07: 11-16 – إحياء ابن أرملة نايين

11 وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي ذَهَبَ إِلَى مَدِينَةٍ تُدْعَى نَايِينَ، وَذَهَبَ مَعَهُ كَثِيرُونَ مِنْ تَلاَمِيذِهِ وَجَمْعٌ كَثِيرٌ. 12 فَلَمَّا اقْتَرَبَ إِلَى بَابِ الْمَدِينَةِ، إِذَا مَيْتٌ مَحْمُولٌ، ابْنٌ وَحِيدٌ لأُمِّهِ، وَهِيَ أَرْمَلَةٌ وَمَعَهَا جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنَ الْمَدِينَةِ. 13 فَلَمَّا رَآهَا الرَّبُّ تَحَنَّنَ عَلَيْهَا، وَقَالَ لَهَا:«لاَ تَبْكِي». 14 ثُمَّ تَقَدَّمَ وَلَمَسَ النَّعْشَ، فَوَقَفَ الْحَامِلُونَ. فَقَالَ: «أَيُّهَا الشَّابُّ، لَكَ أَقُولُ: قُمْ!». 15 فَجَلَسَ الْمَيْتُ وَابْتَدَأَ يَتَكَلَّمُ، فَدَفَعَهُ إِلَى أُمِّهِ. 16 فَأَخَذَ الْجَمِيعَ خَوْفٌ، وَمَجَّدُوا اللهَ قَائِلِينَ:«قَدْ قَامَ فِينَا نَبِيٌّ عَظِيمٌ، وَافْتَقَدَ اللهُ شَعْبَهُ».

 

الشرح، عن نشرة رعيتي:

كانت صفة النبي، في الكنيسة الأولى، ملازمة ليسوع كسائر الصفات الأخرى: الرب، المسيح، ابن الله، ابن الإنسان، ابن البشر، المخلّص، الخ… وأصل ذلك في اعتقاد بعض اليهود بعد عودتهم من سبي بابل (حوالي 530 قبل الميلاد) أن الله سيرسل نبيا عظيما يرشدهم إلى السبيل القويم ويعلن بينهم مشيئته. وذلك حتى لا تتكرر مأساة السبي، التي كانوا قد فسروها بأنهم لم يتصرفوا بمقتضى تلك المشيئة. وكان النبي ايليا، الذي نقرأ عنه في كتابي الملوك الأول والثاني، في تلك الأوساط، نموذجا لذلك النبي الذي سيرسله الله، في نهاية الأزمان. وهذا ما يعبّر عنه، على سبيل المثال، كتاب ملاخي، إذ يقول إن الله سيرسل ايليا النبي”قبل مجيء يوم الرب العظيم والمخوف” (ملاخي 4: 5). والكنيسة الأولى، التي اعتبرت مجيء المسيح بداية ليوم الرب هذا، رأت في هذه النبوءة كلاما عن يوحنا المعمدان، سابق المسيح ومهيء طريقه (انظر متى 11: 14). أما السبب في اعتبار ايليا نموذجا أعلى للنبي العظيم، نبي الأزمنة الأخيرة، فنجده في سيرة ايليا نفسها. فهو كان المحارب الأشد لعبادة الآلهة الأخرى، التي كانت بحسب كتب العهد القديم، السبب الرئيس لسقوط مملكة الشمال سنة 722 قبل الميلاد، ثم للسبي إلى بابل في أوائل القرن السادس قبل الميلاد. وهو كان أيضا المعلن الأفصح لمشيئة الله عند ملوك إسرائيل. أضف إلى هذا أن سيرته تقول أنه لم يمت بل أُصعِد” في عاصفة إلى السماء (2 ملوك 2: 11)، مما عزز عند اليهود الاعتقاد بأنه سيعود يوما ليكون له كلام أخير قبل مجيء يوم الرب.

قلنا إن صفة النبي أُطلقت على يسوع إلى جانب صفات أخرى، هذا يعني أنه لم يكن محددا بصفة واحدة، بل كان الناس ينظرون إليه باعتباره يحملها كلها، وهذا ما نراه بوضوح في الأناجيل بشكل خاص، وفي العهد الجديد بشكل عام.

في رواية فصلنا الإنجيلي اليوم تأكيد من لوقا على أن يسوع، الذي كان أظهره الله “مسيحا وابنا لله” (لوقا 1: 32-35)، و”ربا” (لوقا2: 11)، نبي عظيم أرسله الله ليفتقد به شعبه (انظر الآية الأخيرة من هذا الفصل الإنجيلي). ولإظهار هذا يقيم لوقا موازاة بين حادثتي إنهاض شاب من الموت تمت الأولى مع ايليا في بيت أرملة من صرفة صيدا (1 ملوك 17: 10، 17-24)، والثانية مع يسوع في مدينة اسمها ناين. نرى الموازاة بين الروايتين في النقاط التالية: “تمّت الأولى في صرفة صيدا، والثانية في مدينة ناين، وكلتاهما تقعان ضمن منطقة فيها أمم. أم الشاب في الروايتين أرملة. ايليا في رواية كتاب الملوك الأول يأتي إلى باب المدينة ليلاقي أرملة صرفة صيدا (1ملوك17: 10)، ويسوع في رواية لوقا يقترب إلى باب مدينة ناين ليصادف ميتا محمولا (لوقا 7: 12). في الرواية الأولى يقال عن ايليا أنه سلّم الولد إلى أمه بعد أن عادت روحه إليه (1ملوك 17: 23)، وكذلك يقال عن يسوع: “فاستوى الميت وبدأ يتكلم فسلّمه إلى أمه” (لوقا 7: 15). وفي نهاية الروايتين اعتراف بأن الذي أتم المعجزة نبي من الله.

