Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎

أ – سقوط الشياطين

تميزت مخلوقات الله بوحدتها وانسجامها الداخليين، لأن المحبة الإلهية كانت القوة المحيية للعالم بأسره. لكن الإنسان لم يبق أميناً على اشتراكه في المحبة الإلهية، فطلب الانفصال عن خالقه. إلاّ انه قبل سقوط الإنسان، حصل سقوط آخر بين الملائكة الذين خُلقوا قبل العالم المرئي. وقد ورد في الكتاب المقدس أن أشعياء تساءل: “كيف سقطْتِ من السماء أيتها الزهرة بنت الصبح؟” (أش 14: 12)، ثم أجاب أن ذالك عائد إلى كبريائها المبالَغ فيه. فقد قال الشيطان في قلبه: “أصعد إلى السماء وأرفع عرشي فوق كواكب الله…. أصعد فوق أعالي السحب وأكون شبيهاً بالعلي” (أش 14: 13-14). فكان جواب الرب: “بل تهبط إلى الجحيم، إلى أقاصي الجب” (أش 14: 15). وقال الرب يسوع لتلاميذه: “كنتُ أرى الشيطان يهوي من السماء كالبرق” (لوقا 10: 18).

ب – تجربة الشيطان

يتضح من كلام العهد القديم أن الشيطان ساهم في سقوط الإنسان: “سألت الحيّة المرأة: أيقيناً قال الله لا تأكلا من جميع شجر الجنّة؟ فقالت المرأة للحية: من ثمر شجر الجنّة نأكل. وأمّا ثمر الشجرة التي في وسط الجنّة فقال الله: لا تأكلا منه ولا تمسّاه كي لا تموتا. فقالت الحيّة للمرأة: لن تموتا. إنما الله عالم أنكما تأكلان منه تنفتح أعينكما وتصيران كالإلهة عارفَيْ الخير والشر” (تك 3: 1-5، انظر أش 14: 14).

ج – ثورة على محبة الله

لو ثبت الإنسان على شركته في محبة الله، لما أثمرت تجربة الشيطان. لكن الإنسان سقط في التجربة وضحى بالمحبة الإلهية بدافع من مطامعه الشخصية. وحتى ندرك الهوّة التي تردّى فيها الإنسان، يكفي أن نذكر أنه اتّخذ كلمات الشيطان، معاند الله، قانوناً لحياته بدل نصيحة إله المحبة الأبوية: “فأخذت (حواء) من ثمر تلك الشجرة وأكلت وأعطت زوجها أيضاً فأكل معها. فانفتحت أعينهما فعلما أنهما عريانان” (تك 3: 6-7).

وضع الله جميع ثمر الفردوس في تصرف الإنسان (تك 2: 16) إلاّ ثمر تلك الشجرة الذي لم يسمح به الله، ولم يهبه للإنسان (تك 2: 17). وهكذا فان الإنسان بتناوله من هذا الثمر عمد إلى أكل طعام لم يباركه الله. وبعمله الأناني هذه نكل [1] الشراكة مع الله، ولم يكن تصرّفه متوافقاً مع صورة ولا مع طبيعته الإنسانية، فحكم عليه بأن يكون منفرداً في ذاته، ولم يعد شريكاً لله.

وهذا التمرّد الذي دفع الإنسان إلى إساءة استعمال الخليقة بدل استغلال العالم الماديّ في ما يوافق مشيئة الله. كان بداية ثورة الإنسان على محبة الله.

د-غربة الإنسان

كانت نتائج هذا العصيان رهيبة على الإنسان. فهو لم يتجاوب في عمله مع طبيعته الحقيقية، لأن “المحبة” طبيعية في الإنسان باعتباره صورة الله المثلَّث الأقانيم. ولا يمكن وصف هذا التصرّف بالعصيان البسيط، لأنه سقوط من طبيعته الإنسانية ذاتها، وغربة عنها.

وقد شدّد الآباء على هذا التعليم الكنسي القائل أن طبيعة الإنسان الحقيقية تماثل حياة القداسة والفضيلة، فوصفوا الخطيئة بأنها “الحالة المخالفة للطبيعة”، أمّا التوبة فهي الجهد والتعب من أجل العودة من “الحالة المخالفة للطبيعة” إلى “الحالة الطبيعية” أي من الشيطان إلى الله.

