17: 12-19 – شفاء عشرة رجال برص

12 وَفِيمَا هُوَ دَاخِلٌ إِلَى قَرْيَةٍ اسْتَقْبَلَهُ عَشَرَةُ رِجَال بُرْصٍ، فَوَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ 13 وَرَفَعوُا صَوْتاً قَائِلِينَ:«يَا يَسُوعُ، يَا مُعَلِّمُ، ارْحَمْنَا!». 14 فَنَظَرَ وَقَالَ لَهُمُ:«اذْهَبُوا وَأَرُوا أَنْفُسَكُمْ لِلْكَهَنَةِ». وَفِيمَا هُمْ مُنْطَلِقُونَ طَهَرُوا. 15 فَوَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمَّا رَأَى أَنَّهُ شُفِيَ، رَجَعَ يُمَجِّدُ اللهَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، 16 وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ شَاكِراً لَهُ، وَكَانَ سَامِرِيّاً. 17 فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ:«أَلَيْسَ الْعَشَرَةُ قَدْ طَهَرُوا؟ فَأَيْنَ التِّسْعَةُ؟ 18 أَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَرْجِعُ لِيُعْطِيَ مَجْداً ِللهِ غَيْرُ هذَا الْغَرِيبِ الْجِنْسِ؟» 19 ثُمَّ قَالَ لَهُ:«قُمْ وَامْضِ، إِيمَانُكَ خَلَّصَكَ».

 

 

الشرح:

يذكر كتاب العهد القديم مرض البرص تحت أسماء مختلفة تشير جميعها إلى مرض جلدي معدٍ وخطير. ورد في شريعة موسى أن البرص هو نجاسة معدية، لذلك كان المصاب بهذا المرض يُنبذ بعيداً عن المناطق المأهولة بعد أن يفحصه الكاهن بدقة ويتأكد من مرضه (انظر لاويين 13و14).

“استقبله عشرة رجال برص ووقفوا من بعيد”. اعتاد المصابون بالبرص إما أن يسكنوا معاً ضمن مجموعات شبيهة بالمستوطنات الصغيرة، أو أن يعيشوا منفردين داخل المغاور والأكواخ في البراري. “وقفوا من بعيد” إذ لا يُسمح للبرص بالاقتراب من الناس كي لا ينقلوا إليهم العدوى، كما يتوجب على الأبرص تحذير المقتربين منه بترديد عبارة “نجس نجس…” بصوت واضح مسموع.

“امضوا وأروا الكهنة أنفسكم”. كان يُقدَّم المصاب بالبرص إلى الكاهن الذي يتفحصه جيداً عازلاً إياه مدة من الزمن تتراوح بين السبعة أيام والأربعة عشر يوماً، فإذا اتضح انه مصاب بالمرض كان الكاهن يأمر بإبعاده عن الناس (انظر لاويين 31). بالطبع أيضاً كان الكاهن يتفحص مَن يدّعي الشفاء من هذا المرض عازلاً إياه مدة أربعة عشر يوماً، وإذا تأكد الكاهن من شفائه يأمره بتقديم الذبيحة المناسبة إلى الهيكل وبعدها يُعلن شفاءه ويُسمح له بالعودة إلى المجتمع (انظر لاويين 14 :6-32).

إذاً يرسل الرب يسوع المرضى إلى الكهنة لكي يُعلَن شفاؤهم ويعودوا إلى حياتهم اليومية. لا يقول الرب يسوع أن للكهنة دوراً حاسما في تتميم الشفاء وان الفريضة الطقسية ضرورية، والدليل أن الرب يسوع صرف السامري الذي عاد شاكراً دون أن يأتي على ذكر الذهاب إلى الكهنة.

“رجع يمجد الله بصوت عظيم وخرّ على وجهه عند قدميه ساجداً له”. طبعاً خرّ عند قدمي الرب يسوع، لكن الآية توحي أنه خرّ عند قدمي الله. ربما تقصد الإنجيلي لوقا كتابة هذه الإشارة المزدوجة ليقول إن الله والرب يسوع هما الشخص نفسه.

“ألم يوجد من يرجع ليمجد الله إلا هذا الأجنبي” أي الغريب عن الجماعة اليهودية. كأني بالرب يسوع يعبر عن عتبه على مَن أُرسل لخلاصهم، فهم يتقبلون عطايا الله مهملين مبادلته بما يتوجب من شكر وتسبيح. لا شك أن الإنجيلي لوقا شدد على عودة السامري ليلقي الضوء مسبقاً على رفض اليهود للرب يسوع وعلى قبول الوثنين والأمم.

