16 وَجَاءَ إِلَى النَّاصِرَةِ حَيْثُ كَانَ قَدْ تَرَبَّى. وَدَخَلَ الْمَجْمَعَ حَسَبَ عَادَتِهِ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَامَ لِيَقْرَأَ، 17 فَدُفِعَ إِلَيْهِ سِفْرُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ. وَلَمَّا فَتَحَ السِّفْرَ وَجَدَ الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ مَكْتُوباً فِيهِ: 18 «رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ، 19 وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ». 20 ثُمَّ طَوَى السِّفْرَ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْخَادِمِ، وَجَلَسَ. وَجَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْمَجْمَعِ كَانَتْ عُيُونُهُمْ شَاخِصَةً إِلَيْهِ. 21 فَابْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ:«إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ». 22 وَكَانَ الْجَمِيعُ يَشْهَدُونَ لَهُ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ كَلِمَاتِ النِّعْمَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ فَمِهِ، وَيَقُولُونَ: «أَلَيْسَ هذَا ابْنَ يُوسُفَ؟»
الشرح:
يأتي هذا المقطع الإنجيلي بعد معمودية السيد، وبعد تجربة الشيطان له.وهو سرد لأول عمل تبشيري ليسوع، وقد قام به في احد المجامع اليهودية، وهذا أيضاً ما سيفعله الرسل فيما بعد، فالبشارة كانت أولاً لليهود وبعد ذلك لباقي الأمم، كما قال لهم السيد: ” اذهبوا إلى الخراف الضالة من بيت إسرائيل” (متى 10: 6).
“أتى يسوع إلى الناصرة حيث كان قد تربّى”. الناصرة هي مدينة في الجليل في شمال فلسطين. وهي مدينة مريم أم يسوع: “في الشهر السادس، أرسل الله الملاك جبرائيل إلى مدينة في الجليل اسمها الناصرة، إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف، واسم العذراء مريم” (لوقا 1: 26- 27). أن الفعل “تربى” في اللغة اليونانية والذي استعمله لوقا هنا يفيد النمو الجسدي وأيضاً نمو الشخصية والفكر، وهذا ما عبّر عنه في مكان آخر في إنجيله” ثم نزل معهما، وعاد إلى الناصرة… وكان يسوع يتنامى في الحكمة والقامة والحظوة عند الله والناس” (لوقا3: 51-52).
إن مجيء يسوع إلى مجمع الناصرة لا ينحصر في الأعمال التي كان يسوع يعملها بل هذه الزيارة تدشن رسالته الخلاصية، وتحدد البداية الفعلية لنشاطه العلني. بدأ يسوع تعليمه في الجليل، ليتممه في آخر الأمر في المدينة المقدسة أورشليم.
“…دخل كعادته إلى المجمع يوم السبت وقام ليقرأ”. اعتاد يسوع أن يدخل إلى المجمع يوم السبت، لأنه كان أميناً على ممارسة الطقوس التي تفرضها تقاليد اليهود. فالمجمع هو المكان الذي كانوا يجتمعون فيه من اجل الصلاة، وكلمة المجمع باليونانية تعني ” حيث يأتي الناس معا”. وفي المجمع كان اليهود يحتفلون بالسبت -الذي كانوا يعتبرونه يوماً مقدساً- بقراءة نصَّين من الكتاب المقدس: النص الأول من أسفار الشريعة -التكوين، الخروج، اللاويين، العدد وتثنية الإشتراع- أما النص الثاني فكان من الأنبياء. وكانت القراءة الأولى محددة، أما القراءة الثانية فيختارها القارئ، ويتبع هاتين القراءتين عظة. وكان يحق لكل يهودي بالغ أن يقرأ ويعظ، لكونه عضوا في شعب الله.
“فلما فتح السفر وجد الموضع المكتوب فيه…”. أن استعمال فعل “وجد” هو إشارة إلى أن قراءة هذا المقطع من سفر أشعياء كان بتدبير من العناية الإلهية. فيسوع لم يختر هذا المقطع بل وجده.
“روح الرب عليّ، ولأجل ذلك مسحني وأرسلني” إن حلول الروح القدس على يسوع هو الشرط الأساسي لبداية عمله. فحين اعتمد يسوع نزل عليه الروح القدس ” ونزل الروح القدس عليه في صورة جسم كأنه حمامة” (لوقا 3: 22).
لقد كان اليهود في ذلك العصر يفسرون هذا المقطع من أشعياء بأنه نبوءة عن مجيء المسيح، أي مجيء ملكوت الله على الأرض. المسيح عندهم كان مُرسَلا من الله وسيمنحه الله مواهب خاصة ليقوم بمهمته الإلهية. وتبدو هذه المهمة بشكل جوهري تحريرا للمساكين والعمي والمهمشين أي الضعفاء الذين كان الفكر اليهودي يعتبرهم خطأة. هذا التحرير الذي هو علامة من علامات مجيء الملكوت نفهمه كخلاص الله وغفرانه الذي هو تقدمة مجانية إلى كل البشر. بهذه البشارة، بشارة الخلاص، دشن يسوع ” سنة الرب المقبولة” السنة التي تحمل الخير والبركة، السنة التي يبدأ بها العهد الجديد.
إن كلمة ” اليوم” في الكتاب المقدس يعني بداية الزمن المسيحاني، ذلك الذي تكلم عنه الأنبياء، والذي تم بيسوع المسيح الذي به تحققت كل النبوءات. بمجيء المسيح حل ملكوت الله. هذه هي الشارة الجديدة، بشارة الإنجيل. زمن العهد القديم تم، ومن الآن نحن نعيش زمن الملكوت.
عن نشرة رعيتي
الأحد 1 أيلول 1996