Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎

الكنيسة تحبك (1)

مع عرض روحي رائع عن “التجسد الإلهي”

عظتان عن أتروبيوس

للقديس يوحنا الذهبي الفم

ترجمة القمص تادرس يعقوب ملطي

مترجم عن:

The Writings of Nicene & Post-Nicene Fathers
Second Series – Vol.

هذا الكتاب من ترجمة الكنيسة القبطية، وهذا يعني أن ليس كل ما جاء في تعليقات المترجم أو المعد نتفق معه وأحياناً نختلف معه. فالرجاء تنبيهنا في حال وجود شيء من هذا القبيل أو غير مفهوم. لقراءة النص الإنجليزي رجاءً انقر هنا

قصة هذا الكتاب

من هو أتروبيوس؟

وُلد أتروبيوس كعبدٍ في حكم الميزوبتيميا (دولة العراق القديم) واجتاز سن الطفولة كعبد يقوم بأعمال دنيئة موكلة إليه بواسطة سادته الذين كانوا يتاجرون به فيبيعه سيد لآخر. وأخيراً اشتراه أرينيثيوس الذي كان يقوم بعمل عسكري هام، هذا قدمه لأبنته عند زواجها. لكن السيدة تضايقت من العبد بعدما صار عجوزاً، فلم تحاول أن تبيعه بل أطلقت سراحه.

ذهب العبد إلى القسطنطينية حيث صار في عوزٍ شديد، فرثى له أحد الموظفين في البلاط وهيأ له عملاً بسيطاً بين حجاب الإمبراطور… ومن هنا بدأ نجمه يتألق ومركزه يرتفع. إذ باجتهاده في أعماله البسيطة ولباقة حديثه وسرعة خاطره جذب أنظار الإمبراطور تيودوسيوس الكبير (378 – 395م)، فوثق به وأوكل إليه القيام بمهام خطيرة وحساسة.

وعند موت تيودوسيوس أقتسم ابناه المملكة فصار أنوريوس إمبراطور الغرب وأركاديوس إمبراطور الشرق. وكان في ذلك الوقت أتروبيوس له من القدرة أن يقوم بأعمال رئيس الحجاب والمشير الخاص والمساعد الدائم لأركاديوس. لكن هذه المهمة كانت في يد روفنيوس Rufinus الذي كان المدبر الرئيسي لشئون المملكة في بداية حكم أركاديوس وقد كانت له دسائسه وطمعه الخبيث مما أثار سخط الشعب ضده فاغتالته جماعة في حضرة الإمبراطور.

أما أتروبيوس فكان يتودد لروفنيوس بخبث زائد، واستطاع بحيله أن يبطل تدابير روفنيوس في تزويج ابنته بأركاديوس، مستبدلاً بها افدوكسيا. فلما أُغتيل روفنيوس كانت السلطة الحقيقية كلها في يد أتروبيوس يساعده في ذلك افدوكسيا التي كان هو السبب في زواجها، وقد امتازت بسيطرتها على أركاديوس لضعف إرادته ووهن عقله، هذا بجانب ما كان لها من الجمال يعضده شدة همتها وإقدامها… هذا مع شراسة أخلاقها ومحبتها للانتقام وقد سودت تاريخها بطردها للقديس يوحنا لذهبي الفم.

أظهر أتروبيوس اجتهاداً عظيماً في عمله، لكنه أستغل مركزه استغلالاً سيئاً إذ ألغى حق الكنيسة في حماية اللاجئين إليها(2)، وذلك حتى يقطع آخر رجاء لضحاياه في الهروب. كما باع المراكز الرئيسية للدولة فصار يلتف حول الإمبراطور جماعة من المستهترين، هذا وقد عمل على خلق جوٍ من الترف والتنعم حول الإمبراطور ليلهيه عن أي تفكيرٍ سام… وهكذا صار أتروبيوس في يده السلطان الواقعي. أما أركاديوس فكان أقل من تمثال صغير يرتدي العظمة. وهكذا أرتفع الخصي العبد ليصير السيد الحقيقي لنصف العالم الروماني.

وقد كانت رسامة القديس يوحنا ذهبي الفم 397م بناء على نصيحته لأركاديوس… وقد تظاهر بمساعدته لأعمال الكنيسة التبشيرية. لكن هذا كله لم يثن ذهبي الفم عن أن يتكلم بطلاقة ووضوح عن شرور الغنى ورذائل الكثير من الأغنياء الجشعين موبخاً إياهم بشدة… فشعر أتروبيوس أنه هو الرجل الأول الذي ينطبق عليه هذا الكلام… وأن رذائله بدأت تنكشف… مما وتر العلاقة بينه وبين القديس يوحنا ذهبي الفم.

أخيراً فإن أتروبيوس لم يقنع بنواله السلطان التنفيذي بل أراد أن يأخذ له لقباً مكرماً، وهو في هذا كان يعد لنفسه الهلاك. فقد أغرى الإمبراطور وأعطاه لقب Patrician and Consul مما أثار سخط عظماء الملكة الغربية إذ رأوا عبداً خصياً ينال هذه الرتبة في المملكة الرومانية!!

على أي الأحوال، إذ أخذ أتروبيوس هذا اللقب جاء أعضاء مجلس السانتو وكل الذين في وظائف عسكرية أو مدنية كبرى، مجتمعين في قصر قيصر يقدمون ولاءهم له ويتنافسون على نوال كرامة لثم يدي ذلك الخصي العجوز ووجهه.

لكن ضربة قاضية أوشكت أن تحل بالعاصمة الشرقية على يد عسكري متبربر عنيف اسمه Tribigild  كان قد بلغ رتبة Tribani في الجيش الروماني وقد طلب منصباً أعظم… فرفض أتروبيوس طلبه، فاستاء هذا الرجل من هذه الإهانة فأثار فرقة من الجيش للتمرد فارتجت القسطنطينية وسرت فيها موجة من السخط. وإذ طلب من جاينس Gainus أن يصد موجة التمرد، فرض ذلك طالباً إستبعاد أتروبيوس الذي هو مصدر لشرور كل الدولة.

أخيراً استبعد أتروبيوس وصودرت ممتلكاته وطلب الجند إعدامه ولم يكن لهذا التعيس البائس مكان للالتجاء إليه سوى الكنيسة التي حرمها من حق الالتجاء إليها في مثل هذه الحالات (حتى يهدأ الجو). فلجأ إلى الكاتدرائية التي كانت بقرب القصر وذهب إلى المذبح وتعلق بالعامود، فرأى القديس يوحنا ذهبي الفم حاله يرثى له بينما الجنود يطلبون قتله، فلم يخيب رجاءه بل أحتضنه وخبأه في غرفة الأشياء المقدسة وملابس الكهنوت وواجه الذين يقتفون أثره… واتصل بالإمبراطور ليقنعه هو والجنود بالعفو عنه.

وفي اليوم التالي – يوم الأحد – كانت الكاتدرائية قد اكتظت بالجماهير لتسمع ذهبي الفم متحدثاً عن حب الكنيسة للناس، حتى لأتروبيوس رغم كونه عدو لها سن قانوناً يمنعها من حماية أي إنسان، وهذه هي العظة الأولى للقديس يوحنا ذهبي الفم عن أتروبيوس.

بقي أتروبيوس أياماً قليلة في تخم الكنيسة، لكن يبدو أنه لم يأتمن الكنيسة أو خشى من النفي… على أي الأحوال هرب من الكنيسة… وكان مصيره الإعدام بالسيف في شالسيدون Chalcedon. وعندئذ نطق القديس يوحنا ذهبي الفم بالعظة الثانية.

موضوع العظتين:

القديس يوحنا ذهبي الفم كما هي عادته، ينتهز كل فرصة لكسب النفوس ولقائها مع الرب يسوع، والكشف عن المفاهيم الحقيقية للمسيحية والخدمة والرعاية الروحية الكنسية. وقد أنتهز فرصة هروب أتروبيوس إلى الكنيسة وهروبه منها فتحدث في العظتين عن هذه الأمور:

  • هل المال أو المتملقون أو المظاهر الخادعة تقدر أن تحبك؟
  • هل الكنيسة تحبك؟ وما هو مفهوم حبها لك؟
  • هل الإله المتجسد يحبك؟ وما هي الإمكانية التي قدمها لك؟

الكنيسة تحبك… رغم شرورك!!

الكنيسة – رعاة ورعيّة – لا تعرف غير الحب للجميع بلا تمييز، تحب كعريسها كل البشرية وتحتضن الكل، وتريد خلاصهم والوصول بهم إلى معرفة الحق.

بهذا الكنيسة ليس لها عدو غير الشيطان، ولا خصم غير الخطية، ولا مناضل غير التجديف والإلحاد. أما الخطاة أو الأشرار… فتنظر إليهم نظرة عطف وحنان، نظرة أم تطلب شفاء أولادها المرضى، تترفق بهم بالأكثر كلما أشتد بهم المرض، وتبكي عليهم من كل قلبها كلما رأت فيهم اعوجاجاً.

هذه هي رسالة الكنيسة نحو البشر، لهذا فكل إنسان يظن في نفسه أنه عضو حيّ في الكنيسة – سواء كان راعياً أو من الرعيّة، كاهناً مهما بلغت درجة كهنوته، أو علمانياً، راهباً ولو في درجة السواح، أو متزوجاً – ولكن لم يعرف أن يحب الكل ويتحنن على الجميع، ويترفق بالأكثر على الخطاة والأشرار الساقطين… مثل هذا أجهل ما يكون برسالة أبيه يسوع وأبعد عن أن يكون في الكنيسة.

فالكنيسة قبل أن تكون بناء أو كهنة رعاة إنما هي في جوهرها وكيانها إيمان وحياة… إيمان يحيا به الذين التقوا بشخص الرب يسوع تحت قيادة الكهنة الذين لهم روح الله متعبدين في البيت المدشن لاسم يسوع…

الكنيسة إيمان بالذي يخلص من الخطية فيها، وثقة بقدرة الله على خلق قديسين من الأشرار، وحياة هي الحب عينه للجميع بلا تمييز كمحبة الفادي للعالم “كما أحببتكم أنا تحبون أنتم” (يو 13: 34).

فالإنسان الذي يسكن في قلبه عداء أو ضغينة أو كراهية لشخص إنسان، ولو كان مجرماً أو شريراً أو حتى مضطهداً للكنيسة… مثل هذا خارج عن الحظيرة. لأنه لم يعرف أن يميز بين الخاطئ والخطية، والشرير والشر. فلنكره الشر والخطية والعداوة، ولنحب الكل لأنهم اخوتنا من صنعة يديّ الله الذي يحبهم ويحبنا، يترفق بهم كما يترفق بنا، يود خلاصهم كما خلاصنا. لأن الله ليس عنده محاباة(3)، ولا يعرف التمييز(4).

هل الكنيسة تتستر على الخطايا؟

رسالة الكنيسة تتركز في الوصول بكل نفس – مهما بلغ شرها – إلى عريسها وفاديها يسوع… وهي في ذلك لا تعمل على إخفاء الشر أو التستر عليه، بل بالعكس كشفه والاعتراف به مع إعطاء التائبين إمكانية لعدم العودة إليه.

فالكنيسة في ترفقها بالخطاة والأشرار، لا تساعدهم على شرهم، بل تعمل على نزعه عنهم وحفظهم منه.

هذا ما يلزم لأب الاعتراف أن يضعه نصب عينيه. فإن جاءه شاب ساقط أرتكب خطية مع فتاة فأفقدها عذراويتها لا يقف الكاهن عند حد بكاء الشاب وانسحاق قلبه وندامته، لأنه كما هو أب لهذا الشاب، هو أيضاً أب لهذه الفتاة ولو لم يعرفها باسمها، ولو كانت تقطن في غير مكان رعايته. إنه في حب مع ترفق يلزمه أن يقنع الشاب بالتزوج من الفتاة التي أصابها الضرر، مهما كان مركزها المالي أو الاجتماعي… ولو كانت خادمة تعمله عنده!!

