ايليا القديس المجيد، النبي الغيّور والسابق الثاني

القديس النبي المجيد ايليا

القديس النبي المجيد ايليايكتب كتاب العهد القديم المسمى بالملوك الثالث، في آخر الفصل السادس عشر، كيف انه كان يملك في مدينة السامرة وضواحي القدس، ملك اسمه اخاب بن عفري، ولكنه كان كافراً ملحداً لا يؤمن بالإله الحقيقي. واتخذ له زوجة ايزابيل ابنة ايثيفيال ملك صيدا. ولقد هجر الإله الذي صنع السماء والأرض، لدرجة انه أقام هيكلاً وثنياً، ونصب صنماً عظيماً، لكي يسجد لإله اليونانيين، الذي كان يسميه اليونانيون بلغتهم ذياس والعبرانيون بعل. وفي تلك الأيام كان النبي إيليا وإذ رأى الملك قد ترك الإله الحق ويسجد لأصنام جوفاء وبلا إحساس قال هو وكافة الشعب: “حي الرب، اله القوات، اله إسرائيل، الذي أنا واقف أمامه ألان، لانه لا يكون في هذه السنين ندى ولا مطر إلا بكلام فمي”. وإذ قال ذلك، كان كلام الرب إليه قائلاً: “امض من ههنا وتوجه شرقاً، وتوار عند نهر كريت الذي تجاه الأردن، فتشرب ماء من النهر، وأنا أوصي الغربان أن تقوتك هناك”.

فمضى وأقام عند نهر كريت الذي تجاه نهر الأردن، فكانت الغربان تأتيه بخبز في الغداة، وبلحم في العشى. وكان يشرب ماء من النهر. وإذا ما سأل أحدنا، لماذا أمر الله الغربان لتقوت النبي وليس طياً أخر؟ تعلمون أن الغربان تكره أبناءها كثيراً، إذا تعودت إلا تقوت صغارها، كبقية الطيور الأخرى، ولكنها تدعها في العش وتغادر. وإذ تجوع تلك طالبة القوت، تصرخ إلى الله، فيشفق عليها ويرسل لها الحشرات وتقتات، حتى تتوصل إلى سن تقوى فيها على الطيران. ويؤيد صحة هذا القول، كتاب سفر أيوب، إذ قال في الإصحاح الثامن والثلاثين: من يهئ للغراب صيده إذ تنعب فراخه إلى الله وتتردد لعدم القوت، وبالمثل قال النبي داود في مزموره المائة والسادس والأربعين: “المعطي للبهائم طعامها لفراخ الغربان التي تصرخ”.

بما أن الغربان، كما سبق فقلنا، تكره أبناءها ولا تقيتها، لذلك أرسلها الله لاقاتة النبي كعلامة مميزة وكأني به يقول للنبي: “وأنت يا إيليا! غير رحوم، فلا تشفق على الحيوانات والناس، بل طلبت إلي ألا أمطر كي يموتوا”. وفعل الله ذلك بصفته شفوقاً عطوفاً ليرأف النبي بالناس ويطلب من الله مطراً.

فلنعد إلى صلب موضوعنا. وكان بعد أيام أن جف النهر، ولم يكن هناك ملء، لامه لم يكن مطر مطلقاً. فكان كلام الرب إلى إيليا قائلاً: “قم وامضي إلى صرفت من أعمال صيدون، وأقم هناك، فها أنا أوصي هناك امرأة أرملة أن تقوتك”. فقام ومضى إلى صرفت وصار إلى باب المدينة، فإذا هناك امرأة تجمع حطباً. فناداها وقال لها: “هاتي لي قليل ماء في إناء لاشرب” فمضت لتأخذ، فناداها وقال: “هاتي لي رغيف خبز في يدك”. فقالت المرأة: (حي الرب إلهك انه ليس عندي مليل إلا ماء راحة دقيقاً في الجرة، ويسيراً من الزيت في القارورة، وها أنا اجمع عودين من الحطب لادخل واصنعه لي ولابني ونأكله ثم نموت”. فقال لها إيليا: “ثقي وادخلي فاصنعي كما قلت، ولكن اصنعي لي من ذلك، أولا، قرصاً صغيرا وأتيني به، ثم اصنعي لك ولابنك أخيرا. فانه هكذا يقول الرب اله إسرائيل :”أن جرة الدقيق لا تفرغ وقارورة الزيت لا تنقص إلى يوم يرسل الرب مطراً على وجه الأرض”. فمضت وصنعت كما قال إيليا، واكلت هي وهو وابنها، وجرة الدقيق لم تفرغ وقارورة الزيت لم تنقص على حسب كلام الرب الذي تكلم به على لسان إيليا.

