Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎

المقالات السّبع المتقدِّمة ليست لإثارة الذّعر في النّفوس! هذا لا ينفع المؤمنين. إذًا، هذا ليس غرضنا! الغرض منها هو التّنبيه، ولو المؤلم، والتّنبُّه إلى ضرورة أن نصحو ونسهر لأنّ إبليس، خصمَنا، ربّما، اليوم، أكثر من أيّ وقت مضى، “يجول كأسد زائر، ملتمسًا مَن يبتلعه”، كما عبّر الرّسول بطرس؛ ما يحتِّم علينا أن نقاومه راسخين في الإيمان (1 بط 5: 8 – 9). لذا لسان حالي، على غرار الرّسول بولس، أنّي إن كنتُ قد أحزنتكم لست أندم، مع أنّي ندمت، لأنّ رجائي هو أن يُنشئ هذا الحزن فينا “توبة لخلاص بلا ندامة”، بحسب مشيئة الله (2 كور 7: 8 – 10)، وذلك لنتعزّى “بالإيمان الّذي فينا جميعًا…” (رو 1: 12).

فإنّ ما أتيتُكم به، يا إخوة، سبق الإنباء به من الرّسل والقدّيسين. فمنذ أن حلّ ابن الله بيننا بالجسد، والشّيطان يعمل، كما لم يعمل منذ سقوط آدم وحوّاء، على إفساد ما حقّقه الرّبّ يسوع المسيح، له المجد؛ لا سيّما بموته وقيامته وصعوده، نحو إرسال الرّوح الكلّيّ قدسه من لدن الآب السّماويّ، ليكون الرّوح إلى الّذين يؤمنون به وفيهم. لذا تكلّم الحبيب يوحنّا على كون الزّمن، مذ ذاك، هو “السّاعة الأخيرة” (1 يو 2: 18)، لا بمعنى الزّمن المحدّد، بل بمعنى المرحلة الممتدّة من مجيء ابن الله بالجسد، وقد أخلى نفسه آخذًا صورة عبد (في 2: 7)، إلى مجيئه، في المجد، في اليوم الأخير. ولذا تكلّم يوحنّا، أيضًا، في رسالته الأولى، بلغة “الآن” (1 يو 2: 18)؛ مشيرًا إلى مقاومِ مسيح الرّبّ ومناقِضه، متمثِّلاً في مَن يسمِّيه، من ناحية، “ضدّ المسيح“، وفي مَن يسمّيهم “أضداد المسيح“، من ناحية أخرى (1 يو 2: 18). فأمّا “أضداد المسيح” فكُثُرٌ، وهم أبناء إبليس الّذين يعملون شهوات أبيهم ويُفسدون سواهم (يو 8: 44). وأمّا “ضدّ المسيح“، فهو كائن فرد، يصفه بولس المصطفى، بـ”إنسان الخطيئة، ابن الهلاك، المقاوم والمرتفع على كلّ ما يُدعى إلهًا أو معبودًا حتّى إنّه يجلس في هيكل الله كإله مظهرًا نفسه أنّه إله” (2 تسا 2: 3 -4). “أضداد المسيح” عملوا، بيننا، أبدًا، ولا زالوا، منذ أن حلّ ابن الله بالجسد عندنا. أمّا “ضدّ المسيح“، فقال فيه القدّيس يوحنّا الدّمشقيّ إنّه “ذاك الّذي سوف يأتي في منتهى الدّهر” (القدّ. يوحنّا الدّمشقيّ. مئة مقالة. البولسيّين 1984. ص 273 – 274)؛ واعتبره بعض كَتَبتنا مَن يتركّز الشّرّ، بكلّ طاقته،  في شخصه،  إلى  الحدّ   الّذي  يمكن  الطّبيعة  البشريّة  أن  تقتبله؛  بحيث  يمسي  الشّيطان  هو  الفاعل بتواتر فيه (هنا). وفق هذا المسار تراكم الشّرّ وتنامى في تاريخ البشريّة، ليوصلها، في شخص “ضدّ المسيح“، إلى الحدّ الأقصى من فساد الإرادة البشريّة! من هنا كون نخبة “أضداد المسيح” العملاء الّذين عمل فيهم “سرّ الإثم” (2 تسا 2: 7)، وعملوا هم على تأجيجه، بين النّاس، إلى حدّ بلوغه الذّروة في شخص “ضدّ المسيح“، كمَن كانوا يعدّون لمجيئه!

