Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎

        كان قد وقع بين يدي في 18/1/1988 نص ترجمة لدستور الإيمان، قيل إنها ترجمة موحّدة لاستعمال المسيحيين العرب. نقدتها فوراً مع تعليقات مراعياً النص قدر المستطاع. ثم علمتُ في حمص (كانون الثاني 1994) أن بعضهم وزّع في أسبوع الصلاة من أجل الوحدة نصّاً زعم أنه نصّ موحّد. استفاد من انتقاداتي ولكنه لم يستوعبها تماماً.

        الذين أخرجوا الترجمتين يجهلون اليونانية. في 21/11/1993، قمت بالترجمة المدرجة أدناه ووزّعت فوتوكبيات عنها.

        في الترجمة السابقة، يجري عطف النكرة على المعرفة والمعرفة على النكرة. أصلحت هذا الخلل. اللغة اليونانية لا تستعمل دائماً “ال” التعريف. المترجم يستنتج الأمر في الترجمة إلى لغته.

        اسم الوالي الروماني لاتيني Pontios Pilatos بنديوس بيلاتوس. “بيلاتوس” اسم العائلة وبنديوس اسمه الشخصي.

        الجدير بالذكر أن الترجمة الموحّدة المزعومة قالت مثل الأرثوذكس أن الروح القدس ينبثق من الآب. هذا تقارب كبير. وزوال لنقطة خلاف كبير بين الأرثوذكس والغرب.

        ونلفت الأنظار إلى أن تلاوة الدستور بدأت في انطاكية في القرن الخامس. في المجامع ورد ذكره على لسان آباء المجمع بصيغة الجمع أي “نؤمن”. إلا أن اليوناني يتلوه بلغة المفرد “أؤمن”. في 1981 احتفلت روما بمرور 1600 سنة على انعقاد المجمع المسكوني الثاني. وتلاه قداسة البابا في القداس باليونانية كما يتلوه الأرثوذكس. وبالفرنسية يتلوه الفرنسيون بالمفرد. وكذلك الإنكليز.

        وبالمناسبة، ننوّه أن العهد الجديد مكتوب باليونانية. والأرثوذكسية تستعمل الترجمة اليونانية للعهد القديم التي أجراها علماء يهود قبل الميلاد، لا الأصل أيضاً لغة المجامع المسكونية. والألفاظ اللاهوتية في الغرب مستعارة غالباً من اليونانية. اليوناني هو اللغة العامة للاهوت المسيحي. هو لغة دستور الإيمان.

        اليونانيون يتلون دستور الإيمان بنبرة خاصة كأنهم أمام منبر الإعتراف ليسقطوا شهداء.

دستور إيمان: ترجمة دقيقة

        جرت محاولة في 1988 لطرح ترجمة جديدة للدستور، فلم تفلح، فقمتُ بالنقد. وهذا بديل دقيق جدّاً، عن السواعي اليوناني المدقق لاهوتيّاً (1961، أثينا).

1- أومن بالإله الواحد (16)، الآب الضابط الكل، خالقِ السماء والأرض، كلِّ المرئيات وغير المرئيات (17).

2- وبالربِ الواحد يسوع المسيح، ابنِ الله الوحيد، المولود من قِبَل (18) الآب قَبْل كل الدهور؛ النورِ من النورِ، الإله الحقِّ من الإله الحقِّ، المولود غير المخلوق، الذي له وللآب الجوهر الواحد بعينه (19)، الذي به كان كل شيء.

3- الذي من أجلنا نحن البشر، ومن أجل خلاصنا، نزل من السمواتِ (20) وتجسَّد من الروح القدس ومن مريم العذراء، وتأنّس.

4- وصُلِبَ عنّا على عهد پونتيوس پيلاطس (21)، وتألّم وقُبِر، وقام في اليوم الثالث على ما في الكتب.

5- وصعِد إلى السموات (22)، وجلس عن ميامن الآب.

6- ويأتي ثانية بمجد ليدين الأحياء والأموات، الذين لا نهاية لملكه (23).