أترون أيها المسيحيون المباركون! أية فائدة يجنيها الإنسان من الإحسان! أكانت تلك المرأة تعرف انه نبي وقديس حتى أعطته خبزاً اقتطعته من فمها وفم ابنها؟ كلا. ولكنها عاملته كانسان فقير أخ لها في الإنسانية. وكونها امرأة رحومة عطوف ومضيافة فضلت تقديم يد العون والمساعدة للفقير الجائع على ذاتها وعلى ولدها. ليت النساء يتمثلن بهذه المرأة الأرملة ويفعلن فعلتها. لقد رأينا أن تلك الأرملة المسكينة بكلمة واحدة من النبي حرمت نفسها وولدها وقدمت له، فرأت البركة تعم بيتها ولم ينضب دقيقها ولا زيتها. إن الأرملة لم تحصل على القوت فحسب وإنما حصلت على نعمة قيامة ابنها من بين الأموات، إذ أقامه النبي، فكيف حصل ذلك؟.

فيما كان النبي يقيم في بيت الأرملة مرض ابنها، وكان مرضه شديداً جداً حتى لم يبق فيه نسمة حياة. فقالت المرأة لإيليا: “مالي ولك يا رجل دخلت إلى لتذكر بخطاياي وتميت ابني؟ “فقال لها إيليا: “أعطيني ابنك”! وأخذه من حضنها واصعده إلى العلية التي هو نازل بها، وأضجعه على سريره. ورفع صوته وقال: “أيها الرب يا شاهد الأرملة التي ساكن معها انك فجعتها بموت ابنها”. ثم نفخ في الغلام ثلاث مرات، واستغاث بالرب وقال: “أيها الرب الهي! لتعد روح هذا الغلام إليه”. وكان كذلك وصرخ فسمع الرب لصوت إيليا وعادت روح الغلام إلى جوفه، وعاد حياً. فاخذ إيليا الصبي وانزله من العلية إلى البيت ودفعه إلى أمه. وقال إيليا: “انظري، أن ابنك حي”. فقالت المرأة لإيليا: “ها أنا قد علمت انك رجل الله وان كلام الرب في فيك حقاً”.

وبعد مرور ثلاث سنوات كان الرب إلى إيليا قائلاً: “امض وتراء لاخاب. فاني آت بالمطر على وجه الأرض”. وكان اخاب آنذاك، يقطن في السامرة، وكان الجو هناك شديداً. فذهب إليه إيليا ليتراءى له. فدعا اخاب عوبديا الذي على البيت، وكان حينما قطعت ايزابيل أنبياء الرب أن عوبديا اخذ مائة نبي وخبأهم في مغارتين وعالهم بخبز وماء. وقال اخاب لعوبديا: “فلنذهب في الأرض إلى جميع عيون الماء والى جميع الأودية لعلنا نجد عشباً فنحيي الخيل والبغال، ولا نعدم البهائم كلها”.

فقسّما بينهما الأرض ليعبرا بها. فذهب اخاب في طريق واحدة وحده، وذهب عوبديا في طريق أخرى وحده. وفيما كان عوبديا في الطريق إذا إيليا قد لقيه فعرفه وخر على وجهه وقال: “أنت هو سيدي إيليا؟ فقال له: أنا هو! اذهب وقل لسيدك هوذا إيليا”. فقال: “ما هي خطيئتي حتى انك تدفع عبدك ليد اخاب ليميتني؟ حي هو الرب إلهك انه لا توجد أمة ولا مملكة لم يرسل سيدي إليها ليفتش عليك. وكانوا يقولون انه لا يوجد. وكان يستحلف المملكة والامة انهم لم يجدوك. وإلا أنت تقول اذهب قل لسيدك هوذا إيليا. ويكون إذا انطلقت من عندك أن روح الرب يجملك إلى حيث لا اعلم، فان أتيت وأخبرت اخاب ولم يجدك فانه يقتلني. وأنا عبدك أخشى الرب منذ صباي. ألم يخبر سيدي بما فعلت حين قتلت ايزابيل أنبياء الرب.