ضدّ المسيح“، هذا، يتكثّف، كما يبدو، الإعدادُ لظهوره، هذه الأيّام، من قِبَل نخبة “أضداد المسيح“!

متى يظهر؟ كيف يظهر؟ أين يظهر؟ هذا لا نعرفه بتدقيق! لم يكشف الرّبّ الإله لنا ذلك بعدُ، وقد لا يكشفه البتّة! فقط يتراءى مجيء “ضدّ المسيح” كأنّه قريب على الأبواب، كمثل التماعات البرق من النّور، على حدّ تعبير الذّهبيّ الفم. ما يتكشّف للعيون الّتي تبصر، وللآذان الّتي تسمع، اليوم، هو على النّحو الّذي عبّر عنه السّيّد الرّبّ الإله بشأن الاستدلال على المطر، لمّا تكلّم على السّماء المحمرّة بعبوسة عند المساء، في معرض الكلام على تمييز علامات الأزمنة (مت 16: 1 – 4).

في كلّ حال، الأمر بيد الله لأنّه الضّابط الكلّ. وإذا كانت الشّياطين أعجز، في خبر كورة الجرجسيِّين، عن الدّخول في قطيع الخنازير، إلاّ بإذن الرّبّ يسوع (مت 8: 28 – 31)، فليست لـ”أضداد المسيح“، مهما تكاملت إعداداتهم، أن يحقّقوا مأربهم إلاّ بإذن الله، وتحقيقًا لمقاصده للخلاص، من حيث لا يعلمون؛ وذلك ليضيء الأبرارُ في ملكوت أبيهم (مت 13: 43)، ويتوب المتردِّدون إليه، عن ضعف مجرَّبين، ولِيُرسِلَ الله عمل الضّلال، للّذين لم يقبلوا محبّة الحقّ، حتّى يصدّقوا الكذب، لأنّهم لم يصدِّقوا الحقّ بل سرّوا بالإثم (2 تسا 2: 10 – 12)!

على هذا، يا إخوة، فإنّنا إن كنّا نتكلّم على كون نهاية الزّمن الأخير على الأبواب، فليس ذلك لأنّ إبليس وزبانيته يعملون بقوّة، اليوم، أو لأنّ التّهيئة لظهور “ضدّ المسيح” بلغت مرحلة متقدّمة، كما يبدو لناظرينا، بل، بالأحرى، وأشدِّد على لفظة “بالأحرى”، لأنّ العديد من آبائنا القدّيسين الشّيوخ المعاصرين، أو مِنَ الّذين رقدوا منذ بعض الوقت، يقولون، أو قالوا بالرّوح، إنّ الحلقة مشرِفة على الانغلاق، ولمّا يَعُدْ آخرُ أواخر الدّهور بعيدًا!

     كيف تبدو الصّورة، الآن، وفي أيّ اتّجاه تسير الأمور؟

1- هناك جماعة لها تشعّباتها، أسميناها، في مقالاتنا السّبع، “النّخبة الماليّة اليهوديّة العالميّة” و”المنظّمات السّرّيّة”، نجحت، فيما يبدو، في السّيطرة على أكثر مال العالم واقتصاده، وفي الإمساك بزمام القرارات السّياسيّة الكبرى فيه. وهي تتأهّب، في الوقت الحاضر، لوضع خطّة، عملت على إعدادها من سنين، موضعَ التّنفيذ؛ تقضي بإعلان نظام جديد للعالم وحكومة عالميّة واحدة. رمز الجماعة، في مسعاها الاقتصاديّ والسّياسيّ، هو الرّقم “666”. القِوى الّتي تعتمد عليها هذه الجماعة، وفق تصوّرها لذاتها، لإرساء أركان النّظام الجديد والحكومة العالميّة الواحدة، هي ثلاث: المال والعقل والعِلم!

