Фејсбук
Твиттер
Телеграм
ВхатсАпп
ПДФ

أ – الحق شخص

سأل بيلاطس المسيح إذا كان ملكاً، فأجابه الرب “ولدت وأتيتُ إلى العالم لأشهد للحق؛ فمن كان في الحق؛ يُصغي إلى صوتي” (يوحنا 18: 37). فسأله بيلاطس ثانية: “ما هو الحق؟” (يو18: 38). إن هذه العبارة لا تطرح السؤال بالشكل الصحيح. فالحق ليس شيئاً أو معنى مجرَّداً، ولهذا لا نستطيع أن نسأل: (ما هوا لحق). أن الحق ليس شيئاً بل هو شخص، والسؤال الصحيح يجب أن يكون: (من هو الحق؟).

لقد سبق أن أجاب الرب عن هذا السؤال، إذ قال لتلاميذه إنه ذاهب إلى الآب وإنه سيعود ليأخذهم ويرشدهم إليه حتى يكون الكل معه: “أنتم تعرفون الطريق إلى حيث أنا ذاهب”. فقال له توما: “يا رب؛ إننا لا نعرف إلى أين تذهب، فكيف نعرف الطريق؟” فقال له يسوع: “أنا هو الطريق والحق والحياة، لا يمضي أحد الآب إلا إذا مرّ بي. فإذا كنتم تعرفونني عرفتم أبي أيضاً. وقد عرفتموه ورأيتموه”. فقال له فيليبس: “ربنا، أرنا الآب وحسبنا”. فقال له يسوع: “أنا معكم منذ وقت طويل ،ألا تعرفني يا فيليبس؟ من رآني فقد رأى الآب. فكيف تقول: أرنا الآب؟” (يو14: 4-9 وانظر عب10: 19-20). يثبت هذا المقطع أن المسيح لما تكلّم على الحق وعلى الطريق التي تقود إلى الآب، أي إلى الحياة، إنما كان يقصد أمراً واحداً، ولذا قال: “أنا هو الطريق والحق والحياة. من يعرفني يعرف الآب”.

الحق ليس شيئاً إذن، بل شخصاً. إنه شخص ربنا يسوع المسيح، أي الحق المتجسد والكلمة المتجسد (يو1: 14) الذي ينبغي أن نعرفه حتى تكون لنا الحياة (يو 5: 13) انظر يو 6: 47). المسيح هو الحق، وهو القادر وحده على قيادة الإنسان إلى الآب السماوي، فيجعله مشاركاً في حياة الله (يو 14: 6، 17: 2-3، لو 10: 22) لأن “النعمة والحق قد بلغا إلينا بيسوع المسيح” (يو 1: 17).

ما كان لتلاميذ المسيح أن يستوعبوا هذه الحقيقة بقواهم الخاصة، فأرسل الرب روح الحق ليقودهم إلى الحقيقة التامة. “إنه يأخذ ممّا لي ويطلعكم عليه” (يو 16: 14). تُظهر كلمات المسيح أن معرفة الله والإلهيات تنبع من فعل الإعلان الذي تمّ في شخص المسيح في آخر الأيام (عب 1: 2)، ومن فعل حضور الروح القدس في قلب الإنسان. فالرسل كانوا قُرب المسيح دائماً، وسمعوا مواعظه باستمرار، ولكنهم لم يعرفوا الحقيقة بقدراتهم الخاصة. وقد سأل المسيح تلاميذه مرة أن يقولوا له من هو، فأجابه بطرس: “أنت المسيح ابن الله الحي”. فقال له آنذاك كلماته المعروفة، لم يكتشف ذلك بقدراته الخاصة ،وأن الآب السماوي هو الذي كشف له ذلك (متى 16: 17).

ب – مثل آيوب

كلنا نعرف قصة آيوب الذي حاول عبثاً أن يكتشف أسرار الله بالمناقشة والمنطق. فلما اعتلن له الله، أدرك أن رغبته وشوقه مستحيلان بالاعتماد على قواه الخاصة وحدها، واستولى عليه شعور عميق بالانسحاق، فخاطب الله قائلاً: “لقد سمعت عنك بأذني لكنني الآن أراك بعيني، فها أنذا أرفض كلّ أقوالي وأندمُ في التراب والرماد” (أيوب 42: 5-6).

ليست الأهمية في الكلام على الله، بل في التواضع ونقاوة القلب في طلبه. وقد قال القديس غريغوريوس النزينزي: “التحدث عن الله أمرٌ عظيم ولكن تنقية القلب من أجله أمرٌ أعظم”. وقد قال القديس أفرام السرياني في إحدى رسائله: “فلنجتهدَنَّ، أيها الحبيب، في تحقيق حياة روحية بالتعاضدية  [1] وبالإيمان حتى نكون كاملين بهما معاً. إننا نصبح جديرين بمعرفة الإلهيات، إذا تغلبنا على أهوائنا وابتعدنا عن الاهتمامات الدنيوية، ونقينا ذهننا من كل فكرة باطلة، حتى إذا وَجَدَتْ نعمة الروح القدس راحتها فينا، أنارت قلوبنا، كما يضيء السراج المملؤ بالزيت والمجَّهز بالفتيل عندما تتّحد فيه النار بالمادة الموضوعة، فينشر نوره على الجميع.

