„..И доћи ће и у слави својој да суди живима и мртвима. чијем царству нема краја, чекамо васкрсење мртвих и живот будућег века. Амин“.

تمهيد:

عندما يفكّر المرء بآخر الأزمنة، تراوده فوراً مشكلة مصيره الشخصي، ويطرح نفسه السؤال:  ماذا سيحدث بي بعد الموت؟ هذا التساؤل ناتج عن جعل الإنسان نفسه محوراً للعالم. غير أن الإعلان الإلهي والتقليد الشريف يعلّمان أن “الأنا” ليست محور العالم، وأن محور العالم هو ذاك الذي قال : “أنا الألف والياء، المصدر والغاية”. لذلك فالسؤال الصحيح الذي يجب أن يُطرح هو: ماذا سيحدث عند مجيء المسيح الثاني؟

الكنيسة تعيش على إنتظار هذا المجيء، إذ حينئذ فقط يصير المسيح “الكلّ في الكلّ” وتتم عملية الخلاص وإفتقاد الله للبشر.

في هذا الفصل سنبحث كل جوانب هذا السر محاولين، قدر المستطاع بنعمة الرب يسوع، الولوج في أعماقه.

1 – المجيء الثاني للمسيح

أ – يسوع نفسه أثناء بشرته على الأرض، أعلن عن مجيئه الثاني فقال: [ وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِياً عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. فَيُرْسِلُ مَلاَئِكَتَهُ بِبُوقٍ عَظِيمِ الصَّوْتِ فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ مِنْ أَقْصَاءِ السَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا ] [ متى 24: 30، 31 ]. و[ وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ اِبْنَ اَلإِنْسَانِ آتِياً فِي سَحَابٍ بِقُوَّةٍ كَثِيرَةٍ وَمَجْدٍ فَيُرْسِلُ حِينَئِذٍ مَلاَئِكَتَهُ وَيَجْمَعُ مُخْتَارِيهِ مِنَ اَلأَرْبَعِ اَلرِّيَاحِ مِنْ أَقْصَاءِ اَلأَرْضِ إِلَى أَقْصَاءِ اَلسَّمَاءِ ] [ مرقس 13: 26، 27 ]. و[ وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِياً فِي سَحَابَةٍ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ ] [ لوقا 21: 27 ]. وقد ذكّرنا الرسول بولس بأقوال السيد هذه في أول رسالة كتبها من كورونثوس إلى أهل تسالونيكي: [ فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هَذَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ: إِنَّنَا نَحْنُ الأَحْيَاءَ اَلْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ لاَ نَسْبِقُ الرَّاقِدِينَ. لأَنَّ الرَّبَّ نَفْسَهُ سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً ]. [ 1 تسالونيكى 4: 15، 16 ].

ب – الأحداث التي تشير إلى المجيء الثاني:

لم يُعلن يسوع موعد مجيئه الثاني، لا بل أكّد على أن ذلك الموعد لا يعرفه أحد سوى الله، ولكنه أشار إلى أحداث تسبق ذلك الموعد، منها:

  • دمار الهيكل ومدينة أورشليم: [ متى 24 : 2 ]. و [ لوقا 21: 20 – 24 ].
  • ظهور الأنبياء الكذبة: [ متى 24: 5، 11]. [ مرقس 13: 6 ]. [ لوقا 21: 8 ].
  • الحروب والمجاعات والكوارث الطبيعية:  [ متى 24: 6 – 8 ]،  [ لوقا 21: 8 – 11 ]،  [ مرقس 13: 7، 8 ].
  • إضطهاد المسيحيين من أجل المسيح: [ متى 24: 9، 10 ]، [ مرقس 13: 9 ]، [لوقا 21: 14 – 19 ].
  • فقدان المحبة والإيمان وطغيان الإثم: [ متى 24: 12 ]، [لوقا 18: 8]، [ 2 تيموثاوس 3: 1 – 5 ].
  • إنتشار الإنجيل في كل العالم: [ متى 24: 14 ]، [ متى 28: 19، 20 ].
  • ظهور المسيح الدجال: [ متى 24: 15، 16 ]، [ 1 تيموثاوس 4: 1، 2 ]، [ 2 تسالونيكى 2: 3 – 10 ]،  [ 1 يوحنا 2: 18، 22]، [ 1 يوحنا 4: 3 ]، [ 2 يوحنا 7 ]

ج – اليقظة والسهر:

العديد من الأحداث التي ذكرنا حصل بالفعل، ومنها ما يحصل الآن. وهذا ما يحدو بالمؤمن أن يأخذ القضية بكثير من الجدية وأن يعتبر ما حصل ويحصل إشارات لإقتراب موعد الملكوت، وأن يستعد لذلك. كيف يستعد؟ بالسهر. هكذا أراد يسوع: [ 42 «اِسْهَرُوا إِذًا لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي رَبُّكُمْ. 43 وَاعْلَمُوا هذَا: أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ رَبُّ الْبَيْتِ فِي أَيِّ هَزِيعٍ يَأْتِي السَّارِقُ، لَسَهِرَ وَلَمْ يَدَعْ بَيْتَهُ يُنْقَبُ. 44 لِذلِكَ كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مُسْتَعِدِّينَ، لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لاَ تَظُنُّونَ يَأْتِي ابْنُ الإِنْسَانِ. ] [ متى 24: 42، 44 ]. و[ وَلَكِنْ سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي اَللَّيْلِ، يَوْمُ اَلرَّبِّ، اَلَّذِي فِيهِ تَزُولُ اَلسَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ اَلْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ اَلأَرْضُ وَاَلْمَصْنُوعَاتُ اَلَّتِي فِيهَا ] [ 2 بطرس 3: 10 ].

وما مثل العذارى العاقلات [ متى 25: 1 – 13 ] إلا ليعلمنا يسوع بكل وضوح ضرورة السهر المستمر واليقظة الدائمة في كل حياة روحية تَنْهدُ إلى الأصالة. وأكّد على ذلك في مثل الخادم الأمين الذي عاد سيده فوجده ساهراً… كلّ منّا مدعو لأن يكون إحدى العذارى العاقلات أو ذلك الخادم الأمين. فبدون حياة روحية (واعية) تفتش عن المسيح في كلّ مواضع سُكْناه وتسعى إلى العيش باستمرار في ذكرى الله، وتعي أننا موجودون دوماً في حضرة الله تعالى، لا توجد أية حياة مسيحية حقيقية.

د – صلاة يسوع:

يقول الرسول بولس: [ صَلُّوا بِلاَ اِنْقِطَاعٍ ] [ 1 تسالونيكى 5: 17 ]. وكأنه بذلك يدلّنا على الطريق القويم لإستجابة طلب السيد: ” إسهروا”. والتقليد الأرثوذكسي يربط بين اليقظة والصلاة المستديمة. هذا التقليد، الذي لا يزال حياً في عالمنا اليوم، يدعو إلى تلاوة مستمرة لما يُسمّى بـ “صلاة يسوع” في شكلها التالي: “يا يسوع ابن الله الحي إرحمني أنا الخاطئ”.

هذه الصلاة يمكن أن يمارسها المؤمن في كل مكان. وبإشراف أب روحي ذي خبرة تنقلب الصلاة من حركات في الشفاه إلى صلاة قلبية يرددها القلب دون إنقطاع وأثناء أي عمل يقوم به الإنسان.

ونرى في كتاب ” سائح روسي على دروب الرب” كيف أن أبسط الناس يمكنهم التدرّب على هذه الصلاة والدخول في حضرة الله فيزداد شوقهم إلى لقياه ويترقبون بفرح مجيئه الثاني: [تَعَالَ أَيُّهَا اَلرَّبُّ يَسُوعُ ] [ رؤيا 22: 20 ].

2 – نهاية العالم” الأرض الجديدة”

يعلمنا الكتاب المقدس، في عهديه القديم والجديد، أن للعالم بداية ونهاية. وهاك بعض النصوص الأكثر أهمية المتعلقة بذلك:

أ – في العهد القديم:

[ منْ قِدَمٍ أَسَّسْتَ اَلأَرْضَ وَاَلسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ. هِيَ تَبِيدُ وَأَنْتَ تَبْقَى ‏وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى كَرِدَاءٍ تُغَيِّرُهُنَّ فَتَتَغَيَّرُ. وَأَنْتَ هُوَ وَسِنُوكَ لَنْ تَنْتَهِيَ. أَبْنَاءُ عَبِيدِكَ يَسْكُنُونَ وَذُرِّيَّتُهُمْ تُثَبَّتُ أَمَامَكَ ] [ مزمور 102: 25 – 28 ].

[ اِرْفَعُوا إِلَى اَلسَّمَاوَاتِ عُيُونَكُمْ وَاُنْظُرُوا إِلَى اَلأَرْضِ مِنْ تَحْتٍ. فَإِنَّ ‏اَلسَّمَاوَاتِ كَالدُّخَانِ تَضْمَحِلُّ وَاَلأَرْضَ كَالثَّوْبِ تَبْلَى وَسُكَّانَهَا ‏كَالْبَعُوضِ يَمُوتُونَ. أَمَّا خَلاَصِي فَإِلَى اَلأَبَدِ يَكُونُ وَبِرِّي لاَ يُنْقَضُ ] [ أشعياء 51: 6 ].

[ اِنْسَحَقَتِ اَلأَرْضُ اِنْسِحَاقاً. تَشَقَّقَتِ اَلأَرْضُ تَشَقُّقاً. تَزَعْزَعَتِ ‏اَلأَرْضُ تَزَعْزُعاً. تَرَنَّحَتِ اَلأَرْضُ تَرَنُّحاً كَالسَّكْرَانِ وَتَدَلْدَلَتْ ‏كَالْعِرْزَالِ وَثَقُلَ عَلَيْهَا ذَنْبُهَا فَسَقَطَتْ وَلاَ تَعُودُ تَقُومُ. وَيَكُونُ فِي ‏ذَلِكَ اَلْيَوْمِ أَنَّ اَلرَّبَّ يُطَالِبُ جُنْدَ اَلْعَلاَءِ فِي اَلْعَلاَءِ وَمُلُوكَ اَلأَرْضِ ‏عَلَى اَلأَرْضِ. وَيُجْمَعُونَ جَمْعاً كَأَسَارَى فِي سِجْنٍ وَيُغْلَقُ عَلَيْهِمْ ‏فِي حَبْسٍ. ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ يَتَعَهَّدُونَ. وَيَخْجَلُ اَلْقَمَرُ وَتُخْزَى ‏اَلشَّمْسُ لأَنَّ رَبَّ اَلْجُنُودِ قَدْ مَلَكَ فِي جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَفِي أُورُشَلِيمَ. ‏وَقُدَّامَ شُيُوخِهِ مَجْدٌ ] [ أشعياء 24: 19 – 23 ].

[ قُدَّامَهُ تَرْتَعِدُ اَلأَرْضُ وَتَرْجُفُ اَلسَّمَاءُ. اَلشَّمْسُ وَاَلْقَمَرُ يُظْلِمَانِ وَاَلنُّجُومُ تَحْجِزُ لَمَعَانَهَا ] [ يوئيل 2: 10، 3: 15 ].

ب – في العهد الجديد:

[ وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الأَيَّامِ تُظْلِمُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ وَالنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ وَقُوَّاتُ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ ] [ متى 24: 29 ].

[ وَأَمَّا فِي تِلْكَ اَلأَيَّامِ بَعْدَ ذَلِكَ اَلضّيقِ فَالشَّمْسُ تُظْلِمُ وَاَلْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ وَنُجُومُ اَلسَّمَاءِ تَتَسَاقَطُ وَاَلْقُوَّاتُ اَلَّتِي فِي اَلسَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ اِبْنَ اَلإِنْسَانِ آتِياً فِي سَحَابٍ بِقُوَّةٍ كَثِيرَةٍ وَمَجْدٍ فَيُرْسِلُ حِينَئِذٍ مَلاَئِكَتَهُ وَيَجمَعُ مُخْتَارِيهِ مِنَ اَلأَرْبَعِ اَلرِّيَاحِ مِنْ أَقْصَاءِ اَلأَرْضِ إِلَى أَقْصَاءِ اَلسَّمَاءِ  ] [ مرقس 13: 24 – 27 ].

