Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎

في مارسيليا بناء على طلب الأسقف كاستور وضع كاسيان العملين التاليين:

أولاً: المؤسسات لنظام الشركة.

ثانيًا: المناظرات. (*a)

وضع كاسيان “المؤسسات لنظام الشركة” يحوي الجوانب الخارجية التنظيمية والطقسية للحياة الرهبانية والمحاربات الروحية التي يتعرض لها الراهب في نظام الشركة، وجاء عمله الثاني “المناظرات” ليكمل هذا العمل ويدخل بنا إلى عمق الفكر الرهباني الحي، كحياة شركة داخلية مع مخلص البشرية. وكأن العملين مرتبطان معًا بمنطق روحي وهدف واحد. الأول اهتم بالجانب الجماعي العملي والتنظيمي بمنظار روحي، والثاني اهتم بالجانب الشخصي الروحي، دون فصل بينهما، فالعملان ركزا على الحياة الرهبانية وتقاليدها وروحها.

أولاً: المؤسسات (الدساتير) لنظام الشركة De institutis caenoborum

وجه القديس كاسيان أول عمل كتابي إلى الأسقف كاستور (419-426)، يحوي 12 كتابًا في جزئين، وصف فيهما حياة الراهب الخارجية وصراعاته ونصراته على الثمانية خطايا العظمى.

الجزء الأول1-4

بعد المقدمة الموجهة للأسقف كاستور، يعرفنا القديس يوحنا كاسيان في هذه الكتب على المبادئ والحياة الرهبانية، مقدمًا لنا خبرته المصرية للرهبنة.

الكتاب الأول : ملابس الراهب

إن كان قد اهتم القديس كاسيان حتى بملابس الراهب لكنه كقائد روحي حيّ يركز على أعماق النفس الداخلية بفكر إنجيلي. ففي مقدمة حديثه عن ملابس الرهبان يقول: [عندئذ يمكننا أن نشرح في الوقت المناسب حياتهم الداخلية عندما نضع أمام أعينكم إنسانهم الخارجي. فإن الراهب كجندي للمسيح مستعد دائمًا للمعركة يلزمه أن يسير على الدوام ممنطقًا حقويه[1].]

1. غطاء الرأس أو كوكوللا :cuculla يرتديه الرهبان المصريون ليلاً ونهارًا. يرى فيه القديس كاسيان تمثلاً بالأطفال ليعيش الرهبان في بساطة واتضاع، ولكي يعودوا إلى الطفولة في المسيح يسوع، مترنمين في كل الساعات بالقلب والنفس: “يا رب لم أسلك في العظائم، ولا في العجائب التي هي أعلى مني، فإن كنت لم أتضع، لكن رفعت صوتي مثل الفطيم من اللبن على أمه” ( مز1:131، 2) [2].

2. ثوب الراهب: يجب ألا يكون فاخرًا، بل يكون ثوبًا ليغطى به جسده[3].

3. قميص tunic من الكتان يصل إلى الركبة وبلا أكمام، ليدرك الراهب المصري أنه قطع كل أعمال هذا العالم، وأنه قد مات عن كل أحاديث أرضية (كو3 :5؛ غلا2 : 20؛ 6 :14)[4].

4. اسكيم من الصوف، يمر خلف الرقبة ثم ينقسم أمامها ليعبر كل منهما تحت الإبط ويدور حول الوسط. غايته أن يضم ملابس الراهب حتى لا تعوقه عن العمل، بل يكون دائمًا مستعدًا لكل عمل، ساعيًا بكل قوته أن يحقق وصية الرسول: “حاجاتي وحاجات الذين معي خدمتهما هاتان اليدان” (أع 20 : 34)، “ولا أكلنا خبزًا مجانًا من أحد بل كنا نشتغل بتعب وكدٍ ليلاً ونهارًا لكي لا نثقل على أحدٍ منكم” (2 تس 3 : 8)، “إن كان أحد لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضًا” (2تس 3 : 10)[5].

5. ثوب من جلد الماعز يُدعى melotes أو pera ، يرتديه الراهب متمثلاً بالذين عاشوا في العهد القديم كظل للحياة الرهبانية، وكما يقول الرسول: “طافوا في جلود غنم وجلود معزى، معتازين مكروبين مُذلين، وهم لم يكن العالم مستحقًا لهم، تائهين في براري وجبال ومغاير وشقوق الأرض” (عب 11 : 37،38). يشير هذا الثوب الجلدي إلى تحطيم كل ملذات الجسد لكي ينطلقوا على الدوام في سمو الفضيلة، فلا يبقى في أجسادهم شيء من شهوات الشباب والتفكير القديم التافه[6].

6. العصا: يستخدمونها متشبهين باليشع النبي (2 مل 4 : 29)، أما مفهومها الروحي فهو أنه لا يليق بالراهب أن يسير غير مسلح بين كلاب الخطايا التي تنبح والوحوش الروحية في الشر غير المنظورة، هذه التي أراد داود الطوباوي أن يتخلص منها، قائلاً: “لا تسلم يا رب للوحش النفس التي اتكلت عليك” (مز 74 : 19). عندما تهاجمه يلزمه أن يضربها بعلامة الصليب ويطردها بعيدًا. وعندما تثور بعنف ضده يبددها بمصالحته الدائمة التي لآلام الرب وإتباعه مثال حياة الإماتة[7].

7. لا يلبسون النعال (ربما لأنهم يشعرون دائمًا انهم على أرض مقدسة خر3 : 5 ؛ يش5 : 16). لكن يمكنهم ارتدائه في حالة ضعف الجسد أو صقيع الأرض صباحًا في الشتاء أو حرارة الظهيرة، فهو للحماية فقط، متذكرين أنه يلزم للنفس أن تكون دائمًا مستعدة للسباق الروحي والكرازة بإنجيل السلام، حيث تجري أقدامنا نحو رائحة المسيح الذكية. وكما يقول داود “أجري في عطش” (مز62 : 3) وإرميا: “اتبعك بغير اضطراب” (إر17 : 16 LXX). يلزمنا ألا نربك أقدامنا باهتمامات العالم القاتلة.

8. يختم القديس كاسيان حديثه عن ملابس الراهب المصري بتأكيد ارتداء المنطقة الروحية، فيكون الذهن مستعدًا لكل عمل للدير دون عائق بثيابه، وبأكثر غيرة نحو نقاوة القلب فينمو روحيًا ويتمتع بمعرفة الإلهيات، ويمارس الإماتة عن الشهوات والملذات، متذكرًا على الدوام وصية الإنجيل: “لتكن أحقاؤكم ممنطقة” (لو 12: 35)[8].

الكتاب الثاني: الخدمة الليلية حسب الطقس المصري

يتحدث فيه عن صلوات السواعي (*b) والسهر، جاء فيها:

‎‎[إذ يتمنطق جندي المسيح بهذه المنطقة المزدوجة… يليق به أن يتعلم صلوات السواعي ونظام المزامير التي رتبها الآباء القديسون في الشرق. أما عن سماتها وطريقة الصلاة فكما يوجهنا الرسول: “صلوا بلا انقطاع” (ا تس 5 : 17)، سنعالجها كما يعطينا الرب في المكان المناسب، عندما نبتدئ نسرد المناظرات مع شيوخ إسقيط مصر[9].]

[أعتقد أنه من الأفضل أن أتبع أقدم نظام للآباء هذا الذي لا يزال يحتفظ به خدام الله في مصر كلها، حتى يتعلم ديركم الجديد، الذي لا زال في طفولته في المسيح والذي بلا خبرة، أقدم الأنظمة للآباء الأوائل[10].]

[في كل مصر وطيبة حيث تأسست الأديرة يزهد كل شخص العالم، ليس حسب هواه، وإنما خلال التمثل بالآباء الذين لا تزال تقاليدهم باقية حتى اليوم، والتي وُضعت لكي تدوم. لقد لاحظنا في هذه الأديرة نظامًا للصلوات موضوعًا، يُراعى في اجتماعاتهم المسائية وسهراتهم الليلية. فإنه لا يُسمح لشخص ما أن يرأس اجتماعا للاخوة أو حتى يدبر أمور نفسه ما لم يتخلص أولاً من كل ممتلكاته وأن يتعلم أيضًا الحقيقة انه ليس مدبرًا لنفسه، وليس له سلطان على تصرفاته. لأن من يزهد العالم، مهما كانت ممتلكاته أو غناه الذي يملكه، يلزمه أن يسعى ليحيا نظام الشركة، فلا يفتخر بأية وسيلة بما قد تركه أو بما أحضره إلى الدير. يلزمه أيضا أن يكون مطيعا للكل، لكي يتعلم أن يعود ليكون طفلاً صغيرًا (مت18 : 3) كقول الرب، فلا يُعجب بنفسه، ولا بعمره، ولا بعدد السنوات التي يحسبها الآن مفقودة حيث قضاها في العالم بلا هدف، ويدرك إنه مجرد مبتدئ، وبسبب حداثة تدربه إذ يعرف انه يخدم المسيح، لا يتردد عن أن يخضع حتى للأصغر منه.

علاوة على هذا يلتزم أن يدرب نفسه على العمل والتعب، لكي يعد بيديه طعامه اليومي سواء لنفسه أو لاحتياجات الغرباء، كوصية الرسول (1 تس9 : 11)، وأن ينسى كبرياء حياته السابقة وترفهه، مقتنيًا اتضاع القلب بالتعب بانسحاق.

هكذا لا يُختار أحد ليقُام على جماعة اخوة قبل أن يتعلم ذاك الذي يوضع في مركز سلطة الطاعة وما يجب أن يأمر به الخاضعين له، ويكتشف من أنظمة الشيوخ ما يعلم به الحديثين التابعين له. إذ قبل أن تحكم أو تكون تحت الحكم بطريقة حسنة يحتاج الأمر إلى إنسان حكيم، ويُحسب هذا أعظم هبة ونعمة للروح القدس. فإنه لا يقدر أحد أن يأمر الخاضعين له بوصايا نافعة إلا ذاك الذي سبق فتدرب على كل أنظمة الفضائل. ولا يقدر أحد أن يطيع شيخًا إلا ذاك الذي يمتلئ بمحبة الله ويتكمل في فضيلة الاتضاع[11].]

