نعوت يسوع

ثمّة في العهد الجديد ألقاب عديدة عُرف بها يسوع الناصريّ، يصف كلّ منها وجهاً من وجوه رسالته. وسوف نعرضها باقتضاب مع شرح بسيط يتضمّن أهمّ ما يميّزها.

أوّل هذه النعوت لقب “المسيح” الذي أصبح الاسم الثاني ليسوع. و”المسيح” لفظ يعني “الممسوح بالزيت” وهو المخلّص الذي وعد به الأنبياء شعب العهد القديم. وقد آمن هؤلاء بأنّ المسيح سيأتي من ذرّيّة داود النبيّ. غير أنّ اليهود المعاصرين ليسوع كانوا يعتقدون بأنّ المسيح المنتظر سيكون قائداً عسكريّاً يحرّرهم من سلطة الرومان ويقيم مملكة أرضيّة. وهذا ما كان نقيضاً لمفهوم يسوع ورسالته، فهو القائل لبيلاطس الحاكم الرومانيّ، إبّان محاكمته: “مملكتي ليست من هذا العالم” (يوحنّا 18: 36). ومع أنّ يسوع لم يطلق على نفسه تسمية “المسيح”، منعاً للالتباس مع المفهوم اليهوديّ لهذه التسمية، إلاّ أنّه بعد قيامته من بين الأموات، اقتنع المسيحيّون الأوائل بأنّه هو المسيح الموعود به.

وصفت الأناجيل يسوع بـ”ابن الله”، أو “الابن الوحيد”، أو “الابن”. وهذه النعوت جميعاً تشير إلى العلاقة الحميمة التي تجمع الله بيسوع، كما تشير إلى المعرفة المتبادلة وإلى الوحدة في الإرادة: “فما من أحد يعرف الابنَ إلاّ الآب، ولا أحد يعرف الآبَ إلاّ الابن ومَن شاء الابن أن يكشفه له” (متّى 11 :27). وإذا كان نعت “ابن الله” لا يشير صراحةً إلى ألوهة يسوع لكون شعب العهد القديم قد دعي أيضاً “ابن الله”، فنعتا “الابن” و”الابن الوحيد” الواردان في إنجيل يوحنّا في مواضع عدّة يحملان فرادة العلاقة بين الله ويسوع، من حيث حصريّة الأبوّة والبنوّة الأزليّتين.

نعت “ابن الإنسان” مرتبط في الأناجيل باليوم الأخير وبالدينونة. وقد أطلق دانيال النبيّ هذا النعت على كائن سوف يأتي من السماء ويتولّى القضاء (أو الدينونة) والمُلك. وقد كشف يسوع لتلاميذه أنّه هو ابن الإنسان المقصود في سفر دانيال النبيّ، فاستعمل في خطابه عن اليوم الأخير الصورة ذاتها الموجودة عند دانيال قائلاً: “وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء، وتنوح حينئذ جميع قبائل الأرض، ويرون ابن الإنسان آتياً على سحاب السماء بقوّة وجلال عظيمين” (متّى 24 :30). والجدير ذكره أنّ حديث يسوع عن آلامه الخلاصيّة يرتبط في شكل دائم بنعت “ابن الإنسان”. ففي كلّ مرّة كان يعلن فيها يسوع لتلاميذه عن قرب صلبه وقيامته من بين الأموات كان يستعمل هذا النعت: “هوذا نحن صاعدون إلى أورشليم، وابن الإنسان سيُسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة…” (متّى 20: 18-19). ولكنّ هذا النعت يرتبط أيضاً بالخلاص الآتي: “إنّ ابن الإنسان أتى ليطلب ويخلّص ما قد هلك” (لوقا 19: 10).