[ وَتَكُونُ عَلاَمَاتٌ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَعَلَى الأَرْضِ كَرْبُ أُمَمٍ بِحَيْرَةٍ. اَلْبَحْرُ وَالأَمْوَاجُ تَضِجُّ وَالنَّاسُ يُغْشَى عَلَيْهِمْ مِنْ خَوْفٍ وَانْتِظَارِ مَا يَأْتِي عَلَى الْمَسْكُونَةِ لأَنَّ قُوَّاتِ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِياً فِي سَحَابَةٍ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. وَمَتَى ابْتَدَأَتْ هَذِهِ تَكُونُ فَانْتَصِبُوا وَارْفَعُوا رُؤُوسَكُمْ لأَنَّ نَجَاتَكُمْ تَقْتَرِبُ ] [ لوقا 21: 25 – 28 ].

[ وَأَمَّا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ الْكَائِنَةُ الآنَ فَهِيَ مَخْزُونَةٌ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ عَيْنِهَا، مَحْفُوظَةً لِلنَّارِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَهَلاَكِ النَّاسِ الْفُجَّارِ. اَلّذِي فِيهِ تَزُولُ اَلسَّماوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ اَلْعَنَاصِرُ مُحتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ اَلأَرْضُ وَاَلْمَصْنُوعَاتُ اَلَّتِي فِيهَا ] [ 2 بطرس 3: 7، 10 ].

[ ثُمَّ رَأَيْتُ عَرْشاً عَظِيماً أَبْيَضَ، وَالْجَالِسَ عَلَيْهِ الَّذِي مِنْ وَجْهِهِ هَرَبَتِ الأَرْضُ وَالسَّمَاءُ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهُمَا مَوْضِعٌ!. ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً، لأَنَّ اَلسَّمَاءَ الأُولَى وَالأَرْضَ الأُولَى مَضَتَا، وَاَلْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ ] [ رؤيا 20: 11، 21: 1 ].

ج – الأرض الجديدة:

كل النصوص التي ذكرنا تعطينا صورة رهيبة لنهاية العالم. وأمّا الحروب والكوارث الطبيعية، وإمكانات التدمير الحديثة، من أسلحة نووية إلى أسلحة كيماوية، فبإمكانها تقريب الصورة عن تلك النهاية وجعل تصوّرها سهلاً علينا.

ولكن علينا أن ننظر إلى الحدث بعيني الإيمان لا بالعين المجرّدة، لا سيما وأنه لا بدّ من زوال العالم القديم ليحلّ عالم جديد دشنه المسيح في مجيئه الأول وسيكمله في مجيئه الثاني.

إن يوم نهاية العالم سيكون رهيباً (للأشرار): [ فَبِمَا أَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا تَنْحَلُّ، أَيَّ أُنَاسٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ فِي سِيرَةٍ مُقَدَّسَةٍ وَتَقْوَى؟ مُنْتَظِرِينَ وَطَالِبِينَ سُرْعَةَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الَّذِي بِهِ تَنْحَلُّ السَّمَاوَاتُ مُلْتَهِبَةً، وَاَلْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً تَذُوبُ ] [ 2بطرس 3: 11، 12 ]. ولكنه للمؤمنين يوم مجد. هذا اليوم هو المنتظر لأن فيه: “يُسلّم المسيح الملك إلى الله الآب بعد أن يبيد كل رئاسة وكل سلطة وكل قوة” [ 1 كورونثوس 15: 24 ]. وفيه يتحقق العالم الجديد الذي تنبّأ عنه أشعياء، إذ قال: [ هَئَنَذَا خَالِقٌ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً فَلاَ تُذْكَر الأُولى وَلاَ ‏تَخْطُرُ عَلَى بَالٍ ] [ أشعياء 65: 17 ]. ويقول لنا بطرس الرسول بشأن هذا اليوم في رسالته الثانية: [ وَلَكِنَّنَا بِحَسَبِ وَعْدِهِ نَنْتَظِرُ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً، يَسْكُنُ فِيهَا اَلْبِرُّ ] [ 2بطرس 3 : 13 ]. وأمّا يوحنا فيذكر في رؤياه ” ثم رأيت سماء جديدة وأرض جديدة” [ رؤيا 21: 1 ]، ويروى لنا قول السيد: [ وَقَالَ اَلْجَالِسُ عَلَى اَلْعَرْشِ: هَا أَنَا أَصْنَعُ كُلَّ شَيْءٍ جَدِيداً ] [ رؤيا 21: 5 ].

إذاً، آخر الأزمنة ليس مدعاة للخوف، فهو النهار الذي يلي الظلمة. ونحن بالمعمودية دخلنا العالم الجديد الآتي: [  إِذاً إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي اَلْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. اَلأَشْيَاءُ اَلْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا اَلْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً ] [ 2 كورونثوس 5: 17 ]، وولدنا ثانية لله وأصبحنا خليقة جديدة. وكما يقول الرسول بولس: [ لأَنَّكُمْ قَدْ متُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ اَلْمَسِيحِ فِي اَللهِ. مَتَى اُظْهِرَ اَلْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً مَعَهُ فِي اَلْمَجْدِ ] [ كولوسي 3 : 3، 4].

وكما سنرى فيما بعد، عند مجيء يسوع المسيح الثاني، يقوم الموتى بأجسادهم للحياة الأبدية.

3 – الموت

ما هو الموت، وبالتالي من هم الأموات؟ هذا هو سؤال أساسي جداً في حياتنا ولا بدّ من طرحه الآن. الجواب المباشر يعطينا إيّاه المزمور 104: [ تَحْجُبُ وَجهَكَ فَتَرْتَاعُ. تَنْزِعُ أَرْوَاحهَا فَتَمُوتُ وَإِلَى تُرَابِهَا تَعُودُ. تُرْسِلُ ‏رُوحَكَ فَتُخْلقُ. وَتُجَدِّدُ وَجْهَ اَلأَرْضِ‏ ] [ المزمور104: 29، 30 ].

الحياة هبة من الله. وكما رأينا في الفصل الثالث الخاص بخلق الإنسان وسقوطه، فالموت ضد الطبيعة الإنسانية الأصلية: [ فَإِنَّ الله خَلقَ اَلإِنْسَانَ خَالِداً وصَنَعَهُ عَلَى صُورَةِ ذَاتِهِ ] [ حكمة 2: 23 ]. وكذلك: [ لَيْسَ اَلمَوْتَ مِنْ صُنْعِ الله ولا هَلاكُ اَلأحْيَاء يَسُرَّه ] [ حكمة 1: 13 ].

فالموت، إذاً، نتيجة الخطيئة: [ لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ وَأَمَّا هِبَةُ اَللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ وَهَكَذَا اِجْتَازَ اَلْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ اَلنَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ اَلْجَمِيعُ ] [ رومية 6: 23 و5: 12 ]. دخل العالم بواسطة الإنسان يوم لبَّى دعوة الشيطان “الذي لديه قدرة الموت” [ عبرانيين 2: 14 ]، من أجل الإبتعاد عن مصدر الحياة.

والآن حريّ بنا أن نطرح سؤالاً ثانياً: ما هو مصيرنا بعد الموت ودفن الجسد على رجاء القيامة العامة؟

لنمعن النظر جيداً بالنصوص الكتابية لعلنا نلقي بعض النور على هذه المشكلة.

أ – في المزامير وعند الأنبياء:

الموت، في المزامير وعند الأنبياء، يوصف بأنه “أرض سكوت”، “عدم ذكر الله”، “أرض النسيان”، “التراب”، “الحفرة”، “الجب” وكذلك “الهاوية”.

  • [ لأَنَّهُ لَيْسَ فِي اَلْمَوْتِ ذِكْرُكَ. فِي اَلْهَاوِيَةِ مَنْ يَحْمَدُكَ؟  ] [ مزمور 6: 6 ].
  • [ مَا اَلْفَائِدَةُ مِنْ دَمِي إِذَا نَزَلْتُ إِلَى اَلْحُفْرَةِ؟ هَلْ يَحْمَدُكَ اَلتُّرَابُ؟ هَلْ يُخْبِرُ بِحَقِّكَ؟ ] [ مزمور 30: 10 ].
  • [ أَفَلَعَلَّكَ لِلأَمْوَاتِ تَصْنَعُ عَجَائِبَ أَمِ اَلأَخِيلَةُ تَقُومُ تُمَجِّدُكَ؟ سِلاَهْ. هَلْ ‏يُحَدَّثُ فِي اَلْقَبْرِ بِرَحْمَتِكَ وبِحَقِّكَ فِي اَلْهَلاَكِ؟ هَلْ تُعْرَفُ فِي اَلظُّلْمَةِ ‏عَجَائِبُكَ وَبِرُّكَ فِي أَرْضِ اَلنِّسْيَانِ؟‏ ] [ مزمور 88: 10].
  • [ لَيْسَ اَلأَمْوَاتُ يُسَبِّحُونَ اَلرَّبَّ وَلاَ مَنْ يَنْحَدِرُ إِلَى أَرْضِ اَلسُّكُوتِ ] [ مزمور 115 : 17 ].
  • [ لأَنَّ اَلْهَاوِيَةَ لاَ تَحْمَدُكَ. اَلْمَوْتُ لاَ يُسَبِّحُكَ. لاَ يَرْجُو اَلْهَابِطُونَ إِلَى ‏اَلْجُبِّ أَمَانَتَكَ ] [ أشعياء 38: 18 ].

معظم النصوص تُظهر الموت وكأنه مكان الهلاك، مكان السكوت والنسيان، وبالتالي، وكأن الأموات ” ينامون”. بيد أن بعض النصوص تلقى على هذا النوم بصيصا من الأمل كالمزمور الذي استشهد به بطرس الرسول في سفر الأعمال: [ لِذَلِكَ سُرَّ قَلْبِي وَتَهَلَّلَ لِسَانِي. حَتَّى جَسَدِي أَيْضاً سَيَسْكُنُ عَلَى ‏رَجَاءٍ. لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي الْهَاوِيَةِ وَلاَ تَدَعَ قُدُّوسَكَ يَرَى ‏فَسَاداً. عَرَّفْتَنِي سُبُلَ الْحَيَاةِ وَسَتَمْلأُنِي سُرُوراً مَعَ وَجْهِكَ‏ ] [ أعمل الرسل 2: 26 – 28 ]. ونجد ذلك أيضاً في سفر أشعياء: [ تَحْيَا أَمْوَاتُكَ. تَقُومُ اَلْجُثَثُ. اِسْتَيْقِظُوا. تَرَنَّمُوا يَا سُكَّانَ اَلتُّرَابِ. ‏لأَنَّ طَلَّكَ طَلُّ أَعْشَابٍ وَاَلأَرْضُ تُسْقِطُ اَلأَخْيِلَةَ ] [ أشعياء 26: 19 ]. وسفر أيوب: [ أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ وَاَلآخِرَ عَلَى اَلأَرْضِ يَقُومُ . وبَعْدَ ‏أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هَذَا وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى اَللهَ ] [ أيوب 19: 25، 26 ]. وبصورة خاصة في سفر حزقيال: [ فَقَالَ لِي: تَنَبَّأْ لِلرُّوحِ، تَنَبَّأْ يَا اِبْنَ آدَمَ، وَقُلْ لِلرُّوحِ: هَكذَا قَالَ ‏اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ: هَلُمَّ يَا رُوحُ مِنَ اَلرِّيَاحِ اَلأَرْبَعِ وَهُبَّ عَلَى هَؤُلاَءِ اَلْقَتْلَى ‏لِيَحْيُوا. فَتَنَبَّأْتُ كَمَا أَمَرَني، فَدَخَلَ فِيهِمِ اَلرُّوحُ، فَحَيُوا وَقَامُوا ‏عَلَى أَقدَامِهِمْ جَيْشٌ عَظيمٌ جِدّاً جِدّاً. ثُمَّ قَالَ لِي:  يَا اِبْنَ آدَمَ، ‏هَذِهِ اَلعِظَامُ هِيَ كُلُّ بَيتِ إِسْرَائِيلَ. هَا هُمْ يَقُولُونَ: يَبِسَتْ ‏عِظَامُنَا وَهَلَكَ رَجَاؤُنَا. قَدِ اِنْقَطَعْنَا. لِذَلِكَ تَنَبَّأْ وَقُلْ لَهُمْ: ‏هَكذَا قَالَ اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ: هَئَنَذَا أَفتَحُ قُبُورَكُمْ وأُصْعِدُكُمْ مِنْ ‏قُبُورِكُمْ يَا شَعْبِي وَآتِي بِكُمْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا ‏اَلرَّبُّ عِنْدَ فَتْحِي قُبُورَكُمْ وَإِصْعَادِي إِيَّاكُمْ مِنْ قُبُورِكُمْ يَا شَعْبِي. وأَجْعَلُ رُوحِي فِيكُمْ فتَحْيُونَ، وَأَجْعَلُكُمْ فِي أَرْضِكُمْ، فَتَعْلَمُونَ ‏أَنِّي أنَا اَلربُّ تَكَلَّمْتُ وَأَفْعَلُ، يَقُولُ اَلرَّبُّ ] [ حزقيال 37: 9 – 14 ]. وفي سفر دانيال: [ وَكَثِيرُونَ مِنَ اَلرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ اَلأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ هَؤُلاَءِ إِلَى ‏اَلْحَيَاةِ اَلأَبَدِيَّةِ وَهَؤُلاَءِ إِلَى اَلْعَارِ لِلاِزْدِرَاءِ اَلأَبَدِيِّ ] [ دانيال 12: 2 ]. حيث يبرز نوع من المقارنة بين “نوم” الموت و”صحو” القيامة المرتقبة: “وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون إلى الحياة الأبدية، وكثيرون آخرون إلى العار للإزدراء الأبدي”.