في الفصل الرابع يوضح عادة تحديد المزامير باثني عشر مزمورًا في صلوات الغروب والخدمة الليلية، وختم الصلاة بفصل من العهد القديم وآخر من العهد الجديد. وأن هذا النظام قديم جدًا، ظل معمولاً به دون أن يُكسر، ويُقال انه ليس من اختراع إنسان، بل نزل إلى الآباء من السماء بخدمة ملاك.

وفي الفصل الخامس أوضح كاسيان أن كنيسة الإسكندرية ابتدأت بالإنجيلي الطوباوي مرقس كأسقف عليها، وأن جماهير المؤمنين كانوا يبيعون كل شيء ويقدمونها للكنيسة، وينسحبون إلى خارج المدن ليمارسوا حياة الوحدة في زهد وتقوى. وقد نظموا العبادة تجنبا للشقاق. وإذ اختلفوا في عدد المزامير التي تُصلى، حدث إذ اجتمعوا لممارسة صلاة الغروب قام واحد في الوسط (ملاك) وابتدأ يسبح بالمزامير وهم جلوس ينصتون إلى المرتل الذي تلى اثني عشر مزمورًا، ثم أنهى الأخير بالليلويا، ثم اختفي فجأة، بهذا وضع حدًا للمناقشة في هذا الأمر. هكذا يرى القديس يوحنا كاسيان أن الصلاة بالمزامير وتحديد عددهم 12 مزمورًا يرجع إلى القرن الأول الميلادي.

في الفصل السابع تحدث عن ممارسة المطانيات أثناء المزامير.

يقول بان المصري لا يتسرع بالسجود قبل نهاية المزمور كما يحدث في أديرة جنوب فرنسا كمن يريد أن ينهي صلاته سريعًا[12].

إذ يحني المصري ركبتيه يمضى بعض الوقت في الصلاة، لكنه سرعان ما يقوم منتصبًا ويبسط يديه حتى لا تتشتت أفكاره بالسجود لفترة طويلة[13].

لا يجرؤ أحد أن يحني ركبتيه قبل أن ينحني الرئيس، ولا يتمادى أحد في سجوده بعد أن يقوم الرئيس، وإلا يكون قد فصل نفسه عن الجماعة[14].

في الفصل الثامن أوضح توزيع المزامير حيث يرنم المزمور الشخص الذي يقف في المنتصف. ولا تُقال المجدلة “المجد للآب والابن والروح القدس” إلا في نهاية التسبحة. وأوضح أن المزامير لم تكن تتلى بل تُرنم كتسبحة أو أغنية للرب[15].

في الفصل التاسع أوضح أن المصريين لا يهتمون بإنهاء المزامير التي يسبحونها بتلاوتها مرة واحدة دون توقف، لكنهم يقسمونها إلى قسمين أو ثلاثة حسب عدد الآيات… انهم لا يهتمون بالعدد بل بانتباه الذهن والفهم، حاسبين أنه من الأفضل أن يصلى الشخص عشرة أبيات بتسبيح مفهوم وفكر يقظ عن أن يتلو المزمور كله بفكر طائش. هذا غالبًا ما يحدث حينما يهتم المرتل بالأعداد، ولا يضع في حسبانه توضيح الألفاظ والمعاني، انه كمن يُسرع لينهي الخدمة.

بسبب عدم الدراية يطيل الراهب المبتدئ في التسبيح أكثر من المعتاد، بينما يهتم المتقدم صاحب الخبرة ألا يسبب مللاً للحاضرين أثناء التسبيح بسبب التطويل[16].

وفي الفصل العاشر يوضح كيف يمتاز المصريون في صلواتهم بالسكون، فمع كثرة عدد الحاضرين يترنم واحد بمزمور ولا تسمع صوتًا كأنه لا يوجد أحد غير المرتل وحده الذي يقف في المنتصف. ليس من يبصق ولا من يتثاءب أو يفتح فاه ولا من يتنهد… حتى لا يشتت فكر غيره.

كما تتسم الصلوات بأنها مختصرة حتى لا يتخللها تشويش يقطع الصلاة فجأة في أوج حرارتها حتى لا يخطف الشيطان الفكر ويطيش به بعيدًا ولكي لا تفتر الصلاة أو تبرد[17].

[يعتقد (الآباء) أنه من الأفضل أن تكون الصلوات قصيرة وتقدم بطريقة متكررة على الدوام، حتى من جانب نستطيع أن نلتصق بالله باستمرار، ومن الجانب الآخر باختصارها نتجنب السهام التي يريد العدو أن يجرحنا بها خاصة أثناء ممارسة صلواتنا[18].] جاء في الرسالة 130: 20 للمغبوط (*c) أغسطينوس: [جاء عن الاخوة في مصر انهم يمارسون صلوات متنوعة جدًا وقصيرة للغاية. إنها تنطلق فجأة وبسرعة حتى لا يتشتت الذهن اليقظ والمتنبه، والذي يُعتبر أثمن ما في الصلاة…]

وفي الفصل الحادي عشر ذكر أن المصريين لم يكونوا يهتمون بكمية الآيات التي تُرنم في الصلاة بل بضبط الفكر هادفين نحو: “أرنم بالروح وأرنم بالفهم” (1 كو 14: 15)، كما أكد اهتمام المرتل أن يكون النطق واضحًا ومفهومًا.

يعلل في الفصل الثاني عشر سرَ جلوسهم بينما كان المرتل وحده يقف ليسبح أنهم كانوا يعملون طول النهار بكل غيرة صائمين فلا يستطيعون الوقوف وقتًا طويلاً.

وفي الفصل الثالث عشر أوضح انه لم يكن يسمح للراهب أن ينام بعد الخدمة المسائية مباشرة حتى لا يثير عدو الخير في أحلامه خيالات تسقطه. يليق بالراهب أن يسهر في قلايته حتى لا يفقد بركة المزامير والصلوات.

وفي الفصل الرابع العشر يقول أن الراهب يكرس حياته في قلايته للعمل اليدوي والصلاة بالتساوي.

وفي الفصل الخامس عشر يوضح أنه لا يجوز للرهبان بعد الصلوات أن يتباطئوا في الذهاب إلى قلايتهم والالتقاء مع بعضهم البعض، كما ليس لهم ان يتركوا أعمالهم وقلاليهم خلال اليوم إلا إذا كان هناك استدعاء لواجب هام.

في الفصل السادس عشر يعلن أنه لا يجوز للراهب أن يشترك في الصلاة مع راهب ممنوع من الصلاة الجماعية، حتى يقدم الشخص توبته وتقبله الجماعة.

في الفصل السابع عشر يقول بأن المسئول عن تنبيه الرهبان للصلاة يجب أن يلتزم بالمواعيد المحددة ولا يسلك حسب هواه.

أخيرًا في الفصل الثامن عشر يوضح أنه لا يجوز عمل المطانيات من السبت عشية حتى الأحد عشية

الكتاب الثالث: الخدمة النهارية حسب طقس فلسطين وما بين النهرين

1. بعد أن تحدث كاسيان عن نظام الصلوات المسائية (السهر) والمزامير في مصر في الحياة الرهبانية، قدم نظام الصلوات في فلسطين وما بين النهرين (الميصة Mespotamia)، حاسبًا إياه أكثر اعتدالاً. ففي مصر الصلوات لا تنقطع، ورهبان مصر يقدمون الصلاة الدائمة أكثر من تلك التي في أوقات محددة، مع التزام بالعمل اليدوي في القلاية وقراءة الكتاب المقدس[19]. أما في أديرة فلسطين وما بين النهرين فخدمة السواعي النهارية هي الثالثة والسادسة والتاسعة، مكتفين بثلاثة مزامير في نهاية كل صلاة[20].

ففي الساعة الثالثة حّل الروح القدس على التلاميذ، وفي السادسة تمت ذبيحة ربنا يسوع التي بلا لوم غالبًا قوات الظلمة، وفي التاسعة بدد السيد المسيح ببهاء مجده ظلمة الجحيم وكسر مصاريعه الحديدية وحرر القديسين من السبي ورفعهم معه إلى السماء[21].

تُقدم هذه الصلوات بجانب الخدمة المسائية (مز 141: 2) وخدمة الصباح ( مز63).

2. في الفصل الرابع أوضح كاسيان أن صلاة باكر كانت قبلاً ملتصقة بصلوات السهر، لكن بسبب كسل بعض الاخوة الذين كانوا ينامون حتى شروق الشمس تقرر فصل صلاة الصباح لكي يجتمع الكل لهذه الخدمة ويسبحوا ثلاثة مزامير تمجيدًا للثالوث القدوس.

3. في الشرق لم تسمح الأديرة القديمة الثابتة بهذا التغيير، فبقيت صلاة باكر ملتصقة بصلاة السحر.

4. في الفصل الخامس ذكر كاسيان انه في فرنسا إذ لم يعرف البعض سبب فصل صلاة باكر عن صلاة السحر كانوا يعودون بعدها إلى فراشهم ليستأنفوا نومهم. وقد هاجم كاسيان هذه العادة بشدة، مادحًا الرهبان المصريين، قائلاً:

[ لكي يتجنب المصريون ذلك اعتادوا على القيام في أوقات محددة قبل صياح الديك لممارسة خدمة السواعي ويستمرون في سهرهم بالتسبيح حتى طلوع نور النهار. وإذ يشرق عليهم نور الصباح يَجدهم قائمين في حرارة الروح، التي تحفظهم أكثر حرصًا واتقادًا طول النهار، إذ تجدهم في حالة استعداد للصراع، متشددين بالقوة في حربهم اليومية ضد إبليس بممارسة أسهار الليل وهذيذ الروح[22].

5. المزامير التي كانت تسبح في السحر هي 148، 149، 150، أما صلاة باكر الجديدة فيسبح فيها مز 50 (51)، 62 (63)، 89 (90) [23].

6. لا يجوز لمن يأتي قبل نهاية المزمور الأول أن يشترك مع جماعة الرهبان في الترنم بالتسبيح، ولا يُسمح له بالدخول، بل يبقى خارجًا، وعند نهاية الصلاة يلقى بنفسه على الأرض أمام الاخوة مقدمًا توبة، سائلاً الحل على إهماله وتأخره، حتى يمكنه أن يشترك بعد ذلك في الساعة التالية. أما بالنسبة للصلوات المسائية فيُسمح للراهب أن يتأخر حتى نهاية المزمور الثاني[24].