أخي الحبيب، إذا أردت أن تقف على الدرجة العليا، فلا تنسَ التواضع. فإذا حدث أن انزلقت عن إحدى الدرجات، فإنك تجد الطريق ولا تسقط سقطة هائلة كما يحدث لناكري الجميل، الذين لم يدركوا ما وهبتهم إياه النعمة. لأنهم لو عرفوا المحسن لما استمروا في عصيان أوامره، ولو لم يريدوا العصيان لما استمروا في السقوط، فقد كتب: “من رفع نفسه اتضع ومن وضع نفسه ارتفع” (متى 23: 12)”.

ج – الاعتلان لموسى

قلنا أن الإنسان لا يستطيع أن يجد الله وحده، وأنه من الضروري أن يكشف الله نفسه لقلب الإنسان، فبأية طريقة يعتلن الله إذن؟ هذا ما نستطيعه أن نتتبعه في مثل موسى.

قال الرب لموسى: “اذهب إلى الشعب وقدّسهم اليوم أو غداً، وليغسلوا ثيابهم، ويكونوا مستعدين لليوم الثالث. لأنه في اليوم الثالث ينزل الرب أمام عيون جميع الشعب على جبل سيناء” (خروج 19: 10-11). وفي مكان آخر تلقّى موسى أمراً من الله بأن يأخذ هارون وناداب وأبيهو وسبعين من الشيوخ، ويصعد إلى الجبل، أما سائر الشعب فيبقون عند سفح الجبل (خر 24: 1-2). فامتثل موسى لأمر الرب وقدّم ذبيحة ثم نضح الشعب بدمها، وصعد بعد ذلك إلى الجبل مع الأشخاص الذين حددّهم الرب. ولكن مرافقي موسى لم يروا الرب في قمة الجبل، بل بدا لهم “المكان الذي وقف فيه إله إسرائيل ” وكأنه “من العقيق الأزرق الشفاف وأشبه بذات السماء من النقاوة” (خر 24: 10). ثم أمر الرب موسى قائلاً: “اصعد إلى قمة الجبل وأقِمْ هناك، فأُعطيك لوحي الحجارة والشريعة والوصية التي كتبتها لتعليمهم” (خر 24/ 12). “فأخذ موسى يشوع وصعد إلى جبل الله الذي ظلّلته الغمامة. وحلّ مجد الرب على جبل سيناء وغطاه الغمام ستة أيام وفي اليوم السابع دُعي موسى من وسط الغمام ودخل موسى وسط الغمام وصعد إلى الجبل. وبقي موسى في الجبل أربعين نهاراً وأربعين ليلة” (خر 24: 15-18). “وحدثت رعود وبروق وغمام كثيف على جبل سيناء…. وكان الجبل يدخّن كله، لأن الرب نزل عليه بالنار. وصعد دخانه كدخان الآتون…. وموسى يتكلم والله يجيبه بصوت” (خر 19: 16-19، انظر تثنية 4: 11-12 و5: 22).

الله موجود إذن “داخل الغمامة” وفي السحابة (2 أخ 6: 1، حز 10:4). ولما كان موسى قد استحق سماع صوته، فقد أدخله الله داخل الغمامة، حيث التقاه وجهاً لوجه وسلّمه الوصايا وناموس الحياة والحكمة.

د – قبول الإنسان

لم يكن موسى قادراً، وهو في وسط الغمامة، أن يُميّز أي شيء بعينيّ جسده وبإمكاناته البشرية، ولكن الله كلّمه واعتلن له، وهكذا أدرك موسى أن ظهور مجد الله ليس نتيجة جهد عقلي، بل هو من عمل الله نفسه، وثمر حضور الروح القدس في قلبه، وأن على الشعب الإسرائيلي أن يتطهر داخلياً إذا شاء أن يكلّمه الله. فالإعلان الإلهي يتوافق مع الطهارة الداخلية لكل إنسان.

تقدم الشعب الكثير العدد والمتردد في محبته لله وفي طهارة قلب حتى سفح الجبل فقط، فاستطاع أن يرى مجد الله من بعيد، كدخان في قمة الجبل. أما الذين رافقوا موسى وصعدوا معه إلى الجبل فقد رأوا “المكان الذي وقف فيه الله”. وصعد يشوع إلى مكان أعلى. وأخيراً أمر الرب موسى أن يدخل الغمامة في أعلى مكان من الجبل، وان يبقى هناك أربعين يوماً وأربعين ليلة، حتى يعتلن الله له كُلياً.


[1] – التعاضدية (synergisme ): اشتراك الإنسان في عمل الله الهادف إلى خلاص نفسه.

Фејсбук
Твиттер
Телеграм
ВхатсАпп
ПДФ

Информације о страници

Наслови страница

Садржај секције

Ознаке

sr_RSSerbian
Иди на врх