ب – موت الأبرار في سفر الحكمة:

في أسفار العهد القديم المتأخرة التي كتبت باليونانية في مصر خلال ال 150 سنة السابقة لميلاد المسيح، وخاصةً في سفرى الحكمة والمكابيين الثاني، يبرز مظهر جديد لما سيحدث بعد الموت. فيدخل سفر الحكمة في التفاصيل إذ يبدأ مرحلة التفريق بين نوعين من الأموات، ويؤكّد أن الأبرار منهم لا يموتون إلا “ظاهرياً”. ولأن حياتهم هى في يدّ الله فإنهم يعيشون إلى الأبد.

[ أمَّا اَلْصِدَّيقُ فَإِنَّه وإنْ تَعَجَّلَهُ اَلمَوْتَ يَسْتَقِرَّ فِي اَلرَاحَةِ ] [ حكمة 4: 7 ].

[ أَمَّا نُفُوسَ اَلصِدِّيقِين فَهِي بِيَدِ الله فَلا يَمُسّّهَا اَلْعَذَاب. وفِي ظَنْ اَلجُهَّالِ أَنَّهُمْ مَاتُو و قَدْ حُسِبَ خُرُوجُهُمْ شَقَاءً. وذِهَابُهم عَنا عطَباً أمَّا هُمْ فَفِي اَلْسَلامِ. ومَعَ أنَّهُم قَدْ عُوقِبُوا فِي عُيُونِ اَلْنَاسِ فَرَجَاؤُهُم مَمْلُوءٌ خُلُوداً. وبَعْد تَأدِيبٍ يَسِيرٍ لَهُمْ ثَوَابٌ عَظِيمٌ لأنَّ الله إِمْتَحَنَهُمْ فَوَجَدَهُم أَهْلاً لَهُ. مَحَّصّهُم كّالذّهَبِ فِي البّوْتَقَةِ وقَبِلَهُم كَذَبِيحَةٍ مُحْرَقَةٍ. فَهُمْ فِي وَقْتِ اِفْتِقَادِهِم يَتَلألأون ويَسْعُون سَعْيَ اَلشَرَارِ بَيْنَ اَلقَصَبِ. ويَدِينُونَ اَلأمَمِّ ويَتَسَلَّطُون عَلَى اَلشِعُوبِ ويَمْلُك رَبُّهُم إِلَى اَلأبَدِ. اَلمُتَوَكّلُون عَلَيْهِ سَيَفْهَمُون اَلحَقّ والأُمَنَاءِ فِي اَلمَحَبّةِ سَيُلازِمُونَه لأنَّ اَلنِعْمَة واَلرَحْمَةَ لِمُخْتَارِيه ] [ حكمة 3: 1 – 9 ].

ويضيف: [ لأنَّ رَجَاء اّلمُنَافِق كَغُبارِ تَذْهَبْ بِهِ اَلرِيحُ وَكَزَبَدِ رَقِيقٍ تُطَارِدَه اَلزَوْبَعَة وكَدُخَّانٍ تُبَدِّدَهُ اَلرِيحُ وَكَذِكَرٍ ضَيْفٍ نَزَلَ يَوْماً ثُمّ إِرْتَحَلَ. أمّا اَلصِدّيقُون فَسَيَحْيُون إلَى الأبَدِ وَعِنَد اَلَربِّ ثَوَابُهُم و لَهُم عِنَايَة مِنْ لُدُنِ اَلعَلِيّ ] [ حكمة 5: 15، 16 ].

ج – الحياة الأبدية في العهد الجديد:

هذا الرجاء بالحياة الأبدية، الذي بدأ بالظهور في العهد القديم، توطد وغدا أكيداً عند مجيء السيد المسيح الذي هو أيضاً حياة العالم. في إنجيل [ يوحنا10: 27، 28 ]، يقول يسوع مستخدماً عبارة ” يد الله” الكتابية: [ خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي ]. ويؤكد قيامة المؤمنين حين يقول: [ لأَنَّ هَذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ اَلّذِي أَرْسَلَنِي: أَنَّ كُلَّ مَنْ يَرَى الاِبْنَ وَيُؤْمِنُ بِهِ تَكُونُ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي اَلْيَوْمِ الأَخِيرِ ] [ يوحنا 6: 40 ]. و[ اَلْحَقَّ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ ] [ يوحنا 6: 47 ]. و[ اَلْحَقَّ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْفَظُ كلاَمِي فَلَنْ يَرَى اَلْمَوْتَ إِلَى الأَبَدِ ] [ يوحنا 8: 51 ]. ويلفتنا بشكل خاص قوله: [ قَالَ لَهَا يَسُوعُ: أَنَا هُوَ اَلْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهَذَا؟ ] [ يوحنا 11: 25، 26 ].

هذه النصوص كلّها تؤكد ما يلى:

  • أن حياة الإنسان تستمر بعد الموت بقدر ما هى مرتبطة بالله. لذلك يقول لنا السيد في الإنجيل: [ وَلاَ تَخَافُوا مِنَ اَلَّذِينَ يَقْتُلُونَ اَلْجَسَدَ وَلَكِنَّ اَلنَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ اَلَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ اَلنَّفْسَ وَاَلْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ. ] [ متى 10: 28 ].
  • الموت يحدث من جرّاء غياب الله. وحيث يوجد الله لا يوجد الموت. لذلك، فالنفس العطشى لله والتي تسعى دائما إلى العيش في حضرته لا تموت لأن توْقها إلى الله يحفظها حية.
  • الذي يعيش على هذه الأرض في المسيح يستمر على هذه الحياة بعد موته. هذا ما يؤكده بقوة الرسول بولس إذ يقول: [ لأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ نُقِضَ بَيْتُ خَيْمَتِنَا الأَرْضِيُّ، فَلَنَا فِي السَّمَاوَاتِ بِنَاءٌ مِنَ اّلْلَّهِ، بَيْتٌ غَيْرُ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، أَبَدِيٌّ. فَإِنَّنَا فِي هَذِهِ أَيْضاً نَئِنُّ مُشْتَاقِينَ إِلَى أَنْ نَلْبَسَ فَوْقَهَا مَسْكَنَنَا اَلَّذِي مِنَ السَّمَاءِ. وَإِنْ كُنَّا لاَبِسِينَ لاَ نُوجَدُ عُرَاةً. فَإِنَّنَا نَحْنُ اَلَّذِينَ فِي اَلْخَيْمَةِ نَئِنُّ مُثْقَلِينَ، إِذْ لَسْنَا نُرِيدُ أَنْ نَخْلَعَهَا بَلْ أَنْ نَلْبَسَ فَوْقَهَا، لِكَيْ يُبْتَلَعَ اَلْمَائِتُ مِنَ اَلْحَيَاةِ. وَلَكِنَّ اَلَّذِي صَنَعَنَا لِهَذَا عَيْنِهِ هُوَ اَلْلَّهُ، اَلَّذِي أَعْطَانَا أَيْضاً عَرْبُونَ الرُّوحِ. فَإِذاً نَحْنُ وَاثِقُونَ كُلَّ حِينٍ وَعَالِمُونَ أَنَّنَا وَنَحْنُ مُسْتَوْطِنُونَ فِي اَلْجسَدِ فَنَحْنُ مُتَغَرِّبُونَ عَنِ اَلرَّبِّ. لأَنَّنَا بِالإِيمَانِ نَسْلُكُ لاَ بِالْعَيَانِ. فَنَثِقُ وَنُسَرُّ بِالأَوْلَى أَنْ نَتَغَرَّبَ عَنِ اَلْجَسَدِ وَنَسْتَوْطِنَ عِنْدَ اَلرَّبِّ ] [ 2 كورونثوس 5: 1 – 8 ]. وجاء في (فيليبي 1: 20-23): “الحياة عندي هي المسيح والموت ربح… أرغب في أن أترك هذه الحياة لأكون مع المسيح…”.
  • المسيح هو الحياة وواهبها. فالذي يعيش في المسيح و [ حَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ اَلْمَسِيحِ فِي اَللهِ ] [ كولوسي 3: 3 ]، هذا يكون (ذِكرهُ مؤبداً)، لأن روح الله يحمله ويحفظه من الموت: “مَتَى اظْهِرَ الْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ انْتُمْ ايْضاً مَعَهُ فِي الْمَجْدِ.” (كولوسي 3: 4).

د – ماذا عن الذين لم يعرفوا يسوع ولم يقبلوه؟:

يجيب بطرس الرسول قائلاً: [ الَّذِي فِيهِ أَيْضاً ذَهَبَ فَكَرَزَ لِلأَرْوَاحِ الَّتِي فِي السِّجْنِ، إِذْ عَصَتْ قَدِيماً، حِينَ كَانَتْ أَنَاةُ اللهِ تَنْتَظِرُ مَرَّةً فِي أَيَّامِ نُوحٍ، إِذْ كَانَ الْفُلْكُ يُبْنَى، الَّذِي فِيهِ خَلَصَ قَلِيلُونَ، أَيْ ثَمَانِي أَنْفُسٍ بِالْمَاءِ. ] [ 1 بطرس 3: 19، 20 ].

إن الذين “تمردوا” على السيد والذين سوف يتمردون عليه، هم بعد الموت “أرواح سجينة”، ويسكنون “الهاوية”، “مكان الهلاك” و”أرض النسيان”. هذا ما تكلمت عنه المزامير وأشعياء النبي. وفي مثل لعازر يشير يسوع نفسه وبعبارات رمزية إلى وضع هؤلاء المتمردين الحزين. فيقول بأن الغني قد مات ودفن، بينما هو في “الجحيم يقاسي العذاب”، رفع عينيه ورأى من بعيد إبراهيم ولعازر في أحضانه، فصرخ قائلاً: [ فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ فِي اَلْهَاوِيَةِ وَهُوَ فِي اَلْعَذَابِ وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعِيدٍ وَلِعَازَرَ فِي حِضْنِهِ فَنَادَى: يَا أَبِي إِبْرَاهِيمُ اِرْحَمْنِي وَأَرْسِلْ لِعَازَرَ لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصْبَِعِهِ بِمَاءٍ وَيُبَرِّدَ لِسَانِي لأَنِّي مُعَذَّبٌ فِي هَذَا اَللهِيبِ. ] [ لوقا 16: 23، 24 ]. ثم يضيف السيد أنه يوجد “هوّة عظيمة” بين “الجحيم” و”أرض الأحياء” أو “أحضان إبراهيم”، لا يقدر أحد أن يجتازها ( لوقا 16: 26).

ولكننا نعلم أن السيد نفسه قال أن: [ غَيْرُ اَلْمُسْتَطَاعِ عِنْدَ اَلنَّاسِ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اَللهِ  ] [ لوقا 18: 27 ]. ونعلم أن المسيح – الله المتجسد – لم ينزل من “السماء” إلى الأرض فقط بل نزل أيضاً إلى “الجحيم” وإلى الهاوية [ رومية 10: 7 ]. لكى يفتقد الإنسان وهو في أقصى درجات تعاسته، ويكسر “القيود الدهرية” ويحرّر الذين يتجاوبون مع محبته.