إنسان آخر أضر أخراً، فليعوض المضرور عن ضرره… وإنسان قتل… فليقنعه أب الاعتراف بحنان بأن يلزمه تسليم نفسه إلى أقرب بوليس معترفاً بجريمته، محتملاً تأديب المجتمع له…

والكنيسة بهذا لا تكره الخطاة أو المجرمين أو حتى القتلة، إنما تحبهم، ولأجل حبها لهم تطلب منهم – وبكامل رضاهم – ألاَّ يهربوا من تأديب المجتمع أو المضرور لهم.

إنها تحبهم كأبناء، وتشفق عليهم كمرضى، وتغفر لهم بالروح القدس خطاياهم… لكنها لا تحميهم عما يقع عليهم من تأديبات مدنية أو جنائية، اللهم إلاَّ بموافقة المضرور أو الدولة.

والسؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا: لماذا قبل ذهبي الفم أتروبيوس في الكنيسة وأعطاه حصانة؟

نجيب قائلين: إن ذهبي الفم ما كان له أن يحمي أتروبيوس لولا الدالة القوية التي بينه وبين الإمبراطور، مع علمه وتأكده من رحمة الإمبراطور وطيبة قلبه وتسامحه… وإلاَّ كان ذهبي الفم قد تدخل في أمور لا شأن للكنيسة فيها.

فالكنيسة تسند الدولة في عمل الخير، ولا تحرض أولادها على العصيان، إنما بالعكس تؤكد لهم ضرورة الخضوع لقوانينها المدنية والجنائية… ما دامت لا تتدخل في شئون إيمانهم وعباداتهم بل والكنيسة تربي أولادها منذ الطفولة على الوطنية القلبية الخالصة واحترام السلطات وقوانينهم(5).

والسؤال التالي: ماذا كان يفعل ذهبي الفم لو طلب الإمبراطور محاكمة أتروبيوس؟ أنه ليس لذهبي الفم أن يجبر الإمبراطور المضرور بالعفو… إذ هذا ليس من سلطانه، إنما كل ما في وسعه أن يقبل أتروبيوس إن رجع تائباً نادماً عن خطاياه. يقبله كعضو حيّ تائب، لكنه ما كان له أن يخفيه، بل يشجعه على احتمال نتيجة ما ارتكبه من شرور. وهكذا كان قد أعدم أتروبيوس،

لكنه إن كان تائباً عما أخطأ فسيقبله الله في الحياة الأخرى.

المترجم

7 يناير 1966

العظة الأولى (6)

هل أباطيل العالم تحبك؟

أباطيل زائلة!!

“باطل الأباطيل الكل باطل” (جا 1: 2).

يليق بنا دوماً أن ننطق بهذه العبارة، وبالأخص فيما يخص الحياة الزمنية.

أين هي الأمور الباهرة التي كانت تحيط بك كوالي؟! أين ذهبت المشاغل المتألقة؟! أين هي الرقصات وأصوات أقدام الراقصين والموائد والولائم؟! أين أكاليل الزهور وستائر المسارح؟! أين كلمات المديح التي كانت تقدم لك في المدينة، والهتافات التي تُسمع في ملاعب الخيل وتملق الممثلين لك؟!

هذا كله قد ذهب… الكل قد ذهب. لقد هبت الرياح على الشجرة فسقط ورقها، وصارت عارية تماماً. واهتزت من جذرها ذاته. إذ هكذا كانت قوة العواصف، حتى صدم كل صغير وكبير فيها، وهدد باقتلاعها من جذرها!!

أين ذهب الآن أصدقاؤك المراءون؟! أين موائد الشرب وولائم العشاء التي كُنت تُقيمها؟! أين حشود المتطفلين والخمور التي تقدمها طوال اليوم، والأطعمة المتنوعة؟! أين ذهب أولئك الذين كانوا يخضعون لسطوتك الذين ما كانوا يصنعون شيئاً أو ينطقون إلاَّ لينالوا رضاك؟!

لقد صار جميعهم أشبه بخيالات الليل، وأحلام تبددت ببزوغ النهار. لقد كانوا أزهاراً ربيعية زيلت بانتهاء الربيع. كانوا ظلاً وقد عبر. كانوا دخاناً وتبدد. كانوا فقاعات وانفجرت. كانوا نسيج عنكبوت وتهرأ إرباً.

فلنُغن دوماً بتلك الأغنية الروحية “باطل الأباطيل الكل باطل”. ولنكتبها على حوائطنا وثيابنا، في السوق والبيت والشوارع، على الأبواب والمداخل، وفوق هذا كله ليكتبها كل منا على ضميره، ولتكون موضوع تأمل دائم.

أباطيل غاشة:

هذه الأشياء بقدر ما هي خادعة وغاشة إلاَّ أنها تبدو بالنسبة لكثيرين أنها حقائق. لذلك يلزم لكل إنسان يومياً، في العشاء والإفطار، وفي كل مجتمع أن يقول لصاحبه ويستمع من قريبه هذا القول المتكرر “باطل الأباطيل الكل باطل”.

أما كنت أخبرك دوماً أن الثروة ليست إلاَّ عابر طريق؟ لكنك لم تكن تريد الاستماع إليّ. أما كنت أقول لك أن الثروة هي خادم ناكر للجميل؟ لكنك لم ترد أن تصغي إليّ. تأمل كيف تؤكد الخبرة اليومية أن الثروة ليست إلاَّ عابر طريق وخادم ناكر للمعروف، بل ومجرم. إذ تجعلك في حالة خوف ورعب.

الكنيسة تحبك..!!

بين حب الكنيسة وتملق الأشرار:

عندما كنت تنتهرني لكي لا أقول الحق، أما كنت أقول لك: “إنني أحبك أكثر من أولئك الذين يتملقونك. إنني في انتهاري لك أهتم بك أكثر من كل الذين يقدمون لك الاحترام؟”، ألم أكن أقول لك أيضاً: “إن جراحات الأحباء أمينة عن قبلات الأعداء الغاشة” (أم 27: 6). لو أنك أذعنت لجراحاتي ما كان يمكن لقبلاتهم أن تؤدي بك إلى الهلاك لأن جراحاتي تعمل على شفائك، أما قبلاتهم فتدفع بك إلى مرض يستعصي شفاءه.

أين ذهب حاملوا الكؤوس لك، أين هم أولئك الذين كانوا يهيئون الطريق قدامك في السوق ويصوتون بالهتافات غير المحصية في آذان الكل؟!… لقد هربوا. نبذوا صداقتك، ووجدوا سلامهم في حلول الكارثة بك.

أما أنا فما أصنع ما صنعوه، بلى. إنني لن أتركك في كارثتك لن أتركك الآن، وأنت ساقط أحميك وأتحنن عليك.

الكنيسة التي كنت تعاملها كعدو تفتح لك حضنها وتستقبلك بينما المسارح التي كنت تتودد إليها والتي بسببها كنت تنازعني تخونك وتهلكك.

والآن فإن الملاعب التي سببت لك غنى عظيماً تستل السيف ضدك، أما الكنيسة التي كنت دائماً تغضب عليها، فإنها تسرع في كل اتجاه في إنقاذك من داخل الشبكة.

وإنني لا أنطق بهذا لكي أقلق نفسك وأنت مطروح على الأرض، إنما أرغب في أولئك الذين لا زالوا قائمين أن يكونوا أكثر أماناً؛ لا عن طريق تهييج قروح إنسان مجروح، إنما بالحري لكي أحفظ الذين لم يجرحوا في صحة كاملة؛ لا بإغراق إنسان تصدمه الأمواج بل بتعليم أولئك الذين يبحرون في جو هادئ حتى لا يهلكوا.

وكيف يتم هذا؟ بتأملهم في التغيير الذي يصيب الشئون البشرية. لأنه ذاك (أتروبيوس) الذي وقف مرتعباً من التغيير الذي حدث له، لم يكن له خبرة قبل ذلك ولم يفلح لا عن طريق ضميره كما لم يأخذ بمشورات الآخرين. وأنتم يا من تفتخرون بغناكم أما تستفيدون بما حدث (لأتروبيوس)، إذ لا شيء أوهن من الشئون البشرية.

إنني أعجز عن أن أعبر بدقة عن مدى تفاهة الشئون البشرية (سرعة تغيرها). فإن دعوناها دخاناً أو عشباً أو حلماً أو أزهاراً ربيعية، أو أي لقباً آخر، فإنه هكذا هي أمور هالكة بل وأقل من العدم. بل وبالإضافة إلى كونها عدم فإن لها عنصر خطير جداً تؤكده. لأنه أي إنسان كان أكثر عظمة من هذا الرجل (أتروبيوس)؟ ألم يفوق العالم كله في الغنى؟! ألم يتسلق إلى برج الرفعة ذاته؟! ألم يكن الكل يخافه ويرتعب منه؟! آه. ولكنه مع ذلك ألم يصير أكثر بؤساً من السجين، ويرثي له أكثر من العبد الدنيء، وأكثر إعساراً من الفقير المتضور جوعاً؟! إذ يرى كل يوم منظر السيوف الحادة ومنظر إجرام القاتلين والمعذبين يقودونه نحو موته. وهو مع هذا لا يعرف إن كان قد سبق وفرح ولو مرة واحدة في الماضي، وبل ولا يشعر حتى بأشعة الشمس. إنما في وسط النهار يكون نظره معتماً كما لو أن ظلاماً دامساً قد أكتنفه. وإنني سأحاول قدر المستطاع، رغم عجز اللغة البشرية أن أعبر عن الآلام التي يخضع لها طبيعياً إذ يتوقع الموت كل ساعة.

ولماذا أعبر عن ذلك بكلماتٍ من عندي، إن كان هو بنفسه قد رسم لنا صورة منظورة، إذ بالأمس لما جاءوا إليه يطاردونه بالقوة هرب ليلتجئ في مكانٍ مقدس. وكان وجهه لا يختلف عن هيئة إنسان ميت. وصرير أسنانه وارتجاف كل بدنه ورعدته، واضطراب صوته وتلعثم لسانه، بل وكل مظهره العام يكشف عن روحٍ مضطربة.

أيتها الكنيسة… حبي الجميع!!

حبوا أعداءكم:

إنني أنطق بهذه الأمور، لا لتوبيخه (أتروبيوس)، أو لكي نشمت بمصيبته إنما لأجل تلطيف أذهانكم من جهته… فإنني أستعرض آلامه رغبة في تليين قسوة قلبكم بحديثي.

أخبرني أيها الأخ الحبيب، لماذا تخاصمني؟ قد تقول لأن ذاك الذي كان يشن حرباً ضد الكنيسة أوجدت له ملجأ في داخلها. ومع ذلك يلزمنا بالتأكيد في الدرجات العليا أن نمجد الله الذي سمح له أن يوضع في هذا الضيق العظيم حتى يختبر قوة الكنيسة وعطفها. قوة الكنيسة حيث يعاني هذا التغيير العظيم (الضيقة) نتيجة هجومه عليها. وعطفها حيث يرى أن التي كان يحاربها هي الآن تحميه، وتقبله تحت جناحيها وتحفظه في أمان تام غير مستاءة من الأضرار السابقة التي وجهها ضدها بل تحبه بالأكثر فاتحة أحضانها له.

في هذا يكون للكنيسة مجد أعظم بكثير من أي نوع من أنواع النصرة. إنه نصر لامع يخجل الأمم واليهود، إذ في هذا يظهر أروع عمل من أعمال الكنيسة. إنها بذلك تكون قد أسرت عدوها (بالحب) وقتلته (أبادت عداوته).

فبينما الكل يحتقره في أثناء دماره، إذ بالكنيسة وحدها كأم حنون تخبئه تحت ساعتها(7)، مهدئة غضب الملك وهياج الشعب وكراهيتهم التي تغلي ضده.