القديس النبي المجيد إيلياإذ خبأت من أنبياء الرب مئة رجل في مغارتين وأعلتهم بخبز وماء. وأنت ألان تقول “اذهب قل لسيدك هوذا إيليا، فيقتلني” فقال إيليا: “حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه آتي اليوم وأتراءى له”. فذهب عوبديا للقاء اخاب واخبره فسار اخاب للقاء إيليا.

ولما رأى اخاب إيليا قال له: “أأنت هو مضل إسرائيل؟” فقال له إيليا: “لست أنا مضل إسرائيل بل أنت وبيت أبيك بترككم الرب إلهنا واقتفاءكم البعل.

والان أرسل واجمع إلى كل إسرائيل إلى جبل الكرمل وأنبياء البعل الأربع مائة والخمسين وبقية مهنة الخزي، (كما كان يدعوهم يونانيو افروديتي)، وكهنة عشتروت الأربع مئة الذين كانوا تحت الشجر ويأكلون خبز ايزابيل”. فارسل اخاب إلى جميع بني إسرائيل وجمع كل الأنبياء إلى جبل الكرمل. فقال لهم إيليا: “إلى متى تعرجون بين الجانبين؟ إن كان الرب هو الإله فاتبعوه”. وإن كان البعل إله فاتبعوه فلم يجب الشعب بشيء! ثم قال إيليا للشعب: ” أنا أهيئ النور الأخر ولا أضع عليه نار. ثم تصرخون انتم داعين باسم إلهكم وأنا أدعو باسم الرب الهي. وأي اله يستمع ويرسل نار فتحرق الثور، ويكون الإله الحق”.

فاجاب كل الشعب وقال: “حسن الكلام الذي تكلمت به”. فقال إيليا إلى أنبياء الخزي:” اختاروا لكم عجلاً وافعلوا أولاً وادعوا باسم إلهكم ولا تضعوا ناراً”. فأخذوا العجل وفعلوا كذلك ودعوا باسم البعل من الغداة إلى الظهر، وهم يقولون: (اجبنا أيها البعل اجبنا!”. فلم يكن من صوت ولا من مصغ. وكانوا يطوفون حول المذبح الذي صنعوه. فلما كان الظهر سخر منهم إيليا التسبيتي وقال:” أدعو بصوت عال” فان إلهكم لاه بمحادثة فلا يسمعكم” وظلوا يطوفون حول المذبح ويصرخون بصوت عال، ويقرعون صدورهم، حتى أدموها، ولكنهم عبثاً تعبوا حتى جاء المساء فلم يظهر أية علامة. حينئذ كلم إيليا أنبياء التقدمة الأولى قائلاً: “تنحوا منذ ألان وأنا أضع محرقتي”. ثم قال إيليا للشعب” ادنوا مني”. فدنا جميع الشعب منه. واخذ إيليا اثني عشر حجراً على عدد أسباط إسرائيل الاثني عشر كما كلمه الرب قائلاً له:” إسرائيل يكون اسمك!) وبنى الحجارة على اسم الرب، ورمم المذبح الذي كان قد تهدم.

وجعل حول المذبح قناة تسع مكيالين من الحب. ثم وضع الحطب على المذبح الذي صنعه وقطع المحرقة ووضعها على الحطب. وقال إيليا للشعب ” املئوا لي أربع جرار ماء وصبوا على المذبح وعلى المحرقة وعلى الحطب”، ففعلوا! ثم قال” ثنوا، فثنوا”. ثم قال:” ثلثوا! فثلثوا”. فجرى الماء حول المذبح دائراً وامتلاءت القناة أيضا ماء. وضب الجرار ثلاث مرات يرمز إلى الثالوث الأقدس.

