Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎

15- وصعد الى السماء

في اليوم الأربعين من القيامة صعد يسوع الى السماء وجلس عن يمين الأب.

يمين الله – كلمة “يمين” في العبرية والسريانية والعربية تعني القوة والتكريم. فليس للآب يمين ويسار وعلو وعمق وأمام ووراء. هو فوق كل الحدود الزمانية والمكانية. انما الإنسان مرتبط منذ طفولته بحواسه. الجهد الروحي جهد إضافي للارتفاع فوق ارتباط الذهن بالمحسوسات.

ألَّه طبيعتنا – صعد يسوع، فشرّف طبيعتنا البشرية التي اخذها بالجلوس عن يمين الاب. أشرف فيها المجد الذي كان له عند الأب من قبل كون العالم. هذا المجد سكن فيه منذ التجسّد، انما حجبه عنا لنستطيع ان نراه. اظهره للتلاميذ بطرس ويعقوب ويوحنا على جبل التجلي بقدر ما استطاعوا. من يستطيع ان يبصر الشمس عن قرب ونور يسوع أقوى من الشموس.

ألَّهها، ادخلها مجده السرمدي.

يوم تجلّى يسوع على جبل ثابور استطاع تلاميذه ان يروا مجده بمقدار ما أعطاهم الروح القدس ان يحتملوا.

يسوع هو الآن متلألىء ببهاء كامل يراه الناس بعد الموت بحسب درجاتهم. أما في يوم القيامة البهيّ فسننعم به. بأجلى بيان الى الأبد روحاً وجسداً. نور الشمس باهت بالنسبة للنور الذي سننعم به. طبعاً هناك درجات (كور الأولى 15).

16- وأيضا يأتي بمجد ليدين

         يسوع سيأتي في نهاية العالم ليدين الأحياء والأموات.

المجيئات – سيأتي بمجده. لن يأتي كما جاء أولاً، بتواضع، مجهولاً من قبل الناس . سيأتي جهاراً بمجد، كديان عادل يجازي كل واحد على حسب أعماله. فيذهب الذين عملوا الصالحات الى قيامة الحياة والذين عملوا السيئات الى قيامة الدينونة. الصديقون الأموات ينهضون من القبر، فتلتصق اجسادهم بأرواحهم. ولكنها تصير اجساداً روحانية مثل جسد يسوع. أما الاشرار فيقومون للظلمة.

الاحياء – والصديقون الأحياء لا يموتون، انما يتم اختطافهم الى السماء. لا يعود قانون الجاذبية يشدّهم الى الأرض. جاذبيّة النعمة الإلهيّة ترفعهم الى السماء. تنقلب الموازين (تسالونيكية الأولى4).

الدينونة – الدينونة سريعة جداً لأن اللّه يعرف كل شيء.

             يذهب الأبرار إلى قيامة الحياة، فيشرق فيهم الروح القدس ببهاء.

             يذهب الأشرار إلى قيامة الدينونة والعذاب الأبدي.

             جسد الصديقين يكون نورانياً.

             جسد الأشرار غير نوراني. عذابهم أبدي. ظلمتهم أبدية.

مراتب – الصديقون يشتركون في كل مجد يسوع على قدر رتبة كل واحد منهم. تجلّي يسوع على جبل ثابور نموذج لمجدهم. يتلألأون – مثل يسوع – بالأنوار الألهيّة في غبطة ابديّة. يرتاحون من شقاء الدنيا. وينعمون بالمجد الأبدي في اطمئنان وراحة. محبتهم للّه تفوق الحدود. و تزداد باستمرار، لأن اللّه غير المحدود هو مشتهاهم الدائم. فمهما احبّوه عجزوا عن ان يسعوه (98).

عقب الموت – و لكن ما مصير الناس بعد الموت وقبل الدينونة . . .؟

آ- العذراء – سيدتنا مريم العذراء ام اللّه صعدت بجسدها كما صعد يسوع. ودخلت المجد الابدي الى جانب ابنها. صعدت بمجدها ونالت المجد سلفاً. قامت سلفاً لذلك لا تقوم يوم القيامة العامة، ولا تخضع لحساب يوم الدين.