إذاً، بالقيامة تفقد المسيح الذين هم في الجحيم لأنه “وطئ الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور”. وكل من يلقي بمصيره بين يدى المسيح “أذكرني يا رب متى أتيت في ملكوتك”، يدخل في لحظة مماته مع السيد إلى الفردوس: [اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ اَلْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي اَلْفِرْدَوْسِ ] [ لوقا 23: 43 ]. والفردوس هذا هو: “البيت الأبدي غير المصنوع بيدٍ بشرية، والذي هو في السماوات” (2 كورونثوس 5: 1). وهناك يبقى بإنتظار فرح القيامة.

هـ – وننهي هذا الفصل عن الموت بذكر الصلوات التي تدعونا الكنيسة إلى تلاوتها في سحر يوم الأحد “اللحن الثالث”. وهذه القطعة توجز ببلاغة تعليم الكنيسة عن غلبة السيد النهائية على الموت: “لقد قام المسيح من بين الأموات، الذي هو مقدمة الراقدين وبكر الخليقة ومبدع كل المبروءات. وقد جدّد بذاته طبيعة جنسنا المنفسدة. فلست تتسلّط فيما بعد أيها الموت لأن سيد الكلّ قد أبطل قوتك وحلّها”.

4 – قيامة الموتى والحياة الأبدية:

هل سيقوم الأموات بأجسادهم؟ وهل القيامة هذه حقيقة واقعية أم هي ضرب من الخيال والوهم عفا الزمان على القول بها؟

بادئ ذي بدء نورد بعض النصوص الكتابية التي تلقي ضوءاً على موضوعنا هذا. وسنجدها تدعّم فكرة القيامة الفعلية للأموات. وتجب الملاحظة في هذا المجال أن آراءنا الشخصية وتأويلاتنا لا قيمة حقيقية لها، فالقيمة كلّ القيمة لما أعلنه الله عن هذا السرّ. والروح القدس هو دون سائر الأرواح قائدنا إلى الحقيقة. والكتاب المقدس يؤكد على ذلك ويحذرنا من محاولة الإتصال بالأرواح كائنة ما كانت: [ لاَ تَلْتَفِتُوا إِلَى اَلْجَانِّ وَلاَ تَطْلُبُوا اَلتَّوَابِعَ فَتَتَنَجَّسُوا ‏بِهِمْ. أَنَا اَلرَّبُّ إِلَهُكُمْ ] [ لاويين 19: 31 ]. ونجد أيضاً في: [ مَتَى دَخَلتَ اَلأَرْضَ اَلتِي يُعْطِيكَ اَلرَّبُّ إِلهُكَ لا تَتَعَلمْ أَنْ تَفْعَل مِثْل ‏رِجْسِ أُولئِكَ اَلأُمَمِ.لا يُوجَدْ فِيكَ مَنْ يُجِيزُ اِبْنَهُ واِبْنَتَهُ فِي اَلنَّارِ ‏وَلا مَنْ يَعْرُفُ عِرَافَةً وَلا عَائِفٌ وَلا مُتَفَائِلٌ وَلا سَاحِرٌ. وَلا مَنْ ‏يَرْقِي رُقْيَةً وَلا مَنْ يَسْأَلُ جَانّ وتَابِعَةً وَلا مَنْ يَسْتَشِيرُ اَلمَوْتَى. لأَنَّ كُل مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ اَلرَّبِّ. وَبِسَبَبِ هَذِهِ اَلأَرْجَاسِ ‏اَلرَّبُّ إِلهُكَ طَارِدُهُمْ مِنْ أَمَامِكَ ] [ تثنية 18: 9 – 12 ].

أ – في العهد القديم :

  • عندما أعلن الرسول بطرس قيامة المسيح [ أعمال 2: 26 – 28 ]، استشهد بنص المزمور (مزمور 16: 9 – 11) فقال: “لِذَلِكَ فَرِحَ قَلْبِي وَاِبْتَهَجَتْ رُوحِي. جَسَدِي أَيْضاً يَسْكُنُ مُطْمَئِنّاً. لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي اَلْهَاوِيَةِ. لَنْ تَدَعَ تَقِيَّكَ يَرَى فَسَاداً. تُعَرِّفُنِي سَبِيلَ اَلْحَيَاةِ. أَمَامَكَ شِبَعُ سُرُورٍ. فِي يَمِينِكَ نِعَمٌ إِلَى اَلأَبَدِ”.
    بطرس، إذاً، يترجّى القيامة، قيامة الأجساد بالفعل، وليس نوعاً من قيامة الأرواح فقط، كما كانت تعلّم في المدارس الفلسفية.
  • أشعياء سبق وتكلّم عن الرجاء نفسه (26: 19) فقال: “ستحيا أمواتكم وتقوم الجثث. استيقظوا وترنموا يا سكان التراب لأن نداك ندى النور والأرض تسقط الجبابرة”. وكأنه بذلك يشير إلى ولادة ثانية وخلقٍ جديد.
  • وفي سفر أيوب نجد الإيمان نفسه بالقيامة بالجسد إذ يؤكد أنه سوف يرى الله بأعين الجسد: [ أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ وَاَلآخِرَ عَلَى اَلأَرْضِ يَقُومُ وَبَعْدَ ‏أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هَذَا وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى اَللهَ. الَّذِي أَرَاهُ أَنَا ‏لِنَفْسِي وَعَيْنَايَ تَنْظُرَانِ وَلَيْسَ آخَرُ. إِلَى ذَلِكَ تَتُوقُ كُلْيَتَايَ فِي ‏جَوْفِي ] [ أيوب 19: 25 – 27 ].
  • وهنا لا بد لنا من إثبات نبوءة حزقيال التي تتلى في خدمة صلاة السحر للسبت العظيم المقدس وهي ما يسمّى بجناز المسيح وتقام عادة مساء يوم الجمعة العظيمة. هذه النبوءة تعطي صورة واضحة ومؤثرة لقيامة الأجساد: [ كَانَتْ عَلَيَّ يَدُ الرَّبِّ فَأَخْرَجَني بِرُوحِ اَلرَّبِّ وَأَنْزَلَنِي فِي وَسَطِ ‏اَلْبُقْعَةِ، وَهِيَ مَلآنَةٌ عِظَاماً. وَأَمَرَّنِي عَلَيْهَا مِنْ حَوْلِهَا وَإِذَا هِيَ ‏كَثِيرَةٌ جِدّاً عَلَى وَجْهِ اَلْبُقْعَةِ، وَإِذَا هِيَ يَابِسَةٌ جِدّاً. فَقَالَ لِي: [ ‏يَا اِبْنَ آدَمَ، أَتَحْيَا هَذِهِ اَلْعِظَامُ؟  فَقُلْتُ: [ يَا سَيِّدُ اَلرَّبُّ أَنْتَ ‏تَعْلَمُ . فَقَالَ لِي: [ تَنَبَّأْ عَلَى هَذِهِ اَلْعِظَامِ وَقُلْ لَهَا: أَيَّتُهَا اَلْعِظَامُ ‏اَلْيَابِسَةُ، اِسْمَعِي كَلِمَةَ اَلرَّبِّ. هَكذَا قَالَ اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ لِهَذِهِ ‏اَلْعِظَامِ: هَئَنَذَا أُدْخِلُ فِيكُمْ رُوحاً فَتَحْيُونَ. وَأَضَعُ عَلَيْكُمْ عَصَباً ‏وأَكْسِيكُمْ لَحْماً وَأَبْسُطُ عَلَيْكُمْ جِلْداً وَأَجْعَلُ فِيكُمْ رُوحاً فَتَحْيُونَ ‏وَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اَلرَّبُّ ]. فَتَنَبَّأْتُ كمَا أُمِرتُ. وَبَيْنَمَا أَنَا أَتنَبَّأُ كَانَ ‏صَوْتٌ وَإِذَا رَعْشٌ فَتَقَارَبَتِ اَلْعِظَامُ كُلُّ عَظْمٍ إِلَى عَظْمِهِ. ونَظَرْتُ ‏وَإِذَا بِاَلْعَصَبِ وَاَللَّحْمِ كَسَاهَ، وبُسِطَ اَلْجِلْدُ علَيْهَا مِنْ فَوْقُ، ‏وَلَيْسَ فِيهَا رُوحٌ. فَقَالَ لِي: [ تَنَبَّأْ لِلرُّوحِ، تَنَبَّأْ يَا اِبْنَ آدَمَ، وَقُلْ ‏لِلرُّوحِ: هَكذَا قَالَ اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ: هَلُمَّ يَا رُوحُ مِنَ اَلرِّيَاحِ اَلأَرْبَعِ وَهُبَّ ‏عَلَى هَؤُلاَءِ اَلْقَتْلَى لِيَحْيُوا. فَتَنَبَّأْتُ كَمَا أَمَرَني، فَدَخَلَ فِيهِمِ ‏اَلرُّوحُ، فَحَيُوا وَقَامُوا عَلَى أَقدَامِهِمْ جَيْشٌ عَظيمٌ جِدّاً جِدّاً. ثُمَّ ‏قَالَ لِي: [ يَا اِبْنَ آدَمَ، هَذِهِ اَلعِظَامُ هِيَ كُلُّ بَيتِ إِسْرَائِيلَ. هَا ‏هُمْ يَقُولُونَ: يَبِسَتْ عِظَامُنَا وَهَلَكَ رَجَاؤُنَا. قَدِ اِنْقَطَعْنَا. لِذَلِكَ ‏تَنَبَّأْ وَقُلْ لَهُمْ: هَكذَا قَالَ اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ: هَئَنَذَا أَفتَحُ قُبُورَكُمْ ‏وأُصْعِدُكُمْ مِنْ قُبُورِكُمْ يَا شَعْبِي وَآتِي بِكُمْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اَلرَّبُّ عِنْدَ فَتْحِي قُبُورَكُمْ وَإِصْعَادِي إِيَّاكُمْ مِنْ ‏قُبُورِكُمْ يَا شَعْبِي. وأَجْعَلُ رُوحِي فِيكُمْ فتَحْيُونَ، وَأَجْعَلُكُمْ فِي ‏أَرْضِكُمْ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أنَا اَلرَّبُّ تَكَلَّمْتُ وَأَفْعَلُ، يَقُولُ اَلرَّبُّ ] [ حزقيال 37: 1 – 14 ].

ب – في العهد الجديد:

ولنأت الآن إلى العهد الجديد. نجد أن شهادة بطرس الرسول التي ذكرناها تعتمد أيضاً كلام يسوع نفسه إذ أكد رجاء القيامة فقال: [ اَلْحَقَّ الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآن حِينَ يَسْمَعُ الأمْوَاتُ صَوْتَ ابنِ اللَهِ وَالسَامِعُونَ يَحْيَوْنَ. لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآب لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ كَذَلِكَ أَعْطَى الاِبْنَ أَيْضاً أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ وَأَعْطَاهُ سُلْطَاناً أَنْ يَدِينَ أَيْضاً لأَنَّهُ ابْنُ الإِنْسَانِ.  لاَ تَتَعَجَّبُوا مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ  فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ ] [ يوحنا 5: 25 – 29 ].

هذا هو النص الإنجيلى الذي يُقرأ في صلاة الجناز. وأمّا نصّ الرسالة فهو للقديس بولس ( تسالونيكي 4: 13 – 18): [ لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا نُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ مَاتَ وَقَامَ، فَكَذَلِكَ الرَّاقِدُونَ بِيَسُوعَ سَيُحْضِرُهُمُ اللهُ أَيْضاً مَعَهُ. فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هَذَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ: إِنَّنَا نَحْنُ الأَحْيَاءَ اَلْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ لاَ نَسْبِقُ الرَّاقِدِينَ. لأَنَّ الرَّبَّ نَفْسَهُ سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً. ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعاً مَعَهُمْ فِي اَلسُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ اَلرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ، وَهَكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ اَلرَّبِّ.  لِذَلِكَ عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً بِهَذَا اَلْكَلاَمِ.].

كلّ النصوص التي ذكرنا، الواضحة والمتوافقة فيما بينها، تبين أن الإعلان الإلهي تكلّم عن قيامة للموتى في أجسادهم وقد علّق على ذلك القديس إيريناوس، اسقف ليون السنة 170، مجيباً عن تساؤلات المشككين: “إن لم يُخلّص المسيح الجسد بالقيامة فذلك يعني أنه لم يخلّص الإنسان أبداً. فهل رأى أحد إنسانا بدون جسد؟…”.