“إيمانك قد خلصك”. يربط الرب يسوع هذه العجيبة بعنصرين، الأول هو الإيمان والثاني هو تمجيد الله. بالطبع قدرة الرب يسوع الشافية هي التي جعلت الشفاء ممكناً، لكن العجيبة تفترض وجود الإيمان الشخصي الذي يشكل الأرضية التي تتنفّذ عليها. الإيمان إذاً هو قِوام العجيبة. هذا تؤكده حوادث مختلفة أهمها شفاء النازفة الدم (انظر لوقا 8 : 48) وإقامة ابنة يايرس حيث يتوجه إليه الرب يسوع قائلاً “آمن فقط تشفَ” (انظر لوقا 8: 50).

عناصر أُخرى تنتج عن العجيبة ذكر منها الإنجيلي لوقا التوبة التي تتضح بتصرف بطرس عندما عاين الصيد العجيب إذ سجد للرب يسوع وتوجه إليه قائلاً: “أخرج من سفينتي يا رب لأني رجلٌ خاطئ” (لوقا 5 : 8). عنصر آخر هو الاندفاع إلى اتباع السيد كما يظهر من حادثة إخراج الشياطين من مجنون كورة الجرجسيين الذي يطلب من السيد “أن يكون معه” (انظر لوقا 8 : 38). أما عنصر تمجيد الله فهو يلي العجيبة تلقائياً، والتمجيد ليس نتيجة الانبهار والدهشة بل لأن الإنسان أمام العجيبة يعاين تدخلاً إلهياً مباشراً وحضوراً كاملاً لله مما يدفعه إلى التمجيد والشكر. هذا ما اتضح للسامري لذلك عاد ممجداً وشاكراً عند قدمي الرب يسوع.

هذه العناصر مجموعة نجدها مذكورة في عجيبة شفاء أعمى أريحا، فبعد أن قال له الرب يسوع: “أبصر إيمانك شفاك” شُفي في الحال وعندها “تبع الربَّ يسوع وهو يمجد الله، وجميع الشعب إذ رأوا سبحوا الله” (لوقا 18 : 42). العجيبة إذاً مدعاة لتمجيد الله، ليست دافعاً للتجمهر والدعاية والاستعراض والدليل أن الرب يسوع أمر يايرس وزوجته بالتكتم إذ أوصاهم “أن لا يقولا لأحد عما كان”(لوقا 8 : 56). التبشير بالعجائب لا يؤدي بالضرورة إلى الإيمان ولا حتى إلى تدعيمه، المؤمن يثق أن الله قادر على اجتراح العجائب ولا يسعى لمعاينة العجائب ليتأكد. إن مَن ينادي بالعجائب لا يبشر بالرب يسوع ولا يسبح الله، هو يبشر بالخوارق. العجيبة هي افتقاد شخصي مباشر من لدن الله وهي معرَّضة لفقدان مفعولها الخلاصي إذا دُفعت لتتخطى حدود الشخص التي وُجهت إليه.

سؤال يسوع الثلاثي في نهاية هذا الفصل الإنجيلي يؤكد على هذا التناقض بين موقف السامريين وموقف اليهود: “أليس العشرة قد طهروا؟ فأين التسعة؟ ألم يوجد مَن يرجع ليمجّد الله إلا هذا الأجنبي؟”. في هذا المقطع إن السامري “لما رأى انه قد برئ، رجع يمجد الله بصوت عظيم”. السامري “رأى” انه شفي، أي فهم وآمن. هذا الفهم وهذا الإيمان لم يشارك فيه التسعة الآخرون.

هذه الرؤية هي التي أهلَّت السامري للعودة إلى يسوع ولتمجيد الله. و”العودة” هنا لا تعني مجرد حركة الانتقال من مكان إلى مكان آخر، ولكنها تحمل المعنى الذي لها في العهد القديم، إلا وهو الرجوع إلى الله بمعنى التوبة. إذا كان السامري أخطأ، وخطيئته، كما يؤمن اليهود، هي سبب برصه، فهو الآن يتوب إلى الله، وتوبته هذه هي التي تحمل إليه الشفاء. وبالتشديد على توبة السامري، يريد النصّ أن يشير إلى أن اليهود لم يتوبوا، بل ظلّوا في خطيئتهم، وخطيئتهم أنهم لم يقبلوا يسوع مخلّصاً لهم.

تصريح يسوع النهائي “إيمانك خلّصك” يربط تلك الرؤية بذلك الإيمان، الإيمان الذي تحقق بالعودة إلى الله بالتوبة، وتقديم الشكر والعرفان إليه.

 

نقلاً عن نشرة رعيتي
الأحد 16 كانون الثاني 1994 / العدد 3

arArabic
انتقل إلى أعلى