ب- الشهداء – الفصل السابع من الرؤيا قاطع والآباء القديسون علَّمونا: الشهداء ينجون من الدينونة ويدخلون المجد فوراً. وانما ستقوم أجسادهم في يوم الدين، وتنضمّ الى ارواحهم وتشترك في مجدهم.

ج- العذراء، الرسل… – الكنيسة تعتبر العذراء باكورة المجد إذ سبقت البشر بعد ابنها اليه. يليها الرسل. يليهم الشهداء. وكثيرون من الآباء صنَّفوا الرهبان واقرانهم مع الشهداء.

د- أبرار العهد القديم – الكنيسة تعلّم ان جميع أبرار العهد القديم كانوا في الجحيم ولكنّ يسوع مات على الصليب، فنزل الى الجحيم، وأخرج منها أرواح الصديقين، ونقلهم الى الفردوس. وكذلك أدخل معه اللص الى الفردوس في يوم الوفاة أي يوم الجمعة العظيمة.

لقد أعدّ الله لنا هذا الملكوت الأبدي قبل انشاء العالم، إنه ملكوت المجد. فيه يصبح يسوع الكل بالكلّ. يقدّمنا يسوع لأبيه السماوي كبواكير، ليُغدق علينا مجده السرمدي.

هـ – ما دمنا هنا – هذا في الآخرة…؟ ولكن ما حظنا على الارض…؟

كنا امواتاً في الخطايا والزلات، فأعتقنا منها يسوع، ورفعنا الى المجد الأبدي، لنحيا في الثالوث القدوس بدون العوائق التي تعيقنا على الارض.

فما الحل الفاصل بين حياتنا الارضية وحياتنا في الاعالي…؟

ما دمنا في الجسد فسنكون في ضيق، لأن الخطيئة لا تسقط إلا في لحظة الوفاة. ستبقى التجربة ممكنة حتى المنية (انطونيوس الكبير). الموت وحده ينقذنا من مشاغبات الجسد والخطيئة… ولا كمال على الأرض إلا بموت الشهادة والاعتراف الكامل (99).

و – فالزمان حرب – قال يوحنا فم الذهب “زمان الحرب انما هو كل زمان حياتنا” (100). وقال ايضاً: “يجب ان تكون حياة المسيحي مملوءة من الدم، لا باهراق دم الأخرين، بل بأن يكون مستعداً لاهراق دمه هو” (101).

كان الأباء الأوائل يسعون لتقليد المسيح المصلوب والشهداء، وذلك في أعمالهم النسكية. كان موت الشهادة قمة الكمال في نظرة المسيحيين القدامى.

نعم! كان موت الشهادة حلم الاحلام لدى الغيورين من مسيحيي القرون الأولى، فتهافتوا عليه. تكلم عنه اثناسيوس الكبير وغيره بعبارات شائقة. ولما خفّت وطأة الاضطهادات، استشهد الناس في حياة البراري أي النسك. وليس النسك قفزة طارئة ظهرت بعد انخفاض حدة الاضطهادات. فقد كتب اقليمس (كليمندوس) الاسكندري ( المتوفي 211/216).

“المسيحي الكامل يمارس الإماتة الخارجية في كل مكان ودائماً؛ في النهار والليل، في أقواله، في حياته، في سلوكيّته، هو شهيد حقيقي” (102). هذا الكلام تكرر كثيراً عبر التاريخ المسيحي، وما هو إلا شرح لما جاء لدى بولس الرسول عن صلبنا مع المسيح، وحملِنا سماتِه، (غلاطية 20:2 و12:6 و17 و2كور 4:6 -5 و23:11) وتكميل ما ينقص من آلامه فينا (كولو: 24:1). والرهبان هم النماذج الحية لهذا الجهاد الروحي المرير المفروض على كل مؤمن، راهباً كان ام مدنياً.

