد وجه الأرض

يرى العديدون في هذه الكلمات صورةً عن القيامة أو العنصرة، عندها: “روحك” تعني الروح القدس. رغم أنّ هذا المعنى روحيّ سامٍ يبقى المعنى الأقرب هو إعجاب المرنّم بعناية الله، عندما يتأمّل في توالي الفصول والمواسم واستمراريّة الكائنات، التي تولد تنمو ثم تعود وتموت. لكن الموت ليس النهاية، فالله ينفخ روحه فتخلق الكائنات وتستمرّ الحياة على وجه الأرض. تبدو الطبيعة فعلاً وكأنّها في دورة مستمرّة، تموت وتحيا، تفسد وتتجدّد. والله هو الذي يُحييها حين يهب الحياة فيها أو عندما لا يهبها تعود تذبل وتموت. إنّ المرنّم يرى في توالي دورة الحياة بين الولادة والموت قانوناً إلهيّاً طبيعيّاً يجعل استمراريّة الحياة، والتي هي إرادة الله، ممكنة.

(31) ليكن مجد الرب إلى الدهر، يفرح الربّ بأعماله

للمرّة الثالثة تخرج من قلب داؤود صرخة التمجيد: بعد الآية 1 و24. يمجّد المرنّمُ اللهَ في افتتاحيّة المزمور، ويمجّده في وسطه، ثمّ هنا في بدء الخاتمة يكرّر التمجيد. هذا الكون ينزع التسبيح من قلب المرنّم. “ليكنْ مجد الربّ إلى الدهر”: لا تعني رجاءً أو دعاءً، بل تذكيراً بالحقيقة الأبديّة، أي: ليبقَ مجد الربّ الذي أراه إلى الدهر. إنّها عبارة تمجيد “لمجد الله” الأزليّ. لقد طاف بناظره المرنّم على أعمال الأيّام الستّة في الخلق، وهوذا يصل الآن في هذه التسبحة من مجد الله في خلقه إلى مجد الله في ذاته، أي إلى استراحته في اليوم السابع(76). يفرح الربّ بأعماله لأنّه “رأى كلّ شيء حسناً”(77) و”رأى اللهُ كلَّ شيء حسناً جدّا(78) فاستراح وفرح بأعماله. يفرح الربّ حين يرى مجده، أي حين يرى خليقته ملتحِفةً بمجده، أي ممجَّدةً، أي حسنةً جدّاً.

(32) الذي ينظر إلى الأرض فيجعلها ترتعد، ويمسّ الجبال فتدخّن

لكن، لننتبه: “بروسخومن”! لقد خلق اللهُ كلَّ شيء حسناً جدّاًَ، ويفرح بهذه الخليقة الممجَّدة. إلاّ أنّ الخبرة دلّتْ أنّ الإنسان يعبث بالمحبّة الإلهيّة، تجاه ذاته، ويعبث بالخليقة أيضاً، فيُغضبُ اللهَُ! لذلك يستخدم المرنّم صورتَين بشريّتَين ليجعلنا نرهب العبث في السلام والهرمونيّة والحياة والنظام المزروع في الطبيعة وبكلّ تلك الهبات الإلهيّة.

الله قويّ وجبّار مع أنّه بمجرّد طرفه وهّابٌ وجوّاد، إذا ما عكّر خليقتَه أمرٌ سيلتفت إليه ويجازيه. إنه إذا ألقى بنظره على الأرض ترتعدُ، وإن مسَّ الجبال تدخِّن! فكم بالحريّ لو تدخّل! من مجرّد النظرة أو أبسط لمسة ترتعد الأرض وتدخّن الجبال. يتصوّر البعض أنّ المرنّم يأخذ هذه الصور من الزلازل والبراكين. أو أنّ الدخان يذكّرنا بظهور الله لموسى على جبل سيناء(79).

(33) أسبّح الربّ في حياتي، وأرتّل لإلهي ما دمتُ موجود

الله مستحقّ كلّ تسبيح، سأجعل عملي مدى حياتي تسبحته: “وعلى الدوام تسبحته في فمي”. “هل يحدّث أحدٌ في القبر برحمتك؟ وهل تعرف في الظلمة عجائبكَ؟” سوف يعطي المرنّم لحياته قيمتَها الحقيقيّة وشرفها إذ يجعلها زمناً لتسبيح هذا الخالق بعظمته وحكمته ورحمته.

(34) يلذّ له تأمّلي، وأنا أفرح بالربّ

نعم سيقضي المرنّم حياته تسبيحاً، لأنّ ذلك لذيذ لدى الله. ليس للمصلّي شهوة في قلبه إلاّ أن يرضي القلب الإلهيّ ويشعر برضاه. ولكن أيضاً، هذا التسبيح سيجعل المرنّم يشعر بالحضرة الإلهيّة وهذه الحضرة ستُفرح قلبه. تسبحة المرنّم تلذّ لله، والمرنّم سوف يلّذُ بها أيضاً بذكر الله. لا أجمل لدى المرنّم من أن يفرح الربّ بصلاته ويقبلها فيفرح هو بذلك.