2- هل للجماعة إله واحد تعبده؟ ليس موضوعُ مَن تعبد الجماعة، في الظّاهر، واحدًا ولا هو محوريًّا. هناك كلام عن عبادات تتراوح بين الله والآلهة المركّبة والشّيطان. مسيح الرّبّ خارج الصّورة تمامًا! ومن فروع “المنظّمات” مَن جاهر بإلحاده الكامل كالمحفل الفرنسيّ الأكبر! على أنّ اسم “لوسيفوروس” (إش (السبعينيّ اليونانيّ) 14: 12، وهو، عندنا، قول عن الشّيطان) يتردّد هنا وثمّة في الجماعة. لكنّ الغالب أنّ “لوسيفوروس” تجسيد، في أذهانهم، لما يزعمون أنّه الحكمة والعقل، كما يتصوّرون طبيعتيهما، أكثر من كونه كائنًا ذا طويّة شرّيرة مظلمة يعبدونه! والجماعة تجمع، بيُسر، تأثّرًا بالمانويّة، ما بين فكرة الخير وفكرة الشّرّ. على أنّ الحرب المفتوحة والشّرسة، ولو المتوارية، أحيانًا، على مسيح الرّبّ وكنيسته ووصيّته، تؤكّد عمل روح الشّيطان فيها بقوّة وحقد كبيرَين! وهذا يتماشى وتركيز الجماعة على عبادة نفسها وأهوائها، وسعيها، بتسخير العقل والعِلم لقوّة المال لديها، إلى قولبة العالم وفق تصوّرها له وعنف رغبتها في تسلّطها عليه. الشّيطان الّذي يقاوم الرّبّ يسوع، أبدًا، هو مَن يُعلِّم البشريّة السّاقطة، في آن، أن تعبد ذاتها، لأنّها كلّما أمعنت في عبادة ذاتها أمكنه أن يعمل فيها ومن خلالها على الفتك بها ومقاومة روح الله!

3- البادي أنّ الرّمز “666”، في وجدان الجماعة، يقتصر، بالأحرى، في الوقت الحاضر، على المضمون السّياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ! “666”، كرمز للشّيطان، لا يبدو مطروحًا لديهم الآن! ولا غرو لأنّ الجماعة لا تعرف حقيقة الشّيطان وعمله! يقرأونه بعقولهم وأهوائهم والشّيطان روح! ولا يعرف حقيقة روح الشّيطان إلاّ روحُ الله ومَن روحُ الله فيهم، أي القدّيسون؛ والجماعة لا تؤمن بمسيح الرّبّ ولا لها، من ثمّ، روح الله، لذا لا تعرف! هي، بكلّ بساطة، ترتع في الجهل والضّلال! تعمل متواريةً في تعاملها مع البشريّة، كذِبًا وخداعًا، والشّيطان يعمل متواريًا في تعامله معها، بالطّريقة عينها، أي بالكذب والخداع! ما ترغب فيه غير ما يشاء الشّيطان أن يسوقها إليه!

4- السّمة على اليد اليمنى أو الجبهة، كما ورد في سِفر الرّؤيا، الإصحاح 13، بالرّقم “666”، يُسوَّق لها وتشقّ طريقها إلى التّنفيذ، حاليًّا، باستعمال آخر المبتكرات الإلكترونيّة واللّيزر. تبدأ خياريّة وتنتهي إلزاميّة. البادي أنّ هذه السّمة سوف تستوعب ملفًّا كاملاً بكلّ شخص. أغلب الظّن أنّها ستتضمّن سجلّ الأحوال الشّخصيّة والملفّ الطّبّيّ الشّخصيّ والملفّ المصرفيّ والملفّ المهنيّ… لن تعود هناك حاجة إلى النّقد، فقط أرقام. النّقد يُلغى. ولا أوراق ثبوتيّة بعد. لذلك تمسي السّمة، نظريًّا، لا مفرّ منها! ولا يقدر أحد، دونها، أن يشتري أو أن يبيع؛ أي لا يعود بإمكان الإنسان أن يُجري أيّة معاملة إلاّ من خلال السّمة، الّتي يُقرأ محتواها عبر جهاز خاصّ، لأنّه لا يعود هناك أيّ بديل! إمّا السّمة وإمّا لا شيء! ما يجري الآن هو استعمال السّمة لأسباب مهنيّة، كأن تكشف عطلاً في آلة من خلال الشّريحة الإلكترونيّة تحت الجلد في يدك اليمنى! ويَظهر أنّ جعل السّمة إلزاميًّا لغايات طبّيّة أو أمنيّة أو مصرفيّة سيبدأ، في بعض البلدان، كالولايات المتّحدة الأميركيّة، السّنة المقبلة، 2013! بعد ذلك يجري تعميمها على كلّ شيء، وتنتقل من بلد إلى بلد لتشمل الأرض بأسرها! الفوائد الصّحّيّة والمهنيّة والماليّة وسواها، للسّمة، كما يسوَّق لها، عبر وسائل الإعلام الموجَّهَة، تبدو عديدة! الأضواء تُسلَّط مع المنافع المزعومة لا على المضار الحاصلة! على هذا، كما عبّر الأسقف أفركي توشيف الرّوسيّ (+ 1976)، لا فقط الغالبيّة العظمى من النّاس ستقبل السّمة عن اقتناع، عن طيب خاطر، بالأحرى سوف تقتبلها بفرح وستجد فيها امتيازًا لنفسها، بالضّبط لأنّ نفوس الأكثرين ستكون مهيّأة لذلك. ما لا يدركه الأكثرون أنّ السّمة، الّتي ستكون موصولة لاسلكيًّا بأجهزة مركزيّة، سوف تجعل كلّ إنسان مراقَبًا، وملاحقًا، وتحت الضّبط! لا تعود هناك خصوصيّات ولا حرّيّات من أيّ نوع، إلاّ حرّيّة استهلاك ما يُعطى له! إنّها الدّكتاتوريّة الكاملة الّتي تحوّل البشر إلى أرقام وعبيد باسم القانون والنّظام، وباستعمال الآلة!