7- وبالروح القدس، الربّ المحيي الذي من الآب ينبثق (24)، الذي هو مع الآب والابن مسجودٌ له وممجّد، الناطق بالأنبياء.

8- وبالكنيسة (25) الواحدة، القدوسة (26)، الجامعة (27)، الرسولية.

9- وأعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا.

10- وأنتظر قيامةَ الموتى.

11- وحياة الدهر الآتي. آمين.

يقول “أومن” فيعترف، يعلن اعترافه – مثل الشهداء – أمام الله والناس بإيمانه. ويسوع حرَّم علينا أن ننكره أمام الناس، وأمرنا بأن نعترف به أمام الناس. والإعتراف شهادة واستشهاد ينطق بهما فينا الروح القدس نفسه.

كما تشرق السيلوات الحبوب، تُشرَقُ النفس إلهيّاً حين الهتاف: “أومن”. يخرج المرء من نفسه ليرتبط بعجلة الله.

“أومن” – كم من الجهد بذلتُ لكي أخرج من ذاتي، لأقول: “أومن”! إني قد انسلخت من حواسي وعقلي وفهمي لأصعد فوق المعقول والمنظور والملموس والمسموع والمحدود، وأعلنتُ يقيني بعالم آخر فوقاني يتجاوز كل التعريفات والحدود العقلية والحسية والمادية.

آمن، إيماناً – ولفظة “أومن” العربية هي فعل مضارع من فعل “آمن”، المشابه لمثيله في العبرانية والآرامية. والترجمة السبعينية اليونانية للعهد القديم نقلت إلى اللغة اليونانية معاني اللفظة العبرية في العهد القديم. في العربية نقول: أمينَ، أمْنٌ، إيمان، أمانة، أمين، مأمون، مؤمِن، ائتمن، ائتمان، مؤتمِن، استأمن، استئمان، مستأمن…

الثقة – في كل هذه الألفاظ، الفكرة الأساسية هي الإطمئنان، والطمأنينة، والنوم على الثقة التامة كمن حفر بيته في الصخر الصلد حفراً شاقّاً.

أليس يسوع هو صخرتنا؟ فنحن قاعدون على صخرة مطمئنين، لأننا نثق بالله. إيماننا هو اطمئنان إلى الله اطمئنان القابع في نقرة الصخرة.

ولماذا كل هذا الجهد الفوق الطبيعي؟ لكي أتعزَّى، بثقة، بشخص ما، هو الله…

الكل باطل – لم أستطع أن اجد في هذا الكون أي شيء أركن إليه. وجدتُ الموتَ منجلاً يحصد حياة البشر قاطبة. رأيت الأمراض تفتك بهم قبل الموت. رأيتُ غدر الزمان وظروفه تمحقهم قبل الموت. رأيت الناس يخدعون أنفسهم بملايين الخدع، ليجدوا اطمئناناً كاذباً خارج الله. فهؤلاء الذين يعتمدون على أموالهم وعلمهم ومكرهم ومجدهم الموروث الكاذب متى هجم عليهم الموت كانوا أجبن من الفئران. أفنوا ذواتهم وأموالهم في الموبقات، والقمار، والسكر وسائر المخدّرات، ومطالعة مجلات الخلاعة، وينتهون نهاية أشنع من نهاية الجرذان.

لو وضعت يدي على كل النجوم والكواكب وتملّكتُها، وانتهيتُ في قبر ترعاني فيه الجراثيم وتكوي نار جهنّم نفسي الشريرة الجانية الفاسقة الزنديقة، فماذا أكون قد جنيت من أموالي؟ ولو شربتُ البحر خموراً، فما الفائدة؟ ولو وسع بطني ملايين الأطنان من أفخر الأطعمة، فما الفائدة؟ ولو كانت خلقتي مثل خلقة الملائكة جمالاً، فما الفائدة؟ هل أستطيع الهرب من الشيخوخة والمرض والموت…؟ لا…

