بعد كل توضيحاتنا السابقة، يبقى أن نتعرف على تعليم آباء الكنيسة كما أوجزه يوحنا الدمشقي الذي يعتبر حجة لدى الأرثوذكس والكاثوليك (51). فقد قام في القرن الثامن “بصوصلة” بارعة جداً فرضته على الأجيال معلماً بارزاً. ستتكرر الأمور أحياناً. الثل قال: “في الإعادة إفادة”. فالمعذرة سلفاً.
لوسكي استشهد بنص غريغوريوس اللاهوتي ورد لدى دي رينيون في المجلد 1: 402. يقول إن هناك طريقتين للكلام في اللاهوت: أما البدء بالله أو البدء بالثالوث. الطريقتين صحيحتان في رأيه. وقال لوسكي أن اللاتين انطلقوا من الله واليونان من الثالوث وكلاهما على صواب (ص 51). دي رينيون في الصفحة 433 التي يستشهد بها لوسكي يرى في ذلك فارقاً. ربما قصد دي رينيون في ذلك لا زمن الآباء، بل القرون اللاحقة للوحدة. أي بعد 1054، إذ أخذ الغرب يركِّز على الجوهر الواحد جاعلاً الأقانيم تميُّزات ضمن الجوهر، بينما الأرثوذكسي يركزون على الأقانيم لأن الجوهر موجود فيها كقنية لهم. فلبسوا تميُّزات فيه كناتج عنه. هم يملكونه. هذا إنحراف فلسفي يوناني نحو الماهية.
1- طبيعة، جوهر، أقنوم، شخص
وعلى نحو ما نعترف بطبيعة واحدة وثلاثة أقانيم في اللاهوت، قائلين بحقيقة وجودهم، وببساطة كل ما يتعلق بالطبيعة والجوهر (52)، فإننا نقرّ بتباين الأقانيم في خواصهم الثلاثة وحدها: (أي) في عدم العلة، والأبوة، وفي العلة والنبؤَّة، وفي العلة والانبثاق. ونثبت أنهم لا يخرج أحدهم عن الآخرين ولا ينفصل، بل يظلّون متحدين بعضهم ببعض، ونافذين بعضهم في بعض بلا اختلاط، ومتحدين بلا امتزاج.
فهم ثلاثة وإن كانوا متحدين ومتميزين بدون انفصال، لأن كل واحد منهم وإن كان قائماً بذاته –أي له أقنومه الكامل وله امتيازه الخاص أي حاصل على طريقة وجوده المتباينة- إلا أنهم متحدون في الجوهر وفي الخواص الطبيعية، وفي أنهم لا ينفصلون، وفي عدم الخروج عن الأقنوم الأبوي، وفي أنهم واحد، ويُعرفون بوحدتهم.
“وعلى نحو ما يتحد أقانيم الثالوث الأقدس بلا اختلاط، يتميزون بلا انفصال، ويُعَدُّون –ليس من شأن العدد أن يُجري فيهم انقساماً أو انفصالاً أو تغييراً ما قطعاً، لأننا نعرف إلهاً واحدً، الآب والابن والروح القدس. فعلى النحو نفسه تكون طبيعتا المسيح (53).
“لا يمكن القول بأن أقانيم اللاهوت الثلاثة – ولو كانوا متحدين بعضهم ببعض – هم أقنوم واحد، وذلك لئلا نجعل اختلاطاً وبلبالاً في تباين الأقانيم” (ص 160-161).
“أن ما هو مشترك وعام يُسنَد إلى الخصوصيات المتضمَّنة فيه. ومن ثمَّ، فإن الجوهر شيء مشترك بما أنه نوع، بينما الأقنوم هو خاص.
وهو خاصّ لا كما لو كان له جزء من الطبيعة وليس له الباقي (منها)، بل هو خاص بمعنى عددي، بما أنه فردي.
فإن الفرق بين الأقانيم يكمن في العدد لا في الطبيعة.
لذلك فالجوهر مُسنَد إلى الأقنوم، لأن الجوهر كامل في كل أقنوم من النوع الواحد.
لذلك لا تختلف الأقانيم بعضها عن بعض في الجوهر، بل في الاعراض التي هي في الحقيقة الخوَّاص المميِّزة، ولكن الممّزة للأقنوم لا للطبيعة. فإنها، في الحقيقة، (أي الخوّاص) تحدِّد الأقنوم كجوهر مع أعراض (54). حتى أن الأقنوم يحوي معاً العام والخاص، وله وجود مستقل، بينما ليس للجوهر وجود مستقل، بل يُتأمَّل في الأقانيم.