وأما الجرار الأربع فترمز إلى تعليم الإنجيلين الأربعة الذي روى نفوس الأمم. وصرخ إيليا نحو السماء، وقال: “أيها الرب اله إبراهيم واسحق ويعقوب استجب لي اليوم بنار. وليعلم هذا الشعب كله انك أنت وحدك الرب اله إسرائيل، واني أنا عبدك، لاجلك قد فعلت كل هذه الأمور. وانك أنت قد رددت قلوب هذا الشعب وراءك”. فهبطت نار من لدن الرب من الشماء، واكلت الثور والحطب والماء الذي في القناة والحجارة، حتى التراب لحسته النار.

فخر جميع الشعب على وجوههم وقالوا: “إن الرب الإله هو الإله حقاً”. فقال النبي إيليا للشعب: “اقبضوا على كهنة البعل ولا يفلت منهم أحد”. فقبضوا عليهم فأنزلهم إيليا إلى نهر قيشون وذبحهم هناك. وقال إيليا لآخاب: “هوذا صوت دوي المطر. فشد مركبتك وانزل إلى البيت لئلا يدركك المطر”. ففعل كما أمره. وصعد إيليا إلى الكرمل وانكب على الأرض وجعل وجهه بين ركبتيه وصلى إلى الرب. وبعد ساعة قال إلى خادمه، الذي كما يقولون، كان النبي يوناس، ابن الأرملة الذي أقامه النبي إيليا، كما سبق وذكرنا: “اصعد تطلع نحو البحر”. فصعد وتطلع وقال: “ليس شيء! فقال “ارجع سبع مرات”. وفي المرة السابعة قال: “هوذا غيمه صغيرة قدر كف إنسان صاعدة من البحر”. فقال اصعد قل لآخاب: “اشدد عربتك وانزل لئلا يمنعك المطر” فاربدت السماء بالسحب واكفهرت بالرياح وجاء مطر غزير. فبدلاً من أن يذهب اخاب إلى مدينة السامرة مركز ملكه ذهب إلى يزرعيل، وذهب كذلك النبي إيليا إلى هذه المدينة. تهرباً من شدة المطر وغزارته.

وبعد بضعة أيام وحالما انقطع المطر جاء اخاب إلى السامرة واخبر امرأته ايزابيل بكل ما فعله النبي، وكيف انه قتل كهنة البعل. فما أن سمعت تلك المرأة الغبية بأن النبي إيليا قتل الكهنة، حتى أرسلت رسولاً إلى إيليا تقول له: (هكذا تفعل الإله وهكذا تزيد إن لم اجعل نفسك كنفس واحد منهم في نحو هذا الوقت غداً”. فحالما سمع إيليا ذلك، بصفته أنسانا، وقام ومضى على وجهه، ووافى بئر السبع الواقعة على حدود اليهودية وترك هناك غلامه يوناس. ثم سار هو في البرية مسافة يوم. حتى أتى وجلس تحت شجرة تدعى بالعبرية رثمان وبالعربية شجرة العرعر (وهي شجرة شائكة)، وطلب الموت لنفسه وقال: “قد كفى ألان يا رب! خذ نفسي لأنني لست خير من آبائي!” واضطجع ونام تحت شجرة العرعر.

إن هذا المكان حسب التقليد الشريف هو مكان دير مار الياس الحالي على طريق القدس-بيت لحم.

وإذا بملاك الرب قد مسه وقال له: “قم وكل واشرب”! فاستيقظ وإذا عند رأسه رغيف مليل وقلة ماء. فأكل وشرب، ثم عاد واضطجع. فعاد ملاك الرب ثانية وقال له “قم كل واشرب فإن الطريق بعيدة أمامك”. فقام وأكل وشرب وسار بقوة تلك الآكلة أربعين يوماً واربعين ليلة إلى جبل قمتان إحداهما تدعى قمة سيناء والأخرى قمة حوريب. التي رأى موسى عليها العليقة تلتهب ولا تحترق. فإلى هذه القمة سار النبي سار النبي إيليا أيضا ودخل مغارة هناك وأقام فيها. وإذا كلام الرب إليه يقول: “ما بالك يا إيليا”؟ فقال إيليا: “أنى غرت غيرة للرب اله الجنود، لان بني إسرائيل قد نبذوا عهدك، وقوضوا مذابحك وقتلوا أنبياءك بالسيف، وبقيت أنا وحدي وهم يطلبون نفسي ليأخذوها”. فقال له الرب “اخرج وقف على الجبل أمام الرب. وإذا بالرب عابر وريحه عظيمة وشديدة قد شقت الجبال وكسرت الصخور أمام الرب ولم يكن الرب في الريح. وبعد الريح زلزلة، ولم يكن الرب في الزلزلة. وبعد الزلزلة نار، ولم يكن الرب في النار. وبعد النار صوت منخفض خفيف. هناك يكون الرب”. فبذلك كأنه سبق وقال له عن تجلي المسيح.

