02- كورنثوس الأولى 9: 3-12 – حقوق الرسول والعاملين في حقل الرب

النص:

3 هذَا هُوَ احْتِجَاجِي عِنْدَ الَّذِينَ يَفْحَصُونَنِي: 4 أَلَعَلَّنَا لَيْسَ لَنَا سُلْطَانٌ أَنْ نَأْكُلَ وَنَشْرَبَ؟ 5 أَلَعَلَّنَا لَيْسَ لَنَا سُلْطَانٌ أَنْ نَجُولَ بِأُخْتٍ زَوْجَةً كَبَاقِي الرُّسُلِ وَإِخْوَةِ الرَّبِّ وَصَفَا؟ 6 أَمْ أَنَا وَبَرْنَابَا وَحْدَنَا لَيْسَ لَنَا سُلْطَانٌ أَنْ لاَ نَشْتَغِلَ؟ 7 مَنْ تَجَنَّدَ قَطُّ بِنَفَقَةِ نَفْسِهِ؟ وَمَنْ يَغْرِسُ كَرْماً وَمِنْ ثَمَرِهِ لاَ يَأْكُلُ؟ أَوْ مَنْ يَرْعَى رَعِيَّةً وَمِنْ لَبَنِ الرَّعِيَّةِ لاَ يَأْكُلُ؟ 8 أَلَعَلِّي أَتَكَلَّمُ بِهذَا كَإِنْسَانٍ؟ أَمْ لَيْسَ النَّامُوسُ أَيْضاً يَقُولُ هذَا؟ 9 فَإِنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي نَامُوسِ مُوسَى:«لاَ تَكُمَّ ثَوْراً دَارِساً». أَلَعَلَّ اللهَ تُهِمُّهُ الثِّيرَانُ؟ 10 أَمْ يَقُولُ مُطْلَقاً مِنْ أَجْلِنَا؟ إِنَّهُ مِنْ أَجْلِنَا مَكْتُوبٌ. لأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْحَرَّاثِ أَنْ يَحْرُثَ عَلَى رَجَاءٍ، وَلِلدَّارِسِ عَلَى الرَّجَاءِ أَنْ يَكُونَ شَرِيكاً فِي رَجَائِهِ. 11 إِنْ كُنَّا نَحْنُ قَدْ زَرَعْنَا لَكُمُ الرُّوحِيَّاتِ، أَفَعَظِيمٌ إِنْ حَصَدْنَا مِنْكُمُ الْجَسَدِيَّاتِ؟ 12 إِنْ كَانَ آخَرُونَ شُرَكَاءَ فِي السُّلْطَانِ عَلَيْكُمْ، أَفَلَسْنَا نَحْنُ بِالأَوْلَى؟ لكِنَّنَا لَمْ نَسْتَعْمِلْ هذَا السُّلْطَانَ، بَلْ نَتَحَمَّلُ كُلَّ شَيْءٍ لِئَلاَّ نَجْعَلَ عَائِقاً لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ.

الشرح:

تعرّض الرسول بولس للانتقاد لأنه لا يستفيد من حقوق الرسولية، هذا دفع البعض الى الاستنتاج بأن عدم استفادته هو دليل على انه ليس برسول. يظهر بولس في نص رسالة اليوم انه يعرف بدقة حقوق الرسول لكنه بالرغم من سلطانه هذا يمارس الجهاد وضبط النفس من اجل البشارة ولكي يكون قدوة للمؤمنيين في كورنثوس. “إن كنت لست رسولاً إلى آخرين فإنما اليكم رسول، فإن خاتم رسالتي هو انتم بالرب” (1 كورنثوس9: 2). هذا نص الآية بالكامل وبها يدحض ادعاءات منتقديه.

نشأت جماعة المؤمنين في كورنثوس ببشارة الرسول بولس، واستمرارها دليل كاف على صحة رسالته. الخاتم هو تأكيد الأصالة ولا يستطيع من يدعي الإيمان في كورنثوس ان يشكك بأصالة رسولية بولس وإلا كان ادعاؤه الإيمان باطلا، اذ كيف يؤمن ان لم يقتنع بكلام الرسول بل العكس هو الصحيح اذ يأتي ايمانه خاتم أصالة رسولية بولس. هكذا يُظهر الرسول أن لا مجال للتشكيك برسوليته ان كان الكورنثيون على الايمان بالرب يسوع، وأن ايمانهم هو حجة كافية تجاه منتقديه. لذلك قال :”هذا هو احتجاجي عند الذين يفحصوني” (في الأصل اليوناني ينتقدوني). “ألعلنا لا سلطان لنا أن نأكل ونشرب…؟”. هذا الأسلوب في طرح السؤال يفترض الجواب “بل على العكس لنا سلطان”. اذاً لا ينتظر الرسول الجواب بل يُظهر لقارئ الرسالة ان ما يقوله بدهي واضح للجميع. لا شيء يمنع الرسول من الاشتراك في المآدب والأطعمة كافة، لا شيء يمنعه من الزواج، وقد ورد في التقليد الكنيسي ان تلاميذ المسيح ما عدا الانجيلي يوحنا كانوا متزوجين واعتادوا ان يصطحبوا زوجاتهم اثناء البشارة، ولا شيء يضطره إلى العمل لانه يعيش في شركة مع المؤمنين بالبشارة التي حملها.