هذا هو زينة المذبح (أن تحب الكنيسة من يعاديها ويقاومها). نقول إنه نوع جديد من الزينة (الحلي)، عندما يسمح للخاطئ المتهم والذي يبغضها، اللص أن يتمسك بالمذبح.

بلى، لا تقل هذا، بلى وأكثر من هذا أن الزانية أمسكت بقدمي يسوع، تلك التي وُصمت بأنجس خطية وأكثرها كرهاً. ومع ذلك فإن يسوع لم ينتهر عملها [أي مسك قدمي السيد.. (الشبكة)]. بل بالحري أُعجب منه ومدحه لأن المرأة الشريرة لم تؤذ نقاوته بلمسها ذاك البار الذي بلا خطية.

لا تتذمر إذن أيها الإنسان. فإننا خدام للمصلوب القائل “اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ما يفعلون” (لو 23: 34).

بركات محبة الأعداء:

لكنك قد تقول: ألم ينزع أتروبيوس حقه في الالتجاء هنا بواسطة قوانينه وشرائعه المختلفة؟!

نعم. لكنه يتعلم بالخبرة ما قد صنعه، وسيكون هو بأفعاله أول من يكسـر قوانينه (ضد الكنيسة)، ويصير مشـهداً للعالم كله، وبالرغم من صمته فإنه ينطق بصوتٍ عالٍ محذراً الجميع قائلاً: “لا تفعلوا ما قد فعلته أنا، حتى لا تعانوا مما أعانيه”.

انه في نكبته يصير معلماً، وينال المذبح مجداً عظيماً، موحياً برهبة عظيمة في ذلك الأمر: إذ قد أمسك الأسد (أتروبيوس) أسيراً (بخضوعه للكنيسة). لأنه هل تتجلى المملكة بالأكثر عندما يجلس ملكها على عرش ويرتدي الأرجوان ويلبس الإكليل، أم بخضوع الملوك المتبربرين تحت أقدامه، مقيدة أيديهم خلف ظهورهم، منكسين رؤوسهم؟!

وإذ ليس لي براهين مقنعة أقدمها (عن نفع محبة الكنيسة لمضايقيها)، فإنكم أنتم بأنفسكم لشهود عن حمية الشعب وتجمهرهم إذ مشهد اليوم بالحق واضح أمامنا، وعظيم هو هذا الاجتماع إذ أراه كما لو كنا في عيد الفصح.

هكذا فإن هذا الإنسان يعظ دون أن ينطق بكلمة، ويتكلم بأعماله بصوتٍ أعلى من صوت بوق.

اليوم يحتشدون جميعاً هنا، من خادمات هاربات، وربات بيوت ورجال سوق… وترون أن الطبيعة البشرية مدانة (أن الكل مخطئ). ويتأكد لكم عدم ثبات أحوال العالم، ووجه الزانية (المظاهر الخادعة) الذي كان منذ أيام قلائل متلألأً، يظهر لكم أنه أقبح من وجه أي عجوز وجهها مجعد. أقول لكم أن هذا الوجه ترونه وقد أزيلت عنه الألوان والأصباغ التي هي من وضع العدو كما بإسفنجة (تطلى بها ألوان الوجه).

1. درس للأغنياء المُتكلين عن غناهم:

هكذا هي قوة هذه الكارثة، أظهرت أن إنساناً عظيماً ومشهوراً كان أكثر الناس تفاهة. لذلك إن دخل غني في هذا الاجتماع ينتفع كثيراً من هذا المنظر، إذ يرى (أتروبيوس) الإنسان الذي كان يهز العالم قد انسحب من علو تشامخ سلطته، راكضاً على ركبتيه في خوف، أكثر رعباً من الأرنب البرّي أو الضفدعة، مسمراً على عمود هناك بلا ربط، لأن خوفه يقوم بما تقوم به القيود، فيرتعب الغني وينكسر تعاليه ويتنازل عن كبريائه طالباً الحكمة الخاصة بالأعمال البشرية، مستخلصاً تعليماً من مثل عملي، عن درس يعلمنا إياه الكتاب المقدس موصياً “كل جسد عشب، وكل جماله كزهر الحقل. يبس العشب ذبل الزهر” (إش 40: 6). أو “فإنهم مثل الحشيش سريعاً يقطعون، ومثل العشب الأخضر يذبلون” (مز 37: 2). أو “أيامي قد فنيت في دخان” (مز 102: 4). وكل العبارات التي من هذا النوع.

2. درس للفقراء:

مرة أخرى، فإن الفقير عندما يدخل هذا الاجتماع ويتأمل

هذا المنظر لا ينظر إلى نفسه بدناءة، ولا يسب نفسه بسبب فقره…

انظروا إذن كيف أن الغني والفقير، العالي والصغير المركز، العبد والحر، الكل ينتفع ليس بقليل من التجاء هذا الرجل إلى هنا؟!

تأملوا، كيف يخرج كل واحد من هنا معه دواء، إذ يشفى بمجرد تطلعه لهذا المنظر؟!

حسناً!! هل هدأت من غضبكم وأزلت حنقكم؟! هل أزلت قساوتكم؟! هل جذبتكم نحو الترفق؟! إنني أظن إنني فعلت هذا، وها هي هيئتكم وغزارة دموعكم التي تسكبونها تشهد بذلك.

3. ليكن لكم ثمرة الرحمة:

إذ قد تحولت صخرتكم الصمّاء إلى تربة عميقة مخصبة، فلنسرع إذن بحمل ثمر الرحمة، ونظهر محصولاً وفيراً من العطف، باستعطافنا الإمبراطور من أجل أتروبيوس، أو بالإحري بإعلان مراحم الله حتى نسكن غضب الإمبراطور، ونجعل قلبه مترفقاً… فإن الإمبراطور لما عرف بأنه أسرع إلى هذا المأوى، فبالرغم من وجود الجنود الثائرين بسبب أفعاله الشريرة وطلبهم أن يُسلم للإعدام، فإن الإمبراطور تكلم كثيراً مهدئاً غضبهم، طالباً منهم أن يأخذوا في اعتبارهم لا أخطاءه فحسب بل وكل عمل صالح صنعه، معلناً أنه يشعر بالامتنان من أجل أعماله الحسنة، وأنه مستعد أن يسامحه عن الأولى كمخلوق زميل له.

وعندما أثاروه مرة أخرى للانتقام بسبب سبه له، صارخين وواثبين مُلوحين برِّماحهم، مسح الإمبراطور عواطف الدموع من عينيه الوديعتين مذكراً إياهم بالمائدة المقدسة التي هرب إليها الرجل محتمياً، وأخيراً نجح في إخماد غضبهم.

4. اغفروا يُغفر لكم:

علاوة على هذا، اسمحوا لي أن أضيف بعض البراهين بخصوصنا نحن، فإنه أي عذر نقدمه إن كان الإمبراطور لا يحمل أي غيظ عندما يُشتم، بينما أنتم الذين لم يصبكم شيئاً تحنقون؟!

وكيف بعدما ينتهي الاجتماع تقتربون إلى الأسرار المقدسة، وتكررون تلك الصلاة… قائلين: “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا” (مت 6: 12)… إنه ليس وقت الدينونة بل للرحمة. ليس لنا أن نُطلب الحساب بل نُظهر الحب. ليس لنا أن نستقصي الدعاوى بل نتنازل عنها. ليس وقت للحكم والانتقام بل للرحمة وعمل الصلاح.

إذن، لا يثر أحد ولا يغتاظ، بل لنطلب مراحم الله أن تمهله عن الموت، وأن تنقذه من الهلاك المحدق به، حتى يتوب عن خطاياه، وأن نتحد مقتربيّن من الإمبراطور الرحوم متوسلين إليه من أجل الكنيسة، من أجل المذبح، مقدماً حياة هذا الرجل كتقدمة للمائدة المقدسة…

العظة الثانية

الكنيسة تهتم بحماية نفسك أكثر من جسدك

تقديم(8):

في العظة الأولى كشف القديس يوحنا ذهبي الفم عن بطلان العالم، وخداع محبة المتملقين لنا، وعن حقيقة حب الكنيسة لنا، أما في هذه العظة التي ألقاها بعدما رفض أتروبيوس الالتجاء إلى الكنيسة وهرب منها، فبدأ يعلن للشعب مفهوم حب الكنيسة لأولادها… أنها لا تهتم بحماية الجسد بل الروح، وأنها تطلب خلاص الروح أولاً، وتوضح لهم طريق الملكوت السماوي… ثم تحدث عن حب المسيح للنفس البشرية كعروسٍ له.

هذا وقد أبتدأ الحديث بضرورة التأمل في الكتاب المقدس الذي لم أترجمه حرصاً على التركيز حول موضوع “حب الكنيسة وعريسها المتجسد لنا”.

… منذ أيام قليلة، كانت الكنيسة محاصرة(9)؛ الجنود قاموا، والنار تتقد من عيونهم لكنها ما تقدر أن تلفح (تلمس) شجرة الزيتون، السيوف قد استلت لكن أحد لم يجرح… إنه لدينا سوراً أكيداً هو ذلك القول: “أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها” (مت 16: 18).

وعندما أقول: “الكنيسة” لا أقصد فقط المكان بل “طريق الحياة”. لا أقصد حوائطها بل شرائعها. فعندما تريد أن تحتمي في الكنيسة لا تطلب ملجأ في مكان بل في روح المكان. لأن الكنيسة ليست حائط أو سقف بل إيمان وحياة…

اهتم بحماية الروح لا الجسد:

لا تقل لي بأن هذا الإنسان (أتروبيوس) الذي أستسلم، كان ذلك بواسطة الكنيسة. فإنه لو لم يهجرها ما كان قد أستسلم. لا تقل لي بأنه هرب إلى ملجأ والملجأ تركه، فالكنيسة لم تتركه بل هو الذي تركها.

انه لم يستسلم وهو داخل الكنيسة بل وهو خارجها…

هل تريد أن تحمي نفسك؟ تمسك بالمذبح. إنه لا توجد فيه حصون، لكن فيه عناية الله الحارسة.

هل كنت خاطئاً؟ الله لا يرفضك، لأنه ما جاء ليدعو أبراراً بل خطاة إلى التوبة (مت 9: 13). فالزانية قد خلصت إذ أمسكت بقدميه…

تمسك بالكنيسة، والكنيسة لن تلقي بك في أيدي العدو. لكنك إن هربت منها، فليست هي السبب في أسرك. لأنك لو كنت مع القطيع، ما يقدر الذئب أن يدخل. لكن إن خرجت خارجاً فستصير فريسة للوحوش الضارية، ولا يكون للقطيع ذنباً في ذلك، بل جُبنك هو السبب…

لا تحدثني عن الحصون والجيوش، لأن الحصون تشيخ بمرور الزمن، أما الكنيسة فلا تشيخ.

الحصون يحطمها المتبربرون، لكن الكنيسة ما تقدر حتى الشياطين أن تتغلب عليها. وكلماتي هذه ليست على سبيل المباهاه بل من الواقع. فكم من كثيرين هاجموا الكنيسة، فهلك الذين هاجموها، أما هي فحلقت في السماء.

هكذا يكون حال الكنيسة عندما يهاجمونها إنها تنتصر، وإذ يلقون لها الشباك تغلب، وإذ يشتمونها تزدهر أكثر. إنها تُجرح لكنها لا تخور بسبب جراحاتها، تصدمها الأمواج لكن لا تغرق، تُهاجمها العواصف لكنها لا تهلك، تصارع لكنها لا تُقهر، يحاربونها لكنها لا تُنهزم. وإذ هي تعاني من هذه الحرب القائمة يظهر بالأكثر سمو نصرتها.

لقد جئنا إلى هذا اليوم(10)، وهـذا أنتم ترون تلك السـيوف المصوبة ضد الكنيسة، وكيف يغلي هيجان الجنود بشدة أقسى من النار، وقد أُخذت إلى القصر الملكي، لكن ماذا يكون هذا؟! إنه بنعمة الله لا يخيفني شيء من هذا.

اقتدوا بي!!