الموت – فماذا يجري في الموت…؟

نتخلص من حكّة الخطيئة، من محدودية وجودنا، من القيود التي يقيّدنا بها ارتباطنا بجسد الخطيئة الفاني البالي الذي صار بعد خطيئة آدم سميكاً لا يخترقه النور الالهي. لقد خسر الشفّافية التي كانت تؤمّن له اختراق النور الالهي لكيانه بما فيه جسده. بولس تحدث عن مسكن الخطيئة فينا، في أعضائنا (رومية 7)، فصرنا فريسة حرب داخلية بين شوقنا الروحي القديم الى الله وشوقنا الطارىء – وانما الجارف – الى الدنيا الراثلة. تتصارع فينا ارادتان وعاطفتان، فنرى انفسنا في تخبّط دائم لا يجدي ضميرنا معه – إلا قليلاً – مهما كان حيّاً، ومهما كوانا بتوبيخاته القطّاعة أكتر من السيف المهنَّد.

التلألؤ – الذهبي الفم ذكر عن آدم تلألؤه الساطع قبل الخطيئة لمّا كان عريانا (103). ومع ان المعمودية والميرون والقربان المقدس يُعيدون إلينا النور ببهاء أعظم، فان اجسادنا تبقى حجاباً لا يخترقه النور الساكن فينا بسهولة، إلا تبعاً لنموّنا في يسوع. وقلما يظهر التلألؤ للعين المجردة إلا متى شاء الله. فهذا تابع لمقاصده الإلهية. ما دمنا في الجسد فنحن معرَّضون للزلل والسقوط. لا تنتهي غربتنا إلا بالموت. آنذاك يظهر ما سنكون عليه أبدياً. مهما ذقنا المجد الأبدي هنا، نبقى بلا ضمانة نهاية. ولذلك تتبعنا دموع التوبة حتى ضجعة الموت، فينتهي صليب الدموع ويبدأ صليب المجد الأبدي (104).

في لغز – بولس ذكر اننا نرى هنا في مرآة، في لغز، اما هناك فوجهاً لوجه (كورنتوس الاولى 13). فهنا العوائق. تنتقل الروح البارَّة الزكية الى الله شفّافة نورانية. يرى غريغوريوس اللاهوتي أنها تتابع هناك سيرتها على الارض، ولكن بعد الخلاص من العوائق التي ذكرناها، فضلاً عن سطوع النور فيها بأوفر بهاء وأحلى بيان مما كان عليه هنا (105).

موت الأهل – ولذلك، علينا ان نبذل كل الجهود المستطاعة لتأمين موت الأهل والصحب ميتةً صالحة بدون خوف. الموت لا يخيفنا لأنه ينقلنا من الموت الى الحياة. فأهمّ خدمة نسديها الى اهلنا المدنفين (المشرفين على الموت) هي الإتيان بكاهن ليعترفوا، ويتوبوا، ويتناولوا القربان القدوس (106).

والذين يخدعهم الشيطان، فيتوهمون ان قدوم الكاهن لهذا الغرض دليل على ان موتهم قريب، فيرتعدون امام هذا الوهم، هم ضعفاء الإيمان. المؤمن يهلّل لدخول الكاهن حاملا القربان، وإلا كان شبه كافر. والأهل الذين يخدعهم الشيطان، فيشفقون على مرضاهم، فيتجنبون الإتيان بالكاهن لئلا يخاف مرضاهم الموت، هم العوبة الشيطان. يرتكبون شبه كفر: أَشفَقْوا على الجسد ولم يُشفقوا على الروح.

كل هذا من علامات قلة الإيمان التي تبلغ أحيانا حدّ الكفر. فغيرتي على جسد نسيبي هي أقوى من غيرتي على روحه. إذن: أنا أحببت الجسد أكثرَ من الروح. هذا لون من الكفر بالله لا ننتبه له، لاننا غارقون في الإهمال، والتقاعس، والرخاوة الروحية، واللامبالاة بمصير الاهل والخلاَّن في العالم الآخر. ربَّنا! أيقظنا من غفلتنا، فاننا نخونك بعدم مبالاتنا.

