03- كورنثوس الثانية 9: 6-11 – من يزرع بالبركات فبالبركات يحصد

النص:

6 هذَا وَإِنَّ مَنْ يَزْرَعُ بِالشُّحِّ فَبِالشُّحِّ أَيْضاً يَحْصُدُ، وَمَنْ يَزْرَعُ بِالْبَرَكَاتِ فَبِالْبَرَكَاتِ أَيْضاً يَحْصُدُ. 7 كُلُّ وَاحِدٍ كَمَا يَنْوِي بِقَلْبِهِ، لَيْسَ عَنْ حُزْنٍ أَوِ اضْطِرَارٍ. لأَنَّ الْمُعْطِيَ الْمَسْرُورَ يُحِبُّهُ اللهُ. 8 وَاللهُ قَادِرٌ أَنْ يَزِيدَكُمْ كُلَّ نِعْمَةٍ، لِكَيْ تَكُونُوا وَلَكُمْ كُلُّ اكْتِفَاءٍ كُلَّ حِينٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ، تَزْدَادُونَ فِي كُلِّ عَمَل صَالِحٍ. 9 كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ:«فَرَّقَ. أَعْطَى الْمَسَاكِينَ. بِرُّهُ يَبْقَى إِلَى الأَبَدِ». 10 وَالَّذِي يُقَدِّمُ بِذَاراً لِلزَّارِعِ وَخُبْزاً لِلأَكْلِ، سَيُقَدِّمُ وَيُكَثِّرُ بِذَارَكُمْ وَيُنْمِي غَّلاَتِ بِرِّكُمْ. 11 مُسْتَغْنِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ لِكُلِّ سَخَاءٍ يُنْشِئُ بِنَا شُكْراً ِللهِ.

الشرح:

المؤمنون واحد في المسيح ووحدتهم تُترجَم شركة على كل الصعد. هكذا سلكت الكنيسة منذ عهد الرسل إذ “كان عندهم كل شيء مشتركا، والأملاك والمقتنيات كانوا يبيعونها ويقسمونها بين الجميع كما يكون لكل واحد احتياج” (اعمال 2: 44-45). وحدة المال هي الدليل القاطع على الإيمان القويم وكل ايمان دون عطاء هو ادعاء فارغ. هذا اندرج في صلب بشارة الرسول بولس الى الوثنيين الذين من جهتهم سارعوا الى البذل والعطاء كما يتضح عند كنائس مكدونية اذ يقول الرسول عنهم: “فاض وفور فرحهم، وفقرهم العميق لغنى سخائهم. لأنهم أعطوا حسب الطاقة. انا أشهد وفوق الطاقة من تلقاء أنفسهم، ملتمسين منا بطلبة كثيرة، ان نقبل النعمة وشركة الخدمة التي للقديسين” (2 كورنثوس 8 :2 – 4).

اراد الرسول بولس العطاء سخيا، واستعمل صورة الزراعة ليظهر ان للعطاء بالضرورة مردوداً روحياً وان نسبة المردود تعظم بسخاء العطاء. لا يقول الرسول انك تعطي ابتغاءً لمردود لك، بل يوضح انك في عطائك تذهب الى الأقصى مطمئنا ان الله “قادر ان يزيدك كل نعمة”.

“كل واحد كما نوى في قلبه”. أراد الرسول بولس العطاء تلقائيا صادرا عن قناعة تامة. “لا عن ابتئاس واضطرارا” اي دون حزن وأسف على العطية ودون ان يجبر الانسان نفسه إرضاء لأحد. نجد صدى لهذا في العهد القديم اذ يوصي الله قائلا: ” اعطِ اخاك الفقير ولا يسوء قلبك عندما تعطيه” (تثنية الاشتراع 15 : 7 – 11).

“فان الله يحب المعطي المتهلل”. انت تعطي شاكرا متهللا لأن بهذا مسرّتك وبهذا تستنزل مسرّة الله عليك كما يُذكر في موضع آخر “لا تنسوا فعل الخير والتوزيع لأنه بذبائح مثل هذه يسرّ الله” (عبرانيين 13 : 16).

“الله قادر ان يزيدكم كل نعمة”. يعرف المؤمنون في كورنثوس ان كل ما يحصلون عليه هو من الله بالتالي يستطيع الله ان يضاعف نعمه عند الضرورة، وهي تشمل الحاجات المادية والحاجات الروحية كما تفيد الكلمة في الاصل اليوناني. “وتكون لكم كفاية كل حين في كل شيء” اي تعلمون ان الله يضمن كفايتكم بسد حاجاتكم الضرورية وانتم في طمأنينة لأنكم محط انظار الله وبهذا كفايتكم. “فتزدادوا في كل عمل صالح” كفايتكم مدعاة لالتزامكم العطاء، لأن الله جعل بين ايديكم الأداة لعطاء اكبر.

“كما كُتب” في سفر المزامير (112 : 9) “بدد اعطى المساكين فبره يدوم الى الابد” وقد ورد ايضاً “سعيد هو الرجل الذي يترأف ويقرض لأنه لا يتزعزع الى الدهر” (مزمور 112 : 6). اذا لا يغيب العطاء مطلقاً عن ذهن الله، جاعلا لصاحبه مدخلا الى الحياة الابدية.

“يرزقكم زرعكم ويكثره ويزيد غلال بركم”. انتم ايها الكورنثيون تعطون مادة والله يكثرها لكم، وهذه الوفرة إن قادتكم الى الكرم تنعكس عليكم بالفائدة الروحية، وكأنكم بتسخير المادة لخدمة العطاء تنالون من لدن الله عطاءً اعظم.

“تستغنون في كل شيء” اي وانتم مكتفون مادياً تعلمون ان الله ثروتكم فتندفعون الى العطاء تعبيراً عن اغتنائكم بالروح الالهي. “ينشئ شكراً لله” من جهتكم اولا لأنكم تعطون شاكرين الله على نعمه، ومن جهة الفقراء لأنهم “باختبار خدمتكم يمجدون الله على طاعة اعترافكم لانجيل المسيح وسخاء التوزيع لهم وللجميع” (2 كورنثوس 9 : 13).

فاض عطاء الكورنثيين وأُرسل المال الى الفقراء في اورشليم وهذا ورد ذكره في الرسالة الى اهل رومية اذ قال الرسول “اهل مكدونية وآخائية استحسنوا ان يصنعوا توزيعاً لفقراء القديسين في اورشليم” (انظر رومية 15 : 25 – 28). تخطى الكورنثيون حدود الكنيسة المحلية فقد دفعهم وعيهم الروحي الى اعتبار انفسهم شركاء الفقراء في فاقتهم والى اعتبار الكنيسة ككل وحدة لا تتجزأ مهما اتسعت ابعادها.

كان للعطاء نظام منذ الكنيسة الاولى وهذا ورد عند الرسول بولس اذ قال لاهل كورنثوس: “اما من جهة الجمع للقديسين فكما اوصيت كنائس غلاطية هكذا افعلوا انتم ايضاً في كل اول اسبوع ليضع كل واحد منكم عنده خازناً ما تيسر” (1كورنثوس 16 : 1 – 2). كان يوم الاحد المخصص للقداس الالهي مناسبةً لجمع العطايا اذ ان الاشتراك بجسد ودم المسيح يفترض ايضاً اشتراكاً في المعاناة حيثما وُجدت.

نقلاً عن نشرة رعيتي
الأحد 10 تشرين الاول 1993 / العدد 41

arArabic
انتقل إلى أعلى