التمييز بين روح الإنسان وجسده تمييز مصطنع. والله إفتقد الإنسان كما هو روحاً وجسداً. ومن أجل هذا الإنسان تجسّد المسيح وأخذ جسداً، ثم مات وقام وجلس مع الطبيعة الإنسانية التي تبنى إلى يمين الآب داعياً إليه الذين آمنوا به، والذيم يسلّمون أمورهم وحياتهم للروح القدس ليسكن في هياكل أجسادهم ويحوّلها إلى آنية صاحة لإقتبال الحياة الأبدية. والحياة الأبدية هي “أن يعرفوك أيها الآب القدوس”. وتعطى لمن يؤمن بالآب ويتقبّل الروح [ يوحنا 6: 40، 47 و8: 51 و11: 25، 26 ]. وبهذا الصدد يقول الرسول بولس: [ وَإِنْ كَانَ اَلْمَسِيحُ فِيكُمْ فَالْجَسَدُ مَيِّتٌ بِسَبَبِ اَلْخَطِيَّةِ وَأَمَّا اَلرُّوحُ فَحَيَاةٌ بِسَبَبِ اَلْبِرِّ ] [ رومية 8: 10 ]. وكذلك: [ وَمَتَى لَبِسَ هَذَا الْفَاسِدُ عَدَمَ فَسَادٍ وَلَبِسَ هَذَا الْمَائِتُ عَدَمَ مَوْتٍ فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ الْكَلِمَةُ الْمَكْتُوبَةُ: { ابْتُلِعَ الْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ }. أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟ أَمَّا شَوْكَةُ الْمَوْتِ فَهِيَ الْخَطِيَّةُ وَقُوَّةُ الْخَطِيَّةِ هِيَ النَّامُوسُ. وَلَكِنْ شُكْراً لِلَّهِ الَّذِي يُعْطِينَا الْغَلَبَةَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. إِذاً يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ كُونُوا رَاسِخِينَ غَيْرَ مُتَزَعْزِعِينَ مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ عَالِمِينَ أَنَّ تَعَبَكُمْ لَيْسَ بَاطِلاً فِي الرَّبِّ ] [ 1 كورونثوس 15: 54 – 57 ].

والآن لا بدّ من طرح السؤال: هل يتمكّن الإنسان منذ الآن – أي في حياته الأرضية – أن ينعم بسكنى الله فيه وأن يذوق حلاوة عشرة الله؟

للإجابة عن هذا السؤال رأينا أن ننطلق من سرد حادثة واقعية حصلت للقديس الروسي سيرافيم ساروفسكي ( 1759 – 1833 ) مع صديق له باسم موتوفيلوف، ثم نتبعها بدراسة أعدّها قدس الأب كاليستوس وير (الأسقف حالياً) الإنجليزي والأستاذ في جامعة أكسفورد وهو من أصل أنجليكاني إهتدى إلى الأرثوذكسية. وكان المثلث الرحمات البطريرك الياس الرابع قد نقل دراسته هذه إلى العربية ونُشرت سابقاً في مجلة النور الأرثوذكسية.

5 – تجلي الجسد:

أ – الحوار مع موتوفيلوف:

في إحدى ليالي الشتاء كان القديس سيرافيم ونقولا موتوفيلوف يتحدّثان في الغابة. كانا يتكلمان عن هدف الحياة المسيحية الحقيقية. قال سيرافيم جازماً: “أنه إمتلاك الروح القدس”.

فسأل موتوفيلوف: “وكيف يمكن أن أتأكد أني في الروح القدس؟”.

وقد جرى عندئذ بينهما الحوار التالي كما جاء على لسان موتوفيلوف:

“عندئذ شدّ سيرافيم كتفي بيديه وقال: يا بني! كلانا في هذه اللحظة في روح الله. لماذا لا تتطلع إلى وجهي؟

– لا أستطيع. عيناك تلمعان بأشعة كأشعة البرق الخاطف ووجهك يوج بنور أقوى من نور الشمس. تؤلمني عيناي إذا حدقتا في عينيك.

– لا تخف! في هذه اللحظة بالذات يغمرك شعاع كالذي يغمرني. إنك مثلي الآن. إنك ممتلئ أيضا من روح الله.

ثم أدار رأسه وقرّبه من أذني وتمتم فيها كلمات فيها نعومة السحر: أشكر الرب الإله على صلاحه معنا. إن صلاحه لا نهاية له. لكن لماذا لا تنظر إليّ؟ حدّق ! لا تخف فالله معنا.

بعد هذه الكلمات، إرتمت أنظاري فوق وجهه. شعرت خشية عظيمة قد تملكتني. تصوّروا وجهاً، تصوّروا الشمس، تصوّروا قلب الشمس، تصوّروا الأشعة الخاطفة، تجدون أنفسكم أمام هذا الإنسان. تصوّروا هذا الوجه وهو يخاطبكم. إنك ترى حركات شفتيه وتلحظ تعابير عينيه المتتابعة كأنها الموج، وتشعر بأن هناك من يشد كتفيك بيديه. إلا أنك، لن ترى، لا يديه، ولا جسمه. إنك لا ترى إلا نوراً يكتنفك ويمتد بعيداً عنك ويغمر بضيائه طبقات الثلوج المبسوطة فوق أشجار الغابة، فينعكس ضياء على الرشوحات الثلجية المتساقطة بإستمرار”.

الحوار يستمر. يسأل سيرافيم موتوفيلوف عن الشعور الذي يعانيه في داخله، فيجيب موتوفيلوف، ويعلّق أن حالة الذهول كانت بعد بعيدة عنهما. كلاهما كانا بعد على إرتباط بالعالم الخارجي. ما فتئ موتوفيلوف يشعر بوجود الثلج ويشعر بالغاب، وحديثهما كان مترابطا. حتى هذه اللحظة كان يلفهما نور يخطف الأبصار. ماذا حصل لهما؟.

ب – مغزى الحادثة:

“نور يخطف الأبصار”. إن لاهوت الكنيسة الأورثوذكسية الصوفي أوضح أن الضياء الذي ينبعث من وجه سيرافيم وموتوفيلوف ما هو إلا قوى الله غير المخلوقة. النور الذي يلفهما هو النور الإلهي نفسه الذي غمر السيد لمّا تجلّى على جبل ثابور. “في عينيك خطف البرق، وفي وجهك ضياء أين منه ضياء الشمس”. كلمات موتوفيلوف هذه تحمل إلى ذاكرتنا الآية الإنجيلية: “1 وَبَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا أَخَاهُ وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَل عَال مُنْفَرِدِينَ. 2 وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ، وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ.” (متى 17: 1-2). كما تجلّى المسيح فوق جبل ثابور كذلك تجلّى عبد المسيح سيرافيم في غاب ساروف. سيرافيم وموتوفيلوف تجلّيا من مجد إلى مجد حسب تعبير الرسول: “أما نحن جميعنا فننظر بوجه مكشوف كما في مرآة مجد الرب فنتجلى إلى تلك الصورة بعينها” (2 كورنثوس 3: 7، 18).

إن “الهادئين” (Hésychastes) – وهم أتباع مدرسة روحية واسعة الإنتشار في الشرق المسيحي تشدّد على الصلاة المستديمة كأداة للعيش الدائم في حضرة الله – وخاصة القديسين سمعان اللاهوتي الحديث ( 917 – 1022 ) وغريغوريوس بالماس ( 1296 – 1359 ) يكررون الكلام عن نور إلهي واقعي ويعتبرونه ذروة وقمة الحياة في الصلاة. لا توجد في حالة سيرافيم رؤيا منظورة بأعين الروح الداخلية. إنه نور طبيعي يُنظر بعيني الجسد خارجياً.

أيمكن أن تُعتبر حالة سيرافيم شيئاً عارضاً فريداً يمكن تنحيته ووضعه جانباً؟ أيمكن أن يكون حَدَثاً وحَدْثاً غير عادي خارقاً وعجيبا؟ هذا النوع من التفسير يحمل كثيراً من الأخطار ويُعتبر مغامرة. يُروى عن قديس روسي آخر سرجيوس رادونيج ( 1314 – 1392 ) “أن العطر كان يفوح من جسده بعد موته وأن النور كان يغمر وجهه وأن وجهه لم يكن يشبه وجه الأموات بل وجه الأحياء، وقد برهنت الحياة المائجة فوق وجهه على عالم نفسه النقي”. مثل هذه الأمثلة تنقلنا دائماً إلى حقيقة التجلّي كحدث وقع في الزمان والمكان: “وصارت ثيابه بيضاء كالثلج”.

عودة إلى الوراء، عودة إلى آباء الصحراء، نجد أن هناك حالات كثيرة مشابهة. في كتاب أقوال الرهبان وصف لموت الأنبا سيسويس. يقول الكتاب: “عندما كان تلاميذه يحيطون به، وهو على فراش الموت، كان وجهه يشع كالشمس وكان الضياء يزداد ألقاً ويغمر جسده حتى فارق الحياة، إذ ذاك، صار النور برقاً خاطفاً وإمتلأ البيت من رائحة الطيب”. يذكر الكتاب أيضاً أنا “الأنبا بامغو قد تمجّد بمجدٍ جعل الذين كانوا يحيطون به يرتعدون خوفاً ولا يجسرون أن يحدقوا إليه. وكما أخذ موسى صورة آدم بمجده عندما تمجد وجهه كذلك فقد شعّ الأنبا بامغو بأشعة برّاقة وصار كأنه ملك على عرشه”.

في بعض الأحيان يتكلّم كتاب الأقوال عن النار أكثر مما يتكلم عن النور. إقترب أحد تلاميذ البار أرسانيوس الكبير منه بصورة عفوية فوجده قائما يصلي وقد ظهر له الشيخ وكانه وسط نار. يُروى مثل هذا عن الأنبا يوسف في بامغو “ووقف الشيخ ورفع يديه إلى السماء فصارت أنامله العشر كمشاعل فقال له: إذا أردت فصِرْ كُلّك كالنار”..

إن فكرة التجلّي مع أنها غير واضحة هنا ويكتنفها شيء من الغموض إلا أن حقيقتها تبقى قائمة. في بعض الأحيان تظهر القوى الإلهية غير المخلوقة بشكل ألسنة نارية كما في يوم الخمسين وبشكل نور كما حصل على جبل ثابور أو في طريق دمشق مع الرسول بولس. إن تكلمنا عن النار والنور فالحقيقة هي هي لا تتغيّر.

لم يُحصر هذا التمجيد الجسدي في الكنيسة الأرثوذكسية. لقد عرفته الكنيسة الغربية قديماً وفي حالات كثيرة مماثلة. إنه نتيجة لحرارة الشركة مع الله، لحرارة الصلاة العميقة لله.. هذا النوع من الصلاة الحارة يعطي إشعاعاً للجسد فائق الطبيعة ويكون سبيلاً إلى التجلّي الجسدي. نرى هذا التجلّي الجسدي في حياة القديسة تيريزا، والقديسة كاترينا بولونيا وكاترينا جنوا. عندما ذهب رفاق البار “بان فان رويزبريك” للبحث عنه في الغابة “رأوا شجرة بكاملها وسط شعلة من نور”. وكان البار جالس عند جذورها.

كما أن جراحات القديس فرنسيس الأسيزي فوق جبل المبارنو هي إمتداد لصليب المسيح في أحد أعضاء جسده السري: “وأتم ما ينقص من شدائد المسيح في جسمي” (كولوسي 1: 24). كذلك تمجيد القديس سيرافيم والقديسين الآخرين هو امتداد لتجلي المسيح “فنتجلى إلى تلك الصورة بعينها”.

ماهو المعنى اللاهوتى لهذا التمجيد الجسدي الذي ظهر في قديسين من الشرق والغرب؟ وراء هذه الأمثلة توجد نقطتان لهما معنى أساسي.

Прво: التجلي في كلتا الحالتين، حالة تجلّى الرب وحالة تجلّي قديسيه، يؤكّد أهمية الجسد الإنساني في اللاهوت المسيحي. عندما تجلّى المسيح على جبل ثابور ظهر مجده في جسده وعن طريق هذا الجسد. رأى التلاميذ بأعينهم الجسدية: “أن ملء اللاهوت كله حلّ فيه جسدياً” (كولوسي 2: 9). كما أن مجد المسيح لم يكن داخلياً فقط بلّ مادياً وجسدياً كذلك كان مجد قديسيه. إن تجليهم يؤكد أن تقديس الإنسان -تألهه كما يقول الآباء- ليس أمراً يستهدف الروح فقط بل أمراً يشمل الجسد. “الجسد يتأله مع الروح وعلى قدر اشتراكه بالتأله” (مكسيموس المعترف). ويقول القديس ترتليانوس الجسد هو محور الخلاص.

