09: 27_32 – يسوع يشفي أعميين وأخرس

النص:
27 وَفِيمَا يَسُوعُ مُجْتَازٌ مِنْ هُنَاكَ، تَبِعَهُ أَعْمَيَانِ يَصْرَخَانِ وَيَقُولاَنِ:«ارْحَمْنَا يَا ابْنَ دَاوُدَ!». 28 وَلَمَّا جَاءَ إِلَى الْبَيْتِ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ الأَعْمَيَانِ، فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ:«أَتُؤْمِنَانِ أَنِّي أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ هذَا؟» قَالاَ لَهُ:«نَعَمْ، يَا سَيِّدُ!». 29 حِينَئِذٍ لَمَسَ أَعْيُنَهُمَا قَائِلاً:«بِحَسَب إِيمَانِكُمَا لِيَكُنْ لَكُمَا». 30 فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا. فَانْتَهَرَهُمَا يَسُوعُ قَائِلاً: «انْظُرَا، لاَ يَعْلَمْ أَحَدٌ!» 31 وَلكِنَّهُمَا خَرَجَا وَأَشَاعَاهُ فِي تِلْكَ الأَرْضِ كُلِّهَا.

32 وَفِيمَا هُمَا خَارِجَانِ، إِذَا إِنْسَانٌ أَخْرَسُ مَجْنُونٌ قَدَّمُوهُ إِلَيْهِ. 33 فَلَمَّا أُخْرِجَ الشَّيْطَانُ تَكَلَّمَ الأَخْرَسُ، فَتَعَجَّبَ الْجُمُوعُ قَائِلِينَ:«لَمْ يَظْهَرْ قَطُّ مِثْلُ هذَا فِي إِسْرَائِيلَ!» 34 أَمَّا الْفَرِّيسِيُّونَ فَقَالُوا:«بِرَئِيسِ الشَّيَاطِينِ يُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ!».
35 وَكَانَ يَسُوعُ يَطُوفُ الْمُدُنَ كُلَّهَا وَالْقُرَى يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهَا، وَيَكْرِزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ، وَيَشْفِي كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ فِي الشَّعْبِ.

الشرح

أسئلة حول الإنجيل

١- من أين للأعميين أن يصرخا ليسوع “ارحمنا يا ابن داوود”؟

كان المسيح قبل أن يشفيهما قد أقام بنت يايروس. وسمعة هذه الأعجوبة كانت قد انتشرت في جميع أنحاء البلاد. ويظهر أن الأعميين قد سمعا بهذه الأعجوبة فركضا وراء المسيح مستمدين رحمته بصوت عظيم على أمل أنهما يحصلان على نور عينيهما كما حصلت بنت يايروس على الحياة بعد الموت. وقد سمّيا يسوع المسيح ابن داوود عن ورع واحترم ليس فقط لأن الشعب اليهودي كان يكرم داوود كملك وقديس ونبي الّله بل لأنه كان يؤمن أن المخلص بحسب قول الأنبياء كان مزمعاً أن يولد من نسل داوود. وهذا ما حملهما أن يدعواه ابن داود.

 ٢- لماذا سألهما المسيح “أتؤمنان أنني أقدر أن أفعل هذا؟”

لا شك أن المسيح كإله كان يعرف إيمان الأعميين ويرى تقواهما وهو لم يكن محتاجاً إلى ذلك السؤال البتة. ولكنه سأل لكي نتعلم نحن أنه بدون الايمان لا ُتعطى نعمة للبشر. وأنه كما قد طلب من الأعميين الإيمان لكي يعطيهما أن يبصرا الأمور الأرضية. هكذا ومنا أيضاً يطلب إيماناً لكي يخولنا رؤية الأمور السماوية. وعليه قال النبي “آمنت لذلك تكلمت” (مز١٠٦ : ١٠).

٣- في السابق قال “ليكن نور فكان نور” أمّا اليوم فإنه قد لمس أعينهما لماذا؟

وذلك ليوضح أن الإله الواحد المثلث الأقانيم هو نفسه الذي أبدع الطبيعة البشرية وأعاد إبداعها وشفاها. وليوضح أنه قادر على كل شيء ويمين جسده الطاهرة هي كلية الاقتدار. والمزامير تقول “يمين الرب صنعت قوة” أي عندما جبلت الإنسان من التراب. “يمين الرب رفعتني؟ أي عندما سقطت من الفردوس رفعتني إلى السماء. “يمين الرب صنعت قوة” (مز ١١٧ ) أي عندما أبرأت الأمراض والأسقام المتنوعة الأشكال.

