المزامير في خدمة الظهور الإلهي

تشير آيات سفر المزامير الواردة في خدمة عيد الظهور الإلهي الى أبرز معاني هذا العيد. فمؤلفو الخدم الطقسية استعملوا اولا الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد لاستخلاص دروس المناسبات والأحداث التي عاشها السيد المسيح. لذلك تكون الكتب الطقسية بشكل او بآخر نمطاً من أنماط تفسير الكتب المقدسة.
تَرِدُ في الخدمة هذه الآية: “صوتُ الرب على المياه الغزيرة” (مزامير 28 :3). كثير من الآباء لم يتردد في اعتبار هذه الآية نبوءة عن الظهور الإلهي في الأردن. فالقديس باسيليوس الكبير يجد ان صوت الرب في الآية المزمورية يرمز الى صوت الآب في معمودية يسوع القائل “هذا هو ابني الحبيب الذي به سُرِرْتُ”. لذلك تبدأ خدمة تقديس المياه بالإشارة الى صوت الرب: “صوت الرب على المياه يهتف قائلا: هلمّوا فخذوا جميعكم روحَ حكمة، روح فهم، روح مخافةِ الله بظهور المسيح”.

ثمّة آيتان أخريان تتحدثان عن نهر الأردن وهما: “البحر رأى فهرب، والأردن رجع الى الوراء. ما لك أيّها البحر قد هربت؟ يا أردن ترجع الى الوراء؟” (مزامير 113: 3 و5). نجد أفضل تعليق على هاتين الآيتين في صلاة تقديس الماء “الأردن رجع الى الوراء لمّا عاين نار اللاهوت منحدرة وحالّة فيك بالجسد. الأردن رجع الى الوراء عند مشاهدته الروح القدس بهيئةِ حمامة منحدراً ومرفرفاً عليك. الأردن رجع الى الوراء عندما رأى غيرَ المنظور منظوراً والخالقَ متجسداً والسيّدَ بصورة عبد. الأردن رجع الى الوراء والجبال تهلّلت لمشاهدتها إلهاً في الجسد”. هذا المقطع يستعيد المعنى الأساسي للعيد، أي إعلان الله نفسَه لأول مرة كآب وابن وروح قدس، كما يتحدّث هذا المقطع عن سرّ تجسّد ابن الله. والعجيب أن النص العبادي يقول أن نهر الأردن قد عاين هذا الكشف الإلهي، وهذا يعني في ما يعنيه أن الله قد كشف نفسه لكل مخلوقاته وليس فقط للإنسان وأعطاها أن تشارك في مجده.

ثمّة أيضاً آية تقول: “أنت شققتَ بعزّتك البحر، وشدختَ رؤوس التنانين على المياه” (مزامير 73: 13). وهذه الآية غير واردة في النصوص العبادية، ولكن نصوصاً كثيرة تشير اليها كما في تراتيل السَحَر: “إنّ الذي أخمد سعير الأتون المتأجج قد أَحرق بالمجاري رؤوس التنانين”. رأى التفسير الآبائي في التنانين ورؤوسها فرعونَ والمصريين، ولكن أيضاً الشيطان الذي سحق المسيحُ أضاليلَه، فهزيكيوس يرى في تفسيره أنّ نص المزمور يشير الى معمودية المسيح: “المسيح سحق رؤوس التنانين في المياه عندما نزل هو نفسه فيها ليعتمد. رأس التنين هو الخطيئة”. كما رأى المسيحيون الأولون تشابهاً بين نزول المسيح الى المياه ليسحق التنين وبين نزوله الى الجحيم ليسحق الموت، وأيقونات المعمودية القديمة تشبه كثيراً أيقونات النزول الى الجحيم والقيامة. ولا ننسَ أن المياه آنذاك كانت ترمز الى الحياة والى الموت أيضا، وكان يُعتَقد أن قوى الشر تسكنها. الجدير بالذكر أنّه في إحدى العظات القديمة حول السبت العظيم المقدّس، وردّا عن السؤال “من هو ملك المجد؟”، يقول الجواب: “هو الذي سحق رؤوس التنانين في مياه الأردن”.

ترنيمة صلاة الساعة التاسعة تُعلن أنّ الرب هو النور: “الرب نوري ومخلّصي” (مزامير 26: 1). وموضوع النور يرد في مواضع هامة من خَِدم العيد، ففي صلاة المساء يعلن أحد الأناشيد: “قد ظهرتَ يا مخلّصنا للخطأة والعشّارين لأجل غزارة رحمتك، لأنّه أين كان نورك يشرق الا للجالسين في الظلام، فالمجد لك”. ويستعيد المرتلون المقطع الثاني من هذا النشيد كلازمة على المزمور الثاني والتسعين القائل: “الرب قد مَلَك،َ والبهاءَ لبس. رََفَعتِ الأنهارُ، رفعتِ الأنهار صوتَها. عجيبة أمواج البحر، عجيب الرب في الأعالي. لبيتِكَ ينبغي التقديس يا رب على طول الأيام”.

ليس غريباً أن يطلق الأولون على المقبلين الى المعمودية لقب المستنيرين، ذلك أنّهم ينتظرون اقتبال النور الحقيقي، وكانت العادة قديماً أن تجري المعمودية ليلة الفصح أي يوم “سبت النور”، ومن المفيد التذكير بأنّ خدمة عيد الفصح تحوي الكثير من القطع المختصة بالمعمودية كالنشيد القائل: “أنتم الذين بالمسيح اعتمدتم المسيحَ قد لبستم، هللويا” (انظر غلاطية 3: 72). وهذا يؤكد الترابط بين المعمودية والقيامة، فالمسيحي باعتماده يشارك في موت المسيح وقيامته، على حد قول الرسول بولس. القيامة هي أساس كل ما نقوم به في الكنيسة لأجل خلاصنا.

عن نشرة رعيتي 1998

arArabic
انتقل إلى أعلى