فبعد سقوط الإنسان لم يعد الله نموذجاً له، لأن نصائح الشيطان بعدته عنه وأودت به إلى الغربة، فراح يبحث عن محور لأعماله ومركز لحياته بعيداً عن الله، وأخذ ينظر إلى مخلوقات الله كأنها مستقلة عن خالقها. ولم يدرك الإنسان أن كل شيء ينفصل عن الله يفقد قيمته وحياته، وأن من لا يعطش إلى الله يموت (أنظر يو 6: 58). وهكذا أودت أعمال الإنسان به إلى السقوط في حالة الفساد، لأنها لم تعد متجهة إلى الله، وفقدت معناها الحقيقي. فقال الله لآدم: “ملعونة الأرض بسببك” (تك 3: 17).

عاش الإنسان قبل السقوط في شركة محبة الله، فكانت حياته استمراراً لحياة الله الثالوثية، ومسيرة متواصلة نحو التأله، في ملء الشركة مع الله. أما بعد السقوط تغرّب الإنسان عن محبة الله وأخذ يفتش عن التأله بعيداً عنه، فانفتحت عيناه ورأى عريٍّه الذي قاده إلى الابتعاد عن محبة الله.

هـ – انقسام البشر

ما أن سقط الإنسان حتى بدأ مغامرته الكبرى. فالمحبة التي كانت تربطه بالله وبسائر الخليقة انفصمت وانقسم كل شيء في داخلها. والإنسان نفسه تجزأ، وبعدم رجوعه إلى الله صار كائناً أنانياً. فالطفل الصغير يجلب الآلام لأمه عند ولادته، والمرأة تخضع كلياً لسلطة رجلها (تك 3: 6). والملفت في الأمر هو تبرير آدم لنفسه واتهامه حواء، متنصلاً من مسؤوليته عنها، كأنها غريبة عنه تماماً: “المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الثمر فأكلت” (تك 3: 12). كم يختلف هذا الكلام عمّا قاله آدم نفسه لمّا رأى حواء للمرة الأولى قبل السقوط: “هذه عظم من عظامي ولحم من لحمي. هذه تسمى امرأة لأنها من امرئ أُخذت” (تك 2: 23). انفصمت الوحدة الكاملة التي سادت بين البشر قبل السقوط والتي كانت صورة حياة أقانيم الثالوث القدوس الثلاثة، وما عاد آدم يعترف بأن حواء “عظم من عظمي ولحم من لحمي”.

وأخيراً وصلت الغربة بالإنسان إلى حدّ قتل أخيه، كما يظهر من حديث الله مع قايين. فعندما سأله: (أين أخوك؟) كان يريد أن يذكِّره بانقطاع الرباط الأخوي وتدمير المحبة. لكن قايين لم يستعد رشده، ولم يسع إلى البحث مجدداً عن العيش في رباط المحبة الأخوية، بل أظهر غربته الكاملة عن أخيه وكأنها أمر طبيعي مفروغ منه، فأجاب: “لا أدري، وهل أنا حارس لأخي؟” (تك 4: 9).

لا شك أن كل شيء أساسي في الإنسان قد تغيّر بعد السقوط. فأخذ الرجل يرى في المرأة كياناً مناقضاً له، وراح الأخ يرى في أخيه كياناً غريباً عنه ومعادياً له.

و – انقسام الخليقة

عندما سقط الإنسان فقد كل شيء، لأنه قطع صلته بالله وتنكّر لمصيره الحقيقي. وسقط البشر جميعاً من محبة الله التي كانت تمنحهم الحياة، وفقدوا جمالهم الأوّل، ولم يعد كل شيء “حسناً جداً”، فانزلقوا إلى مملكة الفساد والموت.

“وقال الله لآدم: ملعونة الأرض بسببك، بمشقة تأكل منها (طعامك) طول أيام حياتك، وشوكاً وحسكاً [2] تنبت لك… بعرق جبينك تأكل خبزاً حتى تعود إلى الأرض التي منها أُخذت، لأنك تراب والى التراب تعود” (تك 3: 17-19).


[1] نكل الأمر: نكص أو تراجع عنه أو جبن (المعرِّب).

[2] الحسك :نبات شوكي. ويجوز أن تأتي بمعنى عظم السمك ، إلا أن هذا المعنى غير مقصود هنا.

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF

معلومات حول الصفحة

عناوين الصفحة

محتويات القسم

الوسوم

arArabic
انتقل إلى أعلى