друго: التجلي في كلتا الحالتين، في تجلّي المسيح وفي تجلّي قديسيه، حدث أخروي. إنه سبق مذاق وعربون الحضور الثاني. وتمجيد جسد القديسين يرمز بطريقة حية إلى منزلة المسيحي، ويشير كيف أن المسيحي هو في “العالم” “وأنه ليس من العالم”. وأنه قائم في نقطة الفصل بين الجيل الحاضر والمستقبل ويعيش في الجيلين معاً. الأزمنة الأخيرة ليست حدثا إستقبالياً فقط. لقد إبتدأت بالفعل.

لندرس هاتين النقطتين درساً مفصلاً ونبحث أولاً عن النتائج الإنسانية النابعة من سر التجلّي.

ج – الجسد واسطة لتمجيد الله:

إن بلاديوس ( 363 – 430 )، في رحلته الأولى إلى مصر عاش مع شيخ ناسك اسمه دوروثيوس وكان هذا ينقل الحجارة طول النهار تحت أشعة الشمس المحرقة، لبناء القلالي. إحتج بلاديوس على عمل الشيخ وقال له: “ما هذا الذي تفعله طول النهار تحت أشعة الشمس الكاوية وأنت في هذه السن؟ إنك تقتل نفسك”. فأجابه دورثيوس ساخراً: “يا بني يجب أن أقتل هذا الجسد قبل أن يقتلني”. هذا القول يتعارض تماماً مع قول بيمين أحد أباء الصحراء:” نحن لم نتعلّم قتل الجسد بلّ قتل الأهواء”.

وراء هذين القولين الموجزين توجد، بعد التدقيق، طريقتان مختلفان في النظرة إلى الإنسان. الطريقة الأولى طريقة أفلاطونية أكثر مما هي مسيحية “وإن كان لها تاريخ طويل في تاريخ اللاهوت المسيحي”. والثانية مسيحية حقيقية ترتكز على الكتاب المقدس. وراء هاتين الطريقتين المختلفتين في النظرة إلى الإنسان نظرتان مختلفتان عن الخليقة. النظرة الأفلاطونية عن الخليقة تقول بأزلية المادة. ليست المادة شيئاً خلقه الله من العدم بل شيئاً سبق وأن كان موجوداً، ومع أن الله يستطيع أن يعطي للمادة شكلاً وترتيباً إلا أنها تبقى في نهاية المطاف شيئاً خارج الله، مبدأ مستقلاً عن الله. أما الكتاب المقدس فلا يقبل بأيّة فكرة تقول بمبدأين. المادة حسب التفكير الكتابي ليست مستقلّة عن الله ولا مساوية له في البدء، إنها ككل الكائنات الهيولية خُلقة من خلقته إذ: “صنع الله السماء والأرض ورأى الله أن كل ما صنع حسن”.

مقابل هاتين الفكرتين عن الخليقة نجد نظرتين مختلفتين في علم الإنسان (الأنثروبولوجيا). ينظر أفلاطون (ومثله أكثر الفلاسفة اليونانيين) إلى الإنسان نظرة ثنائية ويعالجه على هذا الأساس. يعتبر النفس إلهية أمّا الجسد فينظر إليه كسجن وكنبع للمآثم. الإنسان عقل سجين في جسد ترابي يخفق إلى الحرية. الجسد قبر. وهدف الفيلسوف هو أن يبقى بعيداً عن كلّ ما هو مادي. هناك من ينظر إلى الجسد نظرة معتدلة فيعتبرونه وشاحاً لا بدّ للإنسان إلا وأن ينعتق (فيثاغورث). وهناك من ينظر إليه نظرة صارمة قاسية: ” أنك يا نفس فقيرة تحملين جثة” (مرقس أوريليوس).

إن الكتاب المقدّس يدعو إلى نظرة إلى الإنسان تقوم على الوحدانية لا الثنائية كما هو الحال في الفلسفة اليونانية. ليس الإنسان سجيناً في الجسد إنه وحدة جسد وروح. إنه كلّ روحي جسدي. قال أفلاطون “الروح هي الإنسان”. أمّا الكنيسة فترد قائلة الروح ليست كل الإنسان. روحي ليست أن. عندما خلق الله، عندما خلق الثالوث الأقدس الإنسان على صورته خلق كياناً كاملاً، خلق الروح والجسد معاً. وعندما أتى الله إلى الأرض ليخلص الإنسان لم يأخذ نفساً بشرية فقط بلّ جسداً بشريا أيضاً لأن إرادته كانت، وهي، تخليص كل الإنسان، جسده وروحه.

في الواقع أن الجسد كما نعرفه ثقل. إنه شيء يسبب لنا التعب والشقاء وعذاب الولادة. إنه كما نعرفه فعلاً نبع لكل الأهواء الخاطئة وهذه كلها نتيجة للسقطة. بعد السقطة لم بيق الجسد البشري على حالته الطبيعية بلّ صار إلى حالة مضادة للطبيعة. لا شك أن الجسد والروح سينفصلان وهذا الإنفصال إنفصال مؤقت ما دام المسيحيون يترجّون قيامة الجسد وفي القيامة سيعود الإتحاد مرة أخرى. ليس الجسد قبراً ولا سجنا بلّ قسم جوهري من الإنسان. إن الجسد في نظر الرسول بولس ليس عدواً تجب محاربته وسحقه بلّ سبيلاً يمكن الإنسان أن يمجّد به خالقه: [أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلروحِ اَلْقُدُسِ اَلَّذِي فِيكُمُ اَلّذِي لَكُمْ مِنَ اَللهِ وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ ] [ 1 كورونثوس 6: 19 ]. [ فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا اَلإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اَللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اَللهِ عِبَادَتَكُمُ اَلْعَقْلِيَّةَ ] [ رومية 12: 1 ]. القديس مكسيموس المعترف يُعلم نفس التعليم على أساس فكرة التأله: “بالطبيعة يبقى الإنسان كلاّ في الجسد والروح وبالنعمة يصير إلهاً في الجسد والروح”. وكذلك القديس غريغوريوس بالاماس: “النفس الفرحة روحياً والعاملة في الجسد تنتقل بهجتها إلى الجسد فيصير روحياً وهكذا لا تتعطل اللذة المنقولة من الروح إلى الجسد باتصالها مع الجسد بل تحوله إلى روح. وبطرحه الرغبات الجسدية الخبيثة لا يجرف الروح بل يتصرف كأنه روح من الإنسان الكل”. يتضح أن بالماس كتابي بكليته في نظرته الأنثروبولوجية.

الإرتباط الجوهري بين النفس والجسد، خلاصهما المشترك وتأليههما هي أفكار واضحة جداً عند القديس إيريناوس: “بيديّ الله أي بالابن والروح القتدس خُلق الإنسان على شبه الله. أقول الإنسان كله لا قسماً منه فقط خُلق على صورة الله. النفس والجسد معا يشكلان الإنسان بقسميه، لا الإنسان بحد ذاته. لأن الإنسان ككل هو مزج ووحدة النفس (التي تُعطي روح الآب) بالجسد  (الذي يتكون على صورة الله)”.

إن صورة الله، حسب قول إيريناوس، ليس شيئاً ينحصر بالعقل بلّ شيئاً يتناول الجسد الإنساني. يعالج هذه الناحية يوستينوس الفيلسوف في بحثه عن القيامة فيقول:

“من الواضح، إذاً، أن الإنسان المخلوق على صورة الله هو جسدي. أليس القول: إن لا قيمة للجسد المخلوق على صورة الله ولا شرف له قول غير صحيح ومشين؟ فهل الإنسان روحاً فقط؟. كلا!.إنها روح الإنسان. أيمكن أن يكون الإنسان جسداً فقط؟ كلا!. إنه جسد الإنسان. الإنسان هو وحدة من الإثنين. لو أخذ الإنسان بقسمه الواحد دون الآخر، لكان حيادياً”.

في عبارته “نثبت إستناداً إلى طبيعة الإنسان الكتابية أن الإنسان سُمّي إنسانا لا لأنه ذو نفس فقط وجسد فقط، بل لأنه وحدة من النفس والجسد ومن الناحيتين خُلق على صورة الله ومثاله”، يتفق غريغوريوس بالاماس مع يوستينوس.

بدلاً من أن يستغل الكتبة المسيحيون النتائج التي يكتسبها الجسد والمادة من خلقة الإنسان على صورة الله وقعوا في نوع من الملائكية وإعتبروا الجسد كعائق ومانع، كشيء لا علاقة له بالحياة الروحية، كشيء خارجي عن طبيعة الإنسان الحقيقية وأوحوا أن هدف حياة الإنسان هو أن يتحرّر من ربط المادة وأن يحيا حياة روح بدون جسد.

هذه النظرة لا تأخذ بعين الإعتبار الفرق الجوهري بين البشر والملائكة. خلق الله الملائكة أرواحاً خالصة، أما الإنسان فقد أعطاه جسداً تماماً كما أعطاه روحاً وهذان يشكلان وحدة جوهرية. خلق الله الإنسان بجسد ومن الكبرياء والجنون الفاضح أن يحاول الإنسان أن يخلع عنه جسده ويصبح ملاكاً. كما يقول باسكال: “ليس الإنسان ملاكاً ولا حيواناً. من يريد أن يكون الملاك يكون الحيوان”. لا يجوز أن يتجاهل الإنسان، ولا أن يحاول أن يتجاوز الطبيعة المادية بل عليه أن يفتخر بجسده وأن يستعمله كأشرف هدية من الله. يعتقد الكثيرون أن الإنسان هو دون الملاك لأنه يملك جسداً. الملاك لا يملك إلا روحاً والإنسان يملك روحاً وجسداً. يقول غريغوريوس بالماس: “إن الإنسان هو فوق الملاك لأنه يملك جسداً”. إن الطبيعة البشرية كمركّبة تملك إمكانات أكبر من الطبيعة الملائكية. الإنسان حد وسط بين المادي واللامادي، إنه يشترك في العالمين، لذلك يشكّل جسراً ونقطة تماس لكل الخليقة الإلهية.

كل هذا وأمور أخرى كثيرة تقوم وراء سرّ التجلّي، وراء إتساع هذا السرّ في أعضاء الكنيسة. يقول أسقف فاستكوت: “إن التجلّي هو مقياس إمكانات الإنسان، هو كشف قدرة الحياة الأرضية الروحية في أسمى أشكالها الخارجية. إن تجلّى المسيح وتجلّى قديسيه يبرهن لنا عن مقياس إمكانات الإنسان ويُظهر لنا الجسد الإنساني كما خلقه الله في البدء وما هو مؤهل ليصبحه بنعمته وإرادتنا. التجلّي يكشف روحانية طبيعتنا المادية الخاطئة، نرى الجسد الإنساني في حالته النهائية عندما يصبح روحاً. التجلي يكشف بصورة جدّ حيّة أن الروح لا يساوي “غير المادي”. لا النفس فقط بل الجسد أيضاً مؤهل ليتشح وشاح الروح القدس. إن تجلّي الأجساد مظهر مدرك فقط ضمن إطار أنتربولوجيا تقبل بإمكانات الجسد الإنساني الروحية وترفض بقوة كل شكل من أشكال الثنائية الأفلاطونية”. التجلّي يُعطي الحق للناسك “بيمين” ضد دوروثيوس ويبرهن أن اللاهوتي المسيحي هو مادي بالضرورة.

قلنا أننا نرى في التجلّي الجسد البشري كما خلقه الله في البدء. مجد يسوع المسيح فوق جبل ثابور ليس مجداً أخروياً فحسب بل حدثاً يشير إلى طبيعة الإنسان في البدء قبل أن تدمرها السقطة.

Бамго је узео слику Адамовог тела, као што каже књига „Изреке пустињака“. Шта је са овом фразом? То свакако значи да се Бамгу вратио и запоседао стање Адама у рају. Тако се његово тело открило и постало као Адамово тело пре пада, блиставо и прослављено. Богослужбене књиге садрже такво учење, а на празник Преображења Господа и Бога нашег 6. августа појемо: „Данас се на гори Тавору преобразио над ученицима и показао у Себи лепоту стихије Првог. Слика претпостављајући људску суштину.”