كلّ هذا تتوخّى جماعة “النّخبة الماليّة” و”المنظّمات السّرّيّة” به تحقيق ما تعتبره مجتمعًا مثاليًّا يسير بقوّة العقل والعِلم والإدارة والتّنظيم دون أيّ تسريب! هذا هو الإنسان العضويّ المضبوط بالآلة كآلة! لا مجال، بعدُ، لإنسان القلب والحبّ لديه! الإنسان يُمسَخ حاسوبًا عضويًّا، لا فضل له ولا فضيلة! مجرّد حيوان موسوم!

على هذا النّحو تتوخّى الحكومة العالميّة الواحدة تسيير شؤون الأرض وتحقيق مركزيّة فاعلة لا غشّ فيها، في إطار يُعبِّر عن منتهى فساد الإرادة البشريّة، وذروة شهوة السّلطة، وتأليه الذّات!

5- “ضدّ المسيح” سوف يظهر، أوّلاً، في إطار هذا المسار، كرئيس للحكومة العالميّة، وكملك على الأرض. سيتمتّع بقابليّات فذّة. وإليه سيعود الفضل في وضع النّظام الجديد للعالم موضع التّنفيذ على أفضل وجه ممكن. فلاديمير سولوفييف، في طفرة رؤيويّة، تكلّم على “ضدّ المسيح” ومؤلَّفه “الطّريق المفتوح إلى السّلام والازدهار العالميَّين”، الّذي فيه تجلّت عبقريّته! أوّل ظهور لـ”ضدّ المسيح” سيصوِّره، بحسب القدّيس أفرام السّوريّ، متواضعًا، هادئًا، يكره الظّلم وينفر من الأوثان. “سيتظاهر، في البداية، باللّياقة والاعتدال، والميل إلى الإحسان” (القدّيس كيرللس الأورشليميّ). مركزه سيكون في القدس (أورشليم). سيحبّ أمّة اليهود حبًّا جمًّا ويُعيد بناء هيكل سليمان لهم (القدّيس هيبوليتوس الرّوميّ). سيفعل ذلك ليقتبله اليهود بصفته المسيح الّذي ينتظرونه!