لستُ حيواناً – هل خلقني الله ذا عقلٍ جبَّار، وفهم وقَّاد ليُبيدني كما تبيد الجرذان؟ لماذا أشقاني بمنحي العقل ولم يتركني كالحيوانات بلا عقل ولا ضمير؟ لماذا غرس فيَّ الضمير سيفاً يقطّعني إرباً إرباً في توبيخات، لا نهاية لها ما دمتُ حيّاً؟

معنى الوجود – كل وجودي كإنسان هو لغز الألغاز لا أجد له معنى إلا إذا آمنتُ بأن وجودي صدر عن كائن أعلى لهدف بعيد أسمى.

        أعرف أني أهوى الأرض وما في الأرض. ولكن الأرض ومَنْ فيها لا يعطون حلاً لمشكلتي الفلسفية:

1- أنتَ لم تصنع نفسك

2- هذا الكون عاجز عن صنعك

3- وجودك يفقد كل معناه إن لم يكن الله قد خلقك، وقد خلقك لمجدٍ أنت الآن تجهله، لأن عُشقَ الأرض أعماك. من إفراط تعلّقك بالأرض، صرت دويْبة تدبّ على وجه الأرض وتلحس التراب.. مرَّغتَ وجهَك الحلو في التراب. استبدلت بحسن خلقة وجهك الجميل، تجعداتِ الدويبات الكالحة. أنتَ تشوِّه صورة الله فيك بارتدائك قناع الشيطان.

لهذا رفعتُ وجهي إلى فوق، فإذا به أجملُ من الشمس والنجوم والكواكب. وتطلّعتُ إلى ما فوق الحدود وأبعد منها، فاطمأنّ قلبي إلى المرتدي النور مثل السربال، إلى الساكن في النور الأزلي الذي لا يُدنى منه.

عقيدة الإنسان – فعقيدة الإنسان هي أعمق ما في كيانه إن كان صادقاً مع نفسه. من أجل عقيدتي أتبرَّأ من أغلى الأحبة، وأصرم علاقتي بهم. الصادق الشريف يقاطع زوجته وابنه وابنته من أجل عقيدته. وكذلك المرأة الصادقة الشريفة. المؤمن الصادق يضع إيمانه فوق كل العواطف البشرية. يقول: زوجتي ليست “أنا”، ابني ليس “أنا”، ابنتي ليست “أنا”، أبي وأمي ليسا “أنا” إنما كل “أنا” كياني هو في إيماني. لا يمكن انتزاع إيماني من صدري دون القضاء على مقوِّمات وجودي الأصيل كإنسان ذي شأن. إيماني هو نور يتجلّى به كل كياني ووجودي بلمعان بهيّ.

قد أصدِّق ما تراه عيني وتسمع به أذني مباشرة أو نقلاً عن لسان الآخرين. قد تخدعني عيني وأُذُني وقد يخدعني الناس عمداً أو لأنهم مخدوعون، أو لأنهم غافلون ومتغافلون. وقد أُبدي حماساً منقطع النظير لهذه المسألة أو تلك مدفوعاً إلى ذلك بسبب من جملة آلاف الأسباب وقد لا أكترث بها.

أما العقيدة الدينية فهي مسألة من نوع خاصّ جدّاً.

إنها تتعلّق بيقيني الشخصي الخاص بوجودي، وبوجود الباري الذي براني. فإيماني بالله ليس يقيناً شبيهاً بما تراه العين وتسمع به الأذن من حجر وشجر. إنه عملية تجلّي نوراني يشعّ به كل كياني فيتبدّل لون خلقتي. فأنا لا أرى الله. ولم أكن موجودًا حين خلق الله العالم. فالكون موجود قبلي، والبشر سبقوني إلى الوجود بألوف السنين. وسيستمرّون يتوالدون من بعدي. ما أنا إلا حلقة في جملة مليارات حلقات الناس من قبلي ومن بعدي.