إنني أذكر لكم هذه الأمور حتى تتمثلوا بي، ولكن كيف لا أرتعب من شيء؟ لأنني لا أبالي بأي مخاوف زمنية.

ماذا يخيفني؟ الموت؟ لا. لأنه ليس بمرعب، بل به نصل إلى الميناء الأمين.

أنهب الخيرات الزمنية؟ “عرياناً خرجت من بطن أمي وعرياناً أعود إلى هناك” (أي 1: 21).

هل أخاف النفي؟ “للرب الأرض وملؤها” (مز 24: 1).

أو أخاف السب باطلاً؟ “افرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السموات” (مت 5: 12).

إنني أنظر السيوف فأتأمل في السماء. أتوقع الموت فأفكر في القيامة. أنظر إلى متاعب هذا العالم السفلي، فآخذ في اعتباري المكافآت السمائية. أدرك خداع العدو فأتأمل الإكليل السماوي. وهكذا فإن عمل الخصم هو فرصة لتشجيعي وتعزيتي.

حقاً لقد سحبت على الأرض مربوطاً جبراً، لكنني لم أشعر في هذا العمل بإهانة ليّ، لأنه لا توجد فيه إهانة حقيقية، التي هي صنع الخطية.

فالعالم كله قد يهينك، لكنك إن لم تهن نفسك بنفسك لا تكون مهاناً. لأن الخيانة الوحيدة الحقيقية، هي خيانة الضمير، فلا تخن ضميرك، عندئذ لا يقدر أحد أن يخونك.

إنني قد سحبت على الأرض وتحققت أموراً هي تجسيم لمقالاتي، وها أنا أرى أحاديثي ينادى بها في الأسواق العامة بواسطة الأحداث الجارية.

أي مقالات هذه؟! إنها نفس المقالات التي أعيد تكرارها. إن الريح تهب والأوراق تسقط “يبس العشب ذبل الزهر” (إش 40: 8)…

لماذا تطلب حماية الزمنيات؟

هل رأيتم تفاهة الأعمال البشرية؟…

هل رأيتم المال الذي كنت أدعوه شارداً، وليس بشارد فحسب بل وقاتل أيضاً، لأنه ليس فقط يتخلى عن صاحبه بل ويذبحه…

لماذا إذن تعشق المال الذي هو لك اليوم وغداً لغيرك؟! لماذا تتودد إلى المال الذي لا تقدر أن تمسكه دائماً؟!

هل ترغب في السيطرة على المال أو تشتهي أن تحفظه؟! لا تشتريه بل أعطه في أيدي الفقراء. لأن المال وحش مفترس، إن أمسكته بإحكام يهرب، وإن تركته بلا رباط يبقى. إذ قيل: “فرق أعطي المساكن برّه قائم إلى الأبد” (مز 112: 9).

وزعه إذن حتى يبقى معك، ولا تدفنه لئلا يهرب منك.

يسرني أن أسأل الذين رحلوا “أين هو الغنى؟!”. وأنا لا أقصد بقولي هذا التوبيخ. الله لا يسمح. ولا أقصد إثارة القروح القديمة، بل أسعى لإيجاد ملجأ لكم بعيداً عن الهلاك الذي أصاب الآخرين.

لماذا تخاف على أموالك؟

عندما يهدد الجنود وتستل السيوف، عندما تقوم المدينة ملتهبة هيجاناً، عندما تكون العظمة الملكية لا قوة لها (إذ كان وكيلاً للإمبراطور)، ويهان الأرجوان ويمتلئ كل مكان هيجاناً. ماذا يكون نفع المال في ذلك الوقت؟! ماذا تكون قيمة صفحتك الذهبية؟! أين تكون أسرّتك الفضية؟!

أين هم عبيد بيتك؟ الكل يؤخذون للحرب.

أين هم خصيانك؟ الكل يهربون.

أين هم أصدقاؤك؟ سيغيرون وجوههم المستعارة، فيظهرون كما هم أنهم ليسوا بأصدقاء.

أين هي منازلك؟ الكل قد أُغلق.

أين هو مَالك؟ إن كان صاحبها قد هرب فأين يكون المال ذاته؟ لقد دفن… لقد اختبأ. هل أكون ظالماً و قاسياً عليك إن أعلنت لك دائماً بأن الغنى يخون أولئك الذين يستخدمونه بطريقة شريرة؟!

لقد حان الوقت الذي فيه تتأكد من صحة كلماتي فلماذا تتمسك بالثروة بشدة هكذا إن كانت في وقت الشدة لن تجديك شيئاً؟! إن كانت لها قوة، فلتدعها تعينك في وقت شدتك، أما إن كانت تهرب منك، فما حاجتك بعد إليها؟!

إن الوقائع تشهد بهذا فأي نفع يكمن في الثروة؟! هوذا السيف قد سُن، والموت محدق، والجيش هائج، وصار هناك إدراك لكارثة أوشكت أن تحل، ولم يصرّ للثروة مكان.

أين هرب الشارد (المال)؟ إنه بسببه حدثت كل هذه الشرور، وعند الضرورة يهرب. ومع هذا فإن كثيرين ينتهرونني قائلين: “إنك دائماً تُضيق على الأغنياء وهم بالتالي يُضيقون على الفقراء”.

حسناً، إنني أُضيق على الأغنياء، أو بالحري ليس الأغنياء، بل أولئك الذين يسيئون استخدام الأموال. فأنا لا أهاجم أشخاصهم بل جشعهم. فالغنى شيء والجشع شيء آخر، وجود فائض شيء والطمع شيء آخر…

هل أنت غني؟ إنني لا أمنعك من هذا. لكن هل أنت جشع؟ إنني أتوعدك… إنني لن أسكت. هل ترجمني بسبب هذا؟ إنني مستعد أن يسفك دمي، لكنني أريد أن أمنعك عن أن تخطيء. إنني لا أُكن لك بغضة، ولا أُشن عليك حرباً، إنما أمراً واحداً أريده هو نفع المستمعين إليّ.

إن الأغنياء هم أولادي، والفقراء أيضاً أولادي. إن رحماً واحداً تمخض بهم بشدة. فالكل هم نسل لمن قد تمخض بهم. فإن كُنت تكيل التوبيخات للفقير، فإنني أتوعدك لأن الفقير في هذه الحالة لا يحمل خسارة كتلك التي تحيق بالغني. لأنه لا يسقط الفقير في الخطأ إنما الخسارة التي تصيبه تخص فقدانه للمال، أما أنت كغني فإن الخسارة تلحق بروحك.

من يريد فليطردني خارجاً، ومن يريد فليرجمني وليبغضني، فإن دسائس الأعداء ضدي هي الدعامات لنوالي أكاليل النصرة، وكثرة جزاءاتي تتوقف على عدد جراحاتي.

لماذا نخاف الأشرار؟

لهذا لا أخاف من مؤامرات الأعداء، إنما أخاف أمراً واحداً هو الخطية. فإن كان أحد لا يقدر أن يجبرني على الخطية، فليقم العالم كله بحربٍ ضدي. لأن مثل هذه الحرب تجعلني بالأكثر ممجداً.

أريد أن ألقنك درساً وهو ألاَّ تخف من خداعات ذوي السطوة لكن خف من سطوة الخطية. لا أحد يضرك، إن لم تضر نفسك بنفسك.

إن كنت تخطيء فإن عشرات الألوف من السيوف تهددك، لكن الله ينتشلك منها حتى لا تقترب إليك. ولكن إن كنت ترتكب شراً، فإنك وإن كنت داخل فردوس فستطرد منه.

آدم كان في فردوس لكنه سقط، وأيوب كان في مزبلة لكنه أنتصر متوجاً. ماذا أفاد الفردوس آدم، وماذا أضرت المزبلة أيوب؟!

لا ينصب أحد شبكة لآخر، وهذا الآخر يقهر (لمجرد نصب الشبكة). فالشيطان نصب شباكه لغيره، لكن الغير قد تُوج. ألم يأخذ الشيطان ممتلكاته؟! نعم. لكنه لم ينزع عنه صلاحه. ألم يلقي بيديه القاسيتين على أولاده؟! نعم. لكنه لم يهز إيمانه. ألم يمزق جسده؟! نعم. لكنه لم يجد كنزه. ألم يجند زوجته ضده؟! نعم. لكنه لم يهزم الجندي (أيوب). ألم يرشقه بسهامه ونباله؟! نعم. لكنه لم يقدر أن يجرحه. لقد أستخدم كل أدواته لكنه لم يقدر أن يهز البرج. لقد أهاج الأمواج العظيمة ضده، لكنه لم يقدر أن يُغرق السفينة.

أتوسل إليك، بل وأُقبل قدميك (ركبتيك)، وإن لم أُقبل يديك الجسديتين لكنني أصنع ذلك في الروح، ساكباً دموع التوسل إليك أن تلاحظ هذا الأمر… وعندئذ لا يقدر أحد أن يؤذيك.

لتحمي نفسك الداخلية:

لا تسمي الغني سعيداً ولا تسمي إنساناً أنه بائس إلاَّ ذاك الذي يسلك في الخطية. إدعه سيداً ذاك الذي يحيا في البرّ لأن الإنسان لا يكون سعيداً أو بائساً بحسب الظروف بل حسب أحواله الداخلية.

لا تخف قط من السيف إن كان ضميرك لا يسيء إليك، ولا تخف من الحرب إن كان ضميرك نقياً…

مقارنة بين المُتملقين والمُحبين الحقيقيين:

اخبرني أين ذهب أولئك الذين رحلوا عنه… هوذا المتملقون يصيرون جلادين له، والذين كانوا يُقبلون يديه يجرونه من الكنيسة… الذين كانوا يُقبلون يديه، الآن هم أعداؤه. لماذا؟ لأنه لم يكن بالأمس يَحبُه بإخلاص وقد جاءت الفرصة ليرفع الممثلون وجوههم الصناعية…

أما أنا فكنت موضوع هذه المؤامرات والآن ها أنا قد صرت حامياً له. قد عانيت متاعباً لا حصر لها على يديه، ومع ذلك لن أنتقم لنفسي. إنما أقتدي بمثال سيدي القائل على الصـليب

“اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون”.

الآن أقول بهذا لكي لا تضلكم شرور الأشرار.

لماذا تخاف على الأرضيات وأنت غريب هنا؟!

… إلى أي مدى يدوم المال؟ إلى متى يبقى الذهب والفضة وبراميل الخمور وتملق العبيد، والكؤوس المزينة بالزهور، وولائم الشرب الشيطانية المملوءة بالأعمال الإبليسية؟!

أما تعلم أن الحياة الحاضرة ليست إلاَّ تغرّب في أرض بعيدة؟! لأنك هل تقيم فيها دوماً؟! لا، بل أنت عابر طريق.

افهم ما أقول. إنك لست مقيم هنا بل عابر سبيل ومسافر. لا تقل إنني أمتلك هذه المدينة أو تلك… إن حياتك الزمنية ليست إلاَّ مجرد رحلة. إننا كل يوم نرحل، فالطبيعة بطبعها تجري… البعض يُخزنون خيراتهم في الطريق والبعض يدفنون الجواهر في الطريق.

عندما تدخل إلى فندق هل تزينه؟ لا، بل تأكل فيه وتشرب وتسرع راحلاً. الحياة الحاضرة هي فندق، دخلنا فيه، وقد أغلق الزمن الحاضر علينا. إذن لنتشوق إلى الرحيل برجاء حسن غير تاركين شيئاً هنا حتى نفقده.

عندما تدخل فندقاً، ماذا تقول للخدم؟ تيقظوا جيداً عندما تأخذون الأشياء التي لنا، لئلا تنسوا شيئاً فنفقده. لا تتركوا شيئاً لنا، مهما كان صغيراً أو تافهاً، حتى نرد كل ما لنا إلى بيتنا.