6- وما إن يتمكّن “ضدّ المسيح” من تثبيت موقعه، كحاكم أوحد للأرض، حتّى تأخذ حقيقته تتكشّف! يفيض مرارة ويُقلق الأرض من أطرافها إلى أطرافها. يعمل الشّيطان فيه ومن خلاله بالتّمام والكمال، وبشكل ظاهر علنيّ لأنّه لا تعود هناك حاجة إلى المواربة! يطلب العبادة كإله! يكفر بتطلّعات “النّخبة الماليّة العالميّة”، واليهود بعامّة! يجلس في هيكل أورشليم كإله مظهرًا نفسه أنّه إله (2 تسا 2: 3- 4). إذ ذاك، تستبين العلامة، الّتي وَشمت بها جماعةُ “النّخبة الماليّة العالميّة” و”المنظّمات السّرّيّة” النّاسَ لأسباب زعموا أنّها سياسيّة اقتصاديّة اجتماعيّة، أقول تستبين كعلامةٍ للوحش، كعلامة للشّيطان؛ ويستبين أنّ كلّ ما تعبوا فيه لإقامة “نظام عالم جديد” لم يكن، من حيث لا يعون، سوى تهيئة لتسلّط الشّيطان وطلب العبادة لذاته كإله في شخص “ضدّ المسيح” من كلّ أهل الأرض. متى حصل ذلك لا يعود بإمكان بشريّ أن يفعل شيئًا، ويمسي كلّ الّذين حملوا السّمة عَبَدَة للشّيطان ويتسلّط عليهم بالقوّة! ما تكون البشريّة السّاقطة قد زرعته من آثام (القدّيس غريغوريوس اللاّهوتيّ) تحصده، إذ ذاك، هلاكًا!

7- في الرّسالة الثّانية إلى أهل تسالونيكي (2 تسا 2: 7- 8) قول أنّ “سرّ الإثم الآن يعمل فقط إلى أن يُرفَع من الوسط الّذي يحجز الآن. وحينئذ سيُستَعلَن الأثيم الّذي الرّبّ يُبيده بنفخة فمه ويُبطله بظهور مجيئه…”. يبدو أنّ ما هو قائم في الوسط، ومتى ارتفع سوف يُستعلَن الأثيم، هو حاجز الكذب الّذي عمل “بكلّ خديعة الإثم في الهالكين”، الّذين لم يقبلوا محبّة الحقّ. فمتى ظهر “ضدّ المسيح” على حقيقته، واستبان لكلّ عين كما هو، في ملء إثمه، يكون سرّ الإثم قد بلغ أوجَه، ويكون عمل الضّلال قد بلغ غايته؛ ساعتذاك، يأتي مسيح الرّبّ ليبيد الأثيم بنفخة فمه! ساعتذاك، يأتي المسيح في المجد!

كيف يجدر بالمؤمنين بالرّبّ يسوع له المجد أن يسلكوا اتّقاء الهلاك الآتي مع الهالكين؟

1- علينا ان ندرك أنّ المعنيّين بهذا الكلام، بخاصّة، هم المختارون، الّذين ما زالوا، بعدُ، مؤمنين بالرّوح والحقّ.

2- هؤلاء سيكونون هدفًا للخداع والتّضييق الشّديد والاضطهاد! لا ننسَ قول السّيّد أن ثمّة مَن سيعمل حتّى يُضلّ “لو أمكن المختارين أيضًا” (مت 24: 24)

3- علينا بالتّوبة! “توبوا فقد اقترب ملكوت السّموات”. نحن في وضع شبيه بالوضع الّذي سبق طوفان نوح. كان كلّ شيء يبدو سلاميًّا، فيما كان نوح يُعدّ فُلْكَ التّوبة. كانوا يبيعون ويشترون ويُمعنون في الإثم غير مبالين. فجأة، حصل الطّوفان وأهلك الجميع! إمّا أن نتوب كأهل نينوى ليرضى الله عنّا، وإمّا أن نهلك كما هلك أهل صادوم! نوح صَنع فُلْكَ التّوبة في زمن السّلم. نحن، أيضًا، علينا أن نتوب في زمن السّلم! متى حلّت المصيبة لا يعود شيء ينفع ولا إمكان توبة! العذارى الجاهلات الغبيّات اللّواتي لم يُعددن أنفسهنّ أُلقين خارج خدر المسيح الرّبّ! في كلّ حال، القول الإلهيّ لبولس الرّسول هو: “اخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرّبّ ولا تمسّوا نجسًا فأقبلكم…” (2 كو 6: 17)! علينا أن نحذر السّلوك حسب دهر هذا العالم، حسب رئيس سلطان الهواء، الرّوح الّذي يعمل الآن في أبناء المعصية (أف 2: 2). كيف يمكن أن يكون لنا نصيب في الخلاص إن سلكنا في الكذب كالكَذَبة، وفي السّرقة كالسّرّاق، وفي القتل كالقتلة، وفي الطّمع كالطّمّاعين، وفي الزّنى كالزّناة، وفي الفسق كالفسّاق، وفي الفجور كالفجّار، وفي التّحزّب والشّقاق والسُّكر والبطر والدّعارة والعداوة والخصام والغيرة المرّة وتعظّم المعيشة والسِّحْر والتّبصير وكل موبقة من موبقات الأرض؟! بأيّ شيء يفرق أكثر المحسوبين مؤمنين بيسوع عن الّذين طلّقوا الإيمان به بالاسم والفعل معًا اليوم؟! لنتبْ ما دامت لنا فرصة! لنذكر قول المصطفى بولس إنّ علينا أن نتمثّل بالله كأولاد وأحبّاء وأن نسلك في المحبّة كما أحبّنا المسيح أيضًا. لا يجوز أن يُسمّى بيننا لا زنى ولا نجاسة ولا طمع، كما يليق بقدّيسين. لا يجوز لنا أن نعطي مكانًا فينا للسّفاهة والهزل! لا نكن شركاء أبناء المعصية في معصيتهم! لنعمل على إصلاحهم لو أمكن؛ وإذا لم يكن ذلك ممكنًا فلا نعاشرنّهم! أيّة شركة للنّور مع الظّلمة! لنسلُك كأولاد نور ونتعب عاملين المرضيّ عند الرّبّ. “لا تشتركوا في أعمال الظّلمة غير المثمرة بل بالحريّ وبّخوها… استيقظ أيّها النّائم وقم من الأموات فيضيء لك المسيح” (أف 5: 11، 14)!