17 – لماذا كل هذا التعقيد…؟

التعقيد غنى. التبسيط فقر. الاختزال إفراغ لا تعبئة وملء.

يعجب البعض من الصيغة السابقة للايمان المسيحي. يتساءل: لماذا لم يختر الله اسلوباً آخر لخلاصنا…؟ اما كان يستطيع ان يخلصنا بدون هذه المأساة الجارية على الصليب…؟

تحليلات هامة – ان الله قادر على كل شيىء. كان يستطيع ان يبدّل تكوين كلّ واحد منا.  ولكن ان بدَّل تكويني أفناني، وخلق آخر بدلاً مني. فلا أخلص أنا شخصياً. ومن يخلق الله بدلا مني يكون هذا البدل خليقة جديدة مختلفة عني نوعياً وجذرياً.

ولو شاء لأقام ملاكاً وسيطاً بينه وبيننا. ولكن هل يصلح الملاك وسيطاً بين الله والانسان؟ الملائكة أرواح مرسلة لخدمة الذين يرثون الخلاص. الشيروفيم والسيرافيم يرتعدون امام بهاء مجد الله ويخشعون. فكيف يظهرون امامه وسطاء؟

لا وسيط إلا الذي يكون الهاً وانساناً. يسوع اله يتوسط مع ابيه، ويسوع انسان يتوسط مع الانسان. في ناسوته، صالح الله مع الناس. هذا هو الحلّ اللائق بمجده. لم يستحقنا بتدبير معيَّن لا دخل لنا فيه. دنا الاب الينا في شخص ابنه، فجذبنا الى أحضانه.

ويتسائل البعض: ان العقل النقّاد يرتاب امام هذه الصورة من التدبير الالهي. والعلم يرفض الحلول التي لا تكون بدقّة الرياضيات والفيزياء والكيمياء.

ونجيبه: بعد ان عرفنا ان الآب أحبّنا أبلغ الحب، فارسل روحه القدوس، ليعقد من احشاء مريم البتول ناسوتا لابنه الحبيب ينزف دماً على الصليب، لم نعد نقبل اي حلّ آخر.

غير المعقول معقول – فهذا الحلّ الغير المعقول هو وحده المعقول.

كيف لا يرضى به قلبي وانا ارى نفسي حاملاً الموت في جسدي، والبؤس في نفسي، اخبط في العمر خبطَ عشواء على غير هدى ولا رويَّة؟

الانجيل عرض عليَّ الثالوث القدوس مقدِّماً يسوع ذبيحة ومحرقة من اجلي، عرض عليَّ الآب مقدِّماً ابنه ضحية على الصليب.

الانجيل عرض عليّ يسوع المصلوب النازف، طعاماً وشراباً في القربان. فاخرسْ يا عقلي، واصمتْ يا لساني، واختفي يا وسواسي وشكوكي، فان دم المسيح قد طغى عليك. دم المسيح غيّبك في الرمال.

مَنْ انا الدويبة لكي يقدم يسوع نفسه ذبيحة من اجلي، ويدفع جسده ودمه الي طعاماً وشراباً؟

من هو هذا الكاهن او الاسقف الذي يبارك الخبز والخمر فيصبحا جسد يسوع ودمه؟ هو نفسه يسجد أمامهما مع انه هو الذي باركهما. وهو الذي يرتعد مذهولاً حين تناولهما (اي الاسقف او الكاهن).

الفراغ الوجودي – العقل يتكبر. “العلم ينفخ” (كورنثوس الاولى 1:8). اما انا فاني اتنكّر لعقلي وعلمي وفهمي مهما سموا على كل عقل وعلم وفهم، لانهم لا يسدّون لدي اي فراغ وجودي. هم عبء ثقيل على كاهلي، هم بدون متعة حقيقية ثابتة. مهما طال استمتاعي بهم، فان الشيخوخة أو المرض سيذهبان بهم.

