كنيسة أنطاكية في الحكم العباسي

الخلفاء والبطاركة: وبعد انتقال مركز الحكم من دمشق إلى بغداد أصبح “الجاثليق” النسطوري ذو مهابة نظراً لكثرة أبتاعه في العراق وفارس وما وراءهما إلى الشرق. وكانت تنتخبه كنيسته فيصدّق الخليفة على انتخابه ويكتب له عهداً كما كان يكتب لكبار العمال. ولم يبقَ من نصوص هذه العهود سوى نص واحد صدر عن الخليفة المستنجد في السنة 1139. وكذلك كان يكتب لبطريرك اليعاقبة وبطريرك الروم. وكان للمسيحيين النوبيين دون سائر المسيحيين مكانة ممتازة في الدولة الإسلامية. فكانوا يدفعون الضرائب لملكهم وكان للضرائب عامل من قبله في بلاد الإسلام.

وكان لليهود رئيس في بغداد يدعى “رأس الجالوت” ورئيس آخر في القاهرة بعد قيام الدولة الفاطمية يلقّب “سرهساريم” أي أمير الأمراء. وكان هذا يعيّن أحبار اليهود في مصر والشام. فاحتج أحد بطاركة اليعاقبة فقال في مجلس له مع الخليفة: إن رؤساء المجوس واليهود حكام دنيويون وأنه هو رئيس روحي لا يستطيع إلا فرض العقوبة الروحية كأن يحكم بخلع أسقف أو قطع كاهن أو منع علماني من حضور الاحتفالات الكنسية.

وظل انتساب بطاركتنا إلى الكنيسة الجامعة واستمساكهم باللغة اليونانية وتعلقهم بآدابها الكنسية سبباً لاتهامهم بالميل إلى الروم والتجسس لهم ومطالعتهم بأخبار المسلمين. وظلوا هم بعيدين عن زميلهم الكبير بطريرك القسطنطينية لا يتصلون به ولا يجرأون على ذكره في الذبتيخة. فقد جاء في تاريخ افتيخيوس تحت أخبار السنة (937-938) إن الروم والمسلمين تهادنوا وتبادلوا الأسرى فوجّه ثيوفيلاكتوس بطريرك القسطنطينية رسولاً إلى افتيخيوس نفسه بطريرك الإسكندرية وإلى ثيودوسيوس بطريرك أنطاكية وإلى خريسوذوللس بطريرك أورشليم يسألهم “أإن يذكروا اسمه في صلواتهم وقداساتهم فأجابوه إلى ما سأل. وهذا كان قد انقطع عن وقت خلافة بني أميّة”.

فثيودوروس (774-797) خالف كنيسة القسطنطينية وامبراطورها وواظب على احترام الأيقونات وقطع قوزما متروبوليت حماه لأنه ماشى القسطنطينية في أمر الأيقونات ولكنه على الرغم م هذا الموقف المعادي للقسطنطينية اضطر أن يتحمل عذاب النفي والاضطهاد عندما غزا قسطنطين الخامس حدود الخلافة فأُبعد إلى موآب.
وكان أيوب الأول البطريرك الأنطاكي (813-844) قد طوى فوآده على التعاون مع الخلفاء لاسقاط التهم ورفع الشبهات فتوّج توما الصقلي الثائر في وجه الأمبراطور ميخائيل الثاني إرضاءً للمأمون. ورافق المعتصم إلى حصار أنقرة فكلّم حاميتها “بالرومية وقال أطيعوا السلطان وأدّوا الجزية” فقوبل بالشتم والحجارة. ورأى خريستوفوروس البطريرك الأنطاكي (960-967) أن يبعد عن أنطاكية في أثناء الحرب بين سيف الدولة والروم فسار إلى دير سمعان وأقام فيه. وعندما عاد الروم إلى بلادهم قصد خريستوفوروس سيف الدولة في حلب فأحسن قبوله وشكره على ما فعل. وعاد البطريرك إلى أنطاكية. ثم توفي سيف الدولة فتألبت العامة على خريستوفوروس واتهمه صديقه ابن مانك بمكاتبة الروم واستنهاضهم. “فحلف البطريرك أنه ما كاتب الروم قط فوثب عليه قوم من الخراسانيين وأقامه واحد منهم وضربه آخر بالخنجر فأنفذه في بطنه فسقط فقطع رأسه وطرح في أتون حمام وحملت جثته وطرحت في النهر. وأنفذ ابن مانك قبل الصبح قوماً إلى كنيسة القسيان وقبضوا على ما وجدوه في منزل البطريرك وفي خزانة الكنيسة وأخذوا كرسي مار بطرس وهو من خشب النخل مصفح بالفضة وحفظوه في دار شيخ يعرف بابن عمر. وما زال في داره إلى أن ملك الروم المدينة. وبعد ثمانية أيام ظهرت جثة البطريرك على جزيرة النهر فخرج قوم من المسيحيين وأخذوها سراً ودفنوها في الدير المعروف بإرسانة خارج المدينة”.