ومع هذا حملتْني الضرورة الشخصية على التفتيش عن الله. لم أره ولا أستطيع أن أراه. إلا أني وصلتُ إلى القناعة بأن وجودي مستحيل بدون وجوده، إلى أن وجودي كان ممكناً أن يكون، وكان ممكناً أن لا يكون. فقد أوجد الله الناسَ من قبلي. وهو في غنى عنّي. فليس وجوده مسبباً لوجودي فقط، بل سبباً لوجود السابقين واللاحقين. وأنا أصغر من جزيء من نقطة في بحر عظمته. كم أنا إذاً صغير وتافه…؟

قلق وجود – لذلك لم أجد في هذا العالم أي شيء صالحٍ لاعتصار كياني – مثلما تعصر العصّارات الفواكه والخضار – سوى الإيمان بخالقي. هو سبب قلقي الأكبر واطمئناني الأكبر. إن شككتُ في وجوده تقلّبت على جمر القلق على مصيري المعلّق بأذيال الرياح العاصفة. وإن أيقنت بوجوده أيقنت بأن مصيري هو بين يديه الأمينتين.

الإيمان أقوى – أومن بالله غير المنظور، غير الملموس. فكيف هذا إلا إذا كنت فاقد الرشد؟ الحقيقة هي أن نظري وسمعي ليسا إلا أضعف حواسي القادرة على إدراك الحقيقة. إيماني أقوى من حواسي. هو يدعمها. فجهدي الروحي أقدر – بما لا يُقاس – من جهدي الجسماني. يشترك جسدي بأعصابه وحواسّه وكلّيته، في هذا الجهد إلا أن جسدي نفسه يضحي مذهولاً بل مجروراً. روحي هي العنصر الأوّل الفعّال الذي يحرّك جسدي وراءه.

الروح نشيط – هذه الروح لم تجد في العالم المادي ما يسعها، فانطلقت إلى الله واسع الجميع. “الروح نشيط وأمّا الجسد فضعيف” (متى 41:27). الروح تجتاز السموات وتتكلّم. هذه الروح لا تجد لها مستقراً على الأرض، فترنو إلى الله ليكون مقرَّها الأسمى.

دور الجسد – ولكن أعصابي وحواسّي تشترك في الجهد وتتحمّل ضغط الفكر. إنّما يبقى فكري روحانيّاً ذا مظاهر جسمانية، لأني شخص واحد في روح وجسد. إنّما أصعد بإيماني إلى فوق الشيء المادي والجسماني والعصبي. ليس جسمي سجناً لنفسي كما زعم أفلاطون. هو مسكن لها.

بإيماني أطير، إذن، بجناحين غير عالميّتين. الإيمان أرفع رتبة من يقين النظر. بإيماني يرتقي شخصي إلى الإحتكاك بعالم آخر غير منظور، إلى الإحتكاك بالله. بولس صعد إلى السماء الثالثة وهو لا يدري أكان ذلك في الجسد أم خارجه.

الإنسان فتّاك – جسمانيّاً، هل أختلف كثيراً عن الحيوانات؟ نعم هناك خلاف أكبر ألا وهو إني أقدر من الحيوانات على الفتك والدمار بما يبتكره عقلي من أسلحة جهنّمية كالقنابل الذرية والهيدروجينية والجرثومية والكوبالتية، فضلاً عن الصواريخ والمدافع والمتفجرات. الذئب يفترس خروفاً ليسدّ به رمق جوعه. أنا أقضي على الكرة الأرضية لأتفرَّج على دمارها كما تفرَّج نيرون على حريق روما، وكما أحرق هتلر أوروبا وأحرقت القنبلة الذريّة هيروشيما. فأنا الوحش الضاري بما يزيد عن الذئب والنمر بملايين الملايين من الأضعاف. ومع هذا فهناك فارق آخر: إلى جانب شراستي الجهنّمية: أنا إنسان مخلوق – في الأساس – على صورة الله ومثاله. فقد زوّدني الله بدرجة خاصّة من الذكاء والمعرفة ليس للحيوانات منها سوى شبه ظلّ. أنا صورة الله الخلاّقة التي شوَّهَتْها الخطيئة، فأظلمت.

