المغبوط أوغسطينس أسقف هيبون

المغبوط أوغسطينس أسقف هيبون

المغبوط أوغسطينس أسقف هيبونالمغبوط أغسطينس اب من آباء الكنيسة الذين كتبوا باللاتينية، تعيد له الكنيسة الارثوذكسية في الخامس عشر من شهر حزيران. وُلد اغسطينس في تاغسطا (المعروفة اليوم بسوق أخرس في الجزائر) عام 354، من أب وثني وأم مسيحية هي القديسة مونيكا (تعيد لها الكنيسة في الرابع من ايار). درس المحاماة، ولكنه لم يمارسها لأن “نجاح المرء في فنّ المحاماة رهين بكذبه ونفاقه” على حدّ قوله. وقد برع في فن الخطابة الى حد انه أسس في قرطاجة معهدا لتدريسه. ثم ذهب الى روما ومنها الى ميلانو حيث التقى بالقديس أمبروسيوس اسقفها (عيده في السابع من كانون الاول)، فأعجبه تعليم هذا الاسقف البار فاقتنع باقتبال المعمودية، اذ انه لم يكن بعد معمدا، الا انه اجلها قليلا خوفا من أن يخون ربّه بعد أن ينعم عليه بهذا السر. واخيرا اعتمد، فكان اهتداؤه الى المسيحية المستقيمة حدثا غيّر مجرى حياته كلها.

عاد اغسطينس الى تاغسطا حيث باع كلّ ما يملكه ووزّعه على الفقراء. واهتم بتنظيم دير للرهبان برفقة بعض اصدقائه وتلاميذه. غير انه ترك الدير تلبية لطلب فاليريوس اسقف مدينة هيبون (بين الجزائر وتونس)، الذي كان بحاجة الى كاهن يعلم اللاتينية جيدا لكي يساعده في صدّ هجمات الهراطقة الدوناتيين، فأطاع اغسطينس وصار كاهنا، غير انه علّق على هذا الامر بقوله: “أتركُ الله لأجله”، اي انه يترك الدير ليخدم الله كاهنا في كنيسته. وبعد وفاة اسقفه، انتُخب خليفة له (عام 395) وبقي اسقفا اربع وثلاثين سنة، وتوفي عام 430م.

كان اغسطينس غزير الانتاج، لقد وصلنا من عظاته حوالي 80. عظة في مواضيع عديدة. كما كتب “الاعترافات” في ثلاثة عشر كتابا، وهي تتضمن شهادة حية عن مسيرته نحو الله واهتدائه الى الايمان ومعموديته، ويشدد اغسطينس في اعترافه على جود الله وصلاحه ومحبته ورعايته، ويعترف بفضله تجاهه. وقد ألف اغسطينس قانونا للرهبنة ما زال معمولا به في احدى الرهبانيات الغربية. ولا شك، فإن كتابه “مدينة الله” هو أهم مؤلفاته، يعرض الكاتب فيه مسيرة الكنيسة التاريخية نحو الملكوت السماوي.

لقد انتمى المغبوط أغسطينس قبل اهتدائه الى بدعة المانويّين، الذين كانوا يؤمنون بسلطة العقل وقدرته في إدراك الله، كما كانوا يؤمنون بثنائية الألوهة: فهناك إله الخير يقابله اله الشر، الى ضلالات أخرى. وهو يروي في اعترافاته قصة والدته التي ذهبت تستجدي احد الاساقفة ليرده عن المانوية، فرفض الاسقف طلبها، “بسبب ادّعائي (اغسطينس هو المتكلّم) ونزقي وتعصبي الذميم للمذهب الذي اعتنقته”، إلا أن والدته ألحت عليه بأن يجتمع اليه وبكت بكاء مرّا، فقال لها هذا الاسقف: “اذهبي عنّي يا امراة وثقي أن ابن هذه الدموع لن يهلك أبدا”. ويعتبر اغسطينس في مكان آخر أن فاعلية صلاة امه قد أثرت تاثيرا كبيرا في اهتدائه الى المسيحية. كما تصدى اغسطينس للنوفاتيين الذين كانوا يُخضعون قدسية الأسرار الكنسية وفاعليّتها لقداسة الاسقف او الكاهن الذي يقيمها، وكانت هذه البدعة النوفاتية منتشرة بقوة في افريقيا الشمالية آنذاك.

لقد أثرت آراء اغسطينس الشخصية في كتاباته اللاهوتية، وبخاصة في مواضيع الثالوث الاقدس (وبالاخص فيما يتعلق بالروح القدس) والخطيئة الاصلية والقضاء والقدر والعلاقة بين الطبيعة والنعمة، وقد ألحقت هذه الآراء بلاهوته بعض الشوائب التي لم تمنع اعتباره احد قديسي الكنيسة الارثوذكسية، طالما هي آراء لاهوتية شخصية. ولكن عندما اعتمدت الكنيسة اللاتينية الغربية هذه الآراء كعقائد وقع الخلاف بينها وبين الكنيسة الشرقية، مما أدى الى الانشقاق. اذا، تكريم اغسطينس في الكنيسة الارثوذكسية يعود اولا الى قداسة سيرته والى تفانيه كاسقف في سبيل رعيته، لا الى كونه لاهوتيا ومعلما للعقيدة. يقول القديس فوتيوس الكبير (+891، عيده في السادس من شباط) في هذا الصدد: “لقد أخطأ بعض آبائنا ولاهوتيينا في بعض المواضيع العقائدية وحادوا عن الإيمان المستقيم، ولكن رفضنا لهذه الأخطاء اللاهوتية لا يمنعنا من قبولهم”. لهذا أسند البعض الى اغسطينس لقب “المغبوط”، الا انه في تقليد الكنيسة الارثوذكسية ليس هناك اي ذكر للفرق بين لفظي “المغبوط” و”القديس”.

اذا كانت بعض تعاليم اغسطينس قد أثرت سلبيا في لاهوت الكنيسة الغربية، الا انه يبقى احدى الشخصيات الكبيرة التي كرست نفسها للرب وخدمته ودافعت عن كنيسته. قال قديسنا بتواضع كبير في كتابه “في الثالوث” :”ايها الرب، الاله الأحد، الإله الثالوث، كل ما كتبتُه في هذا الكتاب يأتي منك. واذا كان ثمة أمر آتيا مني، سامحني انت وخاصتك”. اذا، لا بد من التفريق بين شخص اغسطينس وما أدى اليه تبني تعليمه.

ملاحظة من الشبكة: اليوم هناك شبه إجماع في الكنيسة الأرثوذكسية على عدم اعتبار المغبوط أوغطسنيوس قديساً في الكنيسة الأرثوذكسية بسبب بعض آرائه اللاهوتية. ولكن هناك أجماع على طهارة ونقاوة سيرته. ولذلك وضعنا سيرة المغبوط أوغسطينوس حتى نتعلم من سيرته كيف نحيا حياة الفضائل.

arArabic
انتقل إلى أعلى