معمودية الأطفال

غالبا ما يطرح المسيحيون السؤال : لماذا معمودية الأطفال؟ بخاصة عند القول بأن المعمودية هي لمغفرة الخطايا والأطفال يولدون “كالملائكة” أبرياء ولا يحملون تالياً خطيئة من سبقهم .

للإجابة على هذا السؤال لابد من الاستعانة بالكتاب المقدس الذي نستقي إيماننا وكل عباد اتنا وممارساتنا الطقسية، وبالآباء القديسين الذين طبقوه في حياﺗﻬم . يقول اللاهوتي يوحنا في انجيله: “الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الّله ” ( 5: 3 ). هذا الكلام واضح، الدخول إلى ملكوت الّله شرطه اقتبال المعمودية، الصحيح أيضا أن الإنجيلي هنا لا يحدد سن المقتبل الولادة الجديدة. في كل من إنجيل متى ومرقس ولوقا نجد أن المسيح يتوجه إلى التلاميذ قائلا : “الحق أقول لكم إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السموات (متى 3: 18، مرقس 15: 10، لوقا 17: 18 ).

لا يتكلم الإنجيليون الثلاثة في هذه النصوص عن المعمودية بصورة مباشرة، لكن مقارنتها بالآية الإنجيلية السابقة (يوحنا 5: 3) تدفعنا إلى القول إن المسيح بدعوته الناس إلى أن يصيروا أطفالا لكي يدخلوا ملكوت السموات ليست هي إلا دعوة إلى المعمودية. يذهب إلى الرأي ذاته القديس يوستينوس الشهيد (القرن الثاني ) الذي، عند كلامه عن المعمودية، يستشهد بالكتاب المقدس قائل: “إ ْ ن لم تولدوا من جديد لن تدخلوا ملكوت السموات “. نلاحظ هنا أن النصف الأول من هذه الآية مأخوذ من يوحنا 5: 3 والنصف الثاني منها مأخوذ من متى 3: 18، الشيء ذاته نجده أيضا في كتاب “الأنظمة الرسولية”. هذا يعني أن التلاميذ والمسيحيين الاوائل قد فهموا أن هذه الآيات مترادفة ولها معنى واحد ألا وهو الدعوة إلى المعمودية.

وكان الرسل يعمّدون أهل بيت المهتدي إلى الإيمان، كلهم بدون استثناء، فالرسول بولس عمّد ليدية “وأهل بيتها “، وحارس السجن “والذين له أجمعين ” (أعمال 15: 16 و 33) هو نفسه يقول : “وعمّدت ايضا بيت استفانوس ” (كورنثوس الأولى 16: 1 ). أولى الشهادات المباشرة التي وصلتنا عن معمودية الأطفال ترقى إلى ﻧﻬاية القرن الثاني وبدايات القرن الثالث، فيقول أوريجنس : “إن الكنيسة تقلدت من الرسل أن تمنح المعمودية أيضاً للأطفال “، ويشهد القديس إيريناوس أن الأطفال في القرن الثاني قد عُمّدوا شرقاً وغرباً، وكذلك ترتليانوس. أمّا القديس كبريانوس أسقف قرطاجة فكان يوصي بأنه لا يجوز إرجاء المعمودية إلى ما بعد اليوم الثامن . كانت معمودية الأطفال في ذلك العصر تتم مباشرة بعد الولادة أو في اليوم الثامن أو في اليوم الأربعين، بحسب التقليد المتّبع في المنطقة المنتمي إليها المولود الجديد . المعمودية، كما تفهمها الكنيسة الأرثوذوكسية، ولادة جديدة بـ “الماء والروح “، ومشاركة في موت المسيح وقيامته . فاقتبالها، من حيث اﻧﻬا سر الدخول في الكنيسة، هو الذي يتيح للإنسان المشاركة في الأسرار المقدسة .

إن سر الشكر هو سر الحياة الحقيقية الذي به نتّحد بالمسيح مخلصنا، فالأطفال مدعوون أيضا إلى المشاركة في الوليمة السرية، لهذا تجد الدعوة إلى شرعية معمودية الأطفال شرعيتها .

يقول القديس كبريانوس: “إذا كان المسنّون الذين سقطوا في خطايا كبيرة يستحقون نعمة المعمودية المقدسة، فكم بالأحرى يستحقها الأطفال الذين لم يخطأوا بطبيعتهم”.

عن نشرة مطرانية اللاذقية
الأحد 15 بعد العنصرة
2-10-2005

انتقل إلى أعلى