فلما سمع إيليا ذلك لف وجهه بردائه وخرج ووقف في باب المعارة وإذا بصوت الرب يقول له: “امض فارجع في طريقك إلى برية دمشق وامسح حزائيل ملكاً على سوريا، ويشوع نمشي ملكاً على إسرائيل وامسح اليشع بن شافط من ابل محولة نبياً كي يحل محلك”. ثم ترك ذلك المكان ماضياً إلى هناك، فوجد البشع يحرث حقلاً وللحال ألقى إيليا عليه رداءه. فترك البشع كل شيء، وتبع النبي إيليا واصبح تلميذاً وخادماً له.

وحدث بعد هذه الأمور انه كان لنابوت اليزرعيلي كرم في يزرعيل في ضواحي السامرة بجانب قصر آخاب ملك السامرة. وإذ غار اخاب من ذلك الكرم قال إلى نابوت: “اعطني كرمك لاجعله بستان بُقول حيث انه قريب من منزلي وأعطيك كرماً آخر بدلاً منه أو أعطيك ثمناً له فضة”. فقال نابوت لاخاب: “حاشا لي من قبل الرب أن أعطيك ميراث آبائي”. فدخل اخاب بيته مكتئباً مغموماً من اجل الكلام الذي كلمه به نابوت اليزرعيلي قائلاً لا أعطيك ميراث آبائي. واضطجع على سريره، وحول وجهه ولم يأكل خبزاً. فدخلت إليه ايزابيل امرأته وقالت له: “لماذا روحك مكتئبة ولا تأكل خبزاً؟ فقال لها: “لاني كلمت نابوت اليزرعيلي وقلت له أعطيني كرمك بفضة، وإذا شئت أعطيك كرماً عوضه. فقال لا أعطيك كرمي”. فقالت له ايزابيل الغبية: “هون عليك يا سيدي. وغداً سأحاول أنا أن ترثه دون دفعك ثمناً له”.

فتعزى اخاب في تلك الأمسية. وأما المرأة الغبية فقد كتبت في الصباح التالي رسالة ومهرتها بخاتم اخاب وأرسلتها إلى مواطني نابوت واعدائه قائلة لهم: “ضعوا شهوداً كذبة ضد نابوت متهمين إياه بأنه شتم الإله والملك وارجموه بالحجارة” فشهد أولئك زوراً وبهتاناً من اجل خاطر الملكة ورجموه بالحجارة. وبعد ذلك وجهوا رسالة إلى ايزابيل قالوا فيها انهم نفذوا ما أمروا به. وهوذا ارثه مباح للملك. فأخبرت ايزابيل الغبية زوجها بما فعلت وقالت له: “ألان تستطيع ضم كرم نابوت إلى ملكك”.

وإذ غادر اخاب ليذهب إلى الكرم، قال الرب الإله للنبي إيليا: “اذهب لمقابلة اخاب ملك السامرة، حيث انه متوجه إلى كرم نابوت، وقل له: أأنت قادم لترث كرم نابوت؟ ولكن هذا يقول الرب الإله: في المكان الذي لحست فيه الكلام دم نابوت تلحس الكلاب دمك أنت أيضا ودم ايزابيل الغبية لأنكم حسدتم جاركم على كرمه واستخدمتم كل وسائل الظلم لترثوه، ولن يهدأ إنسان من نسلك في المملكة. فذهب النبي إيليا وقال ذلك إلى اخاب. ولما سمع ذلك بكى وجعل مسحاً على جسده وصام نادماً على خطيئته. فأقتبل الرب توبته، وقال إلى النبي” هل رأيت كيف أتضع اخاب أمامي. فمن اجل انه قد أتضع أمامي لا اجلب الشر في أيامه بل في أيام ابنه اجلب الشر على بيته”. الأمر الذي حدث بالفعل، لانه بعد موت اخاب مَلك السامرة ابنه المدعو اخزيا الذي انقطع عن السجود للإله الحقيقي، وكان يسجد لأصنام الجوفاء عديمة النفس.

