أوصى السيد المسيح تلاميذه (مت 24: 42) وحثهم على التأمل العميق في الآفاق العليا، بعد أن نفضوا عن طبيعتهم كل أوساخ العناصر المادية. وإحدى هذه الوصايا هي التغلب على النوم أثناء البحث عن الحياة السامية، إذ لابد أن يحتفظوا بعقولهم متنبهة حتى يتمكنوا من طرد الذي يخدع ويخون الروح والحق، ويُوحي بالرغبة الشديدة في النوم وأعني بهذه الحالة الخيالات التي تُشبه الأحلام التي يتصف بها بعض الحكام والأغنياء الغارقين في غرور غش هذه الحياة، مثل الكسل والكبرياء، الملذات المغرية، حب العظمة وملذاتها، وحب المظاهر وكل أنواع الخداع التي يسعى إليها الأشخاص المهملين. تزول هذه الأشياء والملذات المؤقتة بمرور الزمن. وقد تظهر أنها باقية ولكن ليس حسبما نعرف، فهي كالبحر يرتفع في أمواجه مُندفعة بتأثر حركة الرياح، وفجأة تنخفض ويصبح البحر هادئًا، وهكذا مع كل الأشياء المؤقتة أنها تتحطم مثل الأمواج.
وحتى لاتندفع عقولنا وراء الخيالات يجب أن نبعد النوم العميق عن عيون أرواحنا وألاّ تكون ميولنا نحو الأشياء الزائلة وننزلق بعيدًا عن ما هو حق وكائن. لذلك يُشجعنا المسيح أن نكون حذرين: “لتكن أحقاؤكم ممنطقة وسُرجكم موقدة” (لو 35:12). فالضوء الذي يشع من عيونا يبعد عنا النوم واحقاؤنا الممنطقة بالأحزمة لاتسمح للجسد أن ينام. كذلك الحركة التي نقوم بها أثناء العمل تجعلنا دائمًا يقظين. ومعنى هذه الرموز واضح إن يعيش الذي يتمسك بالأستقامة في ضوء الضمير النقي، لأن مصباح الثقة في النفس ينير حياته. وتبقى روحه متيقظة، ولا يمكن خداعها لأن أشعة الحق تحميها، كما لايهتم بالأحلام عديمة الفائدة. فإذا وصلنا إلى هذا المستوى بمساعدة المسيح تصبح حياتنا ملائكية. لأن الوصايا المقدسة تُقارننا بالملائكة قائلة: “وأنتم مثل أناس ينتظرون سيدهم متى يرجع من العرس حتى إذا جاء وقرع يفتحون له للوقت” (لو36:12).
يقف هؤلاء الذين يتوقعون رجوع السيد المسيح باشتياق وانتباه على أبواب السماء عند ما يدخل ملك المجد إلى نعمته التي تفوق كل تصور. كما جاء في مز 6:18. “ومثل العروس الخارج من حجله”. بالرغم من خطأنا وعبادتنا للأصنام، وقد طرنا الله، فقد حظينا بالميلاد الجديد وصرنا أبكارًا بعد غسل كل فساد فينا. لذلك تمت كل احتفالات الزواج، وارتبط كلمة الله بالكنيسة. وكما يقول القديس يوحنا: “من له العروس فهو العريس” (يو 29:3). واِستقبلت الكنيسة العروس في حجرة العرس المقدسة، وتوقعت الملائكة رجوع الملك أثناء قيادته للكنيسة كالعروس وجعل طبيعتها مستعدة للنعمة. فقال أن حياتنا يجب أن تكون خالية من الشر والخداع، حتى نكون مستعدين لاِستقبال الرب عند مجيئه الثاني. وعندما نحرس أبواب مساكننا فإننا نُجهز أنفسنا لوصول العريس، عندما ينادينا ويقرع على الباب. “طوبى لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين” (لو 37:12). لأنه مبارك ذاك الذي يطيع ذاك الذي يقرع. أن النفس تتطلع إلى هذه البركة تستقبل عريسها الواقف على الباب. أنها تراقب باب بيتها بيقظة قائلة: “صوت حبيبي قارعًا” (نش 2:5). كيف نفي العروس حقها إذ قد ارتفعت إلى ما هو أكثر قداسة؟
بمثل هذا السلطان والجسارة تأمر ريح الجنوب وريح الشمال. وتقيم من جنتها – المليئة بالتفاح المختار – مأدبة لسرب الخليقة الذي لايرفض أي مما يقدم إليه، بل يقول أن كل شيء جميل: المر، التوابل، الخبز مع العسل والخمر وأيضًا اللبن. لذلك فإن الكلمة نفسه يشهد، “كلك جميل يا حبيبتي ليس فيك عيبة” (نش7:4). أنها تتدبر أمرها الآن لتستقبل وجه الله، لكنها لم تستقبل بعد الكلمة الواقف على بابها، لكنها تقف مبهورة بسماع صوته تقول أن هذا الصوت ليس صوتها بل هو صوت عريسها الواقف على بابها.