(35) لتبدِ الخطأة من الأرض والأثمة، حتّى لا يوجدوا فيها، باركي يا نفسي الربَّ

جال قلبُ المرنّم على كلّ عناصر الخليقة هائماً بعظمة الله وحكمته، فأُعجب بالنظام وبقدرة الله وبخضوع كلّ شيء لأمره من السماء إلى المياه… لكنّه ينتفض فجأةً حين يتصادف مع المتمرّد الوحيد على الله، بين كلّ عناصر هذا الجمال، الذي يعصى أمر الله ويكسر له قوّته، إنّه الإنسان الخاطئ، آه… يتألّم قلب المرنّم، يا لَيْتَ الخطأة يغيبون عن وجه الأرض ولا يعود إذن هناك شيء يسيء إلى هذا التكامل وهذه الهرمونيّة وهذا الجمال!

 لا شكّ أنّ قلب المصلّي لا يلغي الخطأة والأثمة لكنّه يتنهّد على الخطيئة والأثم. لأنّ هذا الأخير يجلب الاضطراب لهذا العالم المنتظم والرائع. سيتمّ ذلك يخبرنا الكتاب، كما كان في البدء في الفردوس. لكن سننظر إلى مجيء يوم الربّ المجيد.

القلب المتخشّع والسكران بجمال ونظام هذا الكون وعظمة الله وعنايته “يفرح بالربّ”، وبالوقت ذاته لكن يحزن على “الخطيئة” التي وحدها تعكّر هذا الفرح! “ليأتِ ملكوتك… ونجِّنا من الشرّير”: هذه صلاتنا اليوميّة.

إنّه مزمور تسبيح وشكران، لكنّه يختم بمواجهة واقع الخطيئة في عالمنا فيدعونا للتمرّد لا على الله الخالق الممجَّد في خليقته بل على الخطيئة التي تسيء إلى هذا المجد الإلهيّ– الإنسانيّ. ما أعظم أعمالك كلّها يا ربّ بحكمة صنعتَها، باركي يا نفسي الربّ؛ آمين.

 

 


 

[1] يُتلى هذا المزمور في بداية صلاة الغروب اليوميّة.

(38) تك 1، 1-35.

(39) أنظر:

Von Rad, Theolgie des Alten testament, I, München, 1969 (6), p. 153. Καϊμάκη, Δημητρίου, Ψαλώ τω Θεώ μου, Θεσσαλονίκη, 1996, σ. 83-84.

(40) أنظر:

F. Michaeli, Texte de la Bible et de l’Ancien Orient, CAB 13, Neûchatel, 1961, p. 100.

(41) 28، 35.

(42) يو 5، 17.

(43) أش 60، 19؛ يو 1، 4؛ 1 تيم 6، 16.

(44) أنظر:

P. Humbert, “Le thème vétérotestamentaire de la lumière”, RTP 16, 1966, p. 1-6.

(45) تك 1، 7.

(46) أنظر:

Μ. Κωνσταντίνου, Το κοσμοείδωλο της Π. Δ., ΕΕΘΣ, τ. 28, Θεσσαλονίκη 1985.

(47) يو 3، 8.

(48) 38، 7.

(49) عب 1، 7.

(50) خر 3، 2.

(51) 23، 1- 2.

(52) متى 24، 35؛ 2 بط 3، 10.

(53) تك 1، 9.

(54) 17، 14.

(55) مز 28، 3.

(56) 1، 9.

(57) أنظر: H . J. Kravs, Die Psalmen, p. 882

(58) 1، 21.

(59) أع 14، 17.

(60) أنظر تك 1 ، 15.

(61) تك 1، 16- 18.

(62) تك 3، 17-19.

(63) 3، 19.

(64) تك 1، 21-23.

(65) 3، 8.

(66) راجع حاشية الكتاب المقدس، سفر أيوب ص703، دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط.

(67) 74، 13- 14

(68) (أيوب 3، 8)

(69) (تك1، 1-2).

(70) أنظر:

O. Kaiser, Die Mysthische Bedeutung des Meeres in Ägypten, Ugarit und Israel, BZAW 78, 1985, p. 69

(71) أنظر:

E. Jacob, Ras shamra et l’Ancien Testament, CAB 12, Neuchâtel 1960, p. 96

(72) أيوب 40، 29.

(73) مز 144، 15.

(74) راجع تك6، 17 و7، 15 وأيوب 27، 3.

(75) تك 1، 20 وأمثال 12، 10.

(76) تك 2، 2-5.

(77) تك 1، 4، 8، 10، 13، 18، 21، 25.

(78) تك 1، 30.

(79) انظر مزمور 143، 5.

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
arArabic
انتقل إلى أعلى