وتبعاً لذلك، في الطبيعة بتمامها القادرة على التألم، متى تالم أحد أقانيمها فقد تألمت في احد أقانيمها بقدر ما تألم الأقنوم، ولكن لا يستتبع ذلك بالضرورة أن كل الأقانيم التي هي من النوع نفسه ستتألم حتماً مع الأقنوم المتألم (55).
وعليه نعترف بأن طبيعة اللاهوت موجودة كلها باكملها في كل من أقانيمه: كلها في الآب، وكلها في الابن، وكلها في الروح القدس.
لذلك، الآب إله كامل، والابن إله كامل، والروح القدس إله كامل.
وهكذا نقول أيضاً أن في تأنّس أحد الثالوث الاقدس كلمة الله، تتحد كل طبيعة اللاهوت الكاملة في أحد أقانيمها كل الطبيعة البشرية” (الدمشقي، ص 162: صححنا ترجمته لما في النص من عسر) (56).
لا توجد طبيعة بلا أقنوم، أو جوهر على وحدة بعيداً من شخص – لأنه في الحقيقة، في الاشخاص أو الأقانيم يُتامَّل الجوهر والطبيعة” (ص 167: مصحَّح).
الأقنوم الثاني من الثالوث القدوس وحده تجسَّد. لم يتجسّد لا الآب ولا الروح القدس. الآب سر مرتضياً والروح القدس حل على العذراء، فعقد من احشائها ناسوتاً ليسوع وحل فيه. أما حلوله على يسوع في يوم الظهور الإلهي في الأردن فهو للشهادة (الذهبي) كما تقول الترنيمة: “والروح، بهيئة حمامة، يؤيد حقيقة الكلمة”. دلَّ على يسوع أنه ابن الله. وحلول الروح القدس في جسد يسوع هو سكن النعمة لا الأقنوم كما يقول ستانيلواي. نكرر: لم يتجسد الآب والروح القدس في أية حال من الأحوال (الدمشقي 3: 6 و11: 3) كما جاء أعلاه.
2- الله
“نؤمن بالإله الواحد، المبدإ الوحيد الذي لا مبدأ له، غير المخلوق، غير المولود، غير الزائل، غير المائت، أبدي، غير متناهي، لا يُطوَّق، غير المحدود، لا نهاية لقوته، البسيط، غير المركّب، لا جسم له، لا يجري (57)، ولا يتبدّل (58)، لا يتغير غير المرئي، ينبوع الصلاح، النور العقلي، لا يدني منه، القوة التي لا تقاس بغيرها لأنه كل ما شاء صنع” (59).
(هو) صانع كل خليقة مرئية وغير مرئية، ضابط الكل وحافظه، يعتني بالكل، سيّد الكل ومبدؤه، وملك كل مَلَكية، غير متناهٍ، لا يموت بدون أن يقاومه أي شيء، غني بكل شيء، لا يحصره شيء ويحصر هو الكون، يجمع كل ما هو موجود ويعتني به. ينفذ عبر كل الجواهر بدون دنس وإلى ما أبعد (منها).
(هو) فائق كل جوهر، فوق الكل، فائق اللاهوت، فائق الصلاح والملك. وَضَع حدود المبادئ والأنظمة وأساس كل المبادئ والأنظمة.
(هو) فائق الجوهر والحياة والعقل والفكر. هو نور ذاتي، وصلاح ذاتي وحياة ذاتية وجوهر ذاتي بما أنه لا يحوز كينونته من آخر. وبالتأكيد لا (يحوزها) من الموجودات الكائنة، لأنه هو ينبوع الكينونة لها، وينبوع الحياة للاحياء والنطق للمساهمين في النطق، وعلة جميع الخيرات للجميع.
هو عالم بالكل قبل أن يُولد الكل.
نؤمن بجوهر واحد، والوهة واحدة، وقوة واحدة، ومشيئة واحدة، وفعل واحد، ومبدإ واحد، وسلطة واحدة وربوبية واحدة، وملكية واحدة معروفة ومعبودة بعبادة واحدة بعينها، تؤمن بها وتعبدها كل خليقة ناطقة في ثلاثة أقانيم كاملين متحدين بدون اختلاط، ومتميِّزين بدون افتراق (وإن كان هذا من المتفارقات): الآب والابن والروح القدس الذي اعتمدنا باسمهم (كما امر الرب تلاميذه): “عمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس” (60) (ص 55 مصحَّح)
الله صالح، يؤمّن كل خير، إذ هو لا يخضع لا للغيرة ولا لأي هوى من أي نوع (الغيرة بعيدة جداً عن الطبيعة الإلهيَّة التي لا يعتريها تبدّل وهي وحدها صالحة). وبما أنه يعرف الكل ويؤمّن ما يوافق كل واحد، كشف لنا ما هو نافع لنا لنعرفه واغمض عنا ما لا نستطيع حمله” (ص 55 مصححة)
“إن ما هو إلهي كامل وليس فيه نقص البتة، لا في صلاحه، ولا في حكمته، ولا في قوته… هو كامل في كل صفاته. ووحدة الهوية في كل الصفات إنما تشير بالأحرى إلى واحد ل إلى كثرة (61).