القربان آية – اما جسد يسوع ودمه، فاحتاج الى عقل الله – لا الى عقل الملائكة – لكي استطيع ان أبذل شيئاً بسيطاً من القدرة على تأمل مجدهما. الملائكة عاجزون عن ادراك عظمة سر القربان. فاي شيطان يحرّكني لاتفلسف فيه وانتقده؟

قد يعرض علي العلماء والفهماء ملايين الصيغ التي كان يمكن لله ان يستعملها من اجل خلاصنا بدون التجسد والصليب والقربان.

كلها مرفوضة رفضاً قاطعاً.

قد يقنعني علماء بان الانجيل غير صحيح تاريخياً. ومع هذا سأبقى متعلقاً بجسد يسوع ودمه بدون الانجيل، طبعاً هذا افتراض.

فالانسان عاجز عن تأليف الانجيل، عاجز عن تصوير صيغة خلاصنا في الانجيل.

افضِّل- مع باسكال  Pascal- أن اعيش على اساس وجود الآخرة. ذلك افضل من العيش على اساس الفناء كالحيوانات، فاتصرف حيوانياً مهما طال الأمد.

وافضّل ان اعيش على اساس ان ما اتناوله هو جسد الرب ودمه. فكل جوعي الوجودي – لا العقلي فقط – لا يجدُ ضالّته المنشودة إلا في احتضان فمي لجسد الرب ودمه. هذا وحده قنبلة ذرية تفجّر كوامن الضعف والانحلال في نفسي وجسدي. هذا وحده يعدني وعداً صادقاً بان وجودي الهزيل في الجرائم والموبقات سيستحيل يوماً بفضل هذا الدم وهذا الجسد الى مجد أبدي.

لا حلّ لمشاكل الانسان الكبرى الا بوضع جسد يسوع بين اضراسنا لنعضَّه، كما قال يوحنا فم الذهب. لا حلَّ لها الا بغسل نجاسة افواهنا ونفوسنا بدم يسوع.

فديانة يسوع ديانة تمريغ الرؤوس في التراب هولاً من ملامسة جسده ودمه، لا ديانة متفذلكين وعلماء يجعلون من الدين نظاماً فلسفياً او علميّاً، “على البارد، لا على السخن”.

اعجب العجب هوان يسع فمي جسد يسوع ودمه، بدون ان احترق مثل بنزين الطائرات، بدون أن أتلاشى في عدم الوجود، كأنّ امي لم تلدني يوماً ولم اكن. ان جهنم مع دم المسيح وجسده خير من الوجود بدونهما. فالعلماء وبالاحرى ادعياء العلم المتفذلكون خالون من حرارة الروح المضطرم وباردون اكثر من الصقيع. فالمسيحي حرارة لا برودة، حرارة اقوى من حرارة الشمس.

مناجاة – يسوع! يسوع! يسوع! كيف تحتمل ان تدخل فمي بدون ان احترق، مع ان نارك أشدّ لظى من قلب قرص الشمس؟ هذا سرّ تدبيرك. هذا سرّ محبة أبيك. هذا سرّ عطف روحك القدوس. هذا سرّ انحناء الثالوث القدوس على بؤسنا وشقائنا.

والأعجب من ذلك، اني أتقدم اليك بفكرٍ غير طاهر، وقلبٍ نجس ونفس مبعثرة بين أصابع الشياطين ومجاري رياحهم العاتية.

ومع هذا تقبلني تناولني جسدك ودمك، بدون اي شرط تضعه عليّ. إلا اني اشعر باني أذنب حين تجاسرت، فتناولتك. واشعر بانه علي ان اتقدم اليك – لاحقاً – بقلب أوفر نقاء. ولكن دمك وحده يطهرني.

ومع هذا فانا صامد في الشر، وصامد في الوقاحة. فاتقدّم اليك بلا استحقاق، بلا توبة، بلا دموع، بلا انسحاق، بلا اعتصار.