وفي ذات يوم من الأيام، سقط اخزيا من شرفة قصره الذي في السامرة، فمرض ولكنه لم يطلب الشفاء من الله الذي يمنح الصحة للمرضى، بل أرسل رسلاً وقال لهم: “اذهبوا إلى مدينة عقرون وهناك عرّافة لبعل فأسالوها عن مرضي”. وفيما كان رسل ملك السامرة سائرين في طريقهم، قال ملاك الرب لإيليا التسبيتي: ” قم اصعد للقاء رسل ملك السامرة وقل لهم: إلا يوجد اله في القدس يهب الصحة والعافية، وتبحثون عن عرّفات؟ لذلك هكذا قال الرب: “رأت السرير الذي صعد عليه الملك لا ينزل عنه بل موتاً يموت”. فمضى النبي وقال للرسل ذلك. وعاد الرسل إلى ملكهم واعلموه أن إنسانا قابلهم في الطريق وقال لهم هذه الكلمات.

فسألهم الملك: “ما هي هيئة الرجل الذي صعد للقائكم وكلمكم بهذا الكلام” فقالوا له : “انه رجل اشعر متنطق بمنطقة من جلد على حقويه” . فقال هو: “انه ايليا التسبيتي أسرعوا، فليمض رئيس الخمسين إلى الجبل ووجد النبي هناك، فقال له: “يا رجل الله يقول الملك انزل “فاجاب النبي وقال: “لأن كنت أنا رجل الله فلتنزل نار من السماء وتأكلك أنت والخمسين الذين معك”. فنزلت نار من السماء وأكلته هو والخمسين الذين معه.

وما أن علم الملك بالأمر حتى عاد وارسل رئيس خمسين أخر والخمسين الذي له، وجرى له ما جرى لسابقه.

وارسل ثالثاً مع جنوده. أما الثالث فوقف من بعيد وسقط على الأرض وصلى إلى القديس قائلاً: “يا رجل الله لا تغضب علي كما غضبت على رئيس الخمسين الأول والثاني وجنودهم. بل أشفق علي وانزل وتعال إلى الملك”. حينئذ قال ملاك الرب لإيليا: “انزل معه ولا تخف منه”. فقام ونزل معه إلى الملك. وندد به حسب أمر الله وجرت نهايته كما سبق ايليا وقال. وبعد موته اصبح يورام بن اخاب ملكاً.

وفي أيام هذا الملك أراد الله أن يأخذ النبي ايليا كأنه إلى السماء. آنذاك اخذ النبي ايليا تلميذه البشع وذهبا إلى مكان ما اسمه جلجال. فقال ايليا لاليشع: “ابق ههنا”! أما أنا فقد أرسلني الرب إلى بيت ايل” . فقال البشع “حي هو الرب وحية هي نفسك إنني لا أتركك” وجاء الاثنان إلى بيت ايل. فخرج بنو الأنبياء الذين في بيت ايل إلى اليشع وقالوا له: “أتعلم انه اليوم يأخذ الرب سيدك من على رأسك؟ فقال: “نعم! أنى اعلم فاصمتوا”. ثم قال له ايليا “امكث هنا لان الرب قد أرسلني إلى أريحا”. فقال: “حي هو الرب وحية هي نفسك أنى لا أتركك”. فتقدم بنو الأنبياء الذين في أريحا إلى اليشع وقالوا له: “أتعلم انه اليوم يأخذ الرب سيدك من على رأسك”. فقال: “نعم! أنى اعلم فاصمتوا”. ثم قال له ايليا: “امكث هنا لان الرب قد أرسلني إلى الأردن”. فقال: “حي هو الرب وحية هي نفسك أنى لا أتركك” وانطلقا معاً. فجاء خمسون رجلاً من الأنبياء ووقفوا تجاههما عن بعد. وهما وقفا بجانب الأردن. فاخذ ايليا رداءه ولفه وضرب به المياه فانفلق الماء إلى هنا وهناك. وجازا كلاهما على اليبس. وكان أن ايليا لما جاز قال لاليشع: “سلني ماذا اصنع لك قبل أؤخذ عنك” ؟ فقال اليشع! ” ليكن الروح الذي فيك في مضاعفاً”. فقال ايليا: “قد سألت أمر صعباً، لكن إن أنت رأيتني حين أؤخذ عنك يكون لك ذلك، وان لم ترني فلا يكون لك”. وفيما كانا سائرين وهما يتحدثان إذا مركبة نارية وخيل نارية قد فصلت بينهما. فصعد ايليا في العاصفة كأنه إلى السماء وكان اليشع يرى وهو يصرخ: “يا أبي! يا أبي! مركبة إسرائيل وفارسها” وتفسير ذلك انه كان لملوك العبرانيين خيول ومركبات وكانوا يركبون الخيول كمتسلطين أما أنت أيها النبي فانك مركبة وفارس ومتسلط على إسرائيل.

