القديس امبروسيوس أسقف ميلانو

القديس امبروسيوس أسقف ميلانو

ولد القديس امبروسيوس أسقف ميلانوالقدّيس أمبروسيوس أسقف ميلانو في فرنسا سنة 340. كان معلّماً كبيراً ذا ثقافة عالية وخطيباً واعظاً يدرك محاكاة القلوب والعقول. عيّنه الإمبراطور فالنتيانُس حاكماً بعد أن أنهى دراسة الحقوق، وكان أحد رجال ديوان الشورى في رومية. وبسبب وداعته اختاره شعب الكنيسة في ميلانو أسقفاً عليهم وهو لم يزل حاكماً. لكنه اعترض على هذا الاختيار، ولم يقبل الشعب اعتراضه، فرضخ لإرادتهم وإرادة الله، ورُسم مطراناً وهو ابن 43 عاماً في 7 كانون الأول من عام 374. وأول أمر فعله بعد ذلك أنه وزّع أمواله على الفقراء وعاش في تقشّف بالغ. وقد ترك الأسقف أمبروسيوس مؤلفات عدّة  باللغة اللاتينية في شرح الكتاب المقدس والأسرار والأخلاق المسيحيّة، ونظم بعض الأناشيد الكنسيّة.  رقد في المسيح في يوم تقدمة الفصح 4 نيسان سنة 397. تعيّد له الكنيسة في السابع من شهر كانون الاول.

تميّز القدّيس أمبروسيوس في شرحه للكتاب المقدّس بنفس رعائيّ، اذ إنه كان يلقي هذا الشرح على المؤمنين من كل الشرائح الاجتماعية أثناء الصلاة في الكنيسة، وكانت غايته أن يصل المسيح اليهم فيسلكوا في طريق التوبة. ففي شرحه لإنجيل القديس لوقا عن حادثة إنكار القديس بطرس للمسيح ثم توبته (لوقا 22: 56-62)، يقول أمبروسيوس الأسقف: “لقد حزن بطرس وبكى بسبب الخطأ الذي ارتكبه. لم أجد في الكتب المقدسة أنه تفوّه بأي حرف، ولكنني قرأت فيها أنه بكى. لم أقرأ فيها اعتذاره، بل قرأت دموعه”. ويتابع أمبروسيوس تعليقه على هذه الفقرة الإنجيلية بقوله: “هؤلاء الذين يبكون هم الذين ينظر اليهم المسيح. فبطرس أنكره للمرة الاولى ولم يبكِ لأن الرب لم ينظر اليه، وأنكره ثانية ولم يبكِ، لأن الرب لم يكن قد نظر اليه بعد. في المرة الثالثة بكى بكاء مراً لأن المسيح نظر اليه بعد إنكاره”. هنا النصّ الإنجيلي يقول: “فالتفت الرب ونظر الى بطرس فتذكّر بطرس كلام الربّ…” (الآية 61). وينهي أمبروسيوس تأمله بالدعاء: “أيها الربّ يسوع انظر إلينا حتى نتعلّم نحن ايضا أن نبكي خطايانا”.

القديس امبروسيوس أسقف ميلانوكتب أمبروسيوس مقالة في الإيمان اعتبر فيها أن ممارسة الإيمان أهم بكثير من الجدل حوله: “الحثّ على الإيمان هو في الشهادة له، بينما الجدل حوله لا يخلو من الاعتداد”. وقد صاغ مقالة اخرى تناول فيها مسألة الروح القدس، واستوحى فيها الآباء اليونانيين المعاصرين له، فأكد على وحدة الجوهر بين الآب والابن والروح القدس. كما كتب مقالة أكد فيها على تجسد الكلمة وألوهته. وفي مكان آخر يعلن إيمانه بوضوح فيقول: “المسيح ولد من العذراء، وهو صدر عن الآب، وهو عند الآب وفي الآب. مولود غير مخلوق، ليس منفصلا عن الآب. هو الحبيب، إله حقّ من إله حقّ”. طبعاً، يسترجع كاتب النصّ دستور الإيمان مع إضافات تضع القارئ في علاقة شخصيّة مع الربّ يسوع، لا في مجرّد تلاوة اعتراف عقائدي بالإيمان.

ومن أهمّ مؤلفات القديس أمبروسيوس كتاب من مجموعة عظات حول الأسرار وجهه الكاتب الى المُعَمّدين حديثاً يشرح لهم فيه سرّ المعمودية وسر الميرون وسر الشكر (القداس الإلهي). في هذه العظات يعرض المؤلف تعليماً مشبعاً بالرموز الكتابية والطقسية عن ارتباط الأسرار بالقيامة. تجدر الإشارة هنا الى ان المعمودية كانت تتم في موسم الفصح، ولا سيما نهار السبت العظيم (سبت النور)، وهذا دليل آخر على مدى ارتباط المعمودية بموت المسيح وقيامته.

تحتل الكتابات النسكية مكانا بارزا في مؤلفات القديس أمبروسيوس، فهو كتب مقالات عدّة  في أهمية البتولية. ويعلق أمبروسيوس على حادثة ظهور المسيح على مريم المجدلية (يوحنا 20: 1-18) بعد قيامته قائلا: “لماذا تبكين يا امرأة؟ ومن تطلبين؟ الا ترين المسيح؟ آمني فقط وسترينه، المسيح قريب منك، إنه لا يخذل من يبحثون عنه”. ويتابع تأمله قائلا: “أنت تخطئين حين تعتقدين أن أحدهم أخذ المسيح (من القبر). الا تعلمين انه قد قام بذات قوته؟ لا أحد يستطيع خطف المسيح من قلب من يحبه”. هنا نلاحظ أن أمبروسيوس يبحث في النص الإنجيلي عن معنى روحي يفيد المؤمنين، ولا يكتفي بشرح علمي محض من دون دروس رعائية تجعل المستمع معنيا هو الآخر بكلام الإنجيل.

كان القديس أمبروسيوس راعيا حكيما لكنيسة المسيح، وكانت تعني له الكثير توبة المؤمنين. وكان يحكى عنه أنه كان يبكي عندما كان يستمع الى اعتراف أحد المؤمنين، مما يدفعهم هم ايضا الى البكاء.

لا بد لنا من الاتفاظ بما قاله القديس أمبروسيوس تعليقا على المحادثة التي جرت بين المسيح ومريم المجدلية بعد قيامته، فهو يقول: “عندما كانت مريم غافلة عن المسيح ناداها “يا امرأة”، وعندما نظرت اليه ناداها “يا مريم”. ثم يتوجه الكاتب الى مريم المجدلية قائلا: “لقد حزت على اسم مريم التي ولدت المسيح، لأنك انت ايضا قد ولدته روحيا”. المسيح يولد في كل نفس تائقة اليه. فلنعيد عيد الميلاد على هذا الرجاء.

طروبارية القديس
لقد أظهرت أفعال الحق لرعيتك قانوناً للإيمان، وصورةً للوداعة، ومعلماً للإمساك، أيها الأب رئيس الكهنة أمبروسيوس، فلذلك أحرزتَ بالتواضع الرفعة وبالمسكنة الغنى، فتشفع إلى المسيح الإله أن يُخلص نفوسنا.
arArabic
انتقل إلى أعلى