المسيح ابن البشر

عندما يريد البعض أن يؤكد أن المسيح لم يكن إلهاً بل كان مجرّد إنسان، كثيراً ما تراهم يلجأون إلى الآيات التي تطلق عليه لقب “ابن الإنسان” أو “ابن البشر”. هؤلاء لا شك جاهلون أن هذا اللقب يتضمن اعترافاً صريحاً بأن المسيح إله، ذاك أن هذا اللقب يشير في الكتاب المقدس، في عهديه، إلى كائن إلهي له هيئة إنسان. ولا يقل لقب ابن البشر أهمية عن لقب ابن الله، ذلك أن صفات ابن البشر هي صفات إلهية أيضاً.

دانيال النبي هو أول من أطلق هذا اللقب على كائن سوف يأتي في آخر الأزمنة ليملك إلى الأبد: “ورأيت في رؤى الليل فإذا بمثل ابن البشر آتياً على سحاب السماء، فبلغ إلى القديم الأيام وُقرّب إلى أمامه، وأوتي سلطاناً ومجداً ومُلكاً، فجميع الشعوب والأمم والآلسنة يعبدونه، وسلطانه أبدي لا يزول، ومُلكه لا ينقرض (دانيال 7: 13-14 ). صورة الرب الآتي على السحاب صورة مألوفة في العهد القديم تشير إلى حضور الله نفسه بقوة.

كشف يسوع المسيح لتلاميذه أنه هو ابن الإنسان الوارد ذكره في سفر دانيال، فيستعمل في خطابه عن الأزمنة الأخيرة الصورة ذاﺗﻬا الموجودة عند دانيال قائلا : ” وحينئذٍ تظهر علامة ابن البشر في السماء، وتنوح حينئذٍ جميع قبائل الأرض، ويرون ابن البشر آتياً على سحاب السماء بقوة وجلال عظيمين ” (متى 24: 30).
ويرتبط الحديث عن المسيح كونه ابن البشر بالحديث عن اليوم الأخير والدينونة، فابن البشر هو الدّيان الذي سيدين الأحياء والأموات.

ويرتبط الحديث أيضاً عن ابن البشر بالحديث عن آلام الرب الخلاصية، ففي كل مرة كان يُعّلم يسوع تلاميذه عن قتله وقيامته كان يستعمل لقب ابن البشر. (متى 20: 18-19).

في إنجيل يوحنا ساعة الموت على الصليب هي ساعة اﻟﻤﺠد وابن البشر هو الذي سيموت ويتمجد في موته، ففي الليلة التي فيها ُأسلم قال يسوع: “الآن تمجَّدَ ابن البشر وتَمجَّدَ الله فيه “( 13: 31).

ولكن هذا الموت الذي سوف يمجّد فيه ابن البشر الله هو ذاته الذي سيعطي الخلاص للعالم : “وكما رَفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يُرفع ابن البشر لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية (يوحنا 3: 14-15)، فابن البشر إذاً يهَبُ الخلاص لمن يؤمن  به مصلوباً لأجله وأجل خلاصه.

السبب الذي دعا اليهود يحكمون على المسيح بالموت هو قوله لهم أنه ابن البشر، فعندما سأله قيافا رئيس الكهنة: هل أنت المسيح ابن الله المبارك؟ أجابه يسوع: أنا هو، وسترون ابن البشر جالساً عن يمين القدرة وآتياً على سحاب السماء” (مرقس 14: 61). حينئذٍ اﺗﻬمه المحفل اليهودي كله بالتجديف وحكموا عليه بأنه مستوجب الموت. لقد فهم اليهود أن يسوع عندما اعتبر نفسه ابن البشر إنما ساوى نفسه بالله، ذاك أن هذا اللقب يشير إلى كائن إلهي سوف يأتي من السماء على السحاب ليردّ اُلملك لإسرائيل، لكن المسيح خيّب آمالهم وأظهر لهم ملكاً مختلفاً عمّا تصوروه، فقتلوه أشرّ قتلة.

لا شكّ أن مهمة ابن البشر الأساسية هي منح الخلاص لكل البشر، ذلك أن “ابن البشر أتى ليَطلب ويخلِّص ما قد هلك” (لوقا 19: 10). لقد جاء ابن البشر ومات وقام متمماً كل برّ، وخّلصنا بدمه، وسوف يأتي في اليوم الأخير ليدين الأحياء والأموات، فلنتهيأ لذلك اليوم بما رسمه يسوع نفسه لأجل خلاصنا، حتى لا تكون المفاجأة فاجعة لا قوام من بعدها.

المتروبوليت يوحنا منصور
عن نشرة مطرانية اللاذقية

sr_RSSerbian
Иди на врх