وفيما كان اليشع يقول ذلك، لم يره بعد. فامسك ثيابه ومزقها قطعتين. ورقع رداء ايليا الذي سقط عنه ورجع ووقف على شاطئ الأردن. فاخذ رداء ايليا الذي سقط عنه وضرب الماء فلم ينشق. فقال أين اله ايليا ألان؟ وضرب المياه ثانية فانفلقت وعبر على اليبس.

ولما رآه بنو الأنبياء الذين في أريحا قبالته قالوا: قد استقرت روح ايليا على اليشع فجاءوا وسجدوا لله على الأرض.

سيرة القديس النبي مأخوذة من كتاب سيرة القديسين (السنكسار)

عن ايليا النبي للقديس يوحنا الذهبي الفم

أريد أن أتكلم عن ايليا، هذا الرجل الذي رُفع الى أعالي السماوات بسبب غيرته على الرب. هذا الذي قال له آخاب الملك: “انت مُقْلقُ اسرائيل”، فأجابه ايليا: “لم أُقلق اسرائيل انا، بل انت وبيت ابيك”. الا ان هذا لما سمع إيزابيل امرأة آخاب تقول: “كذا تفعل الآلهة بي وكذا إن لم أجعل نفسك في مثل الساعة من غدٍ كنفس واحد من الكهنة الذين قتلتهم”، هرب مبتعداً عن المكان مسافة اربعين يوما مشياً. كلمة سمعها من امرأة فهرب بسببها. تصرّف ايليا في كل أعماله تصرُّف عتوٍَّ وقساوة. فلما كان بمعزل عن الخطيئة ظهر متجبّرا الى أقصى حدود التجبّر. الا ان الله سمح بعثاره وهيأه تلك التهيئة حتى يجعل الرحمة التي أُنعم عليه بها ألطف جانب في معاملته للقريب… بعد اربعين يوما وافاه الله، وأقبل السيد على عبده إذ كان الله مملوءا من الرحمة والعطف. فسأله الله: “ما بالك ههنا يا ايليا؟”. فكأن الله يقول له: “انك هربت، فأين الثقة بي؟ تلك حالةٌ تعلمك أن لاتثق بنفسك…”. أجابه ايليا وكأنه الآن غيَّر أفكاره السابقة، قال: “ايها الرب انهم قد نبذوا عهدك وقوَّضوا مذابحك وقتلوا أنبياءك بالسيف، وبقيت انا وحدي، وقد طلبوا نفسي ليأخذوها”. فقال له الله: “كلا لم يكن هذا سبب هربك، ولستَ وحدك يا ايليا لم تسجد لدى بعل، بل قد أبقيتُ في اسرائيل سبعة آلاف ركبة لم تجثُ للبعل”. لامه الله على هربه، وليس على هربه فقط، بل على أن كلمة امرأة أنزلت به مثل ذلك الخوف. لقد اراد الله أن يجرّب ايليا ليُفهمه بأن الاعمال التي قام بها لا يجب أن ينسبها الى نفسه بل الى قدرة الله. ايليا الذي كان يغلق السماء تارةً فلا تمطر، وتارةً يُهبِط النار من السماء على مذبح المحرقة، سمح الله بأن يسقط سقطة صغيرة، لكي يرتدي من بعدها ثوب المحبة…

حي هو الله

” حي هو الله الذي انا واقف امامه “

هذا كان شعار النبي الياس في حياته، لذلك بقي حيا في ضمير الشعب حتى ان كثيرين يرغبون في اطلاق اسمه على أبنائهم.

