فوقا الأنطاكي القديس الشهيد

ولد القديس فوقا ونشأ في كيليكية في عهد مملكة الروم. كان والداه مسيحييَّن وأبوه من النبلاء. أحبَّ القديس فوقا الكلمة الإلهية وسلك بحسب مشيئتها، فنشأ على التأمل في المزامير الشريفة التي حفظها عن ظهر قلب في ستَّة أشهر، وكان محباً للصوم والصلاة والهدوء والغرباء والمساكين.

كان هم فوقا الوحيد هو مساعدة كُلُّ محتاج ومعوز، لأن في ذلك عيش بحسب المشيئة الإلهية. وما دامت الفرصة سامحة أمامه لتطبيق كل ما هو مرضيّ لله، فلم يكن للتواني مكان عنده. وأبوه كان غنياً. مما ساعده إلى أخذ مال أبيه وإعطائه لمن بحاجة إليه، فها هو يوزِّع من المؤن واللباس، والنقود دون شرطٍ أو قيد. ذلك لأنه كان عارفاً أنه إنمَّا بفعله ذلك يكنز لهُ في السماء ما لا يقدر أن يسرقه أو ينهبه اللصوص.

لاحظ أَبوا فوقا كَلَّ ما يفعل فغضبا غضباً شديداً عليه وأنكراه رافضين إيَّاه. لأنَّه كان بفعله هذا يهدرُ ما يجنيان من ثروةٍ. فلجأ فوقا إلى الرَّب الإله قائلاً: “أشكرك وأسبح اسمك يا سيدي يسوع المسيح لأنك جعلتني نظير الشهيدين سلوقس وخطيبته أسترنيقة الذين جحدهما أبواهما من أجل إيمانهما بالمسيح”.

منَّ الله على فوقا بنعمة الأشفية. ففي إحدى الأيام لدغت حيَّة رجلاً فقيراً. ولم يكن بمقدوره أن يدفع للطبيب. وكان فوقا حاضراً، همس فوقا في أذن الطبيب الذي طلب أن يأخذ نقوده مسبقاً، بأن يأخذ من الغني بحسب غناه ومن الفقير حسب فقره. لكن الطبيب رفض قائلاً لفوقا: ما دمت صدِّيقاً لماذا لا تشفيه أنت، ولا تأخذ منه. فإن لم أخذ أجري إلى أخره لا أدنو منهُ. فلمَّا سمع فوقا ذلك صلَّى قائلاً: “يا ربيّ يسوع المسيح أنت المتسلّط في السماء والأرض وعلى كل الهوام التي تدبّ على الأرض. فابعث من عندك يا رب طبيباً لا يطلب من المسكين أجراً. فسمع الرب الإله منه نداءه واستجاب دعاءه. وإذ استقرَّت عليه نعمة الله أعطاه الرب الإله أن يكون هو نفسه طبيباً باسم المسيح. فلما شعر فوقا بمشيئة الله له ولهذا المسكين صلَّى عليه باسم الرب فقام لساعته فرحاً معافى.

أقام فوقا على هذه الحال طبيباً من لدن الرب سبع سنين. فلما افتقر الأطباء اجتمعوا وتشاوروا فيما بينهم ما عساهم أن يفعلوا. فاستقر رأيهم على التخلص منه، فاختاروا رئيس عصابة شرساً اسمه موريق فأعطوه مالاً، عشرين ديناراً، ليقتله. قطع موريق وعصابته الطريق على قديس الله ورفيقه يوحنا بغية قتله. فلما دنا المغبوط فوقا منهم أخذ بتلاوة المزمور الذي أوله: “لا تغتظ من أجل الأشرار ولا تحسد عمال الإثم لأنهم مثل الحشيش ييبسون”. في تلك الساعة تسمَّر اللصوص في أمكنتهم كالعيدان اليابسة. فلما وصل القديس إليهم وأراد أن يتجاوزهم جعلوا يبكون ويصيحون ويستغيثون قائلين: يا قديس الله فوقا، طبيب المسيح، ارحمنا! فلما رأى فوقا أن لهم إيماناً بالله وبه هو خادم للمسيح وقف وصلّى وقال لهم: قوموا باسم الرب! فوثبوا من ساعتهم وأخذوا يسبحون الله فذاع خبرهم في تلك الديار.

لم تتوقف محاولة الحساد في أذية رجل الله، فلما فشلت محاولة قتله، لجئوا إلى تطبيق السحر عليه. لكن هذه المرَّة باءت بالفشل الشديد. حيث انقلب شرُّ البلية على صاحبه، فالسحر صار على الساحر الذي لم يكن من كائنٍ ينجيه من شرِّه إلا رجل الله الذي صلَّى طالباً من الله أن يعود الساحر صحيحاً معافى. وكان لهُ أن استجاب الله لطلبته.