بالإيمان أرتفع – بإيماني أتجاوز هذا الحيوان المتخطِّر على الأرض، إلى الله غير المحدود. فهو غير محدود في الزمان، وفي المكان، وفي القدرة، في الحضرة الإلهية السنيّة البهيّة التي تحتضن الكون بمحبة فائقة وصلاح غير متناهٍ. فهو أبونا الحنون أكثر من كل أمّهات العالم.

بإيماني أقف أنا الحشرة، أنا الدويبة، في حضرة الله وجهاً لوجه. فهو شخص وأنا شخص. إنما أنا على صورته. شخصي على صورته. في اليونانية واللاتينية نقول: إن الله 3 أقانيم (أو 3 أشخاص) وأن الإنسان شخص. شخصي على صورة الثالوث القدوس. وفي اليونانية لفظة شخص تعني أيضاً وجه”. فوجهي الذي يحمل ملامح شخصي (28)، ويعبّر عنه – جسمانيّاً – خير تعبير، يتوجّه شاخصاً إلى الله الذي أرنو إليه بروحي أولاً، وبعينيَّ ثانياً، لأقابله. هو موجود وحاضر في كل مكان، وشخصي ماثل بين يديه، واقف في حضرته.

الجوع الوجودي – يا لعظمة اللقاء! يا لهول اللحظة ولرهبتها! دويبة تقف في حضرة الخالق لتناجيه. أنا دويبة، إنما أنا صورته التي تحمل بصماته، وتشتاق إليه، وتشكو جوعاً وجوديّاً فتّاكاً، وفراغاً قتالاً كلما شغرت من غبطة الإمتلاء من حضرته. ولست وحدي جائعاً. كل البشر جياع. الخطيئة تُوهِم كثيرين أن أباطيل الدنيا تسدّ الرمق. ولكن يحشو المرء بطنه ظهراً، ليجوع ليلاً. وهكذا دواليك دون شبع حقيقي. وإن حشا بطنه بإفراط تثاقل جسمه، وأصابه القيء والمرض. أما المؤمن فلا يتقيّأ ولا يضربه الملاك القتال، لأن الله يوسّع طاقاته على الإستيعاب إلى أقصى مما هو ممكن. من يستطيع أن يشبع من الله؟ ومن يملّ من انعطافات حنان الله؟

يسوع فينا بالإيمان – بإيماني، أنا الهزيل، أنا الظل، أنا العدم، أنا الموبوء بجراثيم الخطايا الفتَّاكة، المنتن بروائح الآثام السامّة، أحتوي الذي لا تسعه السموات والأرض، مّن لا يسعه الكون المخلوق كله. ألم يقل بولس الرسول أن يسوع يسكن في قلوبنا بالإيمان (أفس17:3)؟ ألم يقل يسوع نفسه أنه والآب السماوي يقيمان في الذي يحبّه فيحفظ كلامه (يوحنا 23:14)؟

الإيمان والمحبة – ولذلك فإيماني ومحبّتي هما أثمن شيء في حياتي، هما أثمن من حالي ومالي وحياتي. فمن أجلهما أتقدّم إلى محرقات الإستشهاد بخطوات ثابتة، وقلب يطفح سروراً. ولا شيء في الدنيا أغلى على قلبي من أن أبذل دمي شهيداً من أجل إيماني ومحبّتي ليسوع. ولكن هل استحق هذه النعمة؟ لا.

محبّتي وإيماني هما اللذان يعطيان وجودي معنىً. بدونهما أنا بهيمة بل أدنى من بهيمة، بل لست إنساناً. بدونهما أخسر الروادع الكاملة.