7. سهرات الصلاة في السبت عشيه أكثر طولاً[25]، وخدمة يوم الأحد تختلف عن بقية أيام الأسبوع[26].

الكتاب الرابع: عن جاحدي العالم (الحياة العامة والفضائل اللائقة بها)

يقدم لنا هذا الكتاب في فصوله الثلاثة وأربعين أشبه بدستور عملي للإنسان الذي يريد أن ينبذ محبة العالم ويرتبط بجماعة رهبانية تكرس حياتها لله، وقد جاء كثير مما ورد في هذا الكتاب مطابقاً للقوانين الباخومية.

فيما يلي ملخص مبسط لما ورد في هذه الفصول:

ف1: يروي أن منطقة طيبة (حيث توجد الأديرة الباخومية) تضم عددًا أكبر من الرهبان، وتتبع نظامًا حازمًا دقيقا أكثر من غيرها. يوجد أكثر من 5000 راهب تحت قيادة أب واحد، يخضع الكل لشيخٍ واحدٍ في طاعة كاملة.

 ف2: يبدأ الرهبان بنبذ محبة العالم منذ بداية الطريق حتى يبلغوا مرتفعات الكمال.

ف3: كانت أبواب الدير مغلقة أمام طالبي الرهبنة، ليدركوا أنهم إنما يطلبون الطريق الضيق، لا طريق الراحة والمجد الزمني. يبقي طالب الرهبنة عشرة أيام أو أكثر خارج الأبواب، لا يجد كلمة لطيفة من الاخوة الرهبان الذين يعبرون به، بل تُختبر مدي مثابرته للتأكد من صدق نيته ولكي يختبر حياة الاتضاع وطول الأناة. وكان يصنع مطانيات أمام الأخوة الذين يعبرون عليه.

متي قبل في الدير يصير تحت مراقبة شديدة، وخاصة من جهة اتضاعه وصبره وطاعته. وإن وجدت معه قطعة نقود واحدة مما كان يملكه قبلاً يُطرد من الدير ويلقي خارجًا كما يُدفع بحجر من مقلاع (القوانين الباخومية26).

ف4: يرفض الدير قبول أية تقدمة مما كان لدي طالب الرهبنة، معللاً ذلك بثلاثة أسباب:

1. حتى لا يفتخر علي اخوته الفقراء.

2. لئلا يحرم نفسه من اتضاع المسيح.

3.حتى يسهل طرده من الدير إن لم يصلح للرهبنة دون أن يشعر الدير بالحاجة إلى ما قدمه الشخص من تقدمات مادية.

ف5: متي قُبل إنسان في الدير يخلع ملابسه، ويقدم له الأب ملابس الدير ليدرك أنه قد تخلى عن كل شئ حتى ملابسه ليلتحف بفقر المسيح. وأن ما يأكله وما يرتديه هو عطية من الدير له. بهذا لا يخجل من أن يُحصي بين الفقراء بلا تمييز، كما لم يخجل السيد المسيح من أن يُحصي معهم، ويدعو نفسه أخاهم، بل يفتخر أنه صار له نصيب شركة مع عبيده (القوانين الباخومية26).

ف6: تودع الملابس التي يخلعها المقبول حديثًا في الرهبنة لدي وكيل الدير، إلى أن يمتحن الشخص في نموه الروحي وقدرته علي الاحتمال، فإذا نجح تُسلم ملابسه للفقراء. أما إن ظهرت عليه بوادر التذمر أو عدم الطاعة فتنزع عنه ثياب الدير ويرتدي ثيابه ويُطرد في عارٍ وخزي أمام جميع الاخوة.

ف7: إذ يرتدي الإنسان ثياب الدير لا يُسمح له بالاختلاط مع مجمع الاخوة في الحال، بل يودع تحت رعاية شيخ يسكن ليس بعيدًا عن مدخل الدير، ويهتم بالغرباء والضيوف، يبذل كل الجهد في استقبالهم بكل لطف.

يبقي يخدم الغرباء لمدة عام في اتضاع وطول أناة، فإن ثبت يدخل مجمع الاخوة ويُسلم إلى شيخ آخر يهتم بعشرة من الرهبان الحديثين، يقوم بتعليمهم وتدريبهم وذلك كالتدبير الذي ورد في سفر الخروج (25:13).

ف8: يبذل الشيخ كل جهده ويقدم أغلب تعليماته كي يجعل الحديثين قادرين أن يصعدوا في الوقت المناسب علي مرتفعات الكمال العظيمة.

يدربهم أولاً أن يقهروا رغباتهم فيعطيهم أوامر تخالف إرادتهم، لأنه لا يقدر الإنسان أن يغلب الشهوات ما لم يمت أولاً عن رغباته بالطاعة. بهذا يمكنه أن يغلب الغضب وروح الزنا ويحفظ اتضاع القلب والاتحاد مع الاخوة ليكون في اتفاق معهم، بهذا يبقي زماناً طويلاً في الدير.

ف9: يلزم على الحديثين في الرهبنة ألا يعتمدوا علي تمييزهم الشخصي، ولا يخفون شيئاً من أفكارهم عن الشيخ الذي يتعهدهم. بهذا لا يقدر الشيطان أن يدمر الشخص الحديث اللهم إلا إذ أغواه بالكبرياء وإخفاء أفكاره. فإنه واضح أن الفكر الذي نخجل من كشفه علي الرئيس هو من الشيطان.

ف10: طاعة الرهبان الحديثين الكاملة، حتى أنهم لا يستطيعوا مغادرة قلاليهم ولا الذهاب لقضاء احتياجاتهم الطبيعية بدون إذن. يطيعون بثقة ويقين وبلا تردد كما لو كان الأمر صادراً من السماء.

ف11: يُقدم في الدير أطعمة غير شهية.

ف12: متى سمع الشخص من يقرع على باب قلايته يدعوه للصلاة، فإنه يقوم فورًا ويترك ما في يده. فإن كان يكتب وقد بدأ في كتابة حرف لا يكمل كتابة الحرف، متممًا فضيلة الطاعة بغيرة قوية لمن قرع بابه عن تكملة الحرف أو الكلمة.

ف13: باستثناء الملابس الخاصة والحصيرة المهلهلة لا ينسب أحد لنفسه شيئًا. فإنه من فلتت من شفتيه عفواً أو في جهالة كلمات مثل: “كتابي”أو “قلمي”أو “معطفي”أو “حذائي”، ناسباً أي شيء إلى نفسه يُحسب ذلك معصية عظمي يقدم عنها توبة.

ف14: إن قدم راهب عملاً بيديه وصار موردًا كبيرًا للدير، ليس من حقه أن يزيد من طلباته، وإنما يقدم هذا لسد عوز الكثيرين، دون أن يفتخر أو يتباهي بقدرته علي العمل. يُسمح له بكسرتي خبز. يقول القديس كاسيان إنه يكتب هذا وهو في خجل لأن هذا لا يحدث في أديرته بجنوب بلاد الغال.

يتمم الراهب هذا كله لأنه يحسب نفسه غريبًا عن العالم، وأنه تلميذ في الدير يتعلم، وخادم ،وليس سيداً علي أي شيء.

ف15: يتحدث في خجل بمقارنته أديرة مصر وما يحدث في أديرته بجنوب بلاد الغال، حيث يلبس بعض الرهبان خواتم في أصابعهم يختمون بها، ولديهم دواليب يجمعون فيها ما تركوه في العالم، وأنهم يغضبون لأسباب تافهة.

ف16: يقدم لنا صورة حية لحياة التدقيق في نظام الشركة معطيًا أمثلة لذلك.

يقوم الشخص بالسجود حتى الأرض أمام جميع الاخوة طالبًا الحل منهم، ولا يقوم حتى يأذن له أب الدير بذلك وذلك في الحالات التالية:

1. إن حدث خطأ كسر جرة، فيُحسب مهملاً.

2. إن دُعي لعمل ما أو جاء إلى عمله العادي وتأخر.

3. إذا تردد في التسبيح بالمزمور.

4. إذا أجاب إنسانًا بكلام غير ضروري، أو يحمل جفافًا أو بغير تأدب.

5. إذا أهمل في عمل أوكل إليه.

6. إذا أظهر شيئاً من الشكوى.

7. إذا فضل القراءة عن العمل والطاعة، فتباطأ في إتمام واجبه الملتزم به.

8. إذا أنهي عمله ولم يسرع إلي قلايته.

9. إذا وقف مع شخص ما في طريق عودته إلي قلايته إلى فترة قليلة.

10.إن ذهب إلى موضع آخر ولو إلى لحظة.

11.إن أمسك بيد شخص (ليس بقصد المعونة).

12.إن تجاسر وناقش أمرًا مع شخص غير زميله الساكن معه في ذات القلاية.[حسب النظام الباخومي يسكن اثنان أو أكثر في القلاية].

13.إن صلي مع شخص ممنوع مؤقتًا من الصلاة الجماعية.

14.إن رأي أحد أقربائه أو أصدقائه وتحدث معه دون استئذان رئيسه.

15.إن استلم رسالة أو كتب إجابة علي رسالة دون إذن رئيسه.

أما الأخطاء الأخرى التي يسقط فيها الرهبان في أديرة جنوب فرنسا مثل احتقار الآخرين وترك الدير بلا إذن والخلافات والجلوس مع النساء والحسد والطمع والادعاء بملكية شيء والأكل بين الوجبات وما إلى ذلك، فإن هذه الأمور لا يعالجونها بالتوبيخ الروحي كما قلنا وإنما بالضرب والطرد من الدير.

ف17: بخصوص القراءات المقدسة أثناء الطعام، فإن هذا النظام لم يكن قائمًا في نظام الشركة في مصر بل في كبادوكية. وتعليل ذلك أن المصريين يفضلون الصمت الكامل. فمع وجود عدد ضخم جدًا يأكلون معًا لا يجسر أحد أن يتفوه ولو بصوت خافت. فلا يُقرأ شيء حتى لا تثار أية تساؤلات.