4- لا نقبلنّ السّمة على جسدنا، تحت الجلد، فوق الجلد، لا فرق! لا نقبلنّها لأيّ سبب وتحت أيّ ظرف! آباؤنا سبقوا فرأوا أنّ السّمة هي علامة الوحش لأنّهم عاينوا الآتي، ولو ادّعى الّذين يسوِّقون لها أنّها لحسن الأداء المهنيّ وضبط الخدمات الصّحّيّة وتنظيم الإدارة وفرض الأمن وقطع دابر المخلِّين بسلام المجتمع الأهليّ وحماية الخدمات الماليّة وغير ذلك… نحن نرى، بروح آبائنا القدّيسين، ما لا يعرفه أبناء هذا الدّهر! أيستوي الّذين يعلمون والّذين لا يعلمون؟! أيجوز لمَن يعرفون أن يسلكوا كالّذين لا يعرفون؟! اسمعوا ما سبق أن قاله القدّيس أفرام السّوريّ: “السّمة على اليد اليمنى والجبهة هي لكي لا تعود للإنسان قدرة على رسم إشارة الصّليب ولا على ذِكر اسم الرّبّ يسوع”. بختم علامة “ضدّ المسيح” يصير المرء عبدًا للأوهام الشّيطانيّة الّتي تمنعه من ذِكر اسم يسوع. ودونكم ما ذكره الأب الشّيخ بائيسيوس الآثوسيّ: مفاعيل اسم الوحش، أو عدده، لا فرق، سوف تكون مدمِّرة للإنسان الرّوحيّ والحياة برمّتها… لأنّها ستتسبّب بارتحال نعمة الله وبركته عنه. ستجعل المعموديّة المقدّسة الّتي عُمِّدنا بها باطلة، وكأنّها لم تكن. سوف نفقد، في داخلنا، إذا قبلنا سمة الوحش، التّأثير الحيويّ للمسحة المقدّسة، مسحة الرّوح القدس، مسحة الميرون…

ولا يقل أحد: أَقبَلُ السّمة، اليوم، لأسباب مهنيّة أو صحّيّة، ومتى اعتُلنت باعتبارها سمة الوحش فإنّي أنزعها من جسدي! هذا كلام أوهام! السّمة الّتي تقبلها، اليوم، خوفًا على وظيفتك أو أموالك أو صحّتك، كيف سيكون بإمكانك، حتّى لو تيسّر لك، أن تنزعها عنك غدًا وأسباب الخوف على وظيفتك وصحّتك ومالك، ستبقى قائمة على ازدياد أضعاف وأضعاف؛ وتصير أنت أضعف ممّا أنت عليه الآن؟! أما تعلم أنّ السّمة، إن قبلتَها، تكون مصحوبة بروح العاصي والمعصية وتجعلك تحت الضّبط، وعرضة لكلّ ضغط لا يُحتمل، كما تضرب قوّة الإرادة فيك حتّى لا يعود بإمكانك أن تتخلّى عنها في المستقبل؟! إن كنت لا تريد أن تقاوم، اليوم، وأنت قادر، أفستستطيع أن تقاوم، في المستقبل، وأنت معاق ومحكوم في النّفس والإرادة معًا؟! ما دام آباؤنا قد حذّرونا منها، وهم العارفون إلى أين توصل، فلا نورطنّ أنفسنا بمغامرات لا يمكن أن تفضي بنا إلاّ إلى الهلاك! التّوبة اليوم! رفض السّمة اليوم، لا غدًا! غدًا يكون الوقت قد فات!

