روماني الأصل. لم يُذكر شيء عن مكان أو تاريخ مولده. جلّ ما نعرف أنّه أُعطي اسم إيليّا في المعموديّة. تيتّم باكراً. ربّته جدّته وساهمت في تأمين متابعة علومه. بعد وفاة جدّته، احتضنه عمّه الذي كان أباً لعائلة كبيرة. في وسط هذه العائلة عاش يوحنّا. عانى من البؤس والمعاملة السيّئة مما جعله يبدو حزيناً ووحيداً.
كانت زيارة مدافن الأموات في عيد الفصح المجيد عادة قديمة درج عليها العديدون من أقارب إيليّا. فذهب هو بدوره ليزور قبر جدّته التي لم يكن قد مضى على وفاتها وقت طويل. وبينما كان يبكي فراقها سمع فجأة صوتاً مصحوباً برنين أجراس يقول له: ” لا تبكِ. أنا معك، المسيح قام “. نهض الصّبيّ خائفاً، مفتّشاً عن مصدر الصّوت، فرأى المسيح القائم يبتسم له وهو خارج من هيكل الكنيسة.
أتمّ القدّيس يوحنّا علومه الثّانويّة، وما عليه الآن إلاّ أن يختار المهنة التي تناسبه. وفيما كان يصلّي ذات يوم سمع صوتاً يهمس له: ” إلى الدّير، إلى الدّير “.
وهكذا ما أن أنهى خدمته العسكريّة سنة 1936 حتّى لبّى الدّعوة ودخل دير نيامتس Neants الشّهير (وهو دير روماني يقع في منطقة مولدافيا. عاش فيه لفترة من الزمن القدّيس الروسي باييسي فيلتشوفسكي مؤسس الحياة الرّهبانية في روسيا.) وكان حينها في سنّ العشرين من عمره. خدم في الدّير كمساعد للأخ المسؤول عن الصّيدليّة وبعدها عمل كأمين للمكتبة ثم سيم بعد ذلك مبتدئاً لابساً الجبّة. ضاعف يوحنّا أصوامه وصلواته وذهب ببركة الرّئيس حاجّاً إلى الأراضي المقدّسة برفقة راهبين آخرين، وأقام في دير القدّيس سابا حيث كان يعيش رهبان يونانيّون ورومانيّون معاً. أتقن هناك اللغة اليونانيّة واستطاع أن يترجم عدّة كتب روحيّة من اليونانيّة إلى اللغة الرّومانيّة خاصة كتابات القدّيس نيقوديموس الآثوسي (وهو قدّيس نسك في الجبل المقدس في القرن التاسع عشر.) حظي باحترام كلّ الآباء لصمته واندفاعه في تطبيق الحياة النّسكيّة وخاصّة الصّلاة القلبيّة.
في تلك الآونة تعرضت المنطقة لبعض الاضطّرابات السّياسيّة وخاصّة عندما كان يشنّ العرب بعض الهجمات على الإنكليز المحتلّين، فكان الدّير عندئذ يتحوّل إلى مستشفى لإسعاف الجرحى مقدّماً لهم الاسعافات اللازمة. فصرف يوحنّا بدوره وقته وذاته في سبيل الاعتناء بالمصابين حتّى وقع هو نفسه أسير مرض الديزنطاريا بسبب قلّة المياه وفقدان الوسائل اللازمة والضّروريّة للعيش السّليم.
في بداية الحرب العالميّة الثّانية، وبما أنّ رومانيا كانت حليفةً للألمان ومعادية للإنكليز، فقد اعتقل هؤلاء الأخيرون الرّهبان الرّومانيّين، وكان يوحنّا من بين الأسرى، فاختير كمترجم للإنكليز آنذاك. أخيراً أُطلق سراحه وعاد إلى سابق أعماله في الدّير. ثم ما لبث أن توشّح بالإسكيم الكبير (اللباس الذي يحصل عليه الراهب إشارة إلى نّذوره عندما يُعلنها) وعُيّن رئيس على دير روماني في وادي الأردن.
أدّى يوحنّا واجبه على أكمل وجه وبكلّ دراية وحكمة وتواضع (1947-1953). كان يمضي يومه بالعمل اليدوي وتدبير شؤون الإخوة، وأمّا لياليه فكان يلجأ إلى الصّحراء بعيداً مصليّاً. كان الشّوق إلى حياة الهدوء والنّسك يلهب قلبه وعقله إلى أن شعر ذات يوم بأنّ الوقت قد حان لكي يتنحّى عن رئاسة الدّير ويحيا حياة التّوحّد والعزلة. فأخبر تلاميذه بمنية قلبه، وأشعل فيهم الحميّة من أجل مواجهة الحروب الرّوحيّة محبّةً بالسّيّد. وفي عام 1953 انكفأ كليّاً في الصّحراء القريبة من دير خوزيبا (دير لوالدة الإله) وأقام في مغارة ترتفع 50 متراً فوق واد جبلي. واظب خلال سبع سنوات متوالية على الصّلاة المستمرّة وقراءة كتب الآباء وتأليف الأناشيد الرّوحيّة. تحمّل بجلادة حرارة المناخ وبرودته وكلّ أنواع التّقشّفات وهجوم الشّياطين واعتداء العرب عليه الذين حاولوا صرفه عن المكان. كان يقصد الدّير في الأعياد الكبيرة فقط. لم يكن يستقبل في مغارته سوى تلميذه إيوانيكيوس، تلك المغارة التي كان يتعذّر الوصول إليها خاصّة بعد نزع السّلّم عنها. وبعد أن عاين القدّيس رؤيا إلهيّة تنبؤه بقرب أجله أسلم الرّوح بين يدي خالقه وهو يبارك الجهات الأربع وكان ذلك في 5 آب من عام 1960.
أثناء خدمة الدّفن، اجتاحت المغارة فجأة أسراب كبيرة من الطّيور الكاسرة، وحطّت على جسد القدّيس لكي تشارك الرّهبان بأصواتها أثناء ترتيل خدمة الجنّاز.
بعد عشرين سنة من رقاده، أبصر تلميذه إيوانيكيوس في حلمه القدّيس يوحنّا يأمره بإخراج جسده المدفون من الموضع الذي فيه، إلاّ أنّ رئيس الدّير آنذاك أجّل طلبه لأنّ الظّروف لم تكن مؤاتية. زار بعد فترة المغارةَ بعض من أبنائه الرّوحيّين لنيل بركة القدّيس. ويا للعجب!! فما أن فتح التّلميذ القبر، حتى اكتشف بأن جسد القدّيس لم يبلَ وكانت تفوح منه رائحة عطرة. نُقلت الرّفات بعدها باحتراز إلى دير خوزيبا حيث أصبح مصدر بركة وشفاء للكثيرين من الحجّاج الذين كانوا يؤمّون الدّير.
تُعيد له الكنيسة في 5 آب.
هذا وقد قامت جريدة إيلاف الإلكترونية بنشر تحقيق عن جسد القديس يوحنا، ولقراءة هذا التحقيق انقر هنا
فبشفاعاته أيّها الرّبّ يسوع المسيح ارحمنا وخلّصنا آمين.