كل راهب ينزل من رأسه غطاء الرأس حتى لا يرى شيئًا أو أحدًا سوى المائدة والطعام الموضوع أمامه، ولا يرى أحد ماذا يأكل الشخص الملاصق له.

ف18: بين الوجبات العادية يحرص الراهب ألا يشتهي شيئًا. فإنه إذ يسير بين الحدائق وتصطدم الفاكهة بصدره، بل قد تكون ملقاة على الأرض ويطأها بقدميه، فإنه يشعر بالخطأ إن حاول تذوق أحد الفواكه أو لمسها بيده، ماعدا ما يُقدم له على المائدة وما يوزعه الوكيل في خدمة الاخوة على الجميع لراحتهم.

ف19: لكي لا يظهر القديس يوحنا كاسيان انه حذف شيئًا عن مؤسسات الشركة أشار باختصار عما يحدث في بلاد أخرى بخصوص الخدمات اليومية للاخوة، وذلك في الميصة (ما بين النهرين) وفلسطين وكبادوكية وكل الشرق. يقومون بتوزيع المسئوليات على جميع الرهبان كل أسبوع. ويسرع الكل إلى تنفيذ ما يلتزم به في غيرة وباتضاع. لا يكتفي كل واحدٍ بالخدمات الموكولة إليه، بل يقوم ليلاً ويساعد الآخرين في إتمام التزاماتهم بغيرة.

ف20: يحسب الرهبان كل ما يدخل الدير (حتى الطعام) مقدسًا، فيتعاملون معه بوقار، ويدبرون كل شيء في وقار عظيم، حاسبين كل عمل مهما بدا تافهًا له أجرته عند الرب، حتى إن ملأ الراهب الزجاجة ماء، أو قدم كوب ماء لشخصٍ ما، أو قام بتنظيف المنصة التي يعظ عليها الأب أو تنظيف قلاليهم.

روى القديس كاسيان ما رآه بعينيه عن راهب سقطت منه 3 حبات عدس وأهملها، كيف حُسب مهملاً، وقدم توبة، لا من أجل قيمة العدس، وإنما من أجل عدم اكتراثه وإهماله.

لهذا الفصل أهميته الخاصة فهو لا يكشف عن نظرة الراهب إلى الحياة الرهبانية والنسكية فقط كعمل مقدس، وإنما أيضًا كل عمل تمتد إليه يد المؤمن يتطلع إليه بنظرة مقدسة… هذا ما سأتحدث عنه بمشيئة الله في الفصل التالي تحت عنوان “قدسية الحياة اليومية”.

ف21: قدم مثلاً للعمل الاختياري بغيرة، أنه سمح أب الدير أن يُقدّم طعامًا جافًا غير مطبوخ لعدم وجود حطب حول الدير، لكن بعض الاخوة بذلوا جهدًا فائقًا بمحض اختيارهم لجلب الحطب من أجل اخوتهم، حتى يُقدم لهم طعام مطبوخ.

ف22: ما سبق ذكره بخصوص توزيع الخدمات وتبادلها بين الاخوة كل أسبوع لا نجد هذا النظام بين المصريين، بل كل شخص يتعهد بعمل يلتزم به دومًا بلا تغيير ما دام قادرًا على هذا العمل صحيًا ويسمح سنه بذلك.

ف23: إذ يكتب هذا لتدريب الذين يجحدون هذا العالم، يقول أن الراهب يبدأ بالاتضاع الحقيقي والطاعة الكاملة حتى يصعد إلى مرتفعات الفضائل الأخرى أيضًا، وقد وجد من اللازم تقديم عينات قليلة لتصرفات بعض الشيوخ الذين سموا في هذه الفضيلة.

المثل الأول الأب يوحنا الذي عاش بجوار ليكوبوليس (أسيوط) في منطقة طيبة والذي بلغ إلى درجة النبوة من أجل طاعته العجيبة، وصارت له شهرة حتى بين ملوك هذا العالم، فإن الإمبراطور ثيؤدوسيوس لم يكن يجسر أن يعلن الحرب ضد الطغاة الأقوياء جدًا دون تشجيع كلمات هذا الأب، واثقًا أنها صادرة كما من السماء فينال نصرات على أعدائه في المعارك التي تبدو لا رجاء فيها.

ف24: يروي لنا قصة هذا الأب الطوباوي يوحنا المتسم منذ صباه بالاتضاع والطاعة حتى كان معلمه يدهش من طاعته. وإذ أراد أن يختبر فضيلته هذه إن كانت عن إيمان أصيل وقلب بسيط مخلص أصدر إليه عدة أوامر لا لزوم لها وغير ضرورية بل ومستحيلة، من بين هذه الأوامر اختار القديس يوحنا كاسيان ثلاثة ليكشف عن كمال طاعة الطوباوي يوحنا.

قطع الشيخ عصا جافة من بين الحطب المقطوع الجاف ليُستخدم كنار للطبخ. لم تكن العصا جافة فحسب، بل يظهر عليها أنها مقطوعة منذ زمن بعيد. غرس الشيخ العصا وطلب من الطوباوي أن يرويها ماء مرتين كل يوم. وبالفعل أطاع التلميذ بكل وقار حاسبًا أنه ليس شيء غير مستطاع لدى الطاعة. وكان يسير حوالي ميلين ليسقي هذا الفرع الجاف لمدة عام كامل حتى حين كان مرهقًا جسديًا وفي أيام الأعياد وعندما كان مشغولاً بأمور هامة. لم يمنعه البرد القارص في الشتاء من الطاعة. تطلع الشيخ فرأى تلميذه يطيعه، وكأن الأمر قد صدر إليه من السماء، ولم تظهر على ملامح وجهه أية علامات من الضيق. وبعد عام سحب الشيخ العصا وطلب من تلميذه أن يتوقف عن ريّها.

[روى Sulpitius Severus قصة مشابهة عن راهب مصري، لكنه يروي أنها في السنة الثالثة صار للفرع جذرًا والفرع أفرخ.]

ف25: يقول القديس يوحنا كاسيان إذ فاحت رائحة الطاعة الذكية التي للطوباوي يوحنا في كل الأديرة جاء بعض الاخوة إلى الشيخ لكي يختبروا طاعته أو بالأحرى ليتعلموا منه، وإذ سمعوا في الدير عن طاعته دُهشوا للغاية. دعاه الشيخ وسأله أن يحضر زجاجة زيت ويلقيها من الشباك، وهي الزجاجة الوحيدة التي كانت في البرية يُستخدم زيتها لإضافة الغرباء. أطاع التلميذ دون تردد وبدون تفكير بأن الأمر الصادر إليه سخيف، ولا فكّر في حاجة الدير إلى الزيت، وصعوبة الحصول عليه في البرية.

ف26: أراد القادمون أن يروا مثلاً آخر، فأمر الشيخ التلميذ أن يجري ويدحرج حجرًا بأقصى سرعة، لا يستطيع عدد كبير من الرجال أن يحركوه. في طاعة وثقة أن معلمه لا يمكن أن يصدر له أمرًا مستحيلاً وبلا نفع قام بالتنفيذ.

ف27،28: تحدث عن طاعة الأب باترموكيوس Patermucius.

ف29: طاعة أخ من عائلة شريفة غنية وعلى درجة عالية من الثقافة لم يخجل من أن يحمل عشرة مقاطف على كتفه ويسير في طرق المدينة يبيعها طاعة لرئيسه.

ف30: طاعة الأب بينوفيوس Pinufius، الذي كان كاهنًا في مجمع شركة في دلتا مصر في Panephysis له شهرته، وقد نال كرامة عظيمة بسبب حياته الفاضلة وسنه، وإذ اشتاق إلى ممارس الطاعة بروح الاتضاع انسحب إلى منطقة طيبة وتخفّى كأحد أفراد الشعب، وكان يتوسل بلجاجة وانسحاق إلى فترة طويلة لكي يقبلوه في أحد الأديرة هناك. وإذ ظنوا أنه جاء إلى الدير في هذا السن لأنه محتاج قبلوه أن يعمل في حديقة الدير كطالب رهبنة تحت إشراف شاب، فكان مع اهتمامه الشديد بالحديقة يهتم بغرس الفضائل ونموها في أعماقه خاصة الاتضاع والطاعة. وكان متى حل الظلام يقوم بممارسة الأعمال الصعبة التي يحتقرها الآخرون دون أن يعلم أحد بذلك. بقى على هذا الحال ثلاث سنوات يبحث عنه مجمعه في كل أنحاء مصر، وبالكاد عرفه أحد الأشخاص القادمين لأنه كان يلبس ثيابًا رثة ويسلك بروح متضعة في أعمال الحديقة. اقترب إليه الشخص وكلن متشككًا في شخصه لكنه لاحظ نظراته وصوته وفي الحال سقط عند قدميه، فتعجب كل الحاضرين. لكن إذ انكشف أمره سأله الجميع أن يسامحهم عن أي تصرف صدر عنهم. أعيد إلى مجمع الشركة بغير إرادته، وكان يبكي بدموع مشتاقًا أن يكمل أيام غربته خاضعًا مطيعًا، وكان كثيرون يراقبونه لئلا يهرب مرة أخرى من المجمع.

ف31: تكملة قصة الأب بينوفيوس الذي لم يبق في ديره سوى وقتًا قصيرًا، وإذ بجله الكثيرون تخفى وأبحر إلى مقاطعة فلسطينية بسوريا، وانضم إلى الدير الذي كان القديس يوحنا كاسيان يعيش فيه. التحق به كمبتدئ في الرهبنة ولم تمضِ فترة قصيرة حتى انكشفت فضائله وعُرفت شخصيته. فقد جاء بعض الاخوة إلى الأماكن المقدسة وتعرّفوا عليه وبتوسلات حارة أعادوه إلى المجمع مكرمًا.

روى لنا القديس يوحنا كاسيان ذات القصة في شيء من التفصيل في المناظرة 20 مع نفس الأب بينوفيوس. وكما يقول القديس كاسيان أنه “حسب تعبير الرب صار كمدينة موضوعة على تل لم يستطع أن يخفي نفسه طويلاً”.

