الأب رومانيدس:
كشف الأب رومانيدس في تعريف عن نفسه، وهو أمر نادراً ما كان يقوم به، ما يلي:
“أتى والداي من مدينة كاستروبوليس الرومانية في أراباسوس كابادوكية، وهي مسقط رأس الإمبراطور الروماني موريق (582-602) الذي حدّد القديس غريغوريوس الكبير (590-604) بابا لروما، الذي بدوره عيّن أوغسطين أوّل رئيس أساقفة لكانتربري.
لقد أبصرتُ النور في بيرية في الثاني من آذار 1927. مع أهلي تركت اليونان مهاجراً إلى أميركا في الخامس عشر من أيار 1927، بعمر 72 يوم فقط، ، وتربيّت في منهاتن في مدينة نيويورك.
أنا خرّيج الكلية اليونانية في بروكلين، كلية اللاهوت في جامعة يال، مع دكتوراه من كلية اللاهوت في جامعة أثينا الوطنية، ومن مدرسة الفلسفة في جامعة هارفارد (كلية الآداب والعلوم). أنا أستاذ فخري في كلية اللاهوت في جامعة تسالونيكي وأستاذ زائر في معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي في جامعة البلمند في لبنان، منذ 1970.”
إلى هذه سوف نضيف أنّه دَرَس أيضاً في معهد القديس فلاديمير في نيويورك، ومعهد القديس سرجيوس في باريس، كما في ميونيخ، ألمانيا. سيم كاهناً في 1951، ومنذ ذلك الحين خدم في عدّة أبرشيات من الولايات المتحدة الأميركية. كما خدم كأستاذ في كلية الصليب المقدّس للاهوت، لكنّه استقال في 1965، احتجاجاً على صرف الأب جورج فلوروفسكي من الكلية.
تمّ تعيينه لكرسي العقائد في كلية اللاهوت في جامعة تسالونيكي في الثاني عشر من حزيران 1968، لكنّه لم ينتسب لأنّه اتُهِم بالشيوعية. في النهاية التزم هناك في 1970. استقال في 1984 لأسباب شخصية وأُعطي تعويضاً كاملاً، لكن ما لم يكن مناسباً هو إعطاؤه لقب أستاذ فخري.
أعماله
بين كتاباته وفرة من الدراسات، أغلبها لم يزل غير منشور، وينبغي نشره كلّه في سلسلة من الأجزاء. ينبغي الحفاظ على هذه الآثار لأن فيها الكثير لتقدّمه وتظهره.
أطروحته في الدكتوراه حول “الخطيئة الأصلية” كانت بحثاً ثورياً بكل معنى الكلمة إذ فتحت سبلاً جديدة في لاهوتنا، أعقبتها كتبه ذات الشأن حول الرومانية في حقل التاريخ. لقد أعاد الأب جون إحياء كلاً من البحث والفهم. كتب أندرو سوبكو أطروحة للدكتوراه تحت عنوان “نبي الأرثوذكسية الرومية – لاهوت الأب جون رومانيدس”، في كندا عام 1998. في هذه الأطروحة دقّق سوبكو بشكل منهجي في أعمال الأب رومانيدس ومساهمته في العلوم.
على نفس المستوى من الأهمية كانت مساهمته في كنيستنا، باشتراكه في الحوارات اللاهوتية مع غير الأرثوذكس، خاصةً الأنكليكان، كما مع غير المسيحيين (اليهود والمسلمين). لقد ساعده كون الإنكليزية لغته الأصلية وأمّن له اليسر الذي كان يحتاجه ليبسط بدقة مواقف كنيستنا. في الحوار مع الاتحاد اللوثري العالمي (1978)، كان لي فرصة التعرّف إليه أكثر، لأصبح صديقاً له، وما هو أكثر أهمّية من ذلك بالنسبة لي هو أني أصبحت تلميذاً له، إضافةً إلى اكبابي على الدراسة المستفيضة والمستمرّة لأعماله. في هذه الحوارات، كانت تظهر بوضوح معرفته بالتقليد الآبائي، في موازاة معرفته للتزوير الذي تعرّض له هذا التقليد في الشرق كما في الغرب. كما كانت تظهر بشكل خاص معرفته بلاهوت القديس غريغوريوس بالاماس، حجر زاوية التقليد الأرثوذكسي.