إنك عابر طريق ومسافر، وبالحقيقة أكثر من هذا. كيف ذلك؟ إنني أُخبرك… إن عابر الطريق يعرف متى يدخل الفندق ومت يخرج منه، فالخروج والدخول كلاهما تحت تصرفه. ولكن عندما أدخل هذا الفندق، أعني هذه الحياة الزمنية، فإنني لا أعرف متى أخرج منه. وقد يحدث إنني أقوم بتخزين أشياء كثيرة لنفسي، بينما يوبخني السيد (الله) فجأة قائلاً: “يا غبي هذه الليلة تطلب نفسك منك، فهذه التي أعددتها لمن تكون؟” (لو 12: 20).

إن وقت رحيلك غير معروف، وملكيتك لممتلكاتك غير أكيدة. وتقابُلك هوى لا حصر لها، وتُضربك أمواج عنيفة من كل جانب. فلماذا تتحدث كثيراً عن الأظلال؟ لماذا تهجر الأمور الحقيقية وتجري وراء الأظلال؟…

قد تقولون: ماذا نفعل نحن؟ اصنع أمراً واحداً. اكره المقتنيات وحب حياتك. ألقِ بها، لا أقول جميعها، بل انزع الكماليات. لا تطمع في ممتلكات غيرك. لا تظلم الأرملة ولا تنهب اليتيم، ولا تغتصب بيته.

إنني لا أقصد بحديثي هذا أشخاصاً معينين بل أشير إلى حوادث عامة. فإن كان أحد يثور ضميره عليه، فليست كلماتي هي المسئولة عن ذلك بل هو المسئول. لماذا تتمسك بالأمور التي تجعل إرادتك الشريرة تقوم على نفسك. تمسك بالأمور التي بها تستطيع أن تربح الإكليل. جاهد أن تتمسك لا بالإكليل الأرضي بل السماوي “ملكوت السموات يغصب والغاصبون يختطفونه” (مت 11: 12). لماذا تقبض على الفقير الذي ينتهرك؟! اغتصب المسيح فيمدحك على هذا… هل تمسك الفقير الذي لديه القليل وهوذا المسيح يقول: “اغتصبني وأنا أشكرك على هذا. اغتصب ملكوتي وخذه بالقوة. إن كنت تود أن تغتصب الملكوت الأرضي أو بالحري إن كنت تتمسك أن تصنع تدابيراً لأجل ذلك، فإنك ستعاقب. أما بالنسبة لملكوت السموات، فإنك تُعاقب إن لم تغتصبه”.

وحيثما يوجد اهتمام بالأمور الزمنية توجد الإرادة الشريرة، وحيثما يوجد اهتمام بالأمور الروحية يوجد الحب… لا تمدح غنياً بل ذاك الذي يسلك في البرّ، ولا تشتم فقيراً بل تعلم أن يكون حكمك في الأمور صائباً ودقيقاً.

الكنيسة ملجأ لروحك:

لا تنعزل عن الكنيسة، لأنه لا شيء أقوى منها (كإيمان وحياة). الكنيسة هي رجاؤك، خلاصك، ملجأك. إنها أعلى من السماء وأوسع من المسكونة. إنها لن تشيخ قط، بل هي دائماً في كامل حيويتها. لذلك يشير الكتاب عن قوتها وثباتها بدعوتها “جبلاً”.

وعن نقاوتها بدعوتها “عذراء”،

وعن عظمتها بدعوتها “ملكة”،

وعن علاقتها بالله بدعوتها “ابنة”،

وعن نموها بدعوتها “العاقر التي لها سبعة بنين”.

وبالحقيقة أن الكنيسة لها أسماء كثيرة تعبر عن نبلها فكما أن سيدها له أسماء عدة، فدعى أباً، والطريق(11)، والحياة(12)، والنور(13)، والذراع(14)، والشفيع(15)، والينبوع(16)، والباب، والكنز(17)، والرب، والله، والابن، والابن الوحيد، وصورة الله(18)… هكذا بالنسبة للكنيسة نفسها فإنه هل يمكن لإسم واحد أن يكفي للتعبير عن الحقيقة كلها؟!… لا يمكن.

الإله المتجسد يحبك!!

يخطبك عروساً له

زانية تصير عذراء!! (19)

كلمة الله – الابن الوحيد – في حبه للنفس البشرية وعشقه لها قبلها عروساً له. أراد أن يقترن بها رغم ضعفاتها ونجاساتها وزناها القبيح… ويجعلها عذراء عفيفة مقدسة له.

وعندما نتحدث عن الزواج أو الاقتران يلزمنا ألاَّ يخطر ببالنا التصور العام للزواج وارتباطه في أذهان البشر بالعلاقة الجسدية الجنسية، لأن الزواج في أعماقه هو حب وعشق… أعمق من أن تعبر عنه أي أمور محسوسة أو حتى عواطف ومشاعر جسدية… هذا الحب يلازمه بالنسبة لنا كبشر العلاقة الجسدية بين العريس وعروسه كعلامة من علامات الحب بينهما… وليس هو كل الارتباط بينهما، فقد يمتنعا عن الاتصال الجسدي إلى حين للتفرغ للصوم والصلاة (1 كو 7: 5) دون أن ينفصل ارتباطهما الزيجي العميق. بل وأحياناً لأسباب مرضية أو لظروف قاهرة (كأن يؤسر أحدهما أو يسجن) لا تكن بينهما علاقة جسدية… لكنهما مع ذلك هم جسد واحد.

أود أن أوضح أن زواج الرجل بالمرأة هو صورة خفيفة جداً لاقتران يسوع بالنفس البشرية(20).

وكلمة الله في اقترانه بنا اختارنا ونحن في أدنس صورة، آتياً إلينا متجسداً حتى نقبله… مقدماً دمه ثمناً ومهراً لنا مقدساً إيانا حتى يصعد بنا إلى حجاله “ملكوت السموات”.

[هذا هو أعماق الحب الإلهي التي يتحدث عنها ذهبي الفم في بقية العظة قدر ما يمكن للقلم أن يعبر عنه، مفسراً ترنيمة النبي القائل:

“قامت الملكة عن يمينك بثوب موشى بالذهب. مزينة بأنواع كثيرة. اسمعي يا ابنتي وانظري وأميلي أذنك. وانسي شعبك وبيت أبيك، فإن الملك قد اشتهى حسنك. لأنه هو ربك وله تسجدين… كل مجد ابنه الملك من داخل”. (الأجبية (*) مز44)]

معجزة المعجزات!!

دُعيت الكنيسة عذراء، بينما كانت قبلاً زانية.

هذه هي المعجزة التي صنعها العريس. انه أخذها زانية وجعلها عذراء.

آه! يا له من أمر جديد عجيب! فبالنسبة لنا، بالزواج نفقد البتولية. أما بالنسبة لله فالزواج يعيد للكنيسة بتوليتها. بالنسبة لنا من كانت عذراء فبزواجها لا تعود بعد عذراء. أما بالنسبة للمسيح فإن النفس متى كانت زانية عندما تتزوج تصير عذراء.

التعبير عن الإلهيات بلغة بشرية:

… كيف الكنيسة التي دعيت قبلاً زانية تصير عذراء؟ وكيف تنجب أولاداً لها ومع ذلك تبقى في عذراويتها؟

يقول الرسول بولس: “فإني أغار عليكم غيرة الله لأني خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح” (2 كو 11: 2)… فهل الله يغار؟ نعم يغير غيرة لا عن عاطفة بل غيرة الحب، والتهاب الشوق…

هل لي أن أخبرك كيف يعلن الله غيرته؟ إنه رأى العالم تفسده الشياطين فأسلم ابنه لينقذه.

فالكلمات التي ننطق بها بخصوص الله ليس لها نفس القوة عندما ننطق بها فيما يخصنا نحن كبشر. مثال ذلك عندما نقول أن الله غيور، الله يغتاظ، الله يندم، الله يكره، فإن هذه الكلمات بشرية ولكن لها معاني تخص طبيعة الله.

كيف يُغيّر الله؟ “فإني أغار عليكم غيرة الله” (2 كو 11: 2).

هل الله يغتاظ؟ “لا تؤدبني بغيظك” (مز 6: 2).

هل الله ينام؟ “استيقظ. لماذا تتغافى يا رب” (مز 44: 22).

هل الله يندم؟ “فحزن الرب أنه عمل الإنسان والأرض فتأسف في قلبه” (تك 6: 6).

هل الله يكره؟ “رؤوس شهوركم وأعيادكم بغضتها نفسي” (إش 1: 14).

حسناً! لا تأخذ في اعتبارك ضعف التعبير بل تمسك بمفاهيمه الإلهية. فالله غيور، لأنه يحب، والله يغتاظ ليس لأنه خاضع للعواطف بل لأجل التأديب… الله ينام ليس لأنه ينعس بل تعبيراً عن طول الأناة.

هكذا عندما تسمع بأن الله يلد الابن، لا تفكر في انقسام وفي وحده الجوهر: لأن الله يستخدم هذه الكلمات التي لنا، كما نستعير نحن منه كلمات تخصه هو، حتى ننال بذلك شرفاً…

هناك أسماء إلهية وهناك أسماء بشرية. الله قد أخذ مني وهو أيضاً أعطاني. الله يقول لي: “اعطني ذاتك وخذني لك. إنك محتاج إليّ، أما أنا فلست محتاجاً إليك… ولكن بقدر ما أن طبيعتي لا تقبل الامتزاج… اقبل تعبيرات جسدية حتى بواسطة هذه التعبيرات المعروفة لك يا من لك جسد تقدر أن تفهم أموراً تسمو عن فهمك”.

أي أسماء أخذها الله مني وأي أسماء أعطاني إياها؟

هو نفسه “الله”، وقد دعاني بذلك. فبالنسبة له هو الله من حيث طبيعة جوهره… أما أنا فآخذ مجرد شرف الاسم فحسب “أنا قلت أنكم آلهة وبني العلي كلكم” (مز 82: 6)… لقد دعاني إلهاً لمجرد نوال شرف. وهو نفسه دُعيَ إنساناً وابن الإنسان والطريق والباب والصخرة… هذه الكلمات استعارها مني.

لماذا دُعيَ الطريق؟ لكي نفهم أن بواسطته نلتقي بالآب.

لماذا دُعيَ “الصخرة”؟ لكي نفهم أنه حافظ الإيمان ومثبته.

لماذا دُعيَ “الينبوع”؟ لكي نفهم أنه مصدر كل شيء.

لماذا دُعيَ “الأصل”؟ لكي نفهم أن فيه قوة النمو.

لماذا دُعيَ “الراعي”؟ لأنه يرعانا.

لماذا دُعي “الحمل”؟ لأنه قُدم فدية عنا وصار تقدمة.

لماذا دُعي “الحياة”؟ لأنه أقامنا ونحن أموات.

لماذا دُعي “النور”؟ لأنه أنقذنا من الظلمة.

لماذا دُعيَ “الذراع”؟ لأنه مع الآب جوهر واحد.

لماذا دُعيَ “الكلمة”؟ لأنه مولود من الآب، فكما أن كلمتي هي مولودة مني، هكذا أيضاً الابن مولود من الآب.

لماذا دُعيَ “ثوبنا”؟ لأني التحفت به عندما إعتمدت.

لماذا دُعيَ “المائدة”؟ لأنني أتغذى عليه عندما أشترك في الأسرار.

لماذا دُعيَ “المنزل”؟ لأني فيه أقطن.

لماذا دُعيَ “العريس”؟ لأنه قبلنيّ كعروسٍ له.

لماذا دُعيَ “بلا دنس”؟ لأنه أخذني كعذراء.

لماذا دُعيَ “السيد”؟ لأنني عبد له.

لاحظ أيضاً كيف أن الكنيسة – كما قلت – هي أحياناً عروس وأحياناً ابنه، وعذراء، وأمة، وملكة، وعاقر، وجبل، وفردوس، والتي لها أولاد كثيرون، زنبقة، ينبوع… إنها كل شيء.