عاد الشيطان الحسود ودبَّ الحسد في نفوس أعداء الإيمان. أولئك الذين وشوا برجُل الله عند والي عين زربة وأقنعوه بقتله على أنه ساحر شرير. فأصدر الوالي أمراً بقتله. وبعد ثلاثة أيام وصل الوالي وعسكره إلى مدينة زوديا حيث رجُل الله، ولمَّا استدل على مكانه، أمر بثلاث مائة من عسكره قائلاً: اصعدوا الجبل حيث الرجُل وأنزلوه إليَّ! ففعل الجند كما أُمروا. ولما بلغوه بمشقة كان يصلي هكذا: اجعلني اللهم أهلاً للمصائب وأسكني في خدر شهدائك! فتهيَّبوه، فقال لهم من تطلبون؟ عمَّن تسألون؟ من تبتغون؟ فقالوا: الوالي يريدك! فقال لهم: افعلوا ما أمركم به صاحبكم! فربطوه بالحبال وجرّوه وأتوا به مسحوباً إلى الوالي وطرحوه أمامه. كل جسده كان قد تجرَّح. فقط وجهه بقي صحيحاً. فلما رآه الوالي أخذ حربته وقام إليه قائلاً: يا أيها الساحر! لقد أفسدت بسحرك كل بلد وخدعت أهل آسيا وكيليكية وكباذوليا وأتعبتني ثلاثة أيام! لأصيّرنَّك فزعةً لكل من يعرفك وأنكل بك نكالاً. فرسم فوقا الصليب على نفسه، فيما بين عينيه، وأجابه: أما أنا فلست بساحر، بل أنا عبد ليسوع المسيح، وبقوَّته أفعل ما أفعله من عجائب وأغلب أباك الشيطان وسائر تدابيرك! فلما سمع الوالي قولته اغتاظ جداً وزأر كالأسد ورفع حربته وطعنه في صدره فخرجت الحربة من بيت كتفيه ودخلت في الأرض مقدار ذراع.

وصاح المغبوط لما طُعن قائلاً: أشكرك يا إلهي، يسوع المسيح، لأنَّك أهلتني لأن أصير أحد شُهدائك. فأسألك يا سيدي أن تهب لي بعد موتي أن أبرئ وأشفي كُلَّ من يستغيث بي، باسمك القدوس، من لدغة حيَّة أو غير ذلك من الآلام، لكي يعلم الناس أن قوَّتك معي بعد موتي كما في حياتي. وأنبع اللهمّ، في هذا المكان، عين ماء. وليكن كل من تلدغه حيَّة أو أفعى أو عقرب أو أي شيء من دبيب الأرض مما يلدغ ويؤذي، ويأتي إلى هذا الماء ويستحم فيه أو يدهن منه يصير له ذلك للصحة والبرء من الأوجاع. ومن لا يقدر أن يأتي إلى هذا الماء ولكن يُحمل إليه ويدهن به ويُسقى منه، فإنه يكون لهُ للأشفية أيضاً.

فلما فرغ القديس من صلاته خرجت ماء من الأرض غزيرة. فعلم القديس أن الله أجابه إلى طلبته فقال: وكما قبلت مني يا سيدي هذا الدعاء اغفر أيضاً لكل من يستغيث بي باسمك، وارحمه. ومن عمل لأنبيائك عيداً وكذا لشهدائك فلا يكن في بيته أعمى أو أعرج أو أجرب ولا يتسلط عليه ولا على شيء من متاعه شيطان. بل بارك، أنت يا رب، بيته وأولاده وغلاله كما باركت بيت عبدك أيوب، وفرِّج عمن يستغيث بك وبالسيدة والدتك إلى دهر الدهور، آمين.

فلما أتمَّ صلاته، جاءَهُ صوت من السماء يقول له: هيَّا أيها الفاعل الناجح والتاجر الحريص، أُدخل إلى مُلكِ مولاك واقبل الطوبى، ما لم تبصره عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر على بال إنسان، حيث إبراهيم واسحق ويعقوب وسائر الأنبياء والرسل والشهداء وكل المجاهدين. فلما سمع فوقا هذا الكلام أسلم روحه إلى المسيح.

تُعيد له الكنيسة في 5 آذار

نقلاً عن موقع الديرين البطريركين، دير القديس جاورجيوس والشيروبيم

طروبارية باللحن الرابع
شهيدكَ يا رب بجهادهِ، نالَ منكَ الأكاليل غير البالية يا إلهنا، لأنه أحرز قوَّتك فحطمَ المغتصبين وسحق بأسَ الشياطين التي لا قوَّة لها، فبتوسلاته أيها المسيح الإله خلص نفوسنا.

arArabic
انتقل إلى أعلى