يا للعجب! لمْ ولن ترفضني. فإلى متى تصبر علي؟

اعرف ان صبرك لن ينفعك، وان حجمه هو اكبر من حجم فظاظة وقاحتي واجرامي. انت غير محدود. وشناعتي غير محدودة. كلانا على طرفي نقيض. ويلي!

لذلك، ألجم لساني مُقْتَصِراً على الطلب اليك: اصبر علي حتى المنتهى. آمين.

18- تبادل الصفات: مريم ام الله

هناك مسألة دقيقة جداً. نقول في مريم انها ام الله، ام ربنا يسوع.

نقول: آلام الرب ودفنه وقيامته وصعوده ومجيئه الثاني. نقول: جسد الرب ودمه.

هل ولدت العذراء لاهوت يسوع؟ لا.

هل يمكن ان يكون لله جسد ودم؟ هل يموت الاله؟ هل تدخل الحربة جنب اللإله؟ هل نستطيع ان نحصر الله في قبر؟ هل لله قبر؟

المسألة بالغة الدقة. يسوع شخص واحد لا شخصان. عندما اتكلم لا اقول: اكل وشرب وقام ونام جسدي. لا اقول في ابي وامي: ابو جسدي، امّ جسدي.

“انا” الانسان – جسدي هو الوسيط بيني وبين العالم الخارجي. وكل الوان العلاقات أنسبها الى شخصي لا الى جسدي. لفظة “انا” موجودة في كلامي عن أي شأن يتعلق بي. رأسي، عيني، يدي، كتابي، ثيابي، حقلي. (انا) أكلتُ، شربتُ، لبستُ، عملتُ، مشيتُ… وهكذا دواليك.

فقد نسبتُ كل شيىء الى “انا”. الى شخصي أنا.

ليس للحيوان شخص، ليس له “أنا”. لا يشعر الحيوان بان له “أنا”. ولا له شخصية.

الله شخص – الله شخص. الانسان شخص. يسوع شخص متأنّس.

بما انه شخص متأنس قال: “جسدي، دمي”.

نحن ننطلق من هذا الاعتبار: اي التركيز على الشخص.

اقنوم الطبيعتين – يسوع نضد في شخصه اللاهوت والناسوت.

شخصه موجود قبل الناسوت. لما تجسد جعل ناسوته يوجد في شخص لاهوته الصائر شخصياً (اقنوماً) للاثنين. هو موجود فيهما. بالنسبة للاهوت، شخصه وجوهره اللاهوتي سرمديان. ليس شخصه قبل جوهره زمانا، ولا جوهره قبل شخصه.

منذ الأزل شخصه موجود حاملاً لاهوته. اللاهوت موجود في شخصه.

في الزمان ضمّ الى شخصه الالهي ناسوتاً، فصار الناسوت موجوداً، قائماً في شخص ابن الله.

شخص في الطبيعتين – هذا الشخص موجود في الطبيعتين الالهية والانسانية.

ليس شيئاً اضافياً ازود منهما. ليس خارجهما، ليس إلى جانبهما. هو فيهما. التقتا فيه بارادته الالهية. يعمل فيهما. يظهر فيهما وعبرهما. هو موجود، قائم فيهما. قوامهما هو فيه. وهو موجود فيهما. لا وجود لهما خارجه، ولا وجود له خارجهما. هو عامل اتحادهما. فيه تتحدان. لا يمكن تصوره خارجاً عنهما او خارجتين عنه.

بلا تناوب – لا يتناوب شخص يسوع بين الطبيعتين، اي لا يكون الآن اقنوم اللاهوت ثم اقنوم الناسوت ثم يعود ليكون اقنوم اللاهوت. هو معا ودوما اقنوم كليهما. ولا يمكن تصور اي فجوة بين اللاهوت والناسوت.

الثالوث والتجسد – نقول في الثالوث: اله واحد في 3 اقانيم. نقول في يسوع: اقنوم في طبيعتين.

