الاختيارات

إذا كنتَ مسيحياً وفقدتَ كلَ ما تملك، كلَ من تحب، حتى حياتك، فأنت لم تفقد شيئاً فعلاً. “اكنزوا لكم كنوزاً في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدأ وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون” (متى20:6). عرف الشهداءُ والقديسون المسيحيون الأوائل هذه الحقيقة جيد، لأن الكثيرين منهم تخلوا عن حياتهم من أجل إيمانهم بيسوع المسيح. لقد علموا أن أكثر ما يمكن لبشري أن يفعله لهم هو أن يضع حداً لحياتهم. لقد علموا أن أرواحهم تخصُ اللهَ ولا يمكن لأحدٍ أن يدمرها. وها هم يظفرون بما كان ينتظرهم إذ انتهت حياتهم. بكلماتٍ أخرى، هم لم يفقدوا شيئاً لكنهم ربحوا كلَ شيء! كان الخيار منوطاً بهم في عدم خضوعهم للضغط وإعلان إيمانهم بيسوع المسيح. وخيارهم هذا أكسبهم إكليلَ الشهادة وموطناً أبدياً في السماء. “فإن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها ومن يهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل فهو يخلصها. لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه” (مرقس35:8-36).

إن حرية الاختيار هي هبةُ الله العظيمة لنا. وأعظم مجدٍ يمكننا تقديمه لله هو أن نستعمل حرية اختيارنا لنختاره هو. مستقبلنا الأبدي يتأثر باختياراتنا. “فإذا كنتم تأكلون وتشربون وتفعلون شيئاً فافعلوا كل شيء لمجد الله” (1كورنثوس 31:10). إن حريتنا في الاختيار تضع أمامنا خيارين اثنين: يمكن أن نختار اتباع النور (الله)، ويمكن أن نختار اتباع الظلمة. عندما نختار أن نتبع النور فإننا نستجيب للمقطع الإنجيلي المذكور أعلاه، وتمجدُ أفعالُنا اللهَ.

  • الهراوة التي تقتل يمكن أن تستخدم كوتدٍ لتامين خيمة للجوء إليها.
  • السكين التي تقطع اللحم يمكن استعمالها لتقطيع الثياب من أجل صنع ألبسة تحمينا من عناصر الطبيعة.
  • الحربة التي تقتل قد تستخدم كعتلةٍ لتخفيف حمولة ما نرفعه من الأشياء الثقيلة.

من الواضح إذاً أن الاختيارات التي نتخذها إما أن تنير أرواحنا وتظلمها. لدينا الحرية في أن نختار تمجيد الله ولا وذلك من خلال تصرفاتنا وتفاعلنا مع إخوتنا البشر. كلُ الخليقة جُبِلَت لمجد الله ولأغراض صالحة. لكن سوء استعمال أي شيء يعيق هدفه الصالح ويرمي من أساء استعماله في الظلمة. “أما أنا وبيتي فنعبد الربَ” (يشوع 15:24).

قال النبي اشعيا عن يسوع المسيح: “الشعب الجالس في الظلمة أبصر نوراً عظيماً والجالسون في كورة الموت وظلاله أشرق عليهم نور” (متى 16:4). “سمعتم انه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. وأما أن فأقول لكم أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم” (متى43:5-44).

كم وكم من المرات سمعتَ العبارة: “أحبب الخاطئ لكن اكره الخطيئة”. هذه العبارة نصف صحيحة. إذ يتوجب علينا أن نحب الخاطئ لأن يسوع المسيح طلب منا في الإنجيل أن نحبَ الكلَ، حتى أعداءنا. يجب ألا نكره أي شيء. الكره عاطفة سلبية تُظلم من يطبقها. وبالتالي تكون النسخة المستنيرة لهذه العبارة: “أحبب الخاطئ وأنرهُ واغفر الخطيئةَ”.