نرى إن الطريق الذي يؤدي إلى الله هو مفتوح إلى أعلى للصعود فيه، ولكن نعجب إذ إن ما تدركه النفس ما هو الأ بداية لما هو غير مدرك؟ قد كنا نتوقع أن تتوقف العروس في طريق صعودها لما سمعته من كلمات على فم عريسها. (لأنه ماذا تطلب أكثر من شهادة عريسها بكمالها؟). والآن نرى ما بداخلها ليس ما هو خارج بيتها. أنها لم تنعم بعد برؤية وجه عريسها، لكنها بعد تسمع أرشادًا بأن تسلك الصلاح. نعم أن الذي يتقدم في حياته الروحية يحق له أن يسمع كلمات الرسول الصادقة، “فإن كان أحد يظن أنه يعرف شيئًا فإنه لم يعرف شيئًا بعدكم يجب أن يعرف” (1 كو 2:8). وهكذا فإن النفس تفهم ما قد أدركته ولكن من المؤكد أن ما لم تعرفه بعد يفوق ما قد أدركته فعليًا لذلك فإن العريس يظهر لعروسه رغم أنها لاتراه، ولكنه يعدها خلال سماعها لصوته بأنه سوف يظهر لها.
ولكي أوضح هذه الفقرة، سأعطى مثالاً: إذا حدث لأي شخص أن يكون بالقرب من نبع الماء الذي يصفه الكتاب (تك6:2). وإذا الضباب يطلع من الأرض ويسقى كل وجه الأرض، فيعجب من معجزة المياة المتدفقة المندفعة بلا نهاية. ولا يتمكن من القول أنه قد رأي كل المياة (لأنه كيف يمكن رؤية ما يخفيه بطن الأرض؟ وحتى لو بقى مدة طويلة بجوار المياه المتدفقة فهو يرى المياه كما رآها في أول الأمر، لأنها لم تتوقف عن التدفق). وبنفس الطريقة يكتشف الشخص الذي يتأمل في الجمال المقدس الخفي أنه يراه من جديد لأنه سيراه كشيء، اسمي وأكثر عجبًا بالمقارنة بما رآه وأدركه من قبل ويستمر في تعجبه على ما يكشفه له الله باِستمرار عن عظمته وجماله وقوته، بحيث لاتنتهي رغبته في رؤية المزيد لأن ما ينتظره يجده دائمًا أعظم وأجمل وأقدس مما رآه من قبل. لذلك تتعجب العروس وتنبهر من هذه المعرفة. وبالرغم من ذلك لاتتوقف أبدًا عن الأشتياق إلى رؤية لما هو آت. والآن تعلم العروس أن كلمة الله يقرع فتنهض عند سماع صوت قائلة: “صوت حبيبي قارعًا” (نش2:5).
وبعدما سكت الذين كانوا ينصتون إلى العروس فيقول النص: “افتحي يا أختي يا حبيبتي يا حمامتي يا كاملتي لأن رأس قد امتلأ من الظلّ وقصص من ندى الليل” (نش 2:5). إن تفسيري سيساعدك على فهم معنى هذا النص. أبتدأ ظهور الله لموسى العظيم خلال النور (خر 18:19)، وبعدها كلمة من خلال السحاب (خر 21:20). وبعدما ارتفع موسى إلى أعلى وأصبح أكثر كمالاً، رأى موسى الله في الظلام (خر 15:24-18). نتعلم من هذا المثال أن ابتعادنا عن الأفكار الغير صحيحة الخادعة عن الله هو انتقال من الظلام إلى النور. بعد ذلك يقود الفهم الدقيق للأشياء المخفية، والنفس لمعرفة طبيعة الله الغير منظورة، من خلال الرؤى التي يُرمز لها بالسحاب، وهو لا يسمح بالرؤية الكاملة لما يوجد خلفه. ولكن تتعود النفس بالتدريج أن ترى ما يختفي وراءه. وأخيرًا تُقاد النفس إلى أعلى، وتنسى ما تتمكن الطبيعة البشرية من فهمه، وتدخل إلى قدس معرفة الله حيث تحاط من كل جانب بالظلمة المقدسة. وتتخلى النفس عن كل شيء آخر، أي المظاهر والأفكار، والشيء الوحيد الباقي لفهمها هو حيث يسكن الله الغير منظور والذي لا يمكن الوصول إليه. يقول الكتاب من معُطى الشريعة: “وأما موسى فقد اقترب من الضباب حيث كان الله” (خر 21:20).
