06: 14_ 23 – الصوم

النص:
14 فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَّلاَتِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضاً أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ. 15 وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ زَّلاَتِهِمْ، لاَ يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمْ أَيْضاً زَّلاَتِكُمْ. 16 «وَمَتَى صُمْتُمْ فَلاَ تَكُونُوا عَابِسِينَ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُغَيِّرُونَ وُجُوهَهُمْ لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ صَائِمِينَ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ. 17 وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صُمْتَ فَادْهُنْ رَأْسَكَ وَاغْسِلْ وَجْهَكَ، 18 لِكَيْ لاَ تَظْهَرَ لِلنَّاسِ صَائِماً، بَلْ لأَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً. 19 «لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزاً عَلَى الأَرْضِ حَيْثُ يُفْسِدُ السُّوسُ وَالصَّدَأُ، وَحَيْثُ يَنْقُبُ السَّارِقُونَ وَيَسْرِقُونَ. 20 بَلِ اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزاً فِي السَّمَاءِ، حَيْثُ لاَ يُفْسِدُ سُوسٌ وَلاَ صَدَأٌ، وَحَيْثُ لاَ يَنْقُبُ سَارِقُونَ وَلاَ يَسْرِقُونَ، 21 لأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكَ أَيْضاً.

الشرح:

مقطع من عظة يسوع التي ألقاها من على الجبل معلّما تلاميذه والجموع (متى 5-7). والعظة على الجبل تتألف من مجموعة أقوال ليسوع مرتبة من حيث المواضيع. لدينا هنا ثلاثة أقوال، أولها عن المغفرة، وثانيها عن انتظار الأجر من الله وحده، وثالثها عن الاهتمام بالعلويات لا بالأرضيات.

يرد القول الاول: “إن غفرتم للناس زلاتهم… لا يغفر لكم زلاتكم”، في ترتيب العظة على الجبل مباشرة بعد الصلاة الربّية، “أبانا الذي في السماوات”. وهو مرتبط بها من حيث الموضوع، ذلك أن غفران خطايا الناس كشرط لأن يغفر الله لنا زلاتنا سبق وأشير اليه في تلك الصلاة في قوله “واترك لنا ما علينا كما نترك نحن لمن لنا عليه”. ومعنى هذا أننا لا يمكننا أن نسأل الله محو خطايانا إن لم نسامح نحن الذين نظن أنهم أساؤوا الينا. فكيف ننتظر من الله الرحمة إن كنا نحن نتصرف مع الناس بغير هذا؟ قول يسوع هنا يذكّرنا بمثل ضربه لتلاميذه عن أجير مديون طلب من دائنه أن يترك له دينه الكبير ثم ذهب الى شخص كان هو أدانه قدرا من المال زهيداً ليطالبه به، ولما سأله ذاك الرحمة، وضعه في السجن حتى يوفي له الدين (متى 18: 23-35). ما لله عندنا أعظم مما لنا عند الناس. ولن يترك الله لنا ما علينا إن لم نترك نحن للناس اولا ما لنا عليهم، “فهكذا ابي السماوي يفعل بكم إن لم تتركوا من قلوبكم كل واحد لأخيه زلاته” (متى 18: 35). نلاحظ استعمال عبارة “أب” للكلام عن الله في هذا الموضع من العظة على الجبل وفي المثل الذي أتينا على ذكره. والحقيقة أن هذه العبارة هي المفتاح لفهمنا قول يسوع هذا. فإن كان الله هو الأب، فجميع الناس أبناؤه وكلهم إخوة متساوون عنده. وإن كان كل شيء يأتي من الله لكونه أبا، فلا منّة لإنسان على إنسان آخر، بل الجميع لله. ولذا لا يمكن لأخ أن يحاسب أخاه على شيء، لكن المحاسبة لله وحده.