ف32: نصيحة قدمها الأب بينوفيوس إلى أخ التحق بالدير في حضور القديس يوحنا كاسيان وقد بقى عدة أيام على مدخل الدير ثم قبله وقال له “أنت تعرف بعدد انتظارك هذه الأيام العديدة عند المدخل ها أنت تنضم اليوم إلى الدير. ولكي نبدأ معك يلزمك أن تعرف صعوبة طريقك…”

ف33: (تكملة النصيحة) كما أن الذين يخدمون الله بأمانة ويلتصقون به حسب هذا النظام ينالون مجدًا عظيمًا، هكذا تحل عقوبات قاسية على الذين يسلكون فيه بغير مبالاة وببرود ويفشلون في أن يظهروا ثمر القداسة، لهذا كما يقول الكتاب حسن أن الإنسان لا ينذر عن أن ينذر ولا يفي (جا4:5 LXX) [هذا الرمز LXX يعني بحسب السبعينية… (الشبكة)]. هذا هو السبب لعدم ضم الإنسان إلى الدير بسهولة. فإنهم إذ يقبلون الشخص في الدير بتسرع يصيرون مذنبين في عيني الله.

ف34: يكمل الأب بينوفيوس نصيحته مقدمًا مفهومًا لنبذ العالم:

[نبذ العالم ليس إلا شهادة للصليب والإماتة. لهذا يجب عليك أن تدرك أنك اليوم قد مت عن هذا العالم وأعماله ورغباته، وكما يقول الرسول: قد صُلبت عن العالم، وصُلب العالم عنك (غلا14:6).

ضع في اعتبارك متطلبات الصليب تحت العلامة التي يليق بك من الآن أن تعيش فيها. لأنك لا تعود تحيا، بل يحيا فيك ذاك الذي صُلب لأجلك (غلا20:2).

يليق بنا أن نعبر زماننا في هذه الحياة في هذا النمط والشكل الذي فيه قد صُلب لأجلنا على الصليب، حتى إذ (كما يقول داود) يسمّر جسدنا بخوف الرب (مز120:119) لا تعود كل رغباتنا واشتياقاتنا تخضع لشهواتنا الذاتية بل لإماتته. هكذا نتمم وصية الرب القائل: “من لا يحمل صليبه ويتبعني فلا يستحقني” (مت38:10). لكن ربما تقول: كيف يمكن لإنسان أن يحمل صليبه على الدوام؟ أو كيف يمكن لأحد وهو حيّ أن يُصلب؟ استمع كيف يكون ذلك باختصار].

ف35: يكمل الأب بينوفيوس حديثه موضحًا أن خوف الرب هو صليبنا.

[ خوف الرب هو صليبنا.

كما أن الشخص المصلوب ليس لديه بعد قوة على الحركة أو توجيه أطرافه نحو أي اتجاه حسب مسرته، هكذا نحن يجب علينا أن نسمّر رغباتنا واشتياقاتنا، ليس حسب ما يسرنا ويبهجنا الآن بل حسب ناموس الرب، الذي يقيّدنا.

وكما أن الذي يُسمّر على خشبة الصليب لا يبالي بعد بالأمور الحاضرة، ولا يفكر في اشتياقاته، ولا يضطرب بالقلق، ولا يهتم بالغد، ولا يرتبك بأية رغبة للامتلاك، ولا يلتهب بأي كبرياء أو خداع أو منافسة، ولا يحزن على أضرار حاضرة، ولا يتذكر أمور ماضية، وبينما يأخذ أنفاسه في الجسد يحسب نفسه ميتًا عن كل الأمور الأرضية، باعثًا أفكار قلبه قدامه إلى الموضع الذي لا يشك أنه ذاهب إليه قريبًا، هكذا نحن أيضًا إذ نُصلب بمخافة الرب يلق بنا أن نموت حقًا عن كل هذه الأشياء، أي ليس فقط عن الرذائل الجسدية، بل أيضًا عن كل الأمور الأرضية. وتتركّز عيون أذهاننا على ذاك الموضع الذي نترجى كل لحظة أن نعبر إليه. فإننا بهذا نميت كل رغباتنا وعواطفنا الجسدية (الشريرة).]

ف36: يحذرنا الأب بينوفيوس لئلا يصير جحدنا للعالم بلا نفع، وذلك إن عدنا نرتبك بهذه الأمور التي سبق لنا أن نبذناها.

[لذلك فلتحذر لئلا تعود فتقتني الأمور التي سبق أن نبذتها وهجرتها، وخلافًا لوصية الرب ترجع عن حقل العمل الإنجيلي وتُوجد مرتديًا الثوب الذي سبق أن خلعته (مت18:24).

لا تغطس مرة أخرى في الشهوات الدنيئة الأرضية ورغبات هذا العالم، فإنك إذ تستخف بكلمة المسيح تنزل عن سطح الكمال وتخسر، إذ تقتني مرة أخرى شيئًا مما جحدته ورفضته…

احذر لئلا في أي وقت عندما تبدأ تدخل إلى عمق معرفة المزامير ومعرفة هذه الحياة، تنتفخ قليلاً قليلاً وتنعش الكبرياء الذي وطأت عليه بقدميك الآن في البداية في اتقاد الإيمان وكمال الاتضاع. وهكذا (كما يقول الرسول) إذ تبني مرة أخرى ما قد هدمته تجعل نفسك مرتدًا (غلا18:2)… فإنه ليس من يبدأ بهذه الأمور بل ذاك الذي يصبر إلى المنتهى يخلص (مت13:24).]

ف37: يكمل الأب بينوفيوس حديثه بأن الشيطان دائمًا يرقد منتظرًا أن يصطادنا في نهاية أيامنا، لذا يلزمنا دومًا أن نحذر رأسه، التي هي بداية الأفكار التي تثور فينا فنسحقها تحت أقدامنا…

ف38: يتحدث عن استعداد جاحد العالم لمقاومة التجربة. فإنه كما قيل “عندما تريد أن تخدم الرب خفه وأعدد نفسك للتجربة” (ابن سيراخ1:2)، فإنه بضيقات كثيرة ندخل ملكوت السموات. الباب كرب والطريق ضيق الذي يقود إلى الحياة، وقليلون هم الذين يجدونه (أع22:14، مت14:7).

[ضع في اعتبارك أنك تنتمي إلى القلة المختارة، ولا تكن باردًا على مثال الكثيرين الفاترين، بل عش كالبقية القليلة، فتستحق ملكوت الله معهم، لأن كثيرين يُدعون وقليلون يُختارون. وأيضًا تذكر أنه القطيع الصغير هو الذي يُسر الآب أن يعطيه الملكوت ميراثًا له (مت16:20؛الو32:12). لهذا يجب ان تتحقق من أنه ليس بخطية هينة أن الشخص الذي سلك الكمال يسير بعد ذلك في عدم الكمال.

لبلوغ حالة الكمال لتصعد الخطوات في الطريق التالي.]

ف39: طريق الخلاص الممتد نحو الحب:

[بدء خلاصنا وحصنه كما قلت هو مخافة الرب (أم10:9). فإنه خلال هذا يمكن لأولئك الذين يتدربون في طريق الكمال أن يبدأوا فيه بالتحول وأيضًا بالتطهر من الرذائل والنمو في الفضيلة. وعندما يقتني هذا مدخلاً في قلب إنسان يُنتج استخفافًا بكل الأشياء، ويلد نسيانًا للأقرباء ورعبًا من العالم نفسه. وبالاستخفاف من فقدان كل الممتلكات يُقتنى الاتضاع. يتأكد الاتضاع بالعلامات التالية:

أول كل شيء: إن كان الإنسان قد أمات كل رغباته.

ثانيًا: إن كان لا يخفي شيئًا من أعماله أو حتى من أفكاره عن رئيسه.

ثالثًا: إن كان لا يثق في رأيه الخاص، بل في حكم رئيسه، ويصغي بغيرة وشوق إلى توجيهاته.

رابعًا: إن كان في كل شيء يستخدم الطاعة واللطف والصبر الدائم.

خامسًا: إن كان ليس فقط لا يؤذي أحدًا بل ولا يتضايق أو يثور إذا حلت به أضرار.

سادسًا: إن كان لا يفعل شيئًا ولا يجرؤ على عمل شيء لا يحثه عليه النظام العام أو الاقتداء بشيوخنا.

سابعًا: إن كان مكتفيًا بأقل المراكز الممكنة ويحسب نفسه عاملاً بطالاً وغير مستحق لكل ما أُعطي له.

ثامنًا: إن كان لا يعترف فقط خارجيًا بشفتيه أنه أقل من الكل، بل حقيقة يؤمن في أفكاره العميقة لقلبه بذلك.

تاسعًا: إن كان يضبط لسانه ولا يتكلم كثيرًا.

عاشرًا: إن كان لا يتأثر بسرعة ولا بكونه دومًا مستعدًا للضحك.

بمثل هذه العلامات وما أشبهها يُعرف الاتضاع الحقيقي. وعندما يكون بحق هذا في أمان، للحال يقودك إلى درجة أعلي للحب الذي لا يعرف الخوف (1يو18:4). بهذا تبدأ بطريقة كما لو كانت طبيعية، دون مجهود، أن تحفظ كل ما سبق أن راعيته قبلاً دون خوف من العقوبة، ولا تعود بعد تفعل ذلك بسبب العقوبة أو الخوف منها، بل خلال حب الصلاح نفسه والابتهاج بالفضيلة.]

ف40: يطلب الأب بينوفيوس ألا يقتدي الراهب بأمثلة كثيرة من الكمال، بل من شخص واحد أو عدد قليل منهم.

ف41: : يقدم الأب بينوفيوس وصية هامة للراهب السالك في حياة الشركة، وهي أن يكون كالأصم الذي لا يسمع والأخرس الذي لا يفتح فمه كقول المرتل (مز14:38،15)، وأعمى، ويحسب نفسه غبيًا.

ف42: الصبر ليس ثمرة تصرفات الغير معنا، بل ثمرة طول أناتنا الداخلية.

[لذلك يجب عليك ألا تتطلع إلى الصبر في حياتك كثمرة لتصرفات الغير، ظانًا أنه بهذا فقط يمكنك أن تضمن الصبر متى لم يثيروك بشيء، (فإنه ليس في سلطانك أن تمنع حدوث هذا)، بل بالأحرى يلزمك أن تتطلع إليه كثمرة اتضاعك وطول أناتك، الأمر الذي يعتمد على إرادتك أنت.]