محبّتي وإيماني هما شركة. أنا شريك الله. ليس بينه وبيني حواجز سوى خطاياي. كلَّما تجرَّدت منه، شعَّ فيَّ نوره البهيّ. هناك علاقة ثابتة: كلَّما كبَّلت مَيْلي إلى الخطايا، ازداد فيَّ إشعاع النور الإلهي. كلَّما نام فيَّ آدم، عاش فيَّ يسوع. النسبة عكسية. يتناقص آدم فيزداد يسوع، ولكن بقدر أعظم، بقدر ما يسوع أعظم من آدم. يسوع يلجم آدم الترابي. يسوع إله. آدم تراب.

بإيماني ومحبّتي يلتهب صدري وتستعر لواعجي، لأن الإيمان الحق هو لهيب نار متّقدة بنار الروح القدس. إنه نار لا تنطفئ تؤجِّجها المحبة. بمحبّتي وإيماني تتفتّق عواطفي، وتنجرح نفسي، وتسيل دموعي الساخنة لتكويني بنار توبة تلد فرحاً أبديّاً. فأنا لا أومن بصخرة صمّاء، إنَّما أومن بالله القادر على كل شيء، الحاضر أمامي ذي الطلعة النورانية والجمال الساحر الفتَّان، ذي الهيبة والرهبة. وهو الله الذي خلّصني بصليب يسوع، بدم يسوع. فقد أرهبني بهيبته وقدرته وجلاله أنا الدوَيْبة، حتى أشعرني بأني ترابٌ، ورمادٌ، ودودةٌ، وعدمٌ، وفناء. وجذبني إليه بالحنان البادي بدم يسوع حتى سلب منّي لبّي، وأخرجني من ذاتي، فكفرت من أجله بذاتي، لكي لا تعود عينيّ تبصران سواه، ولا تلتفتان إلى سواه.

الشركة مع البشر – إن كنت متزوجاً أو ذا بنين أو أبوين وإخوة، فشركتي معهم خارجية، وغير ثابتة، لأنها قابلة للزيادة، والنقصان، والتبدّل، والإنقلاب والغدر وفقاً لأطوار كل واحد منّا. وما أكثر هذه الأطوار وأسرع تقلّباتها!

الشركة مع الله – أما شركتي مع الله فهي شركة مع معدن الكمال والثبات الذي ليس عنده ظلّ دوران. وهو لا يقف بعيداً أو خارجاً عني، بل يقطن فيَّ بنعمته. وكلَّما فتحتُ له قلبي شعشع فيَّ أضعافاً لا تُحصى.

مقارنتهما – فليس الإيمان تصديقاً مجرّداً – بأن الله موجود، ولا يقيناً فاتراً بأنه خالق كل الأشياء. الإيمان هو اختطاف يعود معه المرء يؤمن بوجود الله أكثر من إيمانه بوجوده هو، ويحبّ الله أكثر ممّا يحب نفسه وذويه وصحبه، ويرجو الله ويتّكل عليه أكثر من اتّكاله على الناس وحتى على نفسه. في الإيمان قفزة إلى العلاء خارج الزمان والمكان.

الله يستوعب كل كيان الذين يحبّونه حباً جمّاً صادراً من كل القلب. لا يطمع الله في جزء منّا. الله يريد شخصنا برمّته روحاً وجسداً، ليخطف روحنا إلى مجده السماوي، ويقيم جسدنا – في نهاية العالم – ليشترك في مجده هذا. لذلك يرفض الله أن نقسم أنفسنا بينه وبين العالم. الخطيئة هي الثقل الذي يجرّني إلى أسفل ويجعلني عدوّاً لله.

الإيمان ناري – الله يطلب منّا إيماناً ناريّاً، وثقة تامّة، ورجاءً قاطعاً، وأن ندعم إيماننا وثقتنا ورجاءنا بلظى نار محبة تقطع روابطنا بالدنيا، وتنقل كل شوقنا إلى الله، فيعود معه حبُّنا لأي شيء في الأرض هشيماً قد التهمته محبة الله فينا. الإيمان الذي لا يشدُّنا إلى الله بوثاقي المحبة والرجاء يبقى إيماناً فارغاً. الإيمان الكامل هو امتلاء من الله في شوق محبة جارف. وليس الرجاء بمعزل عن المحبة. فأنا أتعلّق بموضوع رجائي. والله هو مرجوّنا الأوحد الذي إليه ترنو الأبصار وبه تتعلّق القلوب. هو أملنا الأوحد يومَ تظلم الدنيا في الوجوه، ويومَ نقف أمام رهبة الموت جاهلين المصير. هو صديق أوان الضيق.