اقنوم غير منقسم – نميز الطبيعتين، ولكننا لا نقسم الاقنوم ولا نباعد بين الطبيعتين لأنهما متحدتان اتحاداً وثيقاً في الاقنوم الى الأبد، بلا انفصال.

ام الله – لذلك نؤمن بان العذراء هي ام الله. هي طبعاً ام يسوع، لا ام الأب والروح القدس. أليصابات قالت لها: “ام ربي” (107).

فهذه التي اعطت يسوع ناسوتاً ملكت قلوبنا وسحرت البابنا، فوضعنا أنفسنا وديعة بين يديها لتقدمها الى عرش ابنها.

19- التألّه

يسوع ضمَّ ناسوتاً الى لاهوته في شخصه الواحد. اللاهوت مسح الناسوت. أشبعه من الإشعاعات الالهية: ألَّهه.

النعمة من الجوهر – هذه الإشعاعات تصدر من جوهر الله. ولكنها ليست جوهره. انما هي اشعاعات جوهرية. نقلت الى الناسوت الحياة الالهية، أشركتُه في حياة الله. والنور هو نعمة الله، هو قوة الله.

يسوع هو ابن الله من جهة ألوهته.

يسوع هو ابن مريم من جهة ناسوته.

تبنَّانا الآب – اتحاد اللاهوت والناسوت جعل الناسوت ابناً للآب.

وبما ان التجسد صار من اجلنا، فما هو مردوده علينا؟

نعمته فينا – النعمة الالهية تحلُّ فينا، وتلدنا ثانية في يسوع. لا تصّيرنا ويسوع اقنوماً واحداً. انما تتغلغل فينا (كما تغلغلت في ناسوت يسوع) مع أخذ الفرق – بيننا وبين يسوع – بعين الاعتبار.

نقنّمها – مرَّ معنا ان شخص يسوع الإلهي صار اقنوماً لناسوته. انه قد قنَّم الناسوت، قد جعل للناسوت اقنوماً، هو اقنوم ابن الله المتجسّد.

بالمقابل يضمّ الله النعمة الالهية الى شخصنا، فيقنِّمُها شخصنا فيه، ونصير شركاء الحياة الالهية. نصير ابناء الله بالتبنّي.

نعمة غير مخلوقة – النعمة غير مخلوقة، اما انا فمخلوق. انما تنقلني من وضع مخلوق لتُدخلني في عالم غير المخلوق. تصبح جزءاً مني. اصبح مؤلفاً من نعمة وروح وجسد.

التجلي – وهكذا أقتني إمكانية التجلي مثل يسوع على جبل ثابور. تجلّى قديسون عديديون وهم بعد احياء. في رأي كالستوس واغناطيوس اكسانثوبولي، قد يدوم الأمر يومين. ثم يعود المرء الى حاله. فما دمنا في الجسد، فنحن في ضيق. اما بعد الموت – وبخاصة بعد القيامة العامة – فان نورانيتنا تكون اسطع من الشمس، يسطع النور من كل جوانبنا.

قلنا ان النعمة غير مخلوقة. عاد الغرب الى الرأي الارثوذكسي. في مقدمتنا لكتاب “ميامر افرامية” عالجتُ الموضوع وذكرتُ المصدر الكاثوليكي (معجم الروحانية). وهذا كسب مسيحي وحدوي كبير.

ونور التجلي في ثابور هو نور غير مخلوق. اخذناه بالمعمودية والميرون، انما تحجب خطايانا تلألؤه (ذياذوخوس، وكالستوس واغناطيوس اكسانثوبولس: المئوية 5).

فوق الملائكة – وآباء كثيرون قالوا ان التجسد رفعنا فوق مستوى الملائكة (سر التدبير، ص 64، 66).

