18: 10-14 – مثل الفريّسي والعشّار

قال الرب هذا المثل: 10 «إِنْسَانَانِ صَعِدَا إِلَى الْهَيْكَلِ لِيُصَلِّيَا، وَاحِدٌ فَرِّيسِيٌّ وَالآخَرُ عَشَّارٌ. 11 أَمَّا الْفَرِّيسِيُّ فَوَقَفَ يُصَلِّي فِي نَفْسِهِ هكَذَا: اَللّهُمَّ أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي النَّاسِ الْخَاطِفِينَ الظَّالِمِينَ الزُّنَاةِ، وَلاَ مِثْلَ هذَا الْعَشَّارِ. 12 أَصُومُ مَرَّتَيْنِ فِي الأُسْبُوعِ، وَأُعَشِّرُ كُلَّ مَا أَقْتَنِيهِ. 13 وَأَمَّا الْعَشَّارُ فَوَقَفَ مِنْ بَعِيدٍ، لاَ يَشَاءُ أَنْ يَرْفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ، بَلْ قَرَعَ عَلَى صَدْرِهِ قَائِلاً: اللّهُمَّ ارْحَمْنِي، أَنَا الْخَاطِئَ. 14 أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هذَا نَزَلَ إِلَى بَيْتِهِ مُبَرَّراً دُونَ ذَاكَ، لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ، وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ».

 

 

الشرح عن نشرة رعيتي:

 يشكّل مثل الفريسي والعشار نهاية رواية رحلة يسوع إلى أورشليم في إنجيل لوقا (لوقا 9: 51-18: 14). يشدّد هذا المثل على رحمة الله التي يظهرها لخاطئ يقف أمامه معترفا بعدم استحقاقه. وهو ينتهي بموضوع مهمّ جدا عند لوقا وهو موضوع التواضع.

قال الرب هذا المثل “لقوم واثقين بأنفسهم أنهم أبرار ويحتقرون الآخرين”(لوقا 18 : 9). الفريسيون طائفة من اليهود يتقيدون بتنفيذ الشريعة والتقاليد حرفياً وشرحها للشعب بدروس يومية في المجامع، والسهر على إلا يخالفها أحد، مثلا ما هو ممنوع أو مسموح يوم السبت. ضمت طائفة الفريسيين مجموعة الكتبة أي نسّاخ الأسفار المقدسة ومعلمي الشريعة وعددا من الكهنة، وانتظم أتباع هذه الفئة في أخويات دينية لحفظ أنفسهم في حالة وفاء للشريعة وفي حالة تقوى. اعتدوا بمعرفتهم للشريعة وغالوا في ممارستها ومنعوا كل اتصال بالخطأة العشارين وقصروا محبة الله في حدود أفقهم واعتبروا أن لهم حقوقا على الله بسبب أدائهم الممارسات الدينية. غالوا في أهمية الشريعة وتفاسيرهم لها حتى جاءت ديانتهم ظاهرية وليست قلبية داخلية. نرى من تصرفهم مع يسوع كم كانوا متزمتين يعلّقون على التفاصيل وينسون الجوهر “يصفون عن البعوضة ويبلعون الجمل” ( متى 23: 24).

العشارون هم الذين كانوا يجمعون الأعشار أي الضرائب من الشعب ويسلمونها للإدارة الرومانية. كانوا يعاملون الناس بالظلم ويجمعون أكثر من المطلوب ويجنون ثروات طائلة. كان اليهود يكرهونهم ويمنعونهم من دخول الهيكل أو المجامع.

ظاهرياً صلاة الفريسي في المثل ليست سلبية، فهو يشكر الله على صلاح فيه ولكن هذا الشكر يساهم في إذكاء كبريائه وحسه ببره. هو لا يخالف الشريعة بل بالأحرى يغالي في ممارستها إذ يصوم مرتين في الأسبوع ويعشر كل ما له وهذا لم يكن مطلوبا في الشريعة. فالأصوام الفردية لم تكن مفروضة ولكن اليهود الغيورين مارسوها يومي الاثنين والخميس كما أن دفع الأعشار كان يطال فقط المنتوجات الزراعية (تثنية الاشتراع 14 : 22 – 23).

العشار وقف بعيدا لا يجرؤ على الاقتراب من المذبح ولا على رفع عينيه إلى السماء، يعني هذا انه أحسَّ بأعماق كيانه بالخطيئة. “قرع صدره” طالبا الرحمة. لم يعدد العشار خطاياه ولا ناقشها. اكتفى بالاتكال على رحمة الله وطول أناته.