يدعى يسوع أيضاً “الربّ” أو السيّد. في العهد القديم كان اليهود إذ يتحاشون ذكر اسم الله “يهوه” يستعيضون عنه باسم “أدوناي” الذي يعني بالعبريّة “الربّ”، وقد تُرجم إلى اليونانيّة بلفظ “كيريوس”. هذا اللفظ اليونانيّ نفسه الذي يعني “الربّ” بالعربيّة اختصّ بيسوع فقط في كامل العهد الجديد. فيكون، إذاً، إطلاق اسم “الربّ” على يسوع إقراراً بألوهة يسوع ومساواته لله. من هنا اعتراف توما الشهير بعد أن شكّك بقيامة يسوع: “ربّي وإلهي” (يوحنّا 20 :28).

يسوع هو أيضاً “كلمة الله” الأزليّ الذي به خلق الله كلّ شيء (يوحنّا 1 :1). هذا “الكلمة” الإلهيّ نفسه قد تجسّد، وبالقول الإنجيليّ “نصب خيمته” بين البشر (يوحنّا 1: 14)، وعاش إنساناً يأكل ويشرب ويتألّم ويصلّي ويصوم على نحو ما يفعل سائر الناس، سوى أنّ يسوع لم يرتكب أيّة خطيئة. في هذا المنحى يكون يسوع هو الكلمة التي أراد الله أن يقولها للبشر. وعوض أن تنزل كلمة الله في كتاب، كما تعتقد دياناتٌ أخرى، اختار الله أن تسكن كلمته في جسد ليكون أقرب إلى الناس. يسوع هو كلمتنا، يسوع هو كتابنا الحيّ.

ومن صفات يسوع “عبد الله” الذي تكلّم عليه إشعياء النبيّ في مقاطع عديدة (الفصول 42 و49-53). والأناجيل جميعاً رآت في آلام يسوع وموته على الصليب تحقيقاً لما ورد عنه في نبوءة إشعيا عن آلام عبد الله. وعبد الله هذا، الخالي من أيّ جمال في المظهر ومن أيّ نفوذ، لا يسير في طريق العنف والانتصارات العسكريّة أو الاقتصاديّة، بل يحيا حياة الطاعة الأمينة فيأخذ على عاتقه، هو البريء، ثقل خطايا الشعب ويخلّصهم بفضل ما يتكبّده من آلام بصبر جميل. وهو إلى ذلك ينشر العدل والسلام في الأرض ويحمل البشرى إلى الفقراء.

هناك نعوت أخرى ليسوع وردت في العهد الجديد يضيق بنا المجال لعرضها بالتفصيل. فهو “المخلّص” (يوحنّا 3: 1-7)، الذي يؤتي الله خلاص البشر على يده. ويدعى في الأناجيل “النبيّ” (لوقا 7: 16)، أي الذي ينقل إلى الإنسانيّة رسالة الله ومشيئته. ويسوع هو “كاهن” العهد الجديد (عبرانيّين 9 :15) الذي يقدّم إلى الله الذبيحة الكاملة مرّة واحدة وإلى الأبد، وليست الذبيحة إلاّ هو نفسه. ويسمّى أيضاً “الراعي الصالح” (يوحنّا 10 :11)، مرشد الخراف وحاميها. كما يدعى في إنجيل يوحنّا “الطريق والحقّ والحياة” (يوحنّا 14: 6)، أي إنّه الطريق الذي يقود الناس إلى الحياة الحقّ، الحياة الأبديّة. وهو أيضاً “صورة الإله غير المنظور” (قولسي 1: 15) الذي إذا نظرنا إليه نكون قد رأينا الآب: “مَن رآني فقد رأى الآب” (يوحنّا 14: 9).

إنّ نعوت يسوع لها دلالات ومعانٍ، فكلّ منها يشير إلى ناحية من نواحي رسالة يسوع في هذا العالم. ولكن يبقى أنّ الشهادة لاسم “يسوع” وحده كفيلة بمنح الحياة الأبديّة. وفي هذا الاتّجاه يقول القدّيس بولس الرسول: “كيما تجثو لاسم يسوع كلّ ركبة في السموات وفي الأرض وتحت الأرض، ويشهد كلّ لسان أنّ يسوع المسيح هو الربّ لمجد الله الآب” (فيلبّي 2: 10-11).

عن نشرة رعيتي 2003

arArabic
انتقل إلى أعلى