هذا التشابه القوي بين الروايتين دليل على أن لوقا أن يُظهر يسوع نبيا عظيما كإيليا. ولا يخفى علينا أن لوقا سبق وأشار في مواضع سابقة إلى وجوه شبه بين يسوع وايليا (انظر خصوصا لوقا 4: 25 – 30). غير أن لوقا، كما سبق القول، لا يرى في يسوع نبيا فقط، بل أكثر من ذلك، وقد وصفه في هذا الفصل عينه بأنه “رب” في قوله “فلما رآها الرب تحنن عليها”. يدل هذا على أن لوقا لا يرى في يسوع صورة ايليا بل في ايليا صورة سابقة ليسوع. ذلك أن صفة يسوع النبوية صفة فريدة، فهو وحده المخلّص، وهو الذي تحنن على الأرملة كما يتحنن الله نفسه في العهد القديم على شعبه، ويقيم ابنها من الموت بأمر منه، في حين أن ايليا يطلب من الله أن تعود روح الصبي إليه. معنى هذا أن يسوع وحده يبلغ بالقول والفعل الخلاصي إلى كماله الأخير.

في لوقا 7: 22 ترد إقامة الأموات في لائحة من المعجزات توافق ما جاء على لسان النبي إشعياء (انظر إشعياء 29: 18 – 19؛ 35: 5 – 7). هذه المعجزات علامات الخلاص الحاضر الذي تم ويتم بيسوع. وهذا كله ليكون يسوع محقق وعود العهد القديم وافتقاد الله الأعظم لشعبه الجديد.

 

الشرح، عن نشرة مطرانية اللاذقية:

إنجيل اليوم يُخبرنا عن أرملةٍ كانت في يأسٍ كبير إذ فقدت ابنها الوحيد ولم يبقَ لها من يعيلها في الحياة، وإذ كانت الأمور تسير في هذا المنحى، إذا بيسوع يمرُّ ﺑﻬا ويتحنَّن عليها قائلاً لها: “لا تبكي”. جموعٌ كثيرة كانت حولها ولم تستطع أن تغيِّر من واقعها الأليم شيئاً، شخصٌ وحيد قدَّم لها ما تحتاجُه نفسها الحزينة الكئيبة، قدَّم لها الحنان ودفء الحب والمواساة الذي يحتاجه كل إنسان.

ونحنُ أيها الأحباء في حياتنا جموعٌ كثيرة (زملاء، رفاق، أهل، أبناء، أصدقاء…) وكلُّهم ربما لا يستطيعون أن يقدِّموا لنا العون الحقيقي الذي تحتاجه نُفوسنا، شخصٌ وحيد هو الذي تحنَّن على الأرملة، يستطيع أن يتحنَّن علينا ويساعدنا في العمق، وأهم ما تحتاجه نفوسنا هو التغيير الداخلي في أفكارنا وأولوياتنا وميولنا وأهداف حياتنا، لكي ننتقل من الحزن إلى الفرح، ومن القلق إلى الطمأنينة، ومن الكآبة واليأس إلى الرجاء والأمل، ومن الحقد إلى المسامحة، ومن الشرِّ إلى الخير والصلاح.

المسيح عابرٌ دائماً في حياة كلٍّ منَّا، وعلينا فقط أن نراه، أن نلحظه، أن ننتبه إليه ونُعطيه من وقتنا بالصلاة وقراءة الكتاب المقدس. إنه عابرٌ بقربنا عندما نخسر مالنا بالفقر، أو صحتنا بالمرض، أو أحباءنا بالموت، فلا نحزن ولا نيأس فهو قادرٌ أن يُنهضَنا من معاناتنا -كما أقام هذا الشاب الميت- أيها الأحباء شاب نايين الذي ُأقيم هو كلٌّ منا، هو نفوسُنا المحمولة – في هذا العصر- على نعش القلق والاضطراب والقلاقل والحروب، والشقاء في سبيل تأمين لقمة العيش، لكنَّ من مات وقام في اليوم الثالث والحي إلى الأبد قادرٌ أن يقيمَنا.

يقول الأب بورفيريوس: “الله محبة، يعتني ويهتم بنا كأب، فلنضع رجاءنا على عنايته، ولنتشجع ولنودع أنفسنا محبته، وعندئذٍ سنراه بقربنا باستمرار”.

اليومَ إذاً نتعلَّم أن الرب يتحنَّن! وأنَّ هذا هو إلهنا وليسَ شيئاً آخر، إنه الإله المملوء حناناً ومحبًة، فلنثق به ولنقترب إليه لنأخذ منه حباً وتعزيًة، وهلمَّ نتحنَّن نحن أيضاً، فنعزِّيَ بدورنا الذين يتألمون في هذا العالم، هلمَّ نكن أذناً مُصغيًة للنفوس المتعَبة، ووجهاً ينقل البسمة إلى القلوب الكسيرة، ويداً تخدم الإنسانية الجريحة وتزرع الحبَّ والأمل والرجاء في النفوس الحزينة، لنكون بالفعل أيقونَة مسيحنا.

arArabic
انتقل إلى أعلى