وبعدما فحصنا هذه الأمور، يلزم أن نفهم الكلمات المرتبطة بما تكلمنا عنه سابقا. كانت العروس سوداء عندما ظللتها التعاليم الغير واضحة. ثم نظرت إليها الشمس نظرة ليست في صالحها، نفس الشمس التي تحرق الحبوب التيلم تتكون لها جذور والتي سقطت على صخر نتيجة للتجارب هُزمت العروس بهؤلاء الذين حاربوا ضدها، أنها لم تحرس كرمها، كانت العروس ترعى قطيع من الماعز بدلاً من الغنم لأنها لم تعرف نفسها. ولكن بعد أن أبعدت نفسها عن الشر، وغسلت نفسها من ظلمة الجهل، رغبت في التقرب من ينبوع الحق ثم قورنت العروس بالحصان لسرعة تقدمها ثم باليمامة لبساطة تفكيرها. وأسرعت في الجري كحصانٍ خلال كل شيء فهمته وجربته، وكانت تطير كيمامة وتستريح لرغبتها تحت ظل شجرة التفاح.
يتكلم النشيد عن ظل شجرة التفاح بدلاً من الضباب وهي الآن محاطة بالليل المقدس حيث يقترب العريس ولكنه لا يظهر.
كيف يمكن أن نرى من هو غير منظور خلال الليل؟
يمنح العريس النفس معرفة بحضوره غير أن الصورة لا تكون واضحة لأن طبيعته الغير مرئية تظل مختفية. ما هي إذن التعاليم الروحية التي جربتها الروح هذه الليلة. كان كلمة الله يلمس الباب. نحن نفهم أن هذا الباب هو العقل البشري الذي يبحث عن ما هو مختفي، ومن خلاله يدخل الشيء الذي كان يبحث عنه. لذلك يقف الحق خارج أنفسنا لأنه كما يقول الرسول: “الآن أعرف بعض المعرفة” (1 كو 12:13). يقرع الحق على عقولنا بواسطة الكنايات والأسرار قائلاً “افتح” وبهذه الدعوة يقترح العريس طريقة لفتح الباب. ويعطينا مفاتيح خاصة وهي الكلمات الجميلة في النشيد. ويتضح أن الأسماء مثل أختي وصديق ويمامة والواحد الكامل هي المفاتيح التي تفتح ما هو مُخبئأ.
يقول العريس: إذا رغبت في فتح الباب فارفع بوابات نفسك حتى يتمكن ملك المجد من الدخول (مز 7:24)، يلزم أن تدخل مشيئتي في نفسك. كما يقوا الإنجيل: “لأن من يصنع مشيئة أبى الذي في السماوات هو أخي وأختي وأمي” (مت 50:12). لابد أن تقترب من الحق وتُصبح صديقه حتى لا تنفصل عنه يجب أن تكون كاملاً مثل يمامة فلا تحتاج لشيء وتمتلئ من البراءة والنقاء. وعندما تحصل على هذه الأسماء كمفاتيح لنفسك، اجعل الحق يدخل ويصبح أخت، وصديق ويمامة وواحد كامل. ستكون مكافئتك لاِستقبالي وسماحك لي بالسكن معك هي الندى الذي أمتلئ به وينزل من رأس وقطرات الليل التي تسيل من شعري. ترمز هذه الكلمات إلى قوة الشفاء للندى الذي يشير إليه النبي: “تحيا أمواتك تقوم الجثث. استيقظوا ترنموا يا سكان التراب. لأن طلك ظلّ أعشاب والأرض تسقط الأخيلة” (إش 19:26). تشير قطرات الليل إلى المعنى الذي أشرنا إليه من قبل. يستحيل أن يُقابل الشخص الذي يدخل إلى عمق أقداس الغير منظور بفيض غامر من المعلومات، بل يلزم أن يقتنع بفهم الطبيعة الداخلية للأشياء، فالحق معرفته بالندى: تفيض هذه القطرات الروحية من القديسين وحاملي الرب القدوس بداخلي.
