إرمياء النبي

إرمياء النبي

إرمياء النبيإرمياء النبي معنى اسمه بالعبرية “الله يرفع” او “الله يرتفع”. وُلد حوالي سنة 650 قبل الميلاد في قرية صغيرة كانت تابعة لأراضي سبط بنيامين اسمها عناتوت تقع على بعد 5 كيلومترات من اورشليم. تلقى تربية دينية منذ الصغر لانه ابن عائلة كهنوتية. عاصر سقوط مملكة الاشوريين وسبي اليهود الاول (598)  والثاني (587) الى بلاد بابل على يد الملك البابلي نبوخذنصر، وآخر ملوك يهوذا: يوشيا (640-609) ويوياكيم (609-597) وصدقيّا (597-587).

بدأ ارمياء يتنبأ في ايام يوشيا ملك يهوذا، ثم في ايام يوياقيم بن يوشيا الى جلاء اورشليم (ارمياء 1: 2-3). ان الطريقة التي يعرض بها ارمياء دعوته والنداء الذي وجهه الله اليه تلقي الضوء على رسالته: “…قبل ان اصورك في البطن عرفتك وقبل ان تخرج من الرحم قدستك… فقال لي الرب لا تقل اني ولد فإنك لكل ما ارسلك له تذهب وكل ما آمرك به تقول… أقمتك اليوم على الامم وعلى الممالك لتقلع وتهدم وتهلك وتنقض وتبني وتغرس…” (1: 4-19). لم يختلف تعليمه عن تعليم الانبياء الآخرين، كان يحاول ان يُفهم الشعب انه قد ضل عن الطريق، وانه سائر الى الكارثة اذا لم يتب الى الله. في الاصحاحات العشرة الاولى من سفر ارمياء كلمتان اساسيتان تتكرران: “ابتعد الشعب عن الله… فعليه ان يتوب ليخلص…”.

ما من نبي وصف كلمة الرب وعملها كما وصفها ارمياء. فالكلمة كانت له سرورا وفرحا: “حين كانت كلماتك تبلغ اليّ كنت ألتهمها فكانت لي كلمتك سرورا وفرحا في قلبي” (15 :16)، وكثيرا ما كانت كلمة الرب تعذبه: “قد انكسر قلبي في داخلي ورجفت كل عظامي وصرت كانسان سكران وكرجل غلبته الخمر بسبب الرب وبسبب كلمات قدسه” (23 :9)، لقد سببت له كلمة الرب قلقا وجعلته غريبا عن نفسه وعن ابناء جنسه، وهذا ما دفعه الى ان يجادل الرب: “أَبَرُّ انت يا رب من ان أتهمك لكني ساتكلم معك بما هو حق. لماذا ينجح طريق الغادرين غدرا؟ غرستهم فتأصلوا ونموا حتى أثمروا. انت قريب من افواههم وبعيد عن كُلاهم…” (12 :1-6).

هاجم ارمياء ممارسات الشعب السطحية للدين: زيارة الهيكل، تقديم الذبائح، حفظ السبت، وختانة الاطفال… لقد جعل الشعب احكام الشريعة شعائر خارجية خالية من اي معنى روحي. لذلك تنبأ ارميا بأن الله سيقضي على جميع هذه الممارسات وسيدمر الهيكل: “…فسأصنع بهذا البيت الذي دعي باسمي والذي انتم متكلون عليه، وبالمكان الذي اعطيته لكم ولآبائكم، كما صنعت بشيلو…” (7: 1-14) – مدينة شيلو تبعد اربعين كيلومترا الى شمال اورشليم وكان يوجد فيها هيكل دمره الفلسطينيون-، وسيدمر اورشليم: “…وأجعل تدبير يهوذا واورشليم في هذا المكان باطلا وأسقطهم بالسيف امام اعدائهم…” (19: 7). الله لا يطلب ختان جسد، بل ختان القلب: “إختتنوا للرب وأزيلوا قلف قلوبكم يا رجال يهوذا وسكان اورشليم…” (4 :4).

ان ذروة سفر ارمياء الروحية نجدها في 13: 13-34، فالرب سوف يقطع عهدا جديدا مع شعب اسرائيل: “ها انها تأتي ايام، يقول الرب، أقطع فيها مع بيت اسرائيل وبيت يهوذا عهدا جديدا” (13 :13). والعهد الجديد لن يكون فقط امانة الشعب للشريعة وحضوراً إلهياً يضمن السلام والازدهار كالعهد القديم،   بل هو مبادرة إلهية لغفران خطايا الشعب: “…لاني سأغفر إثمهم ولن أذكر خطيئتهم من بعد” (31: 34),  وستكون هناك مسؤولية ومكافاة شخصية: “في تلك الايام، لا يقال بعد إن الآباء أكلوا الحصرم واسنان البنين ضرست. بل كل واحد بإثمه يموت، وكل انسان ياكل الحصرم تضرس اسنانه” (31: 29-30)، وستصبح عبادة الرب عبادة روحية نابعة من القلب ولن تبقى الشريعة نظاما خارجيا: “…يقول الرب، هو اني اجعل شريعتي في بواطنهم وأكتبها على قلوبهم، وأكون لهم إلها وهم يكونون لي شعبا”.

ويذكر لنا التقليد انه بعد سنة 587 ق.م. هاجرت جماعة من الشعب اليهودي الى مصر برئاسة  يوحانان بن قاريح (الاصحاحات 42-44) وقد سيق ارمياء مكرها معهم. فاخذ يتنبأ عليهم وعلى مصر فرجمه ابناء شعبه لانهم لم يستطيعوا سماع اقواله الصادقة وتوبيخاته المحقة. ويضم سفر ارمياء 52 اصحاحا، وينسب اليه ايضا سفر المراثي وهو رثاء لمدينة اورشليم ولدمار الهيكل. تعيّد له الكنيسة المقدسة في الاول من  آيار.

arArabic
انتقل إلى أعلى