كان الأب جون من دعاة الترابط بين اللاهوت والخبرة في الروح القدس، ومن حَمَلَة التعليم عن مراحل تقدم القديسين الروحي (التطهر- الاستنارة – التأّله) كمتطلبات أساسية للمجامع المسكونية ولقبولها بإخلاص، وهو ما أُهمِل في الغرب، وحتّى في فكرنا اللاهوتي المتغرِّب. هذه النزعة نحو الفكر الآبائي كأحد أشكال الأصالة الكنسية كان استمراراً وتكميلاً لاتجاه الأب جورج فلوروفسكي الذي تابع الأب رومانيدس مساره في الحوار المسكوني، وعلى مثاله تحوّل هو أيضاً إلى مصدر إزعاج وصلابة في التعاطي. في يوم من الأيام، سوف يُكتَب كلّ هذا، وسوف تظهر شخصية هذا الراحل البارزة، إلى جانب مساهمته الحقيقية في حضور الأرثوذكسية عالمياً ومسكونياً.
ما قبل رومانيدس وما بعده
عند مراجعة أعماله اللاهوتية، التربوية والأدبية والنضالية، نحن نُلزَم طبيعياً بالإشارة إلى فترتين: ما قبل رومانيدس وما بعده. فهو قد أدخل فاصلاً حقيقياً وصدعاً في تاريخنا السكولاستيكي الذي كان بمثابة أسر بابلي للاهوتنا. لقد ختمت أطروحته هذا المسلك الإحيائي إلى درجة أنّ تأثيره على التفكير اللاهوتي ظهر حتى في كتابات الذين انتقدوه لأسباب متعددة أو عارضوه فكرياً. من إنجازات الأب يوحنا بشكل خاص:
- أعاد الأولوية إلى اللاهوت الآبائي التجريبي في حقل اللاهوت الأكاديمي، مستبعداً طريقة اللاهوت العقلانية-التأملية-الماورائية.
- ربط اللاهوت الأكاديمي بالعبادة وتقليد الفيلوكاليا الآبائي، مبرهِناً الترابط ما بين اللاهوت والحياة الروحية والميزة الروحية العلاجية للاهوت العقائدي.
- في طريقته اللاهوتية، أدرك وتبنّى الصلة الشديدة بين العقيدة والتاريخ، وبفضل هذه الطريقة استطاع أن يفهم، على غرار القليلين، أنّ اللاهوت تغرّب في أوروبا الغربية ومات بتأثير القوة التي فرضها الاحتلال الإفرنجي. إلى هذا، فإن معرفته الواسعة بالتاريخ، الإفرنجي والرومي (فهو كان أستاذاً للتاريخ في جامعة يال Yale)، ساعدته على تحديد وتحليل التضاد بين الحضارتين الإفرنجية والرومية مع تقديم معايير رومية لتفحص تاريخنا وحضارتنا.
- وهكذا قد ساعد في البحث الواسع حول الهلينية أيضاً، بما يتخطّى السيناريوهات الغربية المفبركة، عن طريق استعماله المستقيم المؤهَّل للأسماء التاريخية وأهميتها ودورها في مجرى تاريخنا.
غير الأرثوذكس
في الواقع، لقد اعترف غير الأرثوذكس، أكثر منّا، بشخصية الأب يوحنا وأهميته للأرثوذكسية. لقد اعتُبِر أرفع الباحثين الأرثوذكسيين في فكر أوغسطين، حتى أنّه ساعد اللاهوت الغربي على فهمه، وتميّز في أنّه “على الأكيد أهمّ اللاهوتيين الأرثوذكسيين الذي تضمنّت أعماله دراسة نقدية لفكر أوغسكين على ضوء اللاهوت الآبائي”. وينبغي أن نذكر أننا مدينون للأب يوحنّا لجزمه البالغ الأهمية بأنّ تعليم برلعام الكالبري القائل بأن خبرات الأنبياء في إدراك الله هي “ظواهر طبيعية، يمكن إنجازها أو إهمالها”، هو تعليم مستمّد من رسالة أوغسطين عن الثالوث.
أيها الأب يوحنا المحترم والعزيز، إن أصدقاءك وزملاءك الناطقين باسمك، جميعهم يعبّرون عن امتنانهم لكل ما قدّمت لنا بنعمة الله، ومعهم الآلاف من الطلاب المباشَرين وغير المباشَرين. نحن نتمسّك بالحقيقة اللاهوتية التي تركت لنا، لتكون لنا مشعلاً في الظلمة التي بذرها الجهل والمراوغة واللامبالاة والنفعية. لقد وحّدتَنا بالعنصر الآبائي المُتَضَمَّن في دنيا اللاهوت الأكاديمي بالتحفيز المستمر نحو العبادة والممارسة النسكية، حيث ينشأ اللاهوت الحقيقي. شكراً لك.
يا زميلي وشريكي في الخدمة، فليكن ذكرك مؤبّداً وإلى اللقاء مجدداً عند المذبح السماوي.
المتقدم في الكهنة جورج ميتالينوس
عميد كلية اللاهوت في جامعة أثينا.
هذا النص هو من كلمة ألقاها في حفل تأبين للأب يوحنا رومانيدس.