فإن سمعت بهذه الأمور، أرجوك ألاَّ تفهمها بمعنى مادي بل حلق بفكرك عالياً، لأنها لا تؤخذ بمعنى جسدي.

مثال ذلك، أن الجَبّل غير الجارية، والأمة غير العروس، والملكة ليست أمة، ومع ذلك فالكنيسة كل هذه معاً. كيف ذلك؟ لأن عنصر الكنيسة التي يعيشون فيها ليس جسدي بل روحي. ففي المجال الجسدي تفهم هذه الأمور في حدود ضيقة، أما في المجال الروحي فتفهم على مستوى متسع.

الكلمة يصير عبداً لتصير هي ملكة!!

“جلست الملكة عن يمينك” (مز 45: 10). الملكة؟! كيف أن التي كانت موطئ الأقدام وفقيرة صارت ملكة؟! إلى أين صعدت؟! الملكة نفسها جلست في الأعالي بجوار الملك. كيف حدث ذلك؟

لأن الملك صار خادماً، ليس بحسب الطبيعة (أي لم تتغير طبيعته)، بل هو صار هكذا. أفهم الأمور التي تخص اللاهوت وما يخص تنازله.

افهم من هو (الله)؟ وماذا صار لأجلك؟ ولا تخلط الأمور الواضحة، وتجعل من البراهين الحية مجالاً للتجديف. لقد كان مرتفعاً أما هي فكانت منحطة. كان مرتفعاً لا لمجرد مركزه بل بطبيعته. جوهره نقياً وغير قابل للفساد، طبيعته لا تفسد وغير مدركة ولا منظورة ولا يمكن إدراكها، أبدي، غير متغير، فوق الطبيعة الملائكية، أسمى من القوات السمائية، فوق إدراك العقل، وأسمى من الفكر، تدرك طبيعته بالإيمان وحده لا بالعيان. الملائكة نظرت الله وارتعبت. الشاروبيم غطى نفسه بأجنحته في رعدة. نظر الله إلى الأرض فارتعدت. أنتهر البحر وشقه (إش 51: 10). لقد أوجد أنهاراً في القفار، ووزن الجبال بموازين، والوديان في ميزن (إش 40: 12)… عظمته ليس لها حدود، حكمته غير محصاة، أحكامه لا يمكن إدراكها، طرقه لا يمكن معرفتها. هكذا هي عظمته، وهكذا هي قوته، إن كان يمكن بالحقيقة أن نستخدم مثل هذه التعبيرات.

ماذا أفعل؟ إنني إنسان وأنطق بلغة بشرية. لساني من الأرض، لذلك ألتمس العفو من ربي (لأنني أعبر عن أمور روحية بلسان بشري). فإنني لم أستخدم تلك التعبيرات الخاصة بالروح من قبيل الاستهتار، بل لفقر مصادري الناجم عن ضعفي وطبيعة لساني البشري.

تراءف عليّ يا رب، فما أنطق بهذه الكلمات من قبيل الوقاحة بل لأنه ليس لدي إمكانيات غير هذه. ومع هذا فإني لست بقانع تماماً بمعاني كلماتي. إنما أحلق متسامياً بأجنحة فهمي.

هكذا هي عظمته، وهكذا هو سلطانه، إنني أنطق بهذا بدون الارتكاز على الكلمات، أو على التعبير الضعيف… وهكذا يلزمك أنت أيضاً أن تعمل على منوالي.

لماذا تتعجب من أني فعلت هذا، إن كان الله بنفسه صنع هذا عندما يريد أن يقدم لنا معنى معين في أذهاننا يسمو فوق القدرات البشرية؟! وذلك عندما خاطب الكائنات البشرية، مستخدماً التوضيحات البشرية، التي هي بحق تعجز عن أن تمثل ما يتكلم عنه (تمثيلاً كاملاً)، ولا تقدر أن تعرض كل جوانب الأمر، لكنها تكفي للسامعين قدر ضعفهم…

(تعرض ذهبي الفم هنا عن ظهورات الله وتجسد الكلمة. كيف أن ذلك كان يتم دون يغير في طبيعته أو جوهره، إنما لأجل ضعفنا… حتى في التجلي أيضاً كشف ذاته قدر ما يحتمل التلاميذ حتى سقطوا وناموا… بل وحتى الشاروبيم والسمائيون لا يدركوا الله كما هو إلاَّ قدر احتمالهم…).

خلق منا عذراء:

كما قلت أن ذاك الذي هو عظيم وقوي، هكذا رغب في زانية وإنني أتكلم عن الطبيعة البشرية تحت ذلك الاسم “زانية”.

إن كان إنسان يرغب في زانية فإنه يُدان، فكيف يرغب الله في زانية حتى يصير عريساً لها؟! ماذا يفعل؟ إنه لم يرسل لها واحداً من خدامه، لا ملاكاً، ولا رئيس ملائكة ولا شاروبيم ولا سيرافيم بل نزل بذاته إلى من يحبها مقترباً إليها.

مرة أخرى عندما تسمع كلمة “يحبها” لا تنظر إليها بل استدع الأفكار التي تعنيها هذه الكلمة “الحب”… (أي لا تنظر إلى كلمة حب بالمعنى البشري). فلتكن كالنحلة الممتازة التي تستقر على الزهور وتأخذ رحيق العسل تاركة العشب.

الله يرغب في زانية، وكيف يعمل الله؟

إنه لا يقودها كزانية إلى العلا، لأنه لا يريد أن يُدخل زانية إلى السماء، بل هو بنفسه نزل إليها. فطالما تعجز هي عن أن تصعد إلى العلا، نزل هو على الأرض. جاء إلى الزانية ولم يخجل أنه يمسك بها وهي في سكرها.

وكيف جاء؟ جاء ليس (معلناً) جوهر طبيعته مجرداً، إنما صار مثلما الزانية عليه (فيما عدا الخطية)، لا بحسب النية بل بالحقيقة صار مثلها، حتى لا ترتعب عندما تراه فتجري وتهرب!! جاء إلى الزانية وصار إنساناً. وكيف صار هذا؟ أنه حبل به الرحم، ونما قليلاً قليلاً مثلي من جهة النمو البشري.

من هو هذا الذي يصنع هذا؟! الإله قد ظهر لكن اللاهوت لم يعلن. له شكل العبد لا السيد، له الجسد الذي لي ولم يظهر جوهر طبيعته الخاص به. لقد نما قليلاً قليلاً مكوناً علاقات مع البشرية، بالرغم من أنه وجدها – الزانية – مملوءة قروحاً ومستوحشة وخاضعة للشياطين… لكنه أقترب إليها، وإذ رأته يقترب إليها هربت. فدعى الحكماء قائلاً: “لماذا تخافون مني؟ إنني لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم” (يو 2: 47).

آه أنه حادث فريد وغريب!!… ذاك الذي يرفع العالم إضجع في مزود، والذي يعتني بكل الأشياء طفل مقمط بلفائف، الحكماء يأتون ويتعبدون له للحال، العشار يأتي إليه ويصير إنجيلي. الزانية تأتي وتصير له خادمة. الكنعانية تأتي وتأخذ نصيباً من عطفه.

العرس السمائي بين يسوع والنفس البشرية (الكنيسة)

أولاً: خاتم الزواج:

هذه هي علامة واحد يحب، أنه يحمل أجرة الخطايا ويغفر الآثام والمعاصي.

وكيف صنع يسوع هذا؟ لقد أخذ الخاطئة (نفوس الخطاة التائبين) وخطبها لنفسه.

وماذا قدم لها؟ خاتم الزواج.

وما هو معدن الخاتم؟ الروح القدس. إذ يقول بولس: “ولكن الذي يثبتنا معكم في المسيح وقد مسحنا هو الله، الذي ختمنا أيضاً وأعطى عربون الروح” (2 كو 1: 21، 22). لقد أعطاها الروح القدس.

بعد ذلك قال (على لسان العريس): ألم أغرسك في الفردوس؟، فتجيبه “بلى”.

ثم يسأل: وكيف سقطت من هناك؟ تجيبه: “الشيطان جاء وطردني من الفردوس”.

فيقول لها: “لقد غرستك في الفردوس والشيطان طردك، انظري فإنني أغرسك في أناء. إنني أسندك فلا يعود الشيطان يقدر أن يجسر ويقترب إليك. إذ لا أرفعك إلى السماء بل إلى هنا حيث ما هو أعظم من السماء. أحملك في نفسي أنا هو رب السماء. الراعي يحملك فلا يقدر الذئب أن يقترب إليك بعد. أو بالحري لا أسمح له أن يقترب إليك”.

وهكذا حمل الله طبيعتنا وإذ أقترب إليه الشيطان هلك. لذلك يقول لك الرب: هذا أنا قد غرستك فيّ، أنا الأصل وأنتم الأغصان (يو 15: 5). هوذا قد غرسها في ذاته.

كيف ينزع نجاستها:

إنها تقول: لكنني خاطئة ونجسة.

لا تضطربي بسبب هذا فإنني طبيب. إنني أعرف الإناء الذي ليّ، وأعرف كيف فسد فأعيد تشكيلك بواسطة جرن المعمودية مسلماً إياه لعمل النار.

تأمل. لقد أخذ الله تراباً من الأرض وخلق الإنسان وشكله، لكن جاء الشيطان وأفسده. عندئذ جاء الرب وأخذه مرة أخرى وعجنه من جديد وغير شكله في المعمودية، ولم يعد بعد ترابياً بل ذا صلابة شديدة. لقد خضع التراب اللين (الطين) لنار الروح القدس “سيعمدكم بالروح القدس ونار” (مت 2: 11).

يتعمد الإنسان بالماء لكي يتشكل وبالنار لكي يتقوى، لذلك فإن النبي يتنبأ بحسب الإرشاد الإلهي قائلاً: “مثل آنية النار يسحقهم” (مز 2)…

وحتى تتأكد أنني لا أنطق بكلمات فارغة، اسمع ما يقوله أيوب: “أذكر أنك جبلتني كالطين” (أي 10: 9)، وما يقوله بولس: “ولكن لنا هذا الكنز في أوانٍ خزفية” (2 كو 4: 7). لكن تأمل قوة الإناء الترابي، إذ قد صار قوياً بواسطة الروح القدس.

انظر كيف أكد الرسول أنه إناء ترابياً، قائلاً عنه: “خمس مرات قبلت أربعين جلدة إلاَّ واحدة. ثلاث مرات ضربت بالعصي. مرّة رجمت” (2 كو 11: 24… الخ). ومع هذا فإن هذا الإناء الترابي لم ينكسر “ليلاً ونهاراً قضيت في العمق”. لقد كان في العمق، لكن الإناء لم يفسد. عانى من انكسار السفينة، لكن الكنز لم يفقد. السفينة كانت تغرق، لكن الحمولة طفت. يقول: “ولكن لنا هذا الكنز”… يسنده الروح القدس والبرّ والتقديس والخلاص.

وما طبيعته؟ “باسم يسوع الناصري قم وامش” (أع 3: 6). “يا اينياس يشفيك يسوع المسيح” (أع 9: 34). “أنا آمرك باسم يسوع المسيح أن تخرج منها” (أع 16: 18).

هل رأيت كنزاً كهذا أكثر بريقاً من الكنوز الملكية؟! ماذا تقدر جواهر الملك أن تفعل مثلما تفعل كلمات الرسول؟!…

“ولكن لنا هذا الكنز”. يا له من كنز ليس فقط محفوظ إنما يحفظ المسكن الذي يوجد فيه. هل تفهم ما يقول؟ إن ملوك الأرض وحكامها عندما يكون لهم كنوز يعدون لها أماكن عظيمة للتخزين: من حصون عظيمة وقضبان وأبواب وحواجز للوقاية، مزلاج… هذا كله لكي يحفظوا الكنوز. أما المسيح فصنع العكس، إذ لم يضع الكنز في آنية حجرية (حتى تحميه)، بل في إناء خزفياً (لكي يحميه الكنز). إن كان الكنز عظيماً، فهل لهذا السبب يجعل الإناء ضعيفاً؟! لا… بل لأن الكنز لا يحفظه الإناء، بل هو الذي يحفظه.