٤- لماذا طلب المسيح من الأعميين أن لا يخبرا أحد بالأعجوبة؟

من الواضح أن الإيمان بالمسيح هو ضروري. وإظهار العجائب هو سراج منير. وعليه فإنه من العجب أن نرى المسيح يمنع إذاعة العجائب فهو أشبه بمن يوقد سراجاً ثم يضعه تحت المكيال. ألعل السيد يتجنب المجد الباطل. ولكن ألأجل هذه الخطيئة الواحدة التي تظهر طفيفة يُمنع تزايد الإيمان . نعم لأنه “إن الإيمان بدون أعمال ميّت” (يع٢:٢٦ ) والمجد الباطل يُفسد الأعمال الصالحة فيجعل الإيمان ميتاً. فهذا إذاً ما حمل مخلصنا على أن يصرف عظيم العناية لكي يتجنب المجد الباطل مريداً أن يبين لنا التعطيل الناتج من المجد الباطل للخلاص. وبالحقيقة إن محبة المجد الباطل هي خطيئة عظيمة وهائلة.

من وحي الإنجيل:

أمام حوادث الشفاء في إنجيل اليوم انقسم الناس إلى فريقين، فالبعض رأى فيها مدلولاً على ألوهيّة يسوع، وقال “لم نرَ مثل هذا”. أما الآخرون فاعتبروا مصدرها شيطانيّاً وقالوا “برئيس الشياطين يُخرج الشياطين”.

العجيبة بالأصل، ليست ظاهرة خارقة للطبيعة وحسب ! إنّما أداة لتثبيت البشارة، و “علامة” تشير إلى الحضور الإلهي وحبّه وحنانه وعنايته بالإنسان . الأعجوبة هي صرخة “الله هنا “. لأنه حيث تُغلب الطبيعة فهناك سيّد الطبيعة.

والعجيبة كحدث يفوق الأمور الطبيعيّة يمكن أن يكون لها مصادر ثلاثة . الأوّل هو الله، والثاني هو العلم، والثالث هو الشيطان.

فالعلم يصل في حالات إلى درجة المعجزات حين يعجز إدراك الناس عن فهمه أو توّقعه.

إن هذه الخوارق العلميّة، مرتبطة بالمعرفة والزمن. وأسرار العلم والاختراعات عديدة، إلا أنّها أقرب إلى السحر منها إلى “الآية” التي تذكر أن “الله هنا “. ولا علاقة لهذه الخوارق و “العجائب” العلمية بعجائب الكتاب المقدّس وغايتها.

أما المصدر الآخر للعجائب فهو الشيطان . واقع تعرفه الكنيسة، أن هناك عجائب مصدرها الشيطان، الذي كما يقول سفر الرؤيا سوف يُضِلُّ قلوب كثيرين . وما السحر إلا مظهر لتعاون الإنسان مع الشيطان لتحقيق المعجزات، التي تطيب وتحلو للناس. فتحضير الأرواح، والتبصير وقراءة الفنجان، والحجب والكتب.. كّلها بمثابة “معجزات ” ولكن مصدرها هو الشيطان. هذه لا تقول “الله هنا” ولكنّها تُضّر الكثيرين.

فكيف نميّز إذن “مصدر العجيبة “، وكيف نحكم عليها حين تحصل؟ أهي ألعوبة علميّة، أم سحر شيطا ّ ني، أم عناية إلهيّة؟ لا يوجد أي ضوء يكشف مصدر الأعاجيب إلا “معرفة الله “، أي معرفتنا له. وبالتالي بالوقت ذاته معرفتنا بألاعيب الشيطان. اصدقاء الله (القديسون والمرشدون الروحيون المستنيرون بالروح القدس) هم المقياس لتحديد مصدر كل عجيبة وفهم غايتها. بالطبع هناك مدلولات عقلانيّة وإيمانيّة عامّة، لكنّه ا لوحدها قاصرة وقد تخطئ . ومنها أن تحمل العجيبة علامات المحبّة والخير والبشارة.. لكن الأمثلة في الكتاب المقدس عديدة حين كان الشيطان يستخدم أعاجيب لها هذه المظاهر في البداية، لكي يقودنا إلى تصديقها ثم يذهب بنا إلى مقاصده الشريرة بعدها.

فالشيطان يخلط الأمور لكي يصطاد السذج من الناس ويفترس الخروف المنفرد عن القطيع.

الفريسيّون لم ينكروا على المسيح حقيقة الأحداث العجائبية لكنّهم أخطأوا بفهم مصدرها . فرأوا فيها ظواهر تدخّل شيطاني، وذلك لأﻧﻬم كانوا يحكمون بروح الكراهيّة تجاه يسوع وليس بروح الله . روح الله يسكن في القدّيسين الذي يعرفون تماماً تحركات سيّدهم وربّهم وربّنا

نشرة مطرانية اللاذقية
22 / 7 / 2001 – العدد: 25
7 / 8 / 2005 – العدد: 32

انتقل إلى أعلى