هيرارخية أنطاكية: وتختلف المراجع في تتابع البطاركة وتعاقبهم على السدة الرسولية وتتابين آراؤهم في تعين مدة الرئاسة لكل منهم. وإليك ما جاء في لائحة قسطنديوس القسطنطيني وما دونه افتيخيوس البطريرك الإسكندري وما دونه بعده يحيى ابن سعيد الملحق لتاريخ افتيخيوس.

بطاركة أنطاكية
لائحة قسطنديوس لائحة افتيخيوس
(1) 748-810
ثيوفيلاكتوس 748-762 ثيوفيلاكتوس 754-762
ثيودوروس 767-787 ثيودوروس 774-797
يوحنا الرابع 797-810 يوحنا 798-811

(2) 810-902

أيوب الأول 810-826 أيوب الأول 813-844
نقولاووس 826-834 نقولاووس 848-871
سمعان 834-840 اسطفانوس 871-871
الياس 840-852

………………………………..

ثيودورسيوس 852-860 ثيودورسيوس 871-892
نقولاووس الثاني 860-872

………………………………..

ميخائيل 879-890

………………………………..

زكريا 890-902 سمعان 892-904

(3) 902-966

جاورجيوس الثالث 902-917 الياس 905-930
أيوب الثاني 917-939 ثيودوسيوس 934-943
افستراتيوس 939-959 ثيوخريستوس 944-948
خريستوفوروس 960-966 خريستوفوروس 960-967

ويستدل من التنقيح الذي أُدخل في القرن العاشر على لائحة انسطاسيوس البطريرك الأنطاكي أن المؤمنين الأرثوذكسيين آثروا آنئذ التكتل في السواحل على الانتشار في الداخل وأن أهم أبرشيات الكرسي الأنطاكي الساحلية أمست في القرن العاشر كما يلي:

  1. أبرشية عكة من نهر الكرمل حتى نهر الزيب بما في ذلك دير القديس جاورجيوس اللبناني.
  2. أبرشية صور من نهر الزيب حتى نهر الليطاني.
  3. أبرشية صيدا من الليطاني حتى الدامور.
  4. أبرشية بيروت من نهر الدامور حتى نهر إبراهيم. ويضاف إليها برج الهري Trieris وبرج المسيحة Gigarta.
  5. أبرشية جبيل من نهر إبراهيم حتى سيل قانونيت Kanonit.
  6. أبرشية البترون من هذا السيل حتى وجه الحجر Lithoprosopon.
  7. أبرشية طرابلس من رأس وجه الحجر (الشقعة) إلى سير ستروثيون Strouthion.
  8. أبرشية عرطوز Orthosias من سيل الستروثيون حتى خريسوبوتاموس Chrysopotamos.
  9. أبرشية عرقة من الخريستوبوتاموس حتى نهر السوسية Sousie (الحصن).
  10. أبرشية طرطوس من نهر السوسية حتى نهر المرقية. وكانت تدعى أبرشية هنتارغوس Hentargos.
  11. أبرشية بانياس من نهر المرقية حتى نهر بانياس. وهي خاضعة لمتروبوليت أبامية.
  12. أبرشية البلدة Paltos من نهر بانياس حتى النهر الكبير. وهي مستقلة.
  13. أبرشية جبلة من النهر الكبير حتى نهر صهيون.
  14. أبرشية اللاذقية من جسر نهر صهيون حتى نهر تراسكية Thrascaia.
  15. أبرشية أبامية من نهر تراسكية حتى النهر الكبير (العاصي).
  16. أبرشية سلفكية من النهر الكبير حتى الكيروبوتاموس بما في ذلك دير القديس سمعان.
  17. أبرشية موبسوستة من الكيروبوتاموس حتى نهر الفيسي الكبير Phisi.
  18. أبرشية أدنة حتى نهر الروسوس Rhosos وهو الحد الفاصل بين الكرسيين الأنطاكي والقسطنطيني.

وتشير هذه اللائحة المنقحة نفسها إلى كاثوليكوسين تابعين للكرسي الأنطاكي أحدهما كاثوليكوس روماغيريس Romangyris والآخر كاثوليكوس ايرينوبوليس Irenoupolis. وقد أبان الأب فاهي Vailhe أن ورماغيريس هو حي الروم في نيسابور وأن ايرينوبوليس هي مدينة السلام أي بغداد. وكان الداعي لسيامة الكاثوليكوس الأول كثرة التجّار اليونانيين في نيسابور. أما بغداد فإنها كانت عاصمة العباسيين وكانت تضم عدداً لا يستهان به من أبناء الكنيسة الجامعة وجاء في تاريخ ابن العبري أن البطريرك الأنطاكي الياس سام أول كاثوليكوةس أرثوذكسي في بغداد في السنة 910.

arArabic
انتقل إلى أعلى