الترنيمة الكنسية تدعوه ” الملاك بالجسم، قاعدة الأنبياء وركنهم، السابق الثاني لحضور المسيح، ”  الشاهد للحق حتى الأيام الخيرة، صوت الضمير الحي، المقاوم للظلم. حياته المتقشفة في الجبال والصحراء جعلته شفيعا للرهبان ولكل من يعترض في حياته على وقاحة العالم وفساده.

لقاؤه مع الرب تمّ لا في العاصفة، لا في الزلزلة ولا في النار بل في “صوت نسيم لطيف” هناك كان الرب (3 ملوك 19: 11 – 13).

لا يُشاهدُ الرب في “العجقة” لأن الضجة كثيرا ما تحجب الصوت، النداء الداخلي. هكذا يكون افتقاد الله بعد تجربة كبيرة تهزّنا تكاد تحطمنا. افتقاده يكون في اللطف والرحمة. لذلك عبادة الله في النهاية لا تتم في الاحتفالات الصاخبة ولا في الهياكل الفخمة ولا حتى في الشعائر الدينية الحبرية بل في ” الروح والحق” حيث يُسمع صوت كلمة الله، صوت الله الحي المتجسد فينا.

لقد صبَّ نبي الله سخطه على أنبياء البعل وقتلهم. لا شك أن كل قتل عصيان لوصية الله “لا تقتل” ولكن ان كان لا بدّ من انفعال قوّة الغضب فينا فلتنزل على الشر واعوانه. وهذا الخشب الرطب، عودنا المغمّس بالشهوات والضعفات البشرية لا يُحرق الا بنار الحب الالهي الذي يطهّر، ينير ويُدخل الدفء الى قلوبنا. (3 ملوك 18: 36 –38 ).

لقد استعر قلبه حبّا لله بالنار الالهية فلم يعد ينتمي الى هذه الارض فارتفع بالجسد قائما مسبقا حيّا الى قرب الله في الوطن السماوي الحقيقي ( 4 ملوك 2: 11).

ولا ننسَ صلاته اذ يدربنا فعلا على الصلاة الحارة، الصلاة النقية الفاعلة، التي بها احتضن ابن أرملة صيدا الميت وصرخ الى الله ثلاثا وأحياه ( كما يُفعل رمزيا في الاسعاف الأولي للمُغمى عليهم) ناقلا بكل كيانه اليه الروح والقوة المُستمدّين من الله.(3 ملوك 17: 21).

وكذلك انزل المطر بعد جفاف دام طويلا وبعد صلاة حارة الى الله ” ساجدا الى الارض وجاعلا وجهه بين ركبتيه” ( 3 ملوك 18: 42).

وقد ذكرنا كيف انه بصلاته الى  الله أنزل النار على الخشب الرطب والمحرقة فاحترق الكل.

ثوب مار الياس

نرى بعض الناس ينذرون اولادهم للقديس انطونيوس او لمار الياس ويأتون الى الكاهن ليقدس هذا الثوب.

هذه ممارسات غربية عنا. نحن ليس عندنا رتبة كنسية لتقديس اقمشة. اما الثياب الكهنوتية فتنضح بالماء المقدس لاستعمالها في الخدمة.

طروبارية باللحن الرابع:
أيها الملاك بالجسم، قاعدة الأنبياء وركنهم، السابق الثاني لحضور المسيح، إيلياس المجيد الموقر، لقد أرسلت النعمة من العلى لاليشع ليطرد الأسقام ويُطهر البرص، فلذلك يفيض الأشفية لمكرميه دائماً.

قنداق باللحن الثاني
أيها النبي الذي سبق فنظر أعمال الله العظيمة، إيلياس العظيم اسمه، يا من بكلمتك أوقفت جريان ماء السحب، تشفع من أجلنا إلى المحب البشر وحده.

arArabic
انتقل إلى أعلى