И још: „О Христе Спаситељу, учинио си да Адамова мрачна природа заблиста кроз своје преображење, повративши њен елемент у славу и сјај Твога божанства.

Преображење славног Исусовог тела на гори Тавор открива „лепоту лика божанског“, показује нам каква би била наша људска природа да није била укаљана Адамовим грехом и показује нам шта наша људска природа може и мора постати.

У житијима светих који нису телесно прослављени као што се прославља Серафим, можемо на измењен начин посматрати исто учење о људском телу. Показаћемо неке примере старих аутиста. Међу древним пустињачким пустињама можемо наћи лажни дуализам због крајње строгости живота, а често можемо наићи на супротно. Када је свети Антоније (251 - 356) напустио своју пустињску кулу, у којој је живео као пустињак двадесет година (како је Атанасије навео), људи су се зачудили када су видели његово тело у истом стању „Није био исцрпљен постом, нити да ли га је његова борба са ђаволима смиривала, нити се погрбио због недостатка вежбања.” Био је исправан, као онај који следи разум и живи по природи.” Овде нема ни трага некаквој двојности. Антоније је био у природном стању, он је „живео по природи“. Строг живот није променио његово тело. Чини се да пустињак који тражи живот пре греха циља душу и тело. Атанасије Велики у својој књизи „Живот Антонијев” истиче очување тела пустињака Антонија на начин који скреће пажњу: „Иако је живео сто пет година, ипак је сачувао савршен вид и зубе, и руке и ноге су му остале јаке.”

У Египту постоји читава парохија пустињака која су нам позната. Тела њених пустињака била су доброг здравља, попут светог Антонија, и „нико од њих се није разболео пре његове смрти“. Када им се приближи смртни час, усамљени међу њима би се припремио и испричао браћи, а затим легао и спавао последњи сан. Пре пада није било болести. То се понекад дешава и са онима који су својом светошћу достигли стање раја. Они су слободни од болести. Ослобођење од болести које је дато Бамгуу „који је прихватио лик Адамове славе“ и умро док је ткао корпу није лишено смисла. Није се разболео пре смрти и није осећао болове у органима. О овој теми пише Џон ал-Салами (579-649) у својој чувеној лествици, а на крају тридесетог степеника лествице објашњава тему манифестације. Он говори о преображењу тела и каже: „Када се срце радује љубави Божијој, лице му се радује и сија. Стога, када се човек потпуно интегрише са божанском љубављу, лице добија чистоту и светлост и постаје блиставо огледало које изражава унутрашња светла која постоје у дубини душе. Овим сјајем Мојсије је заблистао и његова боја је заблистала.” Затим наставља, говорећи: „Они који постигну анђеоски чин љубави често занемарују да окусе задовољство хране. Верујем да су они који су поседовали ову божанску љубав личили на анђеле, као да су бесмртни и њихова тела нису лако оболела, и постали су бесмртни и бесмртни, очишћени пламеном чисте божанске љубави.

Људско тело и у садашњем животу и у одређеним случајевима може у одређеним границама постићи ону нетрулежност коју је Адам имао пре пада, а која је удео свих праведника после васкрсења тела. Ово нам помаже да разумемо како тела светаца понекад остају бесмртна након смрти.

Д - Коначна слава Васкрсења:

Ако је човек, створен по образу Божијем, јединство душе и тела, ако тело учествује са душом у обожењу, зашто онда у житијима многих светих не наилазимо ни на труљење тела ни на спољашње прослављање? Није ли физичко прослављање у случају Светог Серафима и у житијима других светитеља било прослављање тренутака? Шта је објашњење за ово? Манифестација нашег Господа и Бога одговара на ово питање. Једном, и једном за време Христовог живота на земљи, Христос се на тренутак јавио својим ученицима преображен у божанској светлости. То не значи да је Господња људска природа прихватила нешто што раније није било у њој, а затим то изгубила. Напротив, слава која је засијала у Исусу на гори Тавору није била изузетна слава, већ нешто што је он одувек поседовао, осим што је добровољним покретом евакуације ту славу прикрио другим околностима. У свом другом присуству Господ ће доћи у слави и сили, и људи ће видети његово тело какво заиста јесте, у свој његовој лепоти и величини. То ће се десити и са његовим светитељима. Докле год су на земљи, њихова права слава готово увек остаје тајна и појављује се физички у малобројним и ретким случајевима. Али када мртви васкрсну у последњи дан, свети ће се појавити онакви какви јесу, телесно и духовно прослављени.

Преображење је, дакле, есхатолошка стварност, односно нада у други долазак Христов, када ће се и он појавити у својој слави као што се јавио на Тавору и симболизовати васкрсење мртвих, када је иста божанска светлост која је зрачила у тело Исусово на гори Тавор ће продрети у тела светих који се дижу из гроба. Христос је у свом преображењу, како каже Анселмо, показао своју славу и прославио своје следбенике, или како каже Григорије Теолог: „Да ли се кроз преображење открива нешто друго осим славе коначног васкрсења? Таворска слава је залог, обећање и пројава рајске славе.”

У Макаријевим беседама (почетком В века) детаљно се говори о будућем преображењу човека после васкрсења тела: „Тело људско се прославља у мери у којој је опседнуто Духом Светим. Оно што човек чува дубоко у себи откриће се и појавиће се ван тела и доћи ће Дан васкрсења. Силом Сунца Правде, слава Духа Светога излази изнутра напоље и обузима тела светих чија је слава била скривена у њиховим душама. Оно што је у њима сада излази из тела, и тада се њихова тела прослављају несхватљивом светлошћу која је била у њима силом духа.”

После Васкрсења, тела светих ће засијати светлошћу, како каже Књига. Овај сјај је због славе Духа, који ће бити изливен у тело: чинећи га провидним. Тело прихвата да открије сјај који је у души, духовно и нематеријално. У преображеном телу видеће се слава душе као што видите боју ствари у стакленим посудама.

То је оно што црквени фотограф тајно покушава да уради и представи. Он покушава да истакне преображено тело васкрсења, озарено светлошћу Духа Светога.

Е - Почетак будуће генерације:

Оно што Свети Тома Аквински назива „изливањем духа у тело” није нешто што је припремљено само за будућност. Неки (као што смо видели) од сада уживају у физичкој слави (чак и ако је уживање тренутно).

Реалност последњег дана је свеобухватно васкрсење и преображење тела. Зар не живимо као хришћани који су сахрањени и васкрсли са Христом кроз крштење у будућем нараштају од сада до неког степена? Није ли Царство Божије садашња стварност и у исто време будућа стварност? Васкрсење је, како потврђује јеванђелист Јован у свом казивању о васкрсењу Елијезеровом, нешто у чему верник од сада учествује. Када Марта каже: „Знам да ће васкрснути у васкрсењу у последњи дан“, она мисли на будуће васкрсење. Што се тиче Христа, он потврђује стварност садашњег васкрсења својим одговором на њега: „Ја сам васкрсење и живот... и сваки који је жив и верује у мене неће умрети довека. [Јован 11:24-26]. Преображење Светог Серафима је реалистички симбол речи Христових. Сви ови примери физичког прослављања и претходног укуса коначног васкрсења мртвих потврђују да хришћанско учење о загробном животу није нешто примљено, већ нешто што се постиже од сада, након што је освећен. „Ако је у то време тело делило тајна добра са душом, сада дели добра духа који у њему живи“, каже Свети Григорије Палма.

Ово је богословски смисао дијалога: Серафим и Мотовилов. Она јасно приказује важност људског тела у Божијем плану спасења, позивајући нас да окренемо очи ка нашем будућем васкрсењу, а истовремено нам показује како можемо да уживамо у првим плодовима, плодовима васкрсења, овде и сада.

И – манифестација света:

Не само да је људско тело позвано да се испољи, да се „одене у дух“, већ и целокупна материјална творевина. Када осване последњи дан, ослобођени човек се неће одвојити од осталог створења, јер ће се целокупна творевина са њим спасти и прославити. Јеванђелист Јован каже: [Тада видех ново небо и нову земљу, јер прво небо и прва земља прођоше, и мора више не беше] [Откривење 21:1]. Апостол Павле каже: [Јер очекивање стварања чека откривење синова Божијих. Јер творевина је била подвргнута узалудности – не вољно, него ради онога ко ју је потчинио – из наде. Јер ће се и сама творевина ослободити од ропства трулежи у славну слободу деце Божије. Јер знамо да је цела творевина заједно стењала и у мукама до сада (Римљанима 8:19-22). Ова идеја о спасењу света може бити погрешно протумачена, али када се правилно тумачи, она представља суштински елемент православне доктрине о стварима које се односе на загробни живот.

Човек сада може да гледа на свете иконе као на прве плодове овог колективног спасења које укључује чак и материју. У њему јасно видимо потенцијал освећења и духовног даривања дрвета и боје као материјала. Иконе су моћна откровења духовне моћи коју човек поседује и којом је у стању да лепотом и уметношћу искупи створење. То је залог предстојеће победе када се спасење које је Христос донео целој творевини консолидује да избрише резултате пада. Икона је позитиван физички пример који је враћен у првобитну симетрију и лепоту и сада се користи као одежда за Светог Духа. Икона је део откривеног света.

Као што Исусово преображење симболизује коначно васкрсење тела, оно такође представља преобразбу целог света. На гори Тавору се није појавила само Христова личност, него и његова одећа. Ф каже: Де Морис: „Догађај преображења живео је кроз векове и просветлио све генерације. Због те светлости и тог облика који је сијао славом Божијом, због оних марама које су сијале беле као снег, сва лица су добила овај сјај и све уобичајене ствари су се преобразиле. Јављање Господа Исуса значи пројава свих створења, пројава Његовог савршенства у будућности и Његових приноса нама од сада, које човек може да окуси. Довољно је да има очи да види.”

Свети Иринеј у свом опису последњег дана каже: „Не нестаје ни ипостас ни суштина творевине, већ престаје величина овога света, односно шта је било узрок непослушности и чиме је човек застарео. Укрштајући овај облик и човек се обнавља и расте у нетрулежности, он не може остарити, „и биће ново небо и нова земља, и у новом човеку остаће нов, говорећи Богу и говорећи му“.

Један хебрејски рукопис каже: „Један од краљева је ушао у своју башту да се обрати баштовану, али се баштован сакрио, а цар му рече: Зашто се кријеш од мене, зар нисам као ти? Тако ће Бог ходати са праведнима у рају земаљском, и они ће га видети и задрхтати од њега, и рећи ће им тада: „Не бојте се, ја сам један од вас“. Ово је манифестација коју смо чекали.

6 - Пресуда

А - Божја правда и мудрост:

Бог је дуготрпљив, саосећајан и воли човечанство, и подједнако је праведан. Као што су Његова љубав и саосећање према човечанству бескрајни, тако је и Његова правда. Истичући да је Бог милостив и праштајући, Он отвара своје срце ономе који Му се покајао, као блудном сину, и помилује га и спасава га, Он је и Судија који са истом силом осуђује оне који се не кају и одбијају спасење. Стога је требало говорити о вечној казни након што смо говорили о вечном животу. На то нас подсећа и аутор Посланице Јеврејима (10:30, 31), где каже: „Јер познајемо онога који је рекао: Ја ћу узвратити“, говори Господ. И такође: {Господ ће судити свом народу}. Страшно је пасти у руке Бога живога!”

Б - Христос је судија:

Размислимо пажљиво о овом тексту који нам је Јован дао: „И даде му (тј. Сину) и суд, јер је Син Човечији. Немојте се томе чудити. Доћи ће час када ће сви који су у гробовима чути Његов глас, и из њих ће оживети они који су чинили добра дела, а они који су чинили зло у пропаст. Ја не могу чинити ништа сам од себе, као што чујем од Оца, мој је суд праведан, јер ја не тражим своју вољу, него вољу онога који ме је послао“ (Јован 5:27-30). .

Вратимо се на оно што је свети Матеј поменуо (25,34-36) о језику Господњем на дан Суда: „...Рећи ће Цар онима с десне стране: Дођите благословени од Оца мог наследите. приређено вам царство од постања света . Јер сам био гладан и дао си ми јести. Био сам жедан и напојио си ме. Био сам странац и ти си ме примио. Био сам наг и ти си ме обукао. Био сам болестан и посетио си ме. "Био сам у затвору, а ти си дошао код мене."