ف43: يختم هذا الكتاب بتأكيد أن الراهب يصعد نحو كمال الحب الرسولي بواسطة مخافة الرب التي هي بدء خلاصنا.

[مخافة الرب تلد الندامة.

ومن الندامة ينبع النبذ، أي التعري عن كل الممتلكات والاستخفاف بها.

والتعري يلد اتضاعًا،

والاتضاع إماتة عن الشهوات.

وخلال الإماتة عن الشهوات تبطل كل الأخطاء وتُستأصل.

وبانتزاع الأخطاء تبزغ الفضائل وتنمو.

وإذ تبزغ الفضائل تُقتنى نقاوة القلب.

وبنقاوة القلب يُكتسب كمال الحب الرسولي.]

الكتاب الخامس: النهم [27]

يحوي 41 فصلاً.

النهم هو بداية الأوجاع الروحية كما أن عماليق هو أول الأمم التي قاومت الشعب القديم..في معالجة خطية الشراهة يفضل الكتاب المسيحيون تقديم أمثلة واقعية من الكتاب المقدس مثل حواء وعيسو وأليفانا Holophernes الذي قطعت يهوديت رأسه وهو مخمور للغاية (يهوديت 13) .

ويميز إكليمنضس السكندري (*d) ثلاثة مظاهر لهذه الخطية:

· المبالغة في استخدام المشتهيات opsophagia.

· النهم أو جنون البطن gstrimargia.

· جنون الحنجرة laimar.

أما القديس كاسيان فيميز بين نوعين من النهم:

· النهم الذي يسحب الراهب ليأكل قبل المواعيد المحددة ويثيره ليبالغ في الأكل.

· النهم الذي يقود الراهب ليشتهي المأكولات الشهية[28].

وأما القديس أوغريس فيرى في النهم دعوة للتخلي عن النسك والصوم من أجل صحته، إذ يقول:

[يوحى فكر الشراهة للراهب أن يتخلى بسرعة عن حياته النسكية، موهمًا إياه أنه مصاب بمرض المعدة والكبد والصفراء أو أى مرض آخر من الأمراض المزمنة، وأنه يحتاج إلى علاج مع عدم وجود أدوية طبية أو أطباء لعلاجه. فضلاً عن هذا فإنه يورد إلى ذاكرته الاخوة الذين يعانون من مثل هذه الأمراض فعلاً. بل وأحيانًا يحرك العدو (الشيطان) بعض الاخوة الذين يعانون من هذه الأمراض لكي يزوروا الرهبان الصائمين ويقصون عليهم ما حدث معهم، ويختمون أحاديثهم بأن ما أصابهم لم يكن إلا بسبب حياة النسك الصارمة[29].]

من الخطايا التي كثيرًا ما يشار إليها هو شعور الراهب بالخجل من النهم فيُحارب بالأكل سرًا حتى لا يُعثر أحدًا. أما علاج النهم فكما يقول القديس يوحنا كاسيان هو تمتع العقل بلذة التأمل في الإلهيات، فتنشغل النفس بالسماويات فتهب الجسد نوعًا من الشبع؛ [لا نستطيع أن نستخف باللذة التي يقدمها لنا الطعام ما لم يجد العقل فرحًا بالتأمل في الإلهيات.[30]]

الكتاب السادس: الشهوات ( الزنا) [31]

غالبًا ما يربط الآباء بين خطيتي النهم والزنا، وعلى العكس لا تتفق مع خطية المجد الباطل.يُعرّف القديس أوغريس الزنا بأنه “اشتهاء الأجساد”.

يرى الآباء أن حركة الزنا تنبع عن المصادر الثلاثة:

· الحركة الطبيعية للجسد.

· كثرة الأكل والشرب.

· حرب الشيطان.

يتحدث القديس أوغريس عن  ارتباط الفكر بالشهوات فيقول:

[جدير بالاعتبار أن نفهم إذا كان الفكر هو الذي  يجلب الشهوات ويحركها، أم الشهوات هي التي تجلب الفكر. فالبعض ينادون بالرأي الأول، والبعض ينادون بالرأي الثاني.

لكن الشهوات عادة ُتثار وتعمل عن طريق الحواس، فإذا كان الإنسان محبًا وضابطًا لنفسه لا تثور فيه الشهوات، وإذا لم يقتنِها تثور فيه.

الغضب أكثر احتياجًا إلى أدوية فعالة عن الشهوة. وُيدعى الحب عظيمًا لأنه يلجم الغضب[32].]

وفي مقاله عن الحياة العاملة يجيب عن السؤال: كيف نعرف أننا غير شهوانيين؟

[ليتنا نميز علامات اللاهوى عن طريق الأفكار نهارًا، والأحلام ليلاً.

ولنسمى حالة “عدم الشهوة (اللاهوى)” أنها “صحة النفس“، و”المعرفة” هي غذاؤها. لأنه بالمعرفة وحدها نصير متحدين مع القوات المقدسة، إذ أن اتحادنا مع الكائنات غير الجسدية لا يتم إلا إذا كانت حالتنا تطابق حالتهم[33].]

الكتاب السابع: الطمع [34]

يتحدث القديس يوحنا كاسيان إلى الرهبان في نظام الشركة عن خطية “الطمع”، فقد يبيع الإنسان كل ما يملكه ويتجرد عن كل شيء، لكن تدخل هذه الخطية خلسة، بأن يقتني الراهب أقل القليل، مقدمًا التبريرات الكثيرة لذلك، فيتسلل الطمع إلى قلبه، ويُفسد كل كيانه.

يقدم لنا كاسيان أمثلة خطيرة للطمع ومحبة المال:

·   بسبب الطمع سقط جيحزي تلميذ إليشع النبي في الكذب والإصرار عليه، ففقد روح النبوة، والتصق به البرص كل أيام حياته.

·   دفع الطمع حنانيا وسفيرة إلى الكذب على الروح القدس فسقطا ميتين.

·   دفع الطمع يهوذا المختار بين التلاميذ إلى خيانة سيده، ففقد التلمذة للسيد المسيح والرسولية بل وانتحر.

يولد الطمع سلسلة من الخطايا، أما أحد وسائل علاجه فهو الاتضاع والطاعة لقوانين الدير من كل القلب.

أخيرًا ما يؤكده كاسيان أن الطمع لا يتوقف على إمكانيات الإنسان المادية بل على أعماقه الداخلية، فهو خطية تفسد القلب والفكر. إذ يقول:

ينبغي علينا ليس فقط أن نأخذ حذرنا من حيازة المال، بل ننتزع أيضًا من نفوسنا تلهفنا عليه، إذ من واجبنا لا أن نتحاشى نتائج الطمع إنما بالأكثر أن نستأصل جذور كل نزوع إليه، إذ أن عدم امتلاكنا للمال لا يفيدنا ما دامت فينا شهوة الحصول عليه[35].”

“من المحتمل أن إنسانًا لا يملك شيئًا يكون مستعبدًا لعلة الطمع، ولا تنفعه نعمة الفقر المدقع، لأنه لم يستطع أن يستأصل من نفسه جذور خطية الشراهة، متقبلاً مزايا الفقر لا لحسن فضائله، وراضيًا بثقل الحاجة إنما في فتور القلب. ذلك لأنه كما تعلن كلمة الإنجيل أن الذين لا يتدنسون بالجسد قد يزنون في القلب، وأن من المحتمل أن الذين لا يثقل كاهلهم عبء المال تلحقهم لعنة نزعة الطمع والاشتياق إليه لأن ما كان يعوزهم هي “فرصة” الامتلاك وليست “إرادته”، لأن الثانية هي التي يُتوجها اللَّه دون جبر، لهذا يلزمنا أن نستخدم كل حصانة، لئلا تتبدد ثمار جهودنا في غير ما يجدي. لأنه من المحزن أن يتحمل المرء أثار الفقر أو العوز، ولكنه يفقد ثماره، بسبب سقوط الإرادة المزعزعة[36]“.

“لقد نبذ جميع مقتنيات هذا العالم من استأصل تمامًا من قلبه الرغبة في حيازتها وامتلاكها[37]“.

يقول القديس مكسيموس المعترف [توجد ثلاثة أسباب لمحبة المال: محبة الملذات، المجد الباطل، عدم الإيمان والثقة. عدم الإيمان أشر من السببين الأولين.]

يقول القديس أوغريس: [يتصور المجربون بمحبة المال طول بقائهم على الأرض، وعدم القدرة على العمل، والجوع، والمرض، ومصاعب الاحتياج والاستجداء من الآخرين لإشباع احتياجات الجسد[38].] بينما إذ يتعرض المتوحدون لهذه الحرب يشير عليهم العدو أنه يلزمهم توزيع الصدقات وعمل الخير للغير[39]. مع أنه يستحيل ممارسة عمل الرحمة لمن يرتبط بمحبة المال[40].

الكتاب الثامن: الغضب

عالج القديس يوحنا كاسيان خطية الغضب بفكر كتابي حيّ وعملي.

الغضب أشبه بسحابة قاتمة تحل على القلب فتفقده القدرة على البصر. يفقد الإنسان الحكمة والفهم حتى إن تطلع إليه الكل كإنسان حكيم، ويفقد كرامته حتى إن بجَّله الجميع.

بالغضب تفقد النفس استنارة الروح القدس، فيفقد علاقته بالله، ويخسر اخوته حتى الأعزاء لديه جدًا، بل ويفقد نفسه.

كثيرًا ما نبرر الغضب بالظروف المحيطة بنا وأخطاء الغير، بينما جرثومة الغضب تكمن في أعماق النفس الداخلية، لذا لاق بنا أن نلوم أنفسنا لا اخوتنا.

يظن البعض أن الهروب من الناس أو العزلة هي علاج للغضب… إنه هروب، بينما يبقى الغضب كامنًا في الأعماق حتى يجد الفرصة لكي يعبر عن نفسه في الوقت المناسب.