صلاة – فيا ربّنا! نقف أمامك عُزَّلاً من كل شيء، لا نملك سوى الإبتهال إليك، فهذا هو قرباننا إليك. والقربان يحتاج إلى نار تلتهمه كما التهمت النار ذبيحة النبي إيليا النبي. أنت هو هذه النار. فلامِسْ، إذن، ابتهالاتنا المرفوعة إليك من قلوب نجسة، لكي يحلّ الإيمان بك في قلوبنا، فتضطرم بنار محبّتك ولهيب الرجاء فيك. فإذا ما ضممتنا إلى نارك الإلهية أنار نورك ظلامنا، وتطهّرنا من خطايانا، وعشنا في بهاء نورك، فنعود نهديك أخلص الإيمان والمحبة والرجاء، وقد نجونا من رجاسات الآثام.

ربّنا! أنت الأمل. وإليك المآل. ولا مهرب من مواجهتك. فلا تسمح بأن تكون المقابلة دينونة، نبذاً، بل مجداً خالداً. نُلقي بأنفسنا بين يدي لطفك وعطفك وعفوك، فأنت المدبّر. فتدبِّر شؤوننا بمراحمك. آمين.

مصادر الإيمان

قبل المسيح: قبل ميلاد ربنا يسوع المسيح وآلامه ودفنه، تغلغل الله في التاريخ عبر الإعلان عن نفسه… لابراهيم ونسله. هذا الإعلان المتواصل المتعدّد الأشكال انتهى إلى يوحنا المعمدان، واكتمل في أمّ يسوع ويسوع. هذا ما عبَّرت عنه أفضل تعبير الرسالة إلى العبرانيين في مطلعها العظيم: “إن الله بعدما كلّم الآباء قديماً في الأنبياء كلاماً متفرّق الأجزاء ومختلف الأنواع، كلَّمنا في هذه الأيام الأخيرة في الإبن الذي جعله وارثاً لكل الأشياء”.. (1:1-3). وكان العهد القديم مرشداً أرشدنا إلى العهد الجديد. فترك لنا نسل ابراهيم كتاباً ندعوه “العهد القديم”. هو دليل على طريق السماء، لكي نستطيع أن نستقبل إعلاناً أكمل وأسمى، سمعناه من فم يسوع ابن الله نفسه. ودوّن نسل ابراهيم إعلانات الله في كتاب “العهد القديم”. وقد وصلنا في الأصل العبراني وترجمة يونانية وتراجم آرامية، كلها سابقة لميلاد المسيح. وبعد ميلاده، ظهرت ترجمات إلى عدة لغات، وبخاصة في القرون المعاصرة حيث تمَّ نقله إلى كل لغات العالم تقريباً.

مع المسيح – أما العهد الجديد فقد نشأ مع يسوع الذي علّمنا بالكلام، وتمَّتْ فيه نبؤات الأنبياء. وأقام تلاميذه معلمين، فأيَّدهم بالروح القدس الذي أرسله إليهم في يوم العنصرة، ففتح أذهانهم وأنار قلوبهم وسكن فيهم. وخرجوا إلى الدنيا حاملين البشارة بيسوع القائم من بين الأموات. فهدوا الناس إلى عبادة الإله الحقيقي. وتركوا لنا إلى جانب تعليمهم الشفوي نصوصاً كتابية ندعوها كتاب “العهد الجديد”، يثبِّت التعليم الشفوي.

الكنيسة – يسوع أسّس كنيسته في يوم العنصرة المجيدة. أعضاؤها هم المؤمنون الذين نالوا الروح القدس في يوم العنصرة مع جميع الذين اعتمدوا على أياديهم وأيادي المنتمين إلى شركتهم حتى نهاية العالم.