Ц - Услов пресуде:

Из наведеног закључујемо да:

  • Владар и судија биће сам Христос.
  • Овај Владар и Судија нас воли и умрије за нас: „А кад ми ослабимо, Христос умрије за грешнике... Ретко ко умире за праведника... Али Бог је показао своју љубав према нама тиме што је Христос умро за нас док је ми смо још увек били грешници“ (Римљанима 5:6-8).
  • Овај исти владар је рекао преко свог пророка: [Не волим смрт безбожника, него када се безбожник окрене с пута и живи] (Језекиљ 33:11). Апостол Павле је потврдио ову реч: [Који жели да се сви људи спасу и да дођу у познање истине] [1. Тимотеју 2:4]. Апостол Петар нас је подсетио на то: [Господ није спор са својим обећањем, као што неки сматрају спорост, него је стрпљив према нама, не жели да људи пропадну, него да прими Бога да се сви покају [2. Петрова 3: 9].
  • Као што је овај владар и судија пун љубави и милостив, он је праведан.
  • Господ ће поступати с нама у складу са нашим поступцима и нашим намерама у исто време: „Јер поступање по одредбама закона не оправдава никога пред Богом, јер је закон за познавање греха“ (Римљанима 3:20). Када је рекао: [...Не судите, и нећете бити суђени. Не елиминишите никога, или нећете бити елиминисани. Опрости и биће ти опроштено] [Лука 6:36, 37].
  • Стога ће наше обрачунавање бити тешко и уско повезано са унутрашњим ставовима који одражавају љубав и давање који су евидентни у нашем односу према болеснима, странцима, затвореницима и онима који су мучени на земљи, јер у њима Господ пребива. Дакле, тест ће, на крају, бити степен наше љубави и посвећености служењу Њему и служењу онима који су створени на Његову слику и прилику: „Знамо да смо прешли из смрти у живот јер волимо своју браћу. .. Ко не воли, остаје у смрти“ (1. Јованова 3:14).
  • Ово је пут којим морамо да идемо да бисмо имали вечни живот. Постало је потпуно јасно. Остаје нам само да пређемо из мржње у љубав, јер такав прелазак нас тера да пређемо из смрти у Бога, односно живот. Дакле, предвиђамо, на неки начин, пресуду. Као што каже Златоуст: „Небо на земљи налази се у Евхаристији и у љубави према ближњем“.
  • Знање и вера се рађају из љубави: [Љубљени, љубимо једни друге: јер љубав долази од Бога. Дакле, свако ко воли је рођен од Бога и познаје Бога, а ко не воли, никада није познао Бога, јер Бог је љубав! Бог је показао своју љубав према нама пославши свог јединорођеног Сина у свет да бисмо могли да живимо кроз њега. ] [1. Јованова 4:7-9].
  • Бог је љубав, тако да ко не воли нема заједништва са Богом, па стога нема везе са животом који је од Бога. Његова судбина је смрт и нестанак. Његова судбина је пакао, где „Бог не постоји“ и Његов глас се не чује. Није ли вечна мука сазнање грешника да ће заувек живети далеко од присуства Божијег, не слушајући Његов глас и не уживајући у царству које је „Бог припремио од постања света“ (Матеј 25:34).

7 – Молитва за мртве

А – Молитва праведника и причешће светих:

Апостол Јаков нас саветује говорећи: [И молите се једни за друге да оздравите. Молитва праведника има велику моћ да то постигне“ (Јаковљева 5:16). У Макабејској књизи налазимо да је молитва праведника у стању да опрости грешнику и после његове смрти: [Јер да се није надао васкрсењу оних који су пали, његова молитва за мртве била би у џабе и џабе. С обзиром на то да је припремљена лепа награда за оне који су заспали са побожношћу. То је свето и побожно мишљење. Из тог разлога је извршено искупљење за мртве, да би били ослободјени греха (2. Мак.

Што се тиче Јована Јеванђелисте, он преокреће стих и каже нам да су и мртви у стању да се моле за живе: [И кад узе књигу, четири бића и двадесет и четири старца падоше пред Јагњетом, сваки једна од њих харфе и златне чаше пуне тамјана, које су молитве светих. И приступи други анђео и стаде код олтара, имајући златну кадионицу, и даде му се много тамјана да га принесе уз молитве свих светих. Златни олтар који је пред престолом] [Откривење 5:8 и 8:3] . Он упоређује „молитве светих“ пред престолом Јагњетиним са „златним чашама испуњеним тамјаном“.

Смрт, дакле, не разбија јединство Христовог тела. Живи у овом свету и они који су отишли даље у нади у васкрсење увек су једно тело. То је оно што називамо „заједницом светих“.

Ово општење, о коме смо претходно говорили у осмом поглављу, најбоље се показује у литургијском животу Цркве. Цела црква се моли, а не само живи. Јер и умрли који су са нама у цркви и који су представљени иконама светих постављених у цркви, такође учествују у нашој похвали. Још једна важна ствар се дешава у Божанској миси, јер се свештеник сећа живих и ставља комаде хлеба за приношење на послужавник, а затим ставља комаде хлеба за приношење на исти тацну послужавник у чаши, да живи и мртви постану једно тело у Христу. Дакле, једино место где се живи и мртви сусрећу у сваком смислу те речи јесте црква, тачније у Светој Чаши, односно у Христу Исусу. Стога смо позвани да у молитвама својим Господу носимо своје мртве, а и они нам се придружују у хваљењу, да се у њима и у нама прослави име Господње и тело које нас спаја, а то је расте Црква, Тело Христово.

Б – О заупокојеној молитви – беседа Његовог Блаженства Патријарха антиохијског Игњатија ИВ – када је био Митрополит Латакијски:

У име Оца и Сина и Светога Духа, јединога Бога. Амин.

Љубљени, чини се да је важно да људи знају када се заправо молимо за наше мртве. Мислим да многи у овој светој Цркви и многи наши људи мисле да је молитва за две стотине молитва коју чинимо на крају мисе.

Љубљени, ми нисмо дошли у ову цркву на ову молитву (погребну молитву). Долазимо у цркву да се суочимо са својим мртвима. Ова молитва коју молимо на крају Свете мисе је молитва која се може обављати код куће, било где и много пута. То је врло, врло обична молитва. То је само помињање и ништа више. Реалност је, драги моји, да се овде суочавамо са својим мртвима, и молимо се за њих и са њима, и славимо Божанску мису са њима. Ово је важна тачка. Ми држимо Божанску мису да бисмо ми и они могли бити у божанској служби. Они се не помињу на крају молитве, али се помињу када кажемо: „Помени се, Господе, прво „Оче наш“ и...“ Затим помињемо ова имена за божанском трпезом након што је Господ донео међу нас хлеб и вино претворено у Своје тело и крв.

Зато је сасвим природно да се наше мисли претворе не у празно сећање, већ у потпуно присуство, у присуство које је готово опипљиво као присуство Христа међу нама, као присуство Христовог тела и духа, тела и крви, тела. и душа. Када је Христос посебно присутан код нас, када се мртви полажу на овај благословени послужавник, они су присутни као и живи. Када божанска благодат сиђе на часно тело, на чесно јагње и на часну крв, онда они оживе као што је жив Христос.

Љубљени, надам се да ћемо се у нашим молитвама духовно обратити на ту посебну околност. Стога се они који долазе у цркву посвећују за своје мртве. Они који не присуствују Светој миси, па чак ни овој краткој молитви, нису испунили своје дужности према својим умрлим. Онај ко врши своју дужност према својим мртвима је тај који долази да га види. Да се са њим помолимо, и да са њим примимо и драгоцено тело и крв Господњу.

Прво вас молим да дођемо на почетак мисе, јер је миса молитва за мртве, а не ова молитва. Друго, ми и наши мртви учествујемо у животу са њима у Господу Исусу. Ово је наша права утеха, драги моји.

Што се тиче екстерног саучешћа, као што је посета дому и изражавање саучешћа као и обично, ово више није доступно свим људима. Људи у свету више не могу да толеришу узнемиравање у својим малим домовима или лишавање свог ограниченог времена, а више од тога, њихове уморне душе можда неће толерисати питање туге која се у њима много пута покреће. Људи више не могу да трпе обичаје у којима данас живимо. Стога се саучешће најчешће вршило у цркви или на њеном улазу. Тужан тада одлази својој кући да осети да је тамо слободан, ако жели да плаче, може да плаче у својој кући, а ако жели да се моли, може да се моли и у својој кући.

То је оно што сам желео да објавим, и у свим околностима желим да свака особа која изгуби вољену особу има срдачну утеху, дубоку утеху која долази од Господа Исуса. Утеха која долази од Господа Исуса пребива у срцу сваког верника.

8 - Успеније Пресвете Богородице:

У петом поглављу смо говорили о Богородици, а сада се томе враћамо јер она даје најбољу слику преласка из смрти у живот. Њен сан – тачније, њен прелазак – је живи симбол како би могао изгледати крај нашег живота на земљи: „Заиста, кажем вам, ко слуша моје речи и верује у онога који ме посла, има живот вечни и неће присуствовати суду, јер је прешао из смрти у живот“ (Јован 5:24).

Успеније Богородице није помињано у Светим књигама, али нам је црквено предање пренело овај догађај. Црква га слави петнаестог августа.

Шта учимо од Бајрамске иконе и дова и дове које узносимо током бајрамске службе?

а- На икони видимо Марију на самртној постељи окружену апостолима, а душа је сакупљена из целог света. Видимо и анђелске епископе Цркве како се клањају пред њом. У средини иконе видимо Учитеља како на рукама носи дете које представља дух своје мајке. Тако, једноставно и дубоко, икона нас учи да је Марија, која је родила Господа као дете, сада рођена на небу и да је носе руке свог Сина и Учитеља. А онај коме је дала своју људску природу да се роди на земљи, заузврат је примио његову благодат да се роди на небу. Тако је у Успењу Богородице остварена слава будућег века и човек је постигао крајњи циљ за који је створен, значи обожење. У Христу се Бог оваплотио, а Дјева је у свом прелазу обожена и први пут остварила циљ божанског оваплоћења, који су Оци изразили када су рекли: „Син Божији постаде човек да би се човек обожио .”

Б- „Рођењем си девственост сачувала и одржала, и у сну ниси занемарила ни оставила свет, Богородице, јер си прешла у живот, пошто си мајка живота, па својим заступништвом спаси наше душе од смрти.”

Овај тропар нас учи да је Богородица прешла из смрти у живот и да је имала живот вечни без осуде. (Јн. 5,24) Јер Богородица не може остати у трулежи. Петнаестог августа, на годишњицу упокојења Богородице, одржавамо службу донекле сличну васкршњој јер нас враћа на Успење Богородице, које је уједно и прослављање њеног васкрсења и сједињења са Сином, прескачући Судњи дан и опште васкрсење.

„Богородица, која не занемарује заступништва и неуслишену наду у помоћ, није била обуздана ни гробом ни смрћу, али пошто је мајка живота, пренела ју је у живот, који је боравио у њеном вечном оставу девствености. (Кандак у магији).

„Када су анђели видели сан пречисте девице, зачудили су се како се она узнела са земље на највише“ (Девета долина).

Ц- Оно што се догодило Марији није случајност, већ је део Божјег плана спасења за сваког од нас. После суда, односно на крају времена, бићемо живи са својим телима пред лицем Божијим, како каже апостол Павле: „Тако је у васкрсењу мртвих: тело је погребено у трулењу. и диже се нетрулежност, без части се сахрањује и у слави се сахрањује, у слабости се сахрањује и у сили се уздиже. Он сахрањује људско тело и подиже тело духовно. А ако постоји људско тело, постоји и тело духовно“ (1. Коринћанима 15:42-44).

И ово је коначна сврха суда: да нас уведе у вечни живот са Богом као што је у њега ушла Дјева, и да уђемо у Царство Небеско или Небески Јерусалим, како га књига назива, у овај сасвим нови свет који нам је Бог обећао и који је у „постајању” од сада и истовремено „при”. То ће се у потпуности остварити када Бог постане „све у свему“ (1. Коринћанима 15:28).

Фејсбук
Твиттер
Телеграм
ВхатсАпп
ПДФ

информације О страници

Аддрессес Чланак

садржаја Секција

Ознаке Паге

الأكثر قراءة

Иди на врх