يرى القديس أوغريس أن أثر الغضب هو أن يلهب الغضب بالأكثر الذي يقودنا إلى حالة شيطانية[41]، ويرى أن للغضب أربع علامات:

·   يهيج النفس طوال اليوم، خاصة أثناء الصلاة.

·يقدم أمام عيني الشخص صورة المعتدي عليه.

·   تثير فيه مخاوف أثناء الليل وفي الأحلام.[42]

·   أهم علامة هي أنه يربك عمل العقل الذي هو التأمل[43]. وهذا هو السبب في أن الغضب يقف عائقًا عن ممارسة الصلاة[44].

أما علاجه فكما يقول القديس أوغريس [تهدأ ثورة الغضب بالترنم بالمزامير والصبر والعطاء[45].]

يجب قلع سم الغضب القاتل من جذوره في أعماق النفس، لأنه إذا بقي روح الغضب واستقر في قلوبنا أظلمت عقولنا وفقدت قدرتها على الرؤية، لأن الغضب يصيب بالعمى وبظلمة ضارة تجعل الرؤية الروحية مستحيلة. فلا تقدر على الحكم الصائب في أمرٍ من الأمور، بل يتعذر علينا التأمل الصالح الذي ينمي الحكمة فينا، بل لا نقدر أن نثبت في الصلاح، أو نقبل النور الحقيقي الروحي، لأنه مكتوب: “عيني قد تعكرت من الغضب” (مز 31: 29).

 وقد يمدحنا الناس كحكماء، ولكننا لن نكون حكماء إذا لازمنا الغضب، لأنه مكتوب: “الغضب يسكن مستريحًا في صدر الأحمق” (جا 7: 10 LXX). وهو ما يعرضنا لفقدان ميراث الحياة الأبدية. وقد يظهر لنا أننا نفهم الطبيعة الإنسانية وندرك أسرارها، ولكن إذا ظل الغضب فينا، تم فينا ما هو مكتوب: “الغضب يدمر الحكماء” (أم 15: 1 LXX). ويحرمنا الغضب من إدراك “برّ الله”، لأننا بسبب الغضب نفقد الإفراز، ومع أن الناس قد يقولوا عنا أننا قديسون وكاملون إلا أنه مكتوب “غضب الإنسان لا يصنع برّ الله.” (يع 1: 20)[46].

يحاول البعض تبرير الغضب، هذا المرض القاتل للنفس، بأدلة من الأسفار الإلهية التي يفسرونها تفسيرًا غير لائق. يقول هؤلاء أن الغضب ليس ضارًا حتى إذا غضبنا على الاخوة الذين يخطئون، لأن الله نفسه يسخط ويغضب على الذين لا يريدون أن يعرفوه، أو يعرفونه ومع ذلك يرفضونه. ومن الأمثلة التي يقدمونها كلمات الأسفار: “غضب الرب واشتعل سخطه على شعبه”( مز 106: 40). أو عندما يصلي النبي ويقول: “يا رب لا توبخني بغضبك، ولا تؤدبني بسخطك” (مز 6: 1). ولا يفهم هؤلاء أنهم عندما يحاولون بهذا الإصرار على تأكيد وتبرير الغضب إنما يقودون غيرهم إلى التمسك برذيلة ضارة وفي نفس الوقت يمزجون ضلال شهوة جسدانية بنقاء الله غير المحدود والذي هو مصدر كل نقاءٍ[47].

عندما نقرأ أن الله غضب وسخط فأننا لا يجب أن نفكر في أن هذه انفعالات بشرية. بل يجب أن نفكر فيما يليق بالله الحر من كل هذه الانفعالات، أو بكلمات أخرى يجب أن نراه مثل القاضي الذي يحاكم وينتقم من الأعمال الشريرة ويرد الشر على فاعليه. هنا يُوصف بمفرادات خاصة تولد فينا الخوف من الله الذي سوف يحاكم على كل عمل ضد إرادته. ولكن يجب أن نتذكر أن الطبيعة الإنسانية تعودت على الخوف من الذين يغضبون ولذلك السبب تتراجع عن الشر خوفًا من غضب هؤلاء. وفي حالات القضاة المشهورين بالعدل الصارم، يخاف منهم الأشرار، لأنهم يعرفون أنهم سوف يوقعون بهم عقوبة صارمة وهذا وحده يزرع الخوف والشعور بالندم في قلوب الأشرار. ولكن القضاة العادلون لا يحكمون ولا يصدرون أحكامًا تحت تأثير انفعالات الغضب. بل هذه الانفعالات إذا وجدت فيهم تجعلهم يعجزون عن إصدار الأحكام العادلة. ومع أن القضاة لا يعرفون الغضب، إلا أن الأشرار بسبب ذنوبهم وخوفهم من الحكم، يتوقعون الغضب عندما يحاكمون وبسبب شعورهم بالذنب يخافون حتى من القضاة الودعاء المعتدلين، لأن صدور أي حكم على إنسان شرير يجعل المذنب يشعر بسخط وغضب الحكم ولا يصف قرار القاضي الذي يعاقبه إلا بأنه قرار غضب وسخط[48].

الكتاب التاسع: الاكتئاب (الإحباط)

بعد معالجته للخطايا الأربع: “النهم والشهوات والطمع والغضب”، عالج القديس يوحنا كاسيان خطية ” الكآبة” أو الاكتئاب.

يلاحظ أن من بين الخطايا الرئيسية التي يجب على الراهب أن يقاومها هي الاكتئاب أو حالة الإحباط، فإن الحياة الرهبانية مع ما فيها من نسك وزهد هي حياة فرح داخلي، وتذوق للبهجة السماوية. فلا يليق بالراهب أن يحطم إيمانه وحياته بالكآبة أو الإحباط، بل ينمو دائمًا بروح الرجاء والانفتاح على السماء بكل مجدها وبهجتها. فالمؤمن. من الرهبان أو الشعب. مدعو للتمتع بالتأمل في الإلهيات ونوال عربون السماء، لهذا فإن الفرح الروحي سمة لازمة تكشف عن تمتع المؤمن بالحياة الجديدة في المسيح المقام من الأموات .

لقد أوضح القديس يوحنا كاسيان خطورة “الكآبة” أو الحزن الخاطئ، على أعماقنا الداخلية، وعلى علاقتنا بالله كما باخوتنا.

ويحذرنا كاسيان من تبرير ما يحل بنا من كآبه، بإلقاء اللوم على الظروف المحيطة بنا أو أخطاء الغير، مؤكدًا أن الكآبة هي ثمرة فساد داخلي في النفس، وأنها لا تحل بنا فجأة، بل هي نتاج أخطاء متراكمة في الأعماق. لهذا فإن علاج الكآبة ليس الهروب من الناس، بل التوبة عن خطايانا.

هذا ويميز كاسيان بين الحزن الشرير الذي يحطم النفس بروح الكآبة ويفقدها رجاءها ، وبين الحزن الذي حسب الله وهو النابع عن التوبة الواهبة سلامًا داخليًا، حيث تنفتح أمامنا أبواب الرجاء.

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [أنها تهاجم ليس فقط الجسد بل النفس ذاتها..][49]

يقول الأب إشعياء: [أن روح الكآبة يستخدم كل وسائل الصيد لكي تعمل حتى يفقدك كل طاقتك[50].]

يقول القديس أوغريس: [الإنسان الذي يهرب من كل الملذات العالمية هو برج يصد كل هجمات شيطان الكآبة[51].] كما يقول: [عندما يهاجمنا شيطان الكآبة يلزمنا أن نقسم النفس إلى قسمين: قسم يقدم تعزية، والآخر يتلقاها، باذرين فينا بذار الرجاء الحسن، مرتلين بمزامير داود القائل: “لماذا أنت منحنية فيّ يا نفسي. ولماذا تئنين فيّ؟! ترجِّى اللّه لأني بعد أحمده لأنه هو خلاص وجهي” مز 5:42[52].]

الكتاب العاشر: الضجر Acedia (أو شيطان الظهيرة)

يقول القديس يوحنا كاسيان: [أما سادس صراع لنا فهو موجه ضد ما يسميه اليونانيون بالضجر، أو ما يصح لنا ان ندعوه بالملل أو تعب القلب، وهو وثيق الصلة بالاكتئاب. يلاحق الناسكين بوجه خاص، وهو عدو خطر كثير التردد على سكان الصحراء. لا يزعج الراهب عادة إلا في الساعة السادسة، مثل الحمى التي يقع المرء فريسة لنوباتها. وما تسببه من ارتفاع شديد في حرارة المريض، خلال ساعات معينة منتظمة. وأخيرًا فثمة شيوخ يعلنون أن هذه الروح هي “شيطان الظهيرة” الذي ورد ذكره في المزمور التسعين (مز6:90).]

يكشف لنا القديس يوحنا كاسيان كيف يتسلل روح الضجر إلى الإنسان:

1. بث روح الكسل والتراخي.

2. الشكوى المستمرة والتذمر، حاسبًا إنه قائم في موضع لا يتناسب مع قدراته الفائقة ومواهبه العظيمة، فإن كان راهبًا يشتاق إلى الخدمة في العالم، أو يترك الدير ليذهب إلى دير أفضل، فيحب التردد على الأديرة.

3. إحساس بعدم اهتمام اخوته به.

4. إن كان راهبًا يشعر بأن من واجبه ترك القلاية وافتقاد اخوته في الدير بالود، فلا يستقر في قلايته.

5. فقدان الهدف من تكريس حياته لله أو نذره الرهباني.

6. انشغال الراهب بالطعام والملذات كنوع من الفراغ الداخلي.

7. يريد أن ينشغل بالآخرين ويكون في صحبتهم، لإضاعة وقته.

يقول القديس يوحنا كاسيان أن من أهم وسائل العلاج للضجر اهتمام الراهب يعمل اليدين كما فعل الرسول بولس (2تس8:3، أع1:18-3)، مطالبًا السارق لا أن يكف عن السرقة فحسب، بل وأن يعمل بيديه ليعطي من له احتياج (أف28:4). لقد ركَّز كثيرًا على هذا العلاج بكونه جزء لا ينفصل عن الحياة التعبدية والنمو الروحي.