كيف تسلم اللامحدودية فيمن هم كثرة؟ “… “الله فوق الكمال وقبل الكمال” (ص 61) يقصد: لا يمكن أن يكون كل من الكثيرين لا محدوداً. اللامحدود واحد عندنا لأن الله واحد. “لذلك، في الله، الذي وحده بدون تبدّل وغير قابل للتحويل والتغير، الولادة والخلق هما بدون تبدّل. فبما أنه بالطبيعة هو بدون تبدّل وغير خاضع للجري، لأنه بسيط وغير مركّب، فهو غير خاضع للتبدّل أو الجري لا في الولادة ولا في الخلق. ولم يكن بحاجة إلى مساعدة أحد. الولادة لا بدء لها وازلية – لأنها فعل الطبيعة وصادرة من جوهر الله-، ذلك كي لا يخضع الوالد للتحويل، وكي لا يكون إله أول وإله آخر، مما يُحدث إضافة” (ص 66: مصحّح). بتعبير أوضح: لا يحدث شيء جديد في الله: لا تبدّل، لا تحوير، لا انتقال، لا تغيّر، لا استحالة. إنه هو هو “الدائم وجوده الثابت الوجود” كما يقول الذهبي في خدمة القداس. لا يطرأ عليه أي حادث. ولد الابن بدون أن يطرأ عليه أي تبدُّل. وخلق الكون كذلك بإرادته لا بجوهره كما سيجيء.
“الله واحد وكامل، لا يُحصر، صانع الكل وسائسه. وهو فوق الكمال وقبل الكمال” (ص 61).
تجدر الملاحظة أن الدمشقي لا يرتّب الصفات السلبية في سلسلة وحدها والصفات الإيجابية في سلسلة وحدها. فالمرء يراوح بين الفئتين في ذهول بالإله الكلي الصلاح والفائق كل وصف وكل وبرّ.
3- الثالوث الأقدس
“الله واحد معروف في ثلاثة أقانيم الآب والابن والروح القدس. (هم) واحد في كل شيء، ما عدا عدم الولادة، والولادة، والانبثاق.
الوحيد الجنس ابن الله وكلمته والإله…
أما أيّ شيء هي الذات الإلهية، أو كيف هي في الثلاثة…؟ فهذا كله نجهله ونعجز عن الكلام فيه” (ص 56 مصحّح)
“الأقانيم متحدون دون اختلاط، ومتميزون دون انقسام” (ص 65). “وأعلم أن النظر بالفعل (هو) غير النظر بالنطق والفكر. وعليه يتّضح لنا تمييز الأفراد بالفعل (62) في جميع المخلوقات، لأن بطرس يبدو منفصلاً بالفعل عن بولس.
أما ما هو فيهما مشترك ومتجانس وواحد، فلسنا نشاهده إلا بالنطق والتفكير. فنفكّر في عقلنا أن بطرس وبولس من طبيعة هي هي نفسها، وأنّ لهما طبيعة مشتركة. فكل منهما ناطق ومائت. وكل منهما تُحيي جسده نفس ناطقة وعاقلة (63).
أم الطبيعة المشتركة فتُشاهد بالعقل، لأن الأفراد ليسوا بعضُهم في بعض، ولكل فرد –فيما يختصّ به- نفور من غيره، أي يبتعد بذاته في الكثير ممّا يميّزه من غيره. فهما أيضاً ينفصلون في المكان، ويختلفون في الزمان، وينقسمون في الرأي والقوة والشكل أي الهيئة والبنية والطبع والحجم والسيرة وسائر الميزات الخاصة، -وأكثر الكل- في أنهم ليسوا بعضهم في بعض، بل إن كيانهم منفصل انفصالاً تاماً. ومن ثم يقال رجلان وثلاثة رجال ورجال كثيرون.
“هذا هو الذي نراه في الخليقة كلها. أما الثالوث القدوس الفائق الجوهر الذي يعمّ حلاله الكل، وغير المدرك فهو عكس ذلك. فإن ما يروى بالفعل إنما هو الشركة والوحدة، (وذلك) بسبب التساوي في الأزلية ووحدة الجوهر والفعل والمشيئة.
واتفاق الرأي والسلطة والقوة ووحدة هوية الصلاح.