ترمز خصلات الشعر التي توجد على رأس الكون إلى الآنبياء والمبشرين والرسل. ويشبه هؤلاء قطرات الندى بالمقارنة بالحق، وبالرغم من كمال تعاليمهم وعمقها، إلا أن كل واحد منهم يستمد المياه من ظلمة الكنوز المخبأة الغير مرئية والتي أصبحت أنهار لنا. كان بولس كنهر، قد ولد عاليا على موجة أفكاره تأخذه إلى فردوس السماء الثالثة أي هذه الكلمات التي لا ينطق بها. امتلأ بولس كالبحر بكل هذا الكلام الشيق الحي القوي، موضحًا مرة أخرى أنه قطرة ندى بالمقارنة بكلمة الله الحي. ويقول: “لأننا نعلم بعض العلم ونتنبأ بعض التنبوء” (1 كو 9:13) وأيضًا: “إن كان أحد يظن أنه يعرف شيئًا فإنه لم يعرف شيئًا بعد كما يجب أن يعرف” (1 كو 2:8). فإذا ظهرت القطرات والندى من خصلات شعر العريس كأنها أنهار فكيف نتخيل عرض البحر والأمواج؟ يلزمنا لنا أن نفكر بهذا الينبوع الذي يتكلم عنه السيد المسيح: “إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب” (يو 37:7). ليكوّن كل من يستمع إلى هذه الكلمات فكرة عن هذه العظمة بمقارنة هذه بما قلناه من قبل. فإذا أبتدأت هذه النقطة الصغيرة في تكوين أنهارًا، فكيف يمكننا أن نتخيل نهر الله من مجرد هذه النقطة؟
دعنا نرى كيف تُطيع العروس كلمة الله وتعمل مدخلا لعريسها؟ “قد خلعت ثوبى فكيف ألبسه، قد غسلت رجلىّ فكيف أوسخهما” (نش 3:5). سمعت العروس عريسها يناديها بالألقاب الآتية: أختا، صديقة، يمامة، الواحدة الكاملة حتى تسكن كلمات الحق هذهبداخلها. وعملت ما سمعت أي أنها خلعت رداءها من الجلد (تك 21:3) التي لبسته بعد سقوطها في الخطية. غسلتت العروس أيضًا قدميها من التراب الذي غطاها عندما رجعت إلى الأرض، بعد فترة إقامتها في الجنة لأنها سمعت: “لأنك تراب وإلى تراب تعود” (تك 19:3). لذلك فتحت العروس طريقًا في روحها لعريسها بواسطة إزالة النقاب من قلبها، أي، من جسدها. وأعنى هنا بالجسد الإنسان العتيق. يشجع بولس هؤلاء المستعدين لغسل أقدام أنفسهم من الأوساخ في ماء كلمة الله، أن يسرعوا في إزالتها وإطاحتها بعيدًا عنهم. تفتح العروس طريقًا لكلمة الله بخلعها للإنسان العتيق وإزالة النقاب عن قلبها. وتعمل الروح من كلمة الله رداء لها نلبسه عند دخوله إليها حسب قول الرسول أنه يخلع الرداء الجسدي للإنسان العتيق ويلبس الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق (أف 24:4). ويقول أن المسيح هو هذا الرداء.