5- لا نخافنّ! لن يحمّلنا الرّبّ الإله ما هو فوق طاقتنا، بل مع التّجربة سيكون لنا المنفذ! لا يتركنا يتامى! ولكنْ، طاعة بطاعة! نطيعه يطيعنا! نكون أمناء له يبقى أمينًا لنا! نتوب إليه يتوب علينا! معلّمنا أقوى! كلّ الأمم أحاطوا بنا وباسم الرّبّ قهرناهم! مَن يحفظ الوصيّة في زمن السّلم، هذا هو الّذي يقدر أن يحفظ الأمانة في زمن الضّيق! نبدأ الآن إذًا، ولا نؤخّر التّوبة لحظة واحدة!

6- علينا أن نغيِّر طريقة حياتنا لا محالة! كفانا حياة استدانة إلى الأبد! لنكتفِ بما هو ضروريّ لمعيشتنا! كفانا بطرًا! خير لنا، منذ الآن، أن نعود فنعتمد نمط الحياة الزّراعيّة من جديد. لينتقل مَن استطاع إلى القرى والجبال! ليكن، لمَن بإمكانه، أن يقتني أرضًا للزّرع! غدًا، إذا ما اشتدّ الخناق علينا فمِمَّ نأكل! السّوبر ماركت، في الأزمات، تفرغ في أربع وعشرين ساعة! محطّات الوقود تقفل! المحروقات لا تعود متوفّرة! جَشَعُ التّجّار يُخفي الطّحين! لا يعود هناك خبز! نحتاج لأن نعود إلى الأرض وإلى الزّرع وإلى الحياة في الطّبيعة! ونحتاج، أيضًا، لأن نكون معًا، لأن نتعاون في المحبّة. إذًا، منذ الآن نسعى إلى إنشاء وحدات مشتركة تضمّ أبناء الإيمان: في الأديرة، خارج الأديرة، لا يهمّ! المهمّ أن يحيا أبناء الإيمان بالرّبّ يسوع في شركات سكّانيّة ليشدِّد بعضهم بعضًا، ليُعين بعضهم بعضًا، ليصلّوا معًا! علينا بالقرى والتّجمّعات الإيمانيّة! هذا يعيننا على الثّبات، لا سيّما في أوقات الشّدّة، وعلى التّوبة، وعلى حفظ الأمانة للرّبّ يسوع وعلى تعاطي المحبّة وتنشئة أولادنا على مخافة الله وحشد طاقات شبابنا في إتمام عمل الله والسّلوك في العفّة وتأسيس عائلات مبارَكة، وإنماء الأديرة!

7- نحن في زمن صعب وإن كان الأكثرون لا يشعرون بذلك. لا يمكننا أن نستمرّ وكأنّ كلّ شيء على ما يرام! البحر في هياج والشّياطين تعمل بقوّة، وعملاء “ضدّ المسيح” يزدادون كيدًا ويتآمرون كلّ يوم؛ أفيبقى الّذين بذل الرّبّ يسوع دمه من أجلهم على رخاوة في السّيرة إلى المنتهى! لنتُبْ ما دام لنا اليوم! غدًا قد لا تعود لنا توبة!

“ها أنا آتي كلصّ [يقول الرّبّ]. فطوبى لمَن يسهر ويحفظ ثيابه لئلا يمشي عريانًا…” (رؤ 16: 15)!

إلى أن يأتي الرّبّ يسوع، علينا، منذ الآن، أن نشدّ أحزمتنا استعدادًا للخروج إليه!!!

 

أسبوعياً من 12 شباط 2012 حتى 1 نيسان 2012
تمّت بعون الله

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
arArabic
انتقل إلى أعلى