أوصى الرب يسوع تلاميذه ان يقيموا في البيت الذي يقبل بشارتهم إذ قال :”أقيموا في ذلك البيت آكلين وشاربين مما عندهم، لأن الفاعل مستحق اجرته”(لوقا 10: 7، أنظر متى 10 :10). هذا يعني ان المبشر يحيا من البشارة. هذا هو واقع الحياة، الجندي يتقاضى اجرا لقاء خدمته العسكرية، والزارع يقتات من اثمار غلاله، والراعي يأكل من نتاج خرافه. هذا متعارف عليه لدى جميع الناس، لكن الرسول لا يكتفي بالاستناد الى تصرفات الناس بل يبيّن ان الله يوصي بهذا في الناموس، ولذلك قال “ألعلي اتكلم بهذا بحسب البشرية أم ليس الناموس ايضا يقول هذا؟” (انظر تثنية الاشتراع 20: 6 وأمثال 27: 18).

“لا تكمّ ثورا دارساً” اي لا تكمّ فم الثور عندما يدير حجر الرحى اثناء طحن القمح. “ألعل الله تهمّه الثيران؟”. ينطلق الرسول من مبدأ ان الناموس لم يكتب للمخلوقات غير العاقلة بل كتب للتي تملك عقلا ووعيا وفهما، لذلك قال “انما كُتب من أجلنا”.

“إن كنا زرعنا لكم الروحيات أفيكون عظيما ان نحصد منكم الجسديات؟”. حصاد الروحيات يعود إلى الله وحده، والفرق شاسع بين الجسديات والروحيات، الروحيات باقيات لحياة ابدية أما الجسديات فوقتيات.

الروحيات تفترض تلقائيا الشركة في الماديات اذ بها يصبح الرابط صميمياً بين الانسان واخيه الانسان، ويتّضح عمق هذا الرابط بالشركة المعلنة بين المؤمنين. اذاً لا يقول الرسول ان حصاد الجسديات هو مقابل او بدل بل هو ترجمة للوحدة الصميمية واساس الشركة الروحية.

بالرغم من قناعة الرسول بولس بهذا المبدأ لم يعمل به في كورنثوس، لذلك قال للمؤمنين “كنا نتعب عاملين بأيدينا” (1 كورنثوس 4: 12)، وقال ايضا “بشّرتكم مجانا بإنجيل الله… واذ كنت حاضرا عندكم لم اثقل على احد لان احتياجي سدَّه الاخوة الذين اتوا من مكدونية” (2 كورنثوس 11: 7-9). إذاً بالفعل عمل بولس ليؤمّن حاجاته، ومع ذلك قبل عطايا المؤمنين في فيلبي “مرة ومرتين لسد حاجاته” (انظر فيلبي 4 :10-20).

“أمر الرب أن الذين ينادون بالإنجيل من الإنجيل يعيشون” (1 كورنثوس9: 14). لكن الرسول لم يعمل بهذه الوصية في كورنثوس “لئلا يسبب تعويقا لبشارة المسيح”، بحيث لا تفقد البشارة فعاليتها بل تقود المؤمن الى التوبة والتغيير الجذري. هكذا علّم الرسول “ان لا يطلب احد ما هو لنفسه بل كل واحد ما هو للآخر” (1 كورنثوس 10: 24)، وقد سلك هكذا اذ كان يرضي الجميع في كل شيء غير طالب ما يوافق نفسه بل الكثيرين لكي يخلصوا، وهذا دفعه الى المناداة: “كونوا متمثلين بي كما انا ايضا بالمسيح” (1 كورنثوس 10: 11 –33) اذاً اراد الرسول بسلوكه هذا ان يضع قدوة ومثالا يحتذى به، فالمؤمن يجاهد من اجل الآخرين ولو أتى الجهاد على حسابه وبنفقته الخاصة.

نقلاً عن نشرة رعيتي
الأحد 4 أيلول 1994 / العدد 36

arArabic
انتقل إلى أعلى