أعتلافت العروس أنها لاتلبس أبدًا الرداء الذي خلعته ورفضته، وأنها مكتفية بالرداء الذي لبسته بعد ميلادها الجديد من الأعالى حسب الوصية التي اُعطيت للتلاميذ (مت10:10). يؤكد هذا العمل كلمة السيد المسيح التي تشجع الذين تزينوا بالرداء المقدس أن لايلبسوا مرة أخرى رداء الخطية، ولايحتفظوا بردائين بل برداء واحد، إذ لايتلائم الردائان مع بعضهما. فلا ينسجم رداء الظلام مع الرداء اللروحي المنير. ولاتأمرنا الوصية بأن لانحتفظ بردائين فقط بل أيضًا أن لانخيط رقعة من قطعة جديدة على ثوب عتيق(مر 21:2). وإلا، فإن الرقعة الجديدة تنكمش فتأكل من الثوب العتيق، ويصير الخرق أسوأ. ويؤدي هذا تعرية جزء من الجسم ويتبع ذلك الخجل والعار. لذلك تقول العروس: “قد خلعت ثوبى فكيف ألبسه” يُشبه الشخص الذي يرى نفسه مرتديا رداء السيد المسيح اللآمع الذي لبسه بالنقاء وعدم الفساد، الرداء الذي ظهر به السيد المسيح أثناء التجلى على الجبل. لذلك يرفض هذا الشخص رداء السكير والداعرة الممزق حسب ما جاء في أمثال 21:23.
لا يتلوث الإنسان مرة أخرى بالتراب من الأرض بعدما غسل قدميه: تقول العروس “قد غسلت رجلي فكيف أوسخهما” (نش 3:5). خلع موسى حذاءه من رجليه (وهو مصنوع من جلد حيوان ميت) لأنه كان يسير على أرض مقدسة (خر 5:3). يقول الكتاب أن موسى لم يلبس حذاءه مرة أخرى، بل حسب أوامر الله له على الجبل صنع ثياب الكهنة التي استخدم في حياكتها خيوطا ذهبية وزرقاء وبنفسجية وحمراء والكتان الفاخر حتى يشع جمالها حولهم (خر 5:28، 8). ولم يعمل موسى أية زينة على قدميه لأن أقدام الكهنة تبقى عارية دون غطاء. لأن الكاهن يسير على الأرض المقدسة، فيلزم ألا يستعمل حذاء من جلد حيوان ميت. لذلك منع السيد المسيح تلاميذه من لبس أحذية، لأنه أمرهم أن يسيروا في طريق القداسة (مت 5:10، 6). أنتم تعرفون هذا الطريق المقدس الذي أمر السيد المسيح تلاميذه أن يسيروا فيه قائلاً: “أنا هو الطريق” (يو 6:14). لا نتمكن أن نسير في هذا الطريق إلا إذا خلعنا رداء الإنسان العتيق الميت.
دخلت العروس هذا الطريق حيث غسل السيد المسيح قدميها وجففهما بقماش الكتان الذي كان متمنطقا به. (تنظف قوة هذا القماش الذي كان متمنطقا به السيد المسيح من الخطايا. “الرب قد ملك. لبس الجلال. لبس الرب القدرة. ائتزربها” (مز 1:93). ابتدأت العروس تراقب نفسها عندما وضعت قدميها على الطريق الملكي فلا تحيد عنه إلى اليمين أو اليسار، ولم تلوث قدميها بالطين بالسير خارج الطريق. أنت تعلم بالتأكيد معنى هذه الكلمات: خلعت العروس حذاءها نهائيا بالعماد (لأن عمل من يُعمد يشمل فك سيور الحذاء، كما شهد بذلك يوحنا عندما لم يتمكن من فك سيور حذاء السيد المسيح. إذ كيف يتمكن يوحنا من فك سيور حذاء ذات الذي لم يرتبط برباط الخطية؟) حفظت العروس أقدامها بدون تلوث على الطريق المرصوف مثل ما عمل داود بوصفه قدميه على صخرة بعد ما غسلها من الطين، حيث قال: “أصعدني من حب الهلال من طين الحمأة وأقام على صخرة رجلي. ثبت خطواتي” (مز 2:40). نحن نفهم أن هذه الصخرة هي السيد المسيح، فهو النور والحق وعدم الفساد والبر الذي برصف الطريق الروحية. وعندما نحفظ خطواتنا على هذا الطريق دون أن نبتعد عنه إلى الجانبين، تبقى حياتنا غير ملوثة بالقاذورات. هذه هي الطريقة التي حفظت بها العروس بابها مفتوحا للسيد المسيح. ولقد وعدت أن لا تعود مرة أخرى للقاذورات المرفوضة أو تستقبل أي ملوثات أرضية على طريق هذه الحياة، لذلك أصبحت روحها مستعدة لكي تكون مقدسة. المسيح نفسه هو هذه القداسة(1 كو 30:1). وهكذا قد أكملنا فحص مع أني هذه الكلمات.