إنني أودع الكنز (في الإناء الضعيف) فمن يقدر أن يسرقه من هناك؟! الشيطان يأتي، والعالم يأتي، والجموع تأتي ومع ذلك لا يسرقون الكنز، فالإناء قد يُنكل به أما الكنز فلا يُفقد. الإناء (الجسد) قد يغرق في البحر، لكن الكنز لا يغرق. الإناء قد يموت أما الكنز فيحيا لذلك فهو يعطي حرارة الروح.

ثانياً: مهر العروس (عربون الروح)

تأمل “الذي يثبتنا معكم في المسيح وقد مسحنا هو الله الذي …أعطى عربون الروح في قلوبنا” (2 كو 21: 22).

أنتم تعلمون أن العربون هو جزء صغير من الكل. دعني أخبركم معنى العربون.

قد يذهب واحد ليشتري منزلاً بثمنٍ عال، فيقول له البائع “اعطني عربوناً حتى أثق فيك”. وواحد يذهب ليتخذ له زوجة فيدفع لها مهراً.

فحيث أن المسيح قد عمل عقداً معنا (إذ سيقبلنا عروساً له) لذلك فإنه عين المهر ليّ، لا بمال بل من الدم.

ولكن هذا المهر الذي عينه هو عربون لأشياء صالحة “ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان” (1 كو 2: 9).

لقد عين هذه كمهر وهي: الخلود، تسبيح الملائكة، التخلص من الموت، التحرر من الخطية، ميراث الملكوت الذي ثروته عظيمة هذا مقدارها، البرّ، التقديس، الخلاص من الشرور الحاضرة، اكتشاف البركات المقبلة، عظيم هو مهري!!

لقد جاء يأخذ الزانية، لأنه هكذا أدعوها أنها نجسة، حتى تدرك مقدار حب العريس.

لقد جاء وأخذني وعين لي مهراً قائلاً: “أعطيك غناي”.

كيف ذلك؟ يقول: هل فقدت الفردوس؟ خذه مرة أخرى. خذ كل هذه الأمور، ومع ذلك فإنه لا يعطي ليّ كل المهر هنا.

أما يعطينا هنا شيئاً من المهر؟

تأمل… فإنه كفَّل ليّ في المهر قيامة الجسد، والخلود. لأن الخلود لا يتبع دائماً القيامة. بل إن الإثنين متمايزان، فكثيرون قاموا، لكنهم رقدوا مرة أخرى مثل لعازر وأجساد القديسين (يو 11، مت 27: 52). لكن الوعد هنا ليس كذلك، بل وعد بالقيامة والخلود والتمتع بشركة الملائكة، واللقاء بابن الإنسان على السحاب، وتحقيق القول: “وهكذا نكون كل حين مع الرب” (1 تس 4: 17)، والتخلص من الموت، والتحرر من الخطية، والتخلص التام من الهلاك.

من أي نوعٍ هذا المهر الذي “ما لم تر عين وما لم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه”. هل تعطني أشياء حسنة لا أعرفها؟!

نعم، فقط لتُخطب ليّ ها هنا، ولتحبني في هذا العالم.

ولماذا لا تعطني المهر ها هنا؟

سأعطيه لك عندما تأتي إلى أبي، عندما تدخل المكان الملكي. فهل أنت (أيها الإنسان) أتيت إلىّ، لا بل أنا (يسوع) جئت إليك. لقد أتيت إليك لا لتقطن عندك، بل لكي آخذك معي وأرجعك. فلا تطلب مني المهر عندك في هذه الحياة بل لتكن معتمداً على الرجاء والإيمان.

أما تعطي شيئاً في هذا العالم؟

يجيب: أعطيك هنا “الغيرة” حتى تثق فيّ فيما يختص بالأمور المقبلة، وأعطيك خاتم الخطبة وهدايا الخطبة. لذلك يقول بولس: “لأني خطبتكم” (2 كو 11: 2). أما هدايا الخطبة فهي البركات الحاضرة التي تشوقنا إلى البركات المقبلة. أما المهر بكماله فيعطي في الحياة الأخرى.

كيف ذلك؟ هنا أصير كهلاً، هناك لا أشيخ قط.

هنا أموت، هناك لا أموت.

هنا أحزن، هناك لا أحزن.

هنا يوجد فقر ومرض ومكائد، هناك لا يوجد شيء من هذا القبيل.

هنا توجد مكائد، أما هناك فحرية…

هنا توجد حياة لها نهاية، أما هناك فحياة بلا نهاية.

هنا توجد خطية، أما هناك فيوجد برّ…

هنا يوجد حسد، أما هناك فلا شيء من هذا.

قد يقول قائل: “اعطني هذه الأمور ها هنا”، لا. بل انتظر حتى يخلص أيضاً العبيد رفقاؤك. وأقول أيضاً انتظر ذاك الذي يثبتنا ويعطينا عربون الروح.

وأي عربون هذا: الروح القدس وعطاياه.

دعني أتكلم عن الروح القدس

لقد أعطي خاتم الخطبة للرسل قائلاً: “خذوا هذا وأعطوه للجميع”، فهل خاتم الخطبة يوزع على كثيرين ومع ذلك لا ينقسم؟! نعم هكذا. دعني أعلمكم معنى عربون الروح القدس.

بطرس أخذ عربون الروح القدس وكذلك بولس.

فبطرس (بالروح القدس) جال في العالم، وغفر الخطايا، وشفى مقعدين، وكسى عراة، وأقام موتى، وطهر برص، وأخرج شياطين، وتحدث مع الله، وعمل في الكنيسة. أزال المعابد، هدم المذبح، وأباد رذائل وأقام من البشر ملائكة!!…

كل هذه الأمور أخذناها فملأ عربون الروح العالم كله…

وعندما أقول العالم كله، أقصد من جهة المكان… لقد ذهب بولس إلى هنا وهناك كطائر ذي أجنحة. وبفم واحد (بالتبشير) حارب ضد العدو… كان الخيام (بولس) أقوى من الشيطان… إذ نال العربون وحمل خاتم الزواج.

كل البشر رأت الله قد خطب طبيعتنا، والشيطان رأى ذلك وتقهقر. رأى العربون (الروح القدس) وارتعب منسحباً، رأى ملابس الرسل فهرب (أع 19: 11). يا لقوة الروح القدس. لقد أعطى سلطاناً لا للروح القدس ولا للجسد بل وللثوب أيضاً، وليس فقط للثوب بل وللظل.

بطرس جال، وظله كان يشفي الأمراض (أع 5: 15) ويخرج الشياطين ويقيم الموتى.

بولس جال في العالم نازعاً أشواك الشر، باذراً بذار الصلاح على نطاق واسع، مثل صاحب محراث حكيم ممسك بمحراث التعاليم… لقد غير هؤلاء (الأمم). وكيف ذلك؟ بواسطة العربون (الروح القدس).

هل كان بولس كفؤاً لهذا العمل كله؟ لا بل بواسطة الروح… إذ كان يسنده، إذ نال عربون الروح. لذلك يقول: “ومن هو كفؤ لهذه الأمور” (2 كو 2: 16)، لكن “كفايتنا من الله الذي جعلنا كفاة لان نكون خدام عهد جديد لا الحرف بل الروح” (2 كو 3: 5، 6).

تأمل ماذا فعل الروح؟ لقد وجد الأرض مملوءة من الشياطين فجعلها سماء.

فسابقاً (قبل التجسد الإلهي) كان في كل مكان مراثي ومذابح للأوثان. وفي كل موضع يصعد دخان الأصنام وبخوره، وفي كل منطقة تقام فرائض نجسة وأسرار وثنية وذبائح، في كل مكان تعمل الشياطين على ألهتك بالشرف، في كل مكان توجد حصون للشيطان… ومع هذا كله وقف بولس وحده… فكيف قدر أن يبشر؟!

لقد أسرّ البشر (في الإيمان).

دخل قصر الملك وتلمذ الملك على يديه(21).

دخل دار القضاء، فقال له الوالي: “بقليل تقنعني أن أصير مسيحياً” (أع 26: 28). وهكذا صار القاضي تلميذاً.

دخل السجن، فأسر حافظ السجن (في الإيمان) (أع 16: 3).

زار جزيرة البرابرة واستخدم الأفعى وسيلة للتعليم (أع 18: 3).

زار الرومان وجذب الوالي (السيناتو) لتعاليمه.

زار الأنهار والصحارى في المسكونة…

يعطي الله للطبيعة البشرية عربون خاتم الزواج الذي له، وعندما يعطيها إياه يقول لها: أمور كثيرة أعطيها لك الآن، أما بقية الأشياء الأخرى فأعدك بها.

ثالثاً: ثوب الملكة

إختلاف المواهب:

يقول النبي: “قامت الملكة عن يمينك بثوب موشى بالذهب” (مز 45).

لا يقصد ثوباً حقيقياً بل الفضيلة، إذ يقول الكتاب المقدس في موضع آخر للذي حضر الوليمة بغير لباس العرس “لماذا أتيت إلى هنا بدون لباس العرس”؟! فهنا لا يقصد عدم لباسه ثوباً ما، بل أن حياته مملوءة زنا ونجاسة.

وكما أن الثوب النجس يشير إلى الخطية، هكذا الثوب الموشى بالذهب يشير إلى الفضيلة. هذا الثوب ينتسب للملك وهو وهبها إياه، لأنها كانت عارية… عارية وقبيحة…

انظر إلى التعبير “ثوب موشى بالذهب” فإنه يحمل معنى سامياً، إذ لم يقل “ثوب ذهبي”، بل “موشى بالذهب”…

الثوب الذهبي يكون ذهباً بكامله، أما الموشى (المنسوج) بالذهب، فإن جزء منه ذهب والآخر حرير… إنه يعني أن حال الكنيسة في مظاهرها متعدد، فحالنا جميعاً ليس على نمط واحد فمنا من هو بتول، ومن هو أرمل، ومن هو مكرس… هكذا ثوب الكنيسة يعني حالها.

فبقدر ما عرف سيدنا أنه لو رسم لنا طريقاً واحداً فقط يضل كثيرون، رسم لنا طرقاً كثيرة.

أنت لا تقدر أن تدخل الملكوت عن طريق البتولية، ادخله بزواج واحد (لا تقبل طرفاً أخراً بعد وفاة الطرف الثاني)، وربما بالزواج الثاني (بعد وفاة الأولى).

أنت لا تقدر أن تدخل الملكوت عن طريق الزهد، أشفق وقدم عطاء… أو صم.

إن كنت لا تستطيع استخدام طريق ما (لأسباب قهرية) استخدم الطريق الآخر… فالنبي لم ينطق عن ثوب ذهبي بل منسوج بالذهب أنه من الحرير أو الأرجوان أو الذهب.

إن لم تكن أنت جزء من الذهب، كن حريراً، فإنني أقبلك فقط إن كنت منسوجاً في ثوبي. هكذا يقول بولس: “إن كان أحد يبني على هذا الأساس ذهباً فضة حجارة كريمة” (1 كو 3: 12).

أنت لا تقدر أن تكون ذهباً كن فضة، إنما يلزمك أن تكون مستقراً على الأساس.

وفي موضع آخر يقول: “مجد الشمس شيء ومجد القمر آخر ومجد النجوم آخر” (1 كو 15: 41). أنت لا تقدر أن تكون شمساً كن قمراً… وإلاَّ فكن نجماً. اقبل أن تكون أصغر شيء إنما يلزمك أن تكون في السماء.

أنت لا تقدر أن تكون بتولاً، كن عفيفاً في زواجك، إنما ارتبط بالكنيسة.

أنت لا تقدر أن تبيع ممتلكاتك كلها، قدم صدقة، إنما ارتبط بالكنيسة لابساً الثوب اللائق، خاضعاً للمملكة (الكنيسة).

