الزواج بين السر والعالم

الزواج سرّ من أسرار الكنيسة. غايته الأولى الاتحاد بالله. هذا هو مضمونه ومنتهاه. ولذلك يتهيأ له كل انسان بالعودة الى الله، الى كلمته المحيية وأسراره المقدسة، يتصالح معه إن كان بعيدا عنه، ويتمرس بمحبته إن غدا من مختاريه، وذلك لأن الله هو الوجود، وهو، وحده ضمان كل لقاء بشري وهدفه.

هل هذا ما يعترف به الناس اليوم، او يسلكون بموجبه؟ قد يبدو السؤال سؤالا سطحياً، وسائله ساذجاً. وذلك أن ما لا يحتاج الى تأكيد أن معظم الناس لا يرون أن الله هو كل الحياة، وأن غالبيتهم يتبلّونه وحياتهم وأخطاءهم وما اليها. يضيفونه زياً من أزياء حضارة هذه الدنيا الفانية. ولا يعترفون بأنه هو الحب واليه الشوق. ويريدون أن يصنعوا دنيا جديدة. ويطمحون ويفشلون، ولا يريدون أن يعرفوا او يعترفوا بأن الله، وحده، هو الدنيا الجديدة وهو محقّقها في هذا “الدهر الحاضر الخداع”. ويحاولون أن يؤسسوا بيتا او عائلة… فيجترون دنياهم، وتنهشهم كبرياؤهم وأنانياتهم.

طبعا، ليس هذا هو حال الجميع، وذلك أن الله حفظ لنفسه أحباء كثيرين، وهؤلاء وحدهم قادرون على صنع المصير الجديد، لا بل هم صانعوه. وذلك أنهم يأتون من حقيقة مضمونها: “إن لم يبنِ الرب البيت فباطلاً يتعب البنّاؤون”، تلك هي قاعدتهم لئلا يتوهوا في صحراء هذا الوجود ويأكلهم رملها.

ولا يخفي أن الناس، عموما، يهمهم في زيجاتهم أن يراهم البشر ويرضوا عنهم. الناس أسرى عيون بعضهم البعض. ولذلك انت لا تكون حضارياً إن لم تفنِ حياتك ومالك وأوقاتك من اجل ان يكون زواجك “مختلفا”. بذخ في الثياب والتبرج ضرورة حضارية!! وفستان العرس، إن لم يكن ثمينا فوق الحد، لا قيمة له. وزينة الكنيسة التي تنسي أن الله هو مزين النفوس والحياة هي قبل الصلاة والتوبة إن لم تكن أهم. فيديو، تصوير… مهما كان وضعك الاجتماعي إن لم تسلك طريق الذين سبقوك-أغلب الذين سبقوك- قد لا يكمل زواجك، وتصبح حديث الساعة. ينتقدك الناس بعتف ويشيعون عليك التهم. أهلك وأهل خطيبتك والأصدقاء، كلهم لهم رأيهم… الويل لك إن لم ترضخ. وإن خرجت عن العادة المرسومة، فستنعت بالرجعية، ستكون متخلفا وبخيلا… انت مضطر الى الخضوع الى ما رسم لك. ليس لك خيار في أن تكون حراً او ذا قناعة مختلفة (إلهية).

هذه الصورة “الواقعية” هي حالنا عموما في ما نتهيّا للزواج. ونرى، مطأطئين الرأس، أن الله بات ثانويا. ونسأل، ونحن في الأزمة، كيف نخرج من هذا الوضع المقيت؟ كيف تعاد لله كرامته في هذه الأرض؟ كيف يعود لأسرارنا وصلواتنا بهاؤها؟ من يقوِّم كل هذا؟ وهل يقبل الناس “المؤتمنون على الحقيقة “الرأي المستقيم، هل يقبلون التغيير، أم يفتشون عمّن يقول لهم: نعم، ولو كانت هذه النعم تخالف مشيئة الله؟ من ومن، أسئلة كثيرة. والجواب عنها مسؤولية الجميع.

نعم، نحن في الكنيسة نشجع على تمزيق هذه الصورة. ونقول للشجعان: مزقوها. تعالوا الى الله نوراً، وتصالحوا مع الحق. لا تجرحوا الله الذي يفرح لفرحكم. لا تضيّعوا أنفسكم. لا تتوهوا في حضارة فانية. ولا تجرحوا عيون الفقراء الذين، وهم أحبة الله، يموتون جوعاً وعرياً وجهلاً، وانتم تهدرون أموالكم، وقد لا يكون معظمكم قادراً على مماشاة هذا التيار الجارف تهدرون أموالكم، ويمكنكم أن تفرحوا الله بصرفها على حاجاتكم الضرورية وعلى من هم بحاجة الى كرمكم.

ونسأل لماذا لا ينجح، عموماً، زواجنا؟ ويحرجنا الجواب. ونحن نعرفه. وذلك لأننا نبدأ حياتنا بانفلاش رخيص في عالم متعب ملبك، ولا نستسلم لله. نحن أخذنا نقول كما يقول العالم المسمى متمدنا: “نجح زواجنا”، او “فشل زواجنا”، كأن مصيرنا مرتبط بأمور خارجية، ونحن لا نصنع المصير. هذا وذاك من الأعذار يرضينا، لأننا نزكي ضمائرنا بإلقاء الأسباب على غيرنا وعلى الدنيا والأوضاع…. ما يقلق حقاً أن معظم الناس يتزوجون متفقين على أمور عدة، والله ليس منها. ويبقى السؤال المؤلم: لماذا كثرت الخلافات الزوجية بين المسيحيين، والزواج واحد، وقد علّم بعض آبائنا انه ابدي (بمعنى أن المحبة بين الزوجين تبقى في اليوم الأخير)؟ ما هو الحل؟ ما من شك في أن اي لقاء بشري لا يمكنه أن ينجح إن لم يكن الله هو الغاية. حب الله اولا وأخيراً هو الحل. العودة اليه هي الحل. لا أن أكون انا المهم وما يريده الناس، وإنما ما يريده الله مني. هذا سؤال أساس يطرحه على نفسه، قبل أي عمل، كل من يفتش عن رضى الله: ماذا يريد مني الله أن اعمل؟

قلتُ الزواج سرّ. والسرّ مرتع لله فيه يكشف (ونكتشف) حضوره. أن نعي أننا، متزوجين، نخرج من الكنيسة ومعنا الله ونعمل كل يوم من اجل أن نحافظ عليه وأن نراه حقا في الآخر الذي عاهدنا الله، في معموديتنا، بأننا نحبه ومستعدون لان نموت من اجله، إن وعينا هذا، نكون قد فهمنا قصد الله في أسراره ودخلنا حركة الحب الأبدي الذي لا يقوى عليه شيء في العالم.

نقلاً عن نشرة رعيتي
الأحد أول تشرين الأول 2000 العدد 40

arArabic
انتقل إلى أعلى