العهد الجديد – الإنجيل

تأسست الكنيسة على الإيمان بأن يسوع هو “المسيح ابن الله الحي”. وهي، منذ صعوده الى السماء، تنتظر عودته الوشيكة، ولذلك ما كان همّها في الأصل أن تكتب أقوال الرب بقدر اهتمامها بأن تحيا وفق كلّ ما رأت أو سمعت منه. ولكن لمّا أشرف الجيل المسيحي الأوّل على نهايته برزت الحاجة الى تدوين شهادة الرسل، فأتت كتابات العهد الجديد شهادة عيان لكرازة يسوع على الأرض وموته وقيامته ولردع كلّ ما تسرّب من تعاليم غريبة ولرصد كل انحراف.

يتضمّن العهد الجديد سبعة وعشرين كتابا وُضعت كلّها باللغة اليونانية، ترتيبها واحد في جميع طبعات الكتاب المقدّس: الأناجيل الأربعة، أعمال الرسل، رسائل بولس الأربع عشرة، الرسائل الجامعة ورؤيا يوحنا.

تتنوّع تقاليد كتّاب العهد الجديد بسبب تنوّع أوطانهم وثقافاتهم الدينية التي ورثوها، من دون أن يشوبهم في جوهر التعليم الذي تسلّموه أي اختلاف، ذلك أنهم جميعهم يؤمنون إيماناً واحداً بالبشرى السارّة (الإنجيل) التي مضمونها أن يسوع الناصري الذي صُلب على عهد بيلاطس البنطي هو مسيح الرب المخلّص الذي أنبأت عنه الكتب (العهد القديم) وقد قام من بين الأموات، وهو نفسه ملك إسرائيل الحقيقي.

هذه البشرى-المشروع أَطلقت عليها الكنيسة في أواخر القرن الثاني اسم “العهد الجديد”، أي الميثاق الجديد بين الله والناس كما ظهر في يسوع الناصري. جعلت هذه التسمية المسيحيين الأوّلين يطلقون عبارة “العهد القديم” على مجموعة الكتب التي كانت قبلاً تسمّى “الشريعة والأنبياء”. فأشاروا بذلك إلى أنهم يرون، في تلك المجموعة، محتويات أحكام العهد الموسوي القديم الذي جدّده يسوع وتخطّاه.

لائحة كتب العهد الجديد، بالشكل الذي نعرفه اليوم، ثبتت نهائياً خلال القرن الرابع. فمنذ البدء وشهادات الآباء الأوّلين، أمثال يوستينُس الشهيد (+165)، وهو أوّل من ذكر أن المسيحيين يقرأون الأناجيل في اجتماعات الأحد، وإيريناوس (+202) واكليمنضُس الإسكندري (+215) وترتليانُس (+220) وغيرهم، تعطي تطابقاً كاملاً مع ما نعرفه اليوم من هذه الكتب. إلا أنه قام حول بعضها نزاع، ومنها الرسالة إلى العبرانيين ورسالة يعقوب ورسالة بطرس الثانية ورؤيا يوحنا. إفسافيوس القيصري (+340) اعترف بالقانون الحالي من دون أن يعترف بقانونية كتاب رؤيا يوحنا الذي قبِلَه القديس أثناسيوس الكبير في ما بعد في رسالته ال 93 (السنة 367) التي حدد فيها قانون العهد القديم والعهد الجديد بالشكل المعروف اليوم.

أول كاتب في العهد الجديد هو بولس الرسول. جاءت رسائله لتوازي الكرازة الشفوية في ما يختصّ بتعليم الكنائس المؤسَّسة حديثاً. كاتب رسالة بطرس الثانية (3: 15و16) يذكرها ويعتبرها مقدّسة مما يؤكد انها كانت مقبولة منذ البدء وأن انتشارها كان واسعا. للقديس بولس ثلاث عشرة رسالة يزيد عليها التقليد الشرقي الرسالة الى العبرانيين التي هي عظة طويلة اكثر مما هي رسالة. الرسالتان الى تسالونيكي تعودان الى العام 51، أمّا رسائله الاخرى فتعود الى الأعوام الخمسة عشر التي سبقت استشهاده (67 م). رسائل القديس بولس تكشف عن إيمان الجماعات الاولى وحياتها، وهي بصورة خاصة تحوي التعليم الرسولي الذي تقول به الكنيسة.

يتضمّن العهد الجديد، فضلا عن رسائل بولس، مجموعة من سبع رسائل دُعيت “الرسائل الجامعة”، وهي: رسالة يعقوب، رسالتا بطرس، رسائل يوحنا الثلاث ورسالة يهوذا. قد تكون رسالة بطرس الثانية هي آخر سفر دُوّن في العهد الجديد، كتبه تلميذ للرسول بطرس عرف تعليم معلّمه فوضعها تحت رعايته.

من المقبول بصورة عامة أن الأناجيل دُوِّنت ما بين السنة 66 والسنة 100، وأن مرقس هو أوّل البشيرين الأربعة، تبعه متى ولوقا (بعد حوالى عشر سنوات) ثمّ يوحنا (أواخر القرن الأول). الأناجيل الثلاثة الأولى دٌعيت بالأناجيل الإزائية لما في نصوصها – اذا قورنت – من تشابه او اختلاف، ذلك أن كلا من متى ومرقس ولوقا أورد أقوالاً وأحداثاً تتعلّق بيسوع في ألفاظ متقاربة وفي تصميم متشابه. يبقى ان كل إنجيلي له ذوقه وانسكابات الروح عليه وتأثراته بهدفه وبالقارئ الذي يتوجّه اليه. فإنجيل متى مثلا وجّهه مؤلفه – الذي اعتمد على مرقس وعلى مصدر آخر – الى أوساط فلسطينية ولذلك نرى أن الكتاب مليء بآيات من العهد القديم تُظهر أن جميع النبوءات تجد كمالها في يسوع المسيح. أما لوقا الإنجيلي كاتب أعمال الرسل ومرقس قبله، لكونهما موجَّهين اولا الى أوساط وثنية، فهما قليلا الإلحاح على كلّ ما يتّصل بالعادات والتقاليد اليهودية، ويُظهر كل واحد في إنجيله الطابع العام والشامل لرسالة يسوع. أما الإنجيل الرابع فهو مؤَلَّف لاهوتي يكشف لنا يوحنا فيه هوية المسيح الأزلية ومعنى مجيئه بالنسبة الى العالم والكنيسة والإنسان.

العهد الجديد يشهد كلّه ليسوع. الوحدة العميقة لهذه الشهادة تتجلّى في حياة الكنيسة التي أعطاها الروح القدس أن ترى وتؤمن أنه في المسيح يسوع يتمّ قصد الله الأزلي لخلاص العالم.

نشرة رعيتي
الأحد 29 تشرين الأول 1995
العدد 44

arArabic
انتقل إلى أعلى