تبتدئ بعد ذلك النفس مرة أخرى في الصعود إلى أعلى. يقرع صوت العريس على قلب العروس وتمتد اليد المقدسة إلى الداخل من خلال فتحة الباب: “حبيبي مد يده من الكوّه فإنت عليه أحشائى” (نش 4:5). يتضح للشخص صاحب الفهم العادي أن هذه الكلمات أعلىمن الناحية الروحية مما سبقها. قال السيد المسيح لعروسه “أفتحى” حتى يعطيها القدرة على فتح ما تحتويه الأسماء المقدسة. أطاعت العروس كلمة الله (لأنها أصبحت حسب ما سمعت، أختا، صديقة، يمامة وواحدة وصلت إلى الكمال). ثم خلعت حذاء الجلد، وغسلت الأوساخ من قدميها ولم تلبس مرة أخرى الرداء العتيق المهزق. كما أنها لم تثبت خطواتها على الأرض، لأنها سمعت صوت عريسها وتؤمن بوصاياه. فتحت العروس الباب بعد أن أبعدت الحجاب عن قلبها. فتحت الباب وحجاب الجسد وعندما تُباعد مصراعي الباب فقد يدخل ملك المجد. وللبوابة كموّة ضيقة قد لاتُمكّن العريس من أدخال يده خلالها. غير أن يده وصلت إلى الداخل وأثارت رغبة العروس في رؤيته. لقد حسبت رؤية يد من ترغب أن تعرفه مكسبا لها.
قد نستبعد درسًا من النشيد إذا راجعنا دراسة هذا المحتوى. تمتلك النفس البشرية طبيعتين: جسدية وفكرية والأخيرة نقية بينما الجسدية غير منطقية وهي التي تكوّن مادة الجسم. تتوجه النفس إلى أعلى من خلال الفضيلة عندما تتطهر من العادات الخاطئة للحياة الأرضية، وتنظر إلى ما هو طبيعى ومقدس. أنها لاتتوقف عن البحث في أصل الحق والخليقة ومصدر الجمال فيها، الذي تنبع منه القوة والحكمة التي تظهر فيه. تحرك الحكمة جميع أفكار الشخص، وقدراته للبحث. كما تثير غريزة حب الأستطلاع فيه! تُحدد الحكمة إدراكنا لله وهي العملية المقدسة الوحيدة التي تأتي إلى وجودنا المائت لغرض منحنا الحياة وبطريقة مشابهة تتحرك المياه بواسطة الريح ولاتبقى على حافة البحيرة ولكنها تصبح ينبوع مندفعًا ومرتفعًا بالمياه مكوّنا موجه عالية. فإذا ما وصلت إلىأعلى ارتفاع ظاهر للمياه، تختلط بالهواء ثم تهدأ حركة الريح في المستوى العالى. هكذا الحال في النفس التي تبحث عن الله. تبتدئ النفس من أسفل في محاولة لمعرفة ما هو وراء حدود المقدرة البشرية إلى فهم أعمال الله العظيمة. ثم تصبح غير قادرة على الاِستمرار إلى الأمام لكي تفحص بدقة هذه الأعمال، وبدلاً من ذلك نتعجب وتعبده لأنه هو وحده الذي يُعرف بأعماله. ترى النفس جمال السماء وأبدًاع مصادر الضوء وسرعة دوران الأرض حول محورها والنظام المحكم للأشياء وتوافق مدارات النجوم والدورة السنوية بفصولها الأربع. يحفظ الله الأرض الذي يحتضنها وهو يُغير وظائف النجوم. وهو يقوت ويحفظ الآنواع العديدة المتباينة من الكائنات الحية: الأحياء المائية، الطيور، الأحياء الأرضية كالنباتات كميّاتها والفرق بينها وصفات الفواكه والعصارات، وتُظهر هذه كلها قوة الله.
عندما تتأمل النفس هذه العجائب فإنها تعترف بصاحب هذه الأعمال. أيضًا تقودنا التغييرات التيستحدث في نهاية العالم إلى حياة عظيمة فوق كل مانتصور وكما يقول السيد المسيح: “السماء والأرض تزولان” (مت35:24). بعد ذلك سوف لانعرف الله من خلال أعماله كما نعرف الآن (1 كو 12:13) ولكننا سوف نفهم صورة الجمال الذي لا يمكن التعبير عنه غير أننا سوف نتمتع به (1 كو 6:2). وفي نفس الوقت تتكون حدود معرفتنا بمن ريمكن إدراكه بواسطة عمله في الخليقة الذي ترمز له بيدىّ العريس. وبواستطهما لاتطأ أقدام النفس التي تطهرت من الحياة المادية حتى لاتتلوث خطواتها وتمنعها من توقع دخول العريس إلى بيتها.