الثوب موشى بالذهب، إنه ثوب في نسيجه مواد متنوعة، فلا أغلق الطريق قدامك…

“ثوب موشى بالذهب” أي متنوع في نسيجه، متمايز في تركيبه؛ أرجوك أن تكشف المعنى العميق لهذا التعبير المستعمل هنا، مثبتاً نظرك إلى الثوب الموشى بالذهب.

فهنا يوجد أناس يعيشون في عزوبة (أعزباً)، والبعض في حياة زوجية مكرمة، وهؤلاء ليسوا أقل بكثير من أولئك.

البعض تزوج مرة واحدة، والبعض قبل الترمل في زهرة عمره (ولم يتزوج بعد).

… في الفردوس زهور كثيرة وأشجار متنوعة… لكنه فردوس واحد…

هناك الجسد والعين والإصبع، لكنها هذه كلها معاً إنسان واحد!!

هناك أيضاً الصغير والعظيم والأقل… البتول تحتاج إلى المتزوجة، لأن البتول ولدتها أم متزوجة، فلا تحتقر البتول الزواج.

هكذا يرتبط الكل ببعضه البعض، الصغير مع العظيم والعظيم مع الصغير.

رابعاً: انتظار بيت الزوجية

“قامت الملكة عن يمينك،

بثوب موشى بالذهب،

مزينة بأنواعٍ كثيرة،

اسمعي يا ابنتي وانظري وأميلي أذنك”.

قائد العروس يقول لها بأنها قد اقتربت أن تذهب إلى بيتها بيت العرس، الذي بطبيعته يعوقها كثيراً جداً…

“اسمعي يا ابنتي”… إنه خطبها زوجة، وأحبها كابنة له، ويعولها كخادمة، ويحافظ عليها كعذراء، ويسيج حولها كحديقة ويدللها كعضو في جسد هو رأسه، إنه هل كأصل (جذر) يهبها النمو، وكراع يطعمها، وكعريس يقترن بها، وكفادي يغفر لها، وكخروف يذبح لأجلها، وكعريس يحفظها في جمال، وكزوج يعولها…

اسمعي يا ابنتي وانظري” متأملة في الأمور التي تخص الرأس، والتي هي روحية.

اسمعي يا ابنتي” إنك كنت قبلاً ابنة الشيطان، ابنة أرضية، غير مستحقة للأرض، والآن صرت ابنة للملك (لله). وهذا ما يريده الذي يحبها. لأن من يحب أحداً لا يستقصي عنه، فالحب يجعله لا يبالي بنجاستها القديمة (بل يقدسها)… هكذا صنع يسوع. فقد رآها نجسة، وأحبها وجعل منها ابنة له بلا عيب ولا دنس. يا له من عريس يزين بالنعمة العروس النجسة.

اسمعي يا ابنتي وانظري وأميلي أذنك

يقول أمران: اسمعي، انظري.

أمران تعتمدين فيهما على نفسك: عيناك، أذناك.

الآن مهرها يعتمد على السمع (إذ لم ترى بعد ملكوت السموات)… فالإيمان جاء بالسمع. الإيمان يناقض ما هو بالعيان، أي ما حدث وتم حالياً.

لقد سبق فقلت بأن خاتم الزواج قد قسم إلى قسمين:

نصيب أعطاه للعروس هنا كعربون، والآخر وعد به في المستقبل…

أعطى الأول، أما الثاني فيعتمد على الرجاء والإيمان…

لننصت إلى ما أعطانا… وما وعدنا به…

افهم ما يُقال حتى لا تفقد شيئاً… إن خاتم العرس قد قسم إلى قسمين:

أشياء حاضرة، وأشياء آتية؛

أشياء تُرى، وأمور يُسمع عنها؛

أشياء تُعطى هنا، وأخرى نثق أننا سنأخذها؛

أشياء نستخدمها هنا، وأخرى نتمتع بها هناك؛

أشياء تخص الحياة الحاضرة، وأخرى تأتي بعد القيامة.

الأشياء الأولى نراها، والأخيرة نسمع عنها… “اسمعي يا ابنتي وانظري وأميلي سمعك”… ها أنا أعطيك الآن بعض الأشياء وأعدك بالأخرى. هذه الأخرى تعتمد على الرجاء، أما الأولى فتقبلِّيها كهدايا للعرس وعربون ودليل يؤكد نوال الأمور المقبلة.

إنني أعدك بالملكوت، وأجعل الأمور الحاضرة كأساس لتثقي فيّ…

هل تعطيني الملكوت؟… نعم وقد وهبتك النصيب الأكبر لأنني أعطيتك حتى رب الملكوت لأنه “الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين كيف لا يهبنا أيضاً معه كل شيء”؟! (رو 8: 32).

هل تهبني قيامة الجسد؟… نعم وقد وهبتك النصيب الأكبر… وهو غفران الخطايا… لأن الخطية هي التي تجلب الموت، فأنا أهلكت الوالد، أفما أزيل المولود (الموت)؟!…

وبماذا تُساهم العروس؟

وأي إمكانيات أقدر أن أساهم بها؟ قل ليّ؟

ساهمي بإرادتك وإيمانك.

“اسمعي يا ابنتي وانظري”. ماذا تريد منيّ أن أفعل؟

انسي شعبك(22)“… وأي نوع هو هذا الشعب؟ إنه الشياطين وعبادة الأوثان ودخان الذبائح والدم…

“انسي شعبك وبيت أبيك” اتركي أباك وتعالي اتبعيني… إنني كما لو تركت (بلا انفصال) أبي وجئت إليك، أفلا تتركي أباك؟ وعندما نقول أن الابن ترك الآب لا نفهم أنه ترك حقيقي يعني الانفصال، بل بمعنى “إنني نزلت ووفقت بيني وبينك واتخذت ليّ جسداً. هذا هو واجب العريس والعروس…

فإن الملك قد اشتهى حسنك“. سيكون الرب هو حبيبك وإذ يكون حبيباً لك، فكل ما له يكون لك.

إنني أثق أنكم تفهمون ماذا أقول… لأن “الحسن” هنا يظنه اليهود (قليلوا الفهم) الجمال المحسوس لا الجمال الروحي…

يوجد جمال جسدي وجمال روحي. الجمال الجسدي يكمن في إتساع حاجب العين وبريقها، وملامح الوجه التي فيها حياء، والشفاه الحمراء والأنف المستقيمة… هذا الجمال الجسدي مصدره الطبيعة وليس حسب اختيارنا… فالمرأة السمجة المنظر (إن صح هذا التعبير) وإن أرادت بطرق ولا حصر لها أن تتجمل لا تقدر أن تصير رشيقة جسدياً، لأن الطبيعة حددت أموراً لا تقدر أن تتجاوزها…

الآن دعنا نجول داخلنا في الروح… انظر إلى ذلك الجمال الروحي، أو بالحري أصغي إليه، لأنك لا تقدر أن تراه طالما هو غير منظور.

أصغ إلى هذا الجمال. ما هو جمال الروح؟ إنه العفة، اللطف، الصدقة، الحب، الحنان الأخوي، العطف، الطاعة لله، تنفيذ الوصايا، البرّ، انسحاق القلب. هذه الأمور هي جمال الروح.

هذه الأمور لا تنجم عن الطبيعة… بل من ليس لديه يقدر أن يمتلكه، ومن يمتلكها إن أهمل فيها يخسرها. فكما أنه في حالة الجسد، كنت أقول بأن المرأة السمجة لا تقدر أن تكون رشيقة، هكذا بالنسبة للروح أقول العكس، أن النفس الجاحدة تقدر أن تمتلئ بالنعمة. لأنه من كان أكثر جحوداً من روح بولس عندما كان مجدفاً ومضطهداً، وأي روح مملوءة نعمة أكثر منه عندما يقول: “قد جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي حفظت الإيمان” (2 تي 4: 7).

أي روح فاسدة كروح اللص، وأي روح مملوءة نعمة أكثر نعمة منه عندما سمع “الحق أقول لك اليوم تكون معي في الفردوس” (لو 23: 43).

من كان أكثر شراً من العشار عندما كان مغتصباً، ومن صار أكثر نعمة منه عندما أعلن عن ثبات تغيره (لو 19: 8).

أنظر إذن أنك لا تقدر أن تغير في جمال الجسد، لأنه نتيجة حتمية الطبيعة لا نتيجة تصرف الإنسان. أما جمال الروح فيأتي حسب اختيار تصرفنا…

إن جمال الروح ينبع عن الطاعة لله، إذ النفس الفاسدة متى خضعت لله أنتزع عنها فسادها وصارت مملوءة جمالاً.

لقد قيل “شاول شاول لماذا تضطهدني”، فأجابه “من أنت يا سيد”… “أنا يسوع” (أع 9: 4، 5). فأطاع وبطاعته صارت روحه الشريرة روحاً مملوءة بركة.

مرة أخرى قال للعشار: “اتبعني” (مت 9: 9)، فقام العشار وصار رسولاً، وصارت الروح الشريرة مقدسة. كيف؟ بالطاعة.

ومرة ثالثة قال لصيادي السمك: “هلم ورائي فأجعلكما صيادي الناس” (مت 4: 19). وبطاعتهما صار فكريهما مملوءان جمالاً…

اسمعي يا ابنتي… وانسي“… إنه يتكلم عن جمال روحي إذ يقول لها “اسمعي، انسي”، أمور لها حق الاختيار فيها… إنه يقول للمرأة الخاطئة: “اسمعي” فإذا أطاعت فستري أي نوع من الجمال يوهب لها.

فحيث أن قبح العروس لم يكن قبحاً جسدياً بل روحياً لأنها عصت الله ولم تطعه… فإنه بالطاعة تصير مملوءة نعمة…

يلزمك أن تتعلمي أنه لا يقصد أي معنى منظور عندما يقول “حسنك”. لا تفكري في العين والأنف والفم والرقبة. بل في العطف والإيمان والحب والأمور الداخلية “كل مجد ابنة الملك من داخل“.

والآن من أجل هذه الأمور نقدم التشكرات لله المعطي، لأن له وحده يليق المجد والكرامة والقدرة إلى أبد الآبدين. آمين


(1) هذا العنوان “الكنيسة تحبك” من وضع المترجم.

(2) سنتكلم بمشيئة الرب عن مدى حماية الكنيسة للاجئين إليها، لأن الكنيسة لا تتستر على الأشرار والهاربين من القانون.

(3) رو 2: 11.

(4) راجع كتاب “حبي لرعية يسوع”، فصل “حب بلا تمييز”.

(5)  راجع كتاب “بنوتي لأبي الكاهن” عن وطنية الكاهن.

(6) العظة الأولى عن أتروبياس عندما التجأ إلى الكنيسة.

(7) ربما يشير إلى المذبح حيث توضع الساعة أمام المذبح.

(8) هذا التقديم من وضع المترجم.

(9) راجع المقدمة… حيت قام الكل بطلب تسليم أتروبياس.

(10) ربما يتكلم عن إحدى المرات التي هوجم فيها بسبب افدوكسيا زوجة الإمبراطور الشريرة.

(11) يو 14: 6.

(12) يو 14: 6.

(13) يو 1: 8، 9؛ 8: 12.

(14) إش 51: 9.

(15) 1 يو 2: 2.

(16) 1 كو 3: 11.

(17) مت 6: 21؛ 8: 44.

(18) في 2: 6؛ كو 1: 15.

(19) من وضع المترجم.

(20) راجع كتاب الحب الأخوي، ص248.

(*) الأجبية في الكنيسة القبطية يوازي في كنيستنا الأرثوذكسية كتاب السواعي.

(21) ربما يقصد سرجيوس بولس (أع 13: 12).

(22) يفسر ذهبي الفم الشعب هنا ليس الناس الذين نتعامل معهم بل الشر الذي نحيا فيه.

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF

معلومات حول الصفحة

عناوين الصفحة

محتويات القسم

الوسوم

arArabic
انتقل إلى أعلى