إذا استخدمتَ الآلة الحاسبة وأدخلت 1 وضغطتَ مفتاح الطرح ثم أدخلتَ 1 مرةً ثانيةً وضغظت مفتاح الطرح فما هو الناتج الكلي للرقمين؟ ستحصل على -2، وأنك ستضاعف الرقم السلبي. عندما تكره الشر، فأنت تضاعف تأثيره. إذا صارعتَ الظلمة بكراهيةٍ فأنت نفسك ستدخل الظلمة!. لكن عندما تضيء الظلمةَ بنور الله والمحبة فإنك تبدد الظلمةَ وتلغيها. تماماً كما يحدث عندما تدخل -1 ثم +1 فالجواب هو صفر. ألغِ تأثير الظلمة باتخاذك اختيارات حكيمة مبنية على محبة الله المستنيرة.

“وأما الآن فاطرحوا عنكم أنتم أيضاً الكلَ الغضب السخط التجديف الكلام القبيح من أفواهكم. لا تكذبوا بعضكم على بعض إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله” (كولوسي 8:3-9). “فليس مكتوم لن يُستعلن ولا خفي لن يعرف” (لوقا2:12).

كما ذكرتُ سابق، أمامنا أن نختار بين النور والظلمة. عندما نختار الكذبَ فنحن نختار الظلمة. تبعاً للمقطع السابق الوارد في إنجيل لوقا، فإن ظلمةَ عدم صدقنا تنكشف دوماً عندما يُسَلط عليها نورُ الحقيقة.

في إنجيل القديس متى، الإصحاح 21، يستخدم يسوع مثلاً عن أبٍ لديه ولدين. طلبَ الأبُ من الابنَ الأول أن يذهب للعمل في كرمه. قال الابنُ الأول: لا، لكنه في النهاية ندمَ وذهب للعمل في الكرم. أما الابنُ الثاني فأخبر والده أنه سيذهب للعمل في الكرم لكنه لم يفعل.

كان الابنُ الأول صادق، إذ أنه لم يخبر والد بما أراد هو (الوالد) أن يسمعه، لكنه تاب فاعلاً إرادة الأب. اختار الابنُ الثاني أن يكذب على أبيه مخبراً إياه بما أراد سماعه لكنه لم يكن عازماً على تتميم إرادة أبيه. وبالتالي جلبَ الابنُ الثاني على نفسه غضبَ أبيه إذ اتضح أنه لم يفِ بوعده. “فليس مكتوم لن يستعلن”.

عدم الصدق يقودُ إلى الظلمة، واختيارُ الحقيقة هو طريق الاستنارة!

منذ فجر الجنس البشري، وككائنات مُنِحت هبة العقل، أُعطيت لنا الاختيارات. نحن نتعلم من اختياراتنا، ومن نتائج اختياراتنا. كثيراً ما نعتقد أن الاختيارات الدنيوية القليلة اليومية التي نتخذها لا تؤثر علينا، لكن هذه الاعتقاد هو أبعد ما يكون عن الحقيقة.

“لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون، وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم”(متى2:7).

من خلال اختياراتك، إذا كنت تغير الآخرين بسرعةٍ عن طريق الإدانة، عدم الصدق، الجشع، أو الكراهية، فأنت تغير فقط نفسك، لأنك ستتلقى كل ما تعطيه.

أعطانا اللهُ هبةَ الاختيار الحر. نحن الذين نصمم مصيرنا. يمكننا أن نبني باتجاه النور وباتجاه الظلمة.

نبني باتجاه النور عندما نضع احتياجات الآخرين أمام احتياجاتنا. نبني باتجاه النور عندما نختار المحبة، المسامحة، الصدق، الوضوح. وإذ نبني على الجانب المنير نكنز لنا كنوزاً في السماء ونحن نفعل ما نفعله لمجد الله. إذ نبني باتجاه النور نعطي اللهَ المجدَ الأعظم لأننا نستخدم حريتنا في الاختيار لنختاره هو بواسطة الطريق التي وضعها لنا من خلال ابنه الوحيد المولود يسوع المسيح.

الأب ميخائل د.جوردان
تعريب إيلان منصور
نقلاً عن مجلة التراث الأرثوذكس

arArabic
انتقل إلى أعلى