والكنيسة هي “جسد المسيح”. والمعتمدون هم أعضاء جسد المسيح. والروح القدس – الذي حلّ على التلاميذ في يوم العنصرة وأسّس الكنيسة – هو ساكن في الكنيسة بما أنه ساكن في يسوع.

في المعلم – “جسد المسيح” الحامل الروح القدس (أي الكنيسة) هو حامل رسالة يسوع منذ يوم العنصرة حتى نهاية الدهور. ولذلك فهو معلّمنا ومرشدنا وقائدنا عبر تاريخنا الطويل بماضيه وحاضره ومستقبله بغضّ النظر عن تقصيراتنا، ونقائصنا، وعيوبنا.

الله أعطى الكتاب المقدس للكنيسة. وحفظته الكنيسة.

الكتاب المقدس لها – والكنيسة تلقّت تعليمها من الرسل شفوياً وخطّياً، وحفظته بالروح القدس الساكن فيها، جيلا بعد جيل حتى اليوم.

وعِبْرَ الأجيال حمتْ نفسها بالروح القدس من أفكار الضلال، بوسائل شتى مشروعة، منها المجامع المسكونية.

الآباء – وفي كل دهر قام فيها قديسون وآباء كنيسة متألِّهون حموا الإيمان القويم من الضلال المبين. فكانت الكنيسة تدافع بواسطتهم عن نفسها ضد كل انحراف في التعليم. وسمَّت الخارجين على تعليمها هراطقة أي مبتدعين.

تقليدها – هناك تعليم تناقله الخلف عن السلف منذ عهد الرسل. كل خروج عليه كان يقيم الدنيا ويقعدها حتى ينتصر التعليم المتناقل السليم. ولذلك فالكتاب المقدس هو قطعة ثمينة في تقليدها الحي.

الهراطقة: أهل الهرطقات اعتمدوا نصوصاً من الكتاب المقدس لتأييد انحرافاتهم.


(16) في اليونانية، وردت تحمل حرفاً كبيراً (بالفرنسية Masculine). وفي الترجمة السابقة تتوالى النكرة والمعرفة. وهذا خلل لغوي.

(17) بالجمع لا بالمفرد ولا المبهم مثل “ما”.

(18) بهذا ابراهيم اليازجي سوَّغ ظهور نائب الفاعل.

(19) اللفظة اليونانية دقيقة جدّاً. ترجمتها بجملة، فصارت واضحة في العربية.

(20) بالجمع في اليوناني.

(21) يبدو أن المترجم القديم توهّم أن الوالي من البنطس قرب البحر الأسود. النسبة إليه باليونانية Ponticos (أعمال 2:18).

(22) الجملة من كورنثوس الأولى (3:15-4) (أي تمّت الكتب ونبؤاتها).

(23) في اليواني “لا نهاية لملكه” وتحتمل اللفظة أيضاً معنى ملكوت.

(24) هكذا في اليوناني والإنجيل. وهكذا في ترجمة إبراهيم اليازجي (يوحنا 26:15).

(25) حرف كبير باليونانية.

(26) هكذا باليونانية قبل “جامعة”.

(27) اليوناني: “كاثوليكية” تعني “أرثوذكسية” و”جامعة” معاً.

(تابع للمرجع السابق من الصفحة السابقة) دستور الإيمان قطعة لاهوتية ملهمة إلهياً يتلوها المؤمنون بإيمان ورهبة كأنهم أمام منبر الإعتراف. المجامع المسكونية نصَّت على احترامه وحظرت مسَّه أو النقصان. الأصل اليوناني مترجم إلى جميع لغات العالم المسيحي 21/11/1993.

(28) الوجه هو في الجسد أداة التعبير، والتخاطب، والمناجاة، وتقابل الأشخاص و…. غالباً.

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF

معلومات حول الصفحة

عناوين الصفحة

محتويات القسم

الوسوم

arArabic
انتقل إلى أعلى