فيا طبيب الاجساد والنفوس طبّبْ نفسي المريضة، ببلسم نعمتك هذه الالهية، لكي أستعيد قواي التي أوهنتها الخطايا، فأرفع اليك يدي شاكراً مهللاً. اللهم! ارحمني وألطف بي. اجعل تجسُّدك مسحة حياتي وخاتمها. اجعل آلامك ودمك المسفوك دهناً وحنوطاً لنفسي المثخنة بالخطايا والمشوّهة بقروح الآثام المنتنة. اجعل صلبك صلباً لاهوائي وصليبك سيفاً لقطع رؤوسها. اجعل موتك  موتاً لزلاتي، ودفنك دفناً لفسادي وانحلالي. كفّن بكفنك، وقيّد باربطة دفنك، كل حركات نفسي وجسدي المعادية لمجدك، حتى اذا ما اندمجت اقوى اندماج بصليبك، والامك، وموتك، ودفنك، وقبرك، أفوز بقيامتك.

على الصليب نحرك الجندي بالحربة، فكنت خروفنا الفصحي المذبوح عنا. في القبر صرت مائدة طعامنا الشهيّ. فيا قوتنا وشرابنا! كن لنا – بواسطة سرّ قبرك – ترياق الحياة الذي يقتل فينا سموم الخطايا، ويحيي رميم العظام. وأعطنا، بقلوب طاهرة، ان نسجد لتسجدك، وتأنسك، وآلامك، وصلبك، وموتك، ودفنك، وقبرك، وقيامتك، وصعودك، وذلك في أرواح تتلظّى شوقاً وحنيناً الى تجلّي مجدك. إن لم تتداركنا بواسطة روحك القدس، لكي نقدم هذا السجود، صرنا مثل عشب الحقل، بل أشقى الكائنات.


(98) ويسقط الجنس في الموت. فلا زواج ولا طعام ولا شراب بعد الموت. وحال المرأة كحال الرجل دون تمييز. هو شخص وهي شخص. السنكسار مترع بذكر القديسات (راجع: المرأة في نظر الكنيسة، حيث تقرأ أيضاً ان الذهبي يقول بمساواتهما قبل الخطيئة). في القيامة تزول الفوارق الجنسية، ويصير الرجال والنساء مثل الملائكة. فردوسنا روحي لا مادي.

(99) ذياخوس اسقف فوتيكي: المئوية في الكمال الروحي 90 و 94 .

(100) المواعظ على تسالونبكي الثانية 4:3 – 5 ؛ مين اليوناني 411:62 -412 .

(101) المواعظ على العبرانيين 15:5 ؛ مين اليوناني 52:63.

(102) مين اليوناني1048:8 -49 وطبعة الينابيع المسيحية .Stromates 11,20

(103) وقال : “ان آدم وحواء كانا يعيشان في الفردوس مئل الملائكة (الموعظة 5:15 على التكوين” مين 123:63 و…).

(104) قال الذهبي في شرح انجيل متّى: يسوع يكمِّل في لحظة الموت مختاريه. هذا يعني اننا باقون حتى تلك اللحظة في خطر. على ضميرنا ان يبقى يقظاً لا يثق باننا سوى نفايات وتفاهات مرذولة حتى تقبض الملائكة الأبرار ارواحنا. ولا نستطيع ضمان ذلك ابداً لأن أعمالنا شريرة، والإيمان بدون الأعمال ميت (يعقوب 26:2).

اما بالنسبة للرهبنة فبولس البسيط نسك في القرن الثالث قبل انطونيوس الكبير بدهر.

(105) راجع ملحق قانون يسوع.

(106) تعيب على المرء إهماله العناية بطعام والديه وكسوتهم ومسكنهم. فكم جريمته أفظع إن اهمل إطعامهم – في لحظة الموت – القربان المقدس…؟ الروح أهمّ من الجسد بلا قياس. وكذلك الحياة الأخيرة أهمّ من الأولى بما لا يُقاس. فليتناول المريض ويمتْ. هذا أفضل.

(107) في كتابنا “يهوه ام يسوع” دلَّلنا على هذا: يعني ان ربوبية يسوع هي الوهته.

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF

معلومات حول الصفحة

عناوين الصفحة

محتويات القسم

الوسوم

arArabic
انتقل إلى أعلى