تمتعن العروس بتأمل يد العريس التي تمثل قدرته على العمل “حبيبي مد يده من الكوّة” لا تتمكن الطبيعة البشرية من احتواء الطبيعة الإلهية الغير محدودة. وتقول العروس: “فأنّت على أحشائي”. تُشير كلمة “تعجب” إلى الآندهاش والاستغراب عند رؤية هذه المعجزة. تتعجب كل نفس بما لها من قدرة للفهم بالأعمال المبهرة ليد الله التي تفوق قدرات الإنسان، لأن الطبيعة الإلهية التي تعمل هذه العجائب لا يمكن فهمها أو احتوائها. فكل مخلوق حي هو عمل هذه اليد التي ظهرت في الكوّة. لذلك يصرخ يوحنا في إنجيله قائلاً: “كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان” (يو3:1). ويعبر النبي إشعياء عن نفس الفكرة، فيسمى اليد قوة الله للعمل: “كل هذه صنعتها يدي فكانت كل هذه يقول الرب” (إش 2:66). لا يتمكن عقل الإنسان من فهم هذا الآنجاز: جمال السماء بما فيها من نجوم والشمس وعجائب الخليقة الأخرى. غير أن قلب الإنسان يخاف من قوة الله. فإذا كان الإنسان لا يفهم كل أعمال الله، فكيف يتمكن من فهم الله الذي يعلو على ما في الخليقة؟
تشير صورة منزل العروس إلى حياة الإنسان، حسب تفكيرى. لقد تعهدت يد الله الخالقة أمر خلاص حياتنا البشرية عديمة القيمة. فتنازل الله وأخذ جسد بشريتنا وشابهنا في كا شيء ماعدا الخطية (عب 15:4) وملأنا بالتعجب لظهوره في الجسد عند مولده من أمه التي بقيت عذراء، عند اجتماع النور بالظلمة، والحياة بالموت، عند قصر الحياة وعند كوّة الباب التي اِستقبلته. وهو صاحب اليد التي تمسك بكل شيء وتقيس السماء والأرض والبحر. وتمثل العريس هبة الإنجيل التي وهبها للعروس. لأن الله ظهر على الأرض وكلم البشر فعرفنا الجمال الأبدي للعريس، وقداسة كلمة الله وعظمة النور الحقيقي في عمل يديه. لأننا نفهم أن يد الله هي القوّة التي عملت العجائب وبواسطتها أقام الموتى إلى الحياة وتفتحت أعيّن العميان وشفي البرص وطُرد كل نوع من الأمراض الشديدة والغير قابلة للشفاء من الأجسام بأمره.
تقدم لنا يدى العريس قضيتين للتفكير العميق فيهما: تقترح أن الطبيعة الإلهية الغير مُدركة يمكن أن نتعرف عليها من خلال هذه الأعمال وحدها. نفهم من كلام العروس أن الطبيعة الإلهية تنبأت مقدما على هبة الإنجيل. وعند سماعها تُجهز أنفسنا لاختيار شيء أحسن وهو ما يحتويه النشيد. تُعبر كل كلمات النشيد تعبيرًا كاملاً عن الطريق إلى الصلاح لأنه حسب ما تكلم به بولس: “فإن ما لايُرى من أمور الله أي قدرته الأزلية وألوهيته، ظاهر للعيان منذ خلق العالم، إذ تدركه العقول من خلال المخلوقات. حتى إن الناس يأتوا بلا عذر” (رو 20:1). فإذا لم نقدر أن نفهم طبيعة الجنوح للهرطقة ضد الحق. ولكن إذا بحثنا في الإنجيل فإننا نفهم سرّ يد العريس ويصبح إيماننا أقوى بالنسبة لتعاليم الإنجيل المخفية وسوف نتقبل الذي لا يمكن الشك فيه من خلال كلمات نشيد الأناشيد النبوية في المسيح يسوع ربنا له المجد إلى الأبد آمين.