حدث ما لم يكن متوقعا إذ أعلن السيد أن العشار بُرّر دون ذاك. فلفظة “دون” تعنى أن الفريسي لم يكن ممتلكا ذرة من البر ولم يحصل على أي مقدار منه في حين أن العشار نال من الله غفرانا يكفيه ليرجع إلى بيته مبررا. كون الفريسي بارا في عين نفسه واستنادا إلى الشريعة لا يعني بالضرورة انه بار في عين الله، فالله لا يحكم حسب الظاهر بل كل ما هو خفي واضح أمامه، لذلك هو يُنزل كل من رفع نفسه ويرفع كل من وضع نفسه.

الرسالة التي يريد المثل أن يوصلها هي أن التبرير عند الله لا يُبلغ إليه فقط بنشاط يقوم به الإنسان بل بالاعتراف أمامه بالخطيئة. ما كان الفريسي يقوم به من ابتعاد عن المعاصي وتطبيق لوصايا الشريعة إنما يوصل في نهاية المطاف، بحسب الفهم اليهودي، إلى البر. غير أن موقف الفريسي المعتدّ بنفسه هو الذي حجب عنه رحمة الله. أما العشار، وهو عند اليهودي خاطئ بامتياز، فنال هذه الرحمة بسبب اتضاعه واعترافه بخطيئته. يتضح من هذا أن الإنسان يحاسَب ليس على أفعاله فقط بل على الموقف الذي يقفه أمام الله.

نهاية المثل هي التي تحمل هذه الرسالة بوضوح “كل من رفع نفسه اتضع، ومن وضع نفسه ارتفع”. معنى هذا انه ليس بين البشر من بارّ أمام الله. هو وحده البار، والبشر كلهم خاطئون. فقط باعترافهم بأنهم هكذا، يغدق عليهم الله رحماته ويمنحهم البرّ الذي له.

صلاة العشار صارت أساس “صلاة اسم يسوع”: “يا يسوع ابن الله ارحمني أنا الخاطئ” التي يمارسها كثيراً الرهبان الأرثوذكسيون. وقد صدر أدب نسكي – روحي كبير يتعلق بهذه الصلاة واختبار حضرة يسوع في القلب وقد أخذ بعض العلمانيين يتلون هذه الصلاة. وهي انطلاقة إلى ما نسمّيه “صلاة القلب” أو الصلاة الدائمة حيث يكون القلب مرتفعا إلى الله دون كلام.

 

الشرح عن نشرة مطرانية اللاذقية:

في النص الإنجيلي يوضح لنا المسيح نقيضين، الفريسي والعشار. كان الأول يبدو للناس تقياً على خلاف الثاني. في حين كان الفريسي مترفعاً، حاول أن يبرر ذاته بأعماله، راح العشار متنهداً يطلب من الله أن يبرره. الفريسية هي سرطان العبادة، مرض يفتك بها، أما الروح العشارية فهي عافية محيية، وتقوى حقيقية.

ما هي إذن التقوى الحقيقية، وما هو البر والتبرير؟ وأخيراً كيف نقتني البر وما السبيل إليه؟ ليس عبثاً أن المسيح قارن بين الإنساَنين على ميزان المعبد، فالصلاة تكشف الداخل وتعكس الإنسان على حقيقته. وسر التقوى يحدده القديس بولس الرسول بتجسد المسيح، عرس الإنسان بالله واتحاده به. الأعمال تبقى مجرد أعمال، عندما تكون تقدمات. وحسابات الله غامضة، وعندما نبذلها في سبيل الاتحاد بالله تصير فضائل حقيقية. وهذا التمييز ضروري بإزاء أهم صوم وأهم فترة روحية في بداية التريودي.

البر هو القداسة، والقداسة تألُّه، والتألُّه ليس الأعمال الأخلاقية، وإّنما الاتحاد بالله الذي لا يّتحد إلاَّ بأنقياء القلوب. لذا فإن طريق التبرير هو لوم الذات لا تبريرها، والانسحاق لا العجب. كلّ من الفريسي والعشار كانا معجبين، فالأول أُعجب بذاته أما الثاني فبرحمة الله ومحبته.

لوم الذات “عافية سرية “، أما تبرير الذات فهو سرطان خفي. لوم الذات هو سر يحدث حين نلتقي بالمسيح في خشوع. تبرير الذات سرطان يلاقينا بذاتنا ويفصلنا عن يسوع حياتنا. فلنقف ونصلِّي عشارياً: “يا الله اغفر لي أنا الخاطئ وارحمني”.

هذه هي أبواب التوبة، ومن دخل من غير هذا الباب فهو سارق ولص. هذا هو باب السماء.

arArabic
انتقل إلى أعلى