بعد ذلك قول ليسوع عن الصيام وكيفية إتمامه، “ومتى صمتم… وأبوك الذي يرى في الخفية يجازيك علانية”. لنفهم هذا القول علينا أن نأخذ الآتي بعين الاعتبار. إن كان الصوم لله فلله وحده أن ينظر هذا وهو الذي يجازي. اما اذا كان الصوم للناس، فلا يمكننا أن ننتظر من الله اي جزاء، فهو ليس مسؤولا عن هذا بل الناس. تشديد المثل هو على أن يكون الصوم لله وحده. اما الذي يصوم ليراه الناس ويتباهى أمامهم فهو ينال أجره منهم عندما يعظمونه. ليس مراد هذا جزاء من الله بل تمجيداً من الناس. وقد نال مراده، وليس له عند الله شيء. حديث كهذا ورد أيضا عن الصلاة في موضع سابق من العظة على الجبل (متى 6 :5-6). اذا ما أراد واحد أن يصلي الى الله فينبغي له أن يفعل هذا لا ليراه الناس فيمدحوه، بل ليراه الله الذي يصلي له وحده.

بارتباط مع هذا القول يرد قول ثالث في هذا المقطع عن الاهتمام بما لله لا بما للناس والعالم. ماذا يعني هذا؟ يعني أن على المؤمن أن يجعل له رصيداً عند الله لا عند الناس. وهذا يتم حين نقوم بكل شيء ونتصرف كما يحلو لله وحده، حتى لو بدا هذا للناس تافها. ليس الناس بمجازين بل الله وحده هو العارف بما في القلوب، وما نقوم به إنما نقوم به لإرضائه وحده، وذلك لا يكون الا باتباعنا وصاياه في يسوع المسيح، كلمته.

اريد الدخول معكم الى اعماق الصيام وليس الى امساك الطعام. العمق هنا يبنيه الانجيل حيث يقول: “ان لم تغفروا للتاس زلاتهم لا يغفر ابوكم السماوي زلاتهم”. فنرى اذاً ان المسيح يهتم بالمحبة. وفكر الكنيسة ان نكون في هذه المدة عائشين في المحبة ونغفر للناس زلاتهم. حتى لا يتصور المؤمن وهو يصوم انه فرح مع ربه، لا هذا لا يكفي عليك ان تكون فرحاً مع جارك، ان تكون متحد معه. لهذا في المسيحية بعدان: البعد العامودي بحيث نرتقي لعند الله ثم البعد الأفقي حيث نمتد الى الآخرين. وهنا لا يقدر احد ان يرتفع الى الله اذا ما اتحد مع الأخوة، وكذلك لا يقدر ان يتحد مع الأخوة اذا ما اتحد وارتفع الى اله. لهذا حتى نكوّن محبة حقيقية صاخبة ليس فيها انفعالات ولا منافع يجب ان يصحح الله هذه المحبة. وكذلك ان فكّرنت نحن اننا مرتبطين بالله ولسنا مرتبطين بالآخر كمزن هذا وهم واحلام.

اذا الصوم ابتدأ ليس ليصير ريجيم طعام لان الرب لا يهتم بالأكل. الصوم ابتدأ اساساً ليصير توفير للمال ويعطى للمحتاج. اذاً غايته او ركن من اركانه الأساسية هو الانفتاح للغير. هذه الفكرة مؤكدة في انجيل اليوم: “لا تكنزوا لكم كنوزاً على الارض”. ان اي اكتناز معناه عدم العطاء للآخرين، حرمان الآخرين من العطاء.

الرب يقول: ” حيث تكون كنوزكم هناك قلوبكم” فاذا جعلت كنزك هو المال فقلبك يكون المال ولكن اذا جعلت كنزك الآخر وتحب الآخر تصبح روحانياً، عندها لا يكون كنزك هو الخدمة والعطاء والاتحادمع الله.

وبين الآية الأولى والآية الأخيرة يقول الرب يسوع: “اذا صمتم لا تكونوا كالمرائين”، وهو يقصد طبعاً الفريسيين لأن الفريسيين كان حزباً دينياً في فلسطين يدّعي التقوك كثيراً ويتسلط على الناس. سماهم الرب مرائين لأنهم ليسوا أتقياء بالعمق ولكن في المظهر. والرب قال ان “لا تظهروا للناس عابسين ووجوهكم مكتئبة” لأنكم تصومون لله، اذا ليس لتظهروا للناس “وابوكم الذي في الخفاء يجازيكم علانية”. من هنا ان الصوم هو خلوة مع الرب والناس ليس لهم فيه.

نشرة رعيتي
الأحد في 12 آذار 2000
العدد 11

arArabic
انتقل إلى أعلى