ويحدثنا القديس أوغريس عن الضجر، قائلاً:

[شيطان الضجر، الذي  يقال له أيضًا “شيطان الظهيرة” مز 6:91، هو أخطر الشياطين. إذ يهجم على الراهب حوالي السابعة الرابعة من النهار (10 صباحًا)، ويجعل النفس تدور كما في دوامة حتى الساعة الثامنة من النهار (الساعة 2 بعد الظهر).

يبتدئ أولاً بأن يجعل الإنسان يترقب الشمس وهو في غم وضيق صدر، فيراها تتحرك ببطء  كأنها لا تتحرك قط، ويبدو كأن ساعات النهار قد صارت خمسين ساعة. وبعدما يتراكم عليه الضجر، يحثه الشيطان لكي ينظر من نافذته، أو يخرج من قلايته يترقب الشمس، وكيف أن الوقت لا يزال الساعة التاسعة. ثم يجعله يحملق هنا وهناك لعله يجد أحد الأخوة القريبين منه خارج (قلايته)، ويثير في داخله الغيظ من المكان الذي  يقطن فيه، ومن نمط حياته وعمله، ويضيف إليه هذا الفكر أنه لا توجد محبة بين الأخوة ولا يوجد هنا من يعزيه.

وإذا حدث في أحد الأيام أن أساء إليه أحد، فإن الشيطان يذكره بذلك لكي يزيد من حنقه وغيظه.

بعد ذلك يثير فيه الاشتياق للسكنى في أماكن أخرى، حيث يكون من السهل أن يمارس عملاً آخر أكثر نفعًا لسد حاجاته وأقل قسوة.

ويضيف إليه الشيطان أن إرضاء الإنسان للّه لا يتوقف على مكانٍ معينٍ، وأنه يمكننا أن نعبد اللّه في كل مكان. ثم يربط هذه الأفكار بأفكارٍ أخرى، كأن يذكره بأقاربه والحياة الهادئة الهنيئة الأولى، ثم يتنبأ له بحياة طويلة مملوءة بمصاعب الجهاد النسكي. وهكذا يستخدم كل حيلة وحيلة لكي يخدع الراهب، فيجعله ينهي هذه الحياة ويترك قلايته. هذا الشيطان يلحق به شيطان آخر ولكن ليس في الحال.

أما إذا قاوم الراهب هذه الحروب وانتصر، تستقر النفس في سلام وتمتلئ بفرح لا ينطق به[53].]

الكتاب الحادي عشر: المجد الباطل

يصير المجد باطلاً حينما تُطلب المكافأة عن الفضيلة من أجل إعجاب الناس. ويزداد المجد الباطل مع التقدم في الفضائل،[54] لكنه يحتقرها[55].

حديث القديس يوحنا كاسيان عن المجد الباطل عملي، يقدم لنا خبرات آباء محنكين، جاهدوا في الطريق الملوكي بروح الحق، يدركون هدفهم بكل حرص.

تتسلل خطية “المجد الباطل” إلى قلوب المؤمنين، لتستخدم كل نصرة لهم عليها كسلاح جديد تحطم به قلوبهم، حيث يفتخر المؤمنون بنصرتهم وغلبتهم! كل الخطايا الأخرى إذا ما هاجمت مؤمنًا وانهزمت هربت من أمامه لتترك المجال لغيرها للهجوم، وإن عادت الخطايا الأولى للهجوم تكون في ضعفٍ شديد. أما خطية “المجد الباطل” فإذا ما انهزمت تعود لتحارب بأكثر قوة وعنف. علة ذلك هو أن نصرة المؤمن يمكن أن تسند هذه الخطية في الهجوم.

كل الخطايا تحث المؤمنين على الانحراف عن الطريق الملوكي شمالاً ليصيروا خطاة أشرارًا، أما خطية محبة المجد الباطل أو الرياء فتحثهم على الانحراف يمينًا حيث يظن المؤمن في نفسه أن أبر من غيره، وأفضل من الكل. خطية المجد الباطل تتحالف مع “الرياء”، بل هما خطية واحدة تتسلل إلى القيادات الدينية كما إلى الكارزين وإلى الرهبان حتى المتوحدين… لكي تُفقدهم كل إكليل لهم.

ويحدثنا القديس أوغريس عن المجد الباطل، قائلاً:

[يصعب عليك الهروب من فكر المجد الباطل، لأن كل ما تصنعه لطرده يمكن أن يكون عاملاً مساعدًا لإنشاء دافع جديد نحو المجد الباطل.

هذا والشياطين لا تقاوم دائمًا كل فكر سليم، بل أنها أحيانًا تشجع فينا بعض الأفكار السليمة على رجاء أنها تقدر بعد ذلك أن تخدعنا[56].]

ويحدثنا عن عذوبة المعرفة لعلاج المجد الباطل:

[من يتلامس مع المعرفة ويختبر حلاوتها، لا يعود بعد يثق في شيطان المجد الباطل ولو قدم له كل ما في العالم من إغراءات! لأنه هل يقدر أن يعده بشيء أعظم من التأمل الروحي؟!

ولكن إن لم نكن بعد قد تذوقنا المعرفة، فليتنا نحيا حياة الجهاد (العمل) بكل غيرة، ونعلن هدفنا أمام اللّه، وهو أن كل ما نعمله إنما لكي (نختبر) معرفة اللّه[57].]

الكتاب الثاني عشر: الكبرياء

الكبرياء هي خطية الأمم المقاومين لله الحقيقي. عبَّر أليفانا عنها بقوله: “من هو الله إلا نبوخذنصر؟!” (يهوديت2:6).

يدعو أوريجينوس خطية الكبرياء أعظم خطايا الشيطان[58]. ويدعوها القديس يوحنا الذهبي الفم: [أصل ومصدر وأم الخطية[59].] ويقول القديس مكسيموس المعترف: [لشيطان الكبرياء شران: إما أنه يحث الراهب لكي يصف نفسه بأعماله الفاضلة… أو يقترح السخرية بنقص الأخوة وعدم كمالهم.]

قام أوخيريوس Eucherius بعمل ملخص للمعاهد والمناظرات وقد فقد هذا العمل، غير أن C.Honselmann يعتقد أنه قد اكتشف بعض فقرات من هذا الملخص بـ Paderborn.

ترجم كتاب المعاهد إلى اليونانية في القرن الخامس، وقد عمل ملخص في كتابين من هذه الترجمة تختلف عما فعله أوخيريوس، تعرف عليه فوتس والمدعو نيلس[60].


(*a) وثالثاً: كتابه “في التجسد الإلهي” ضد نسطوريوس.. ولكن المترجم لم يقم بترجمة هذا الكتاب ولكنه سيذكره لاحقاً في الفصل القادم…. (الشبكة)

[1] فصل 1.

[2] فصل 3.

[3] فصل 2.

[4] فصل 4.

[5] فصل 5.

[6] فصل 7.

[7] فصل 8.

[8] فصل 11.

(*b) هنا توجد  كلمة (الأجبية) ولكن تم حذفها من قبل الشبكة والتنويه عنها. والأجبية في الكنيسة القبطية، يوازي في الكنيسة الأرثوذكسية كتاب السواعي. ويجب التنويه أيضاً أنه قد تم اسبتدال كلمة “الأب” بـ “القديس” حين ورود اسم القديس مكسيموس المعترف. لأن المترجم كما قلنا من الكنيسة القبطية، تؤمن بالطبيعة الواحدة، ولا تعترف بالقديس مكسيموس المعترف ضمن قديسيها… (الشبكة)

[9] فصل 1.

[10] فصل 2.

[11] فصل 3.

[12] فصل 7.

[13] فصل 7.

[14] فصل 7.

[15] فصل 8.

[16] فصل 9.

[17] فصل 10.

[18] فصل 10.

(*c) الكلمة المستخدمة في الكتاب “القديس أوغسطينوس”. ولكنا قمنا بتعديل الكلمة إلى “المغبوط أوغسطينوس”. كون أن قداسة أوغسطينوس موضع جدل في الكنيسة الأرثوذكسية بسبب بعض الأراء والأفكار اللاهوتية التي طرحها وتخالف الإيمان الأرثوذكسي. ولكن لا يُشك أبداً بطهار وقداسة سيرته… (الشبكة)

[19] فصل 2.

[20] فصل 3.

[21] فصل 3.

[22] فصل 5.

[23] فصل 6.

[24] فصل 7.

[25] فصل 8.

[26] فصل 11.

[27]  Tomas Spidlik, The Spirituality of the Christian East, Michigan, 1986, p. 249-250.

(*d) يوجد كلمة “قديس” قبل اسم “إكليمنضس السكندري”، ولكن تم حذفها من قبل الشبكة، انقر هنا لمعرفة السبب… (الشبكة)

[28]  Conf. 5:11.

[29] إلى أناتوليس “الأفكار الثمانية 2.

[30]  Institutes 5:14.

[31]  Tomas Spidlik, p. 250.

[32] توجيهات إلى أناتوليس عن الحياة العاملة 26.

[33]  مقال عن الحياة العاملة 56.

[34]  Tomas Spidlik, p. 250.

[35] فصل 21.

[36] فصل 22.

[37] فصل 27.

[38] إلى أناتوليس “الأفكار الثمانية 4.

[39]  St. John Climaeus ,Ladder of Paradise, 16.

[40]  Evagrius: Praktikos, 18.

[41]  Letter, 59.

[42]  Praktikos 11.

[43]  Ibid 63.

[44]  Ibid  26.

[45]  Ibid  15.

[46] De institutis caenoborum, Book 8:1.

[47] De institutis caenoborum, Book 8:2.

[48] De institutis caenoborum, Book 8:4.

[49]  To Olympias, 13:4.

[50]  Logos 16.

[51]  Praktikos 15.

[52] توجيهات إلى أناتوليس عن الحياة العاملة 18.

[53] إلى أناتوليس “الأفكار الثمانية 7.

[54]  Evagrius: Praktikos 31.

[55]  John Climaeus: Scala paradisi, 22.

[56] توجيهات إلى أناتوليس عن الحياة العاملة 20.

[57] توجيهات إلى أناتوليس عن الحياة العاملة 21.

[58]  In Ezechielem 9:2.

[59]  In Joannem 9:2.

[60] PG 79:1435 – 1472.

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
arArabic
انتقل إلى أعلى