“ولا أقول بتشابه، بل بوحدة هوية، ووحدة انطلاق الحركة. فالجوهر واحد، والصلاح واحد، والقوة واحدة، والمشيئة واحدة، والفعل واحد، والسلطة واحد، بل هي واحدة، وهي هي نفسها، لا ثلاثة أمثال بعضهم في بعض، بل حركة واحدة، وهي هي في الأقانيم الثلاثة.
وليس لكل منهم بالنسبة إلى غيره أقلّ مما هو له بالنسبة لنفسه: أي أن الآب والابن والروح القدس واحد في كل شيء ما عدا عدم الولادة، والوالدة، والانبثاق. وهذا التمييز يكون بفعل التفكير، فنعرف الله واحداً، ونعرف في وحدة خواصه الأبوة والبنوة والانبثاق.
ونفهم الفرق على حسب العلة والمعلول وكمال كل أقنوم، أي طريقة وجوده (64). فلسنا نستطيع القول بانفصال مكاني –كما الأمر عندنا- في اللاهوت غير المحدود، لأن الأقانيم هم بعضهم في بعض، لا على طريقة الاختلاط بل التواجد، على نحو قول الرب القائل: “أنا في الآب والآب فيّ” (65).
ولسنا نقول باختلاف في الإرادة أو الرأي أو الفعل، أو القوة، أو أي شيء آخر، الأمر الذي يحدث فينا (نحن البشر) الانقسام الفعلي في كل شيء.
لذلك لا نقول بآلهة ثلاثة، الآب والابن والروح القدس، بل بالأحرى بإله واحد، الثالوث القدوس.
مرجع الابن والروح فيه هو إلى علة واحدة دون تركيب ولا اختلاط… فإنهم متحدون، لا للاختلاط، بل للتواجد بعضهم في بعض ونفود احدهم في الآخرَين بدون امتزاج ولا تشويش، ولا انفصال ولا انقسام.
لا يمك أن يُقسم اللاهوت إلى أقسام. وهو على نحو ما يصير في ثلاث شموس متواجدة بعضها في بعض وهي لا تنفصل، فيكون مزيج النور واحداً، والإضاءة واحدة.
إذا: عندما ننظر إلى اللاهوت، على أنه العلة الأولى والرئاسة الواحدة، والواحد، وحركة اللاهوت ومشيئته الواحدة – إذا صحّ القول -، وقوة الجوهر وفعله وسيادته ذاتها، فالذي يتصوَّر في ذهننا هو الواحد.
اما عندما ننظر إلى الذين فيهم اللاهوت أب –بعبارة أدقّ- إلى من هم اللاهوت (66)، ولا سيما إلى الصادرَين من العلة الأولى بغير زمن، والمساويين لها في المجد وعدم الانفصال –واعني والابن والروح، لا نستطيع أن نقول مع أرسطو بوجود جوهر وعرض. ليس من عرض في الثالوث. كله جوهر. فالمسيح لهم ثلاثة: الآب آب واحد. وهو لا مبدأ له –أي لا علّة له- لأنه ليس من أحد والابن ابن واحد. وهو ليس بلا مبدأ – أي بلا علة- وهو من الآب. وإذا اعتبرت البدء انطلاقاً من الزمن، فالابن لا بدء له، لأنه صانع الأزمان وهو ليس تحت الأزمان (67).
والروح القدس روح واحد صادر من الآب وذلك ليس بالولادة، بل بالانبثاق، لأن الآب لم ينفك عن أن يكون غير مولود –فإنه قد وَلَدَ الابنَ- ؛ والابن لم ينفك أن يكون مولوداً –لأنه وُلدَ من غير المولود-، فكيف إذاً؟ والروح القدس لا يستحيل إلى الآب أو الابن، لأنه منبثق ولأنه إله. فإن خاصّته لا تتحرك، وإلا كيف تبقى خاصةّ إذا تحركت واستحالت؟ (68).
فإذا صار الآب ابناً، فلا يكون أباً بالحقيقة – لأنّ الآب واحد حقاً. وإذا صار الابن آباً، فلا يكون ابناً بالحقيقة، لأن الابن واحد حقاً. والروح القدس واحد (69أ).
“وأعلم أننا لا نقول بأن الآب من أحد، بل نقول أنه أبو ابنه، ولا نقول بأن الابن علة أو الآب، بل نقول أنه من الآب وأنه ابن الآب. ونقول أيضاً بأن الروح القدس من الآب ونسميّه روح الآب. ولا نقول بأن الروح القدس من الابن (70أ)، ونسمّيه روح الابن. يقول الرسول الإلهي: “إن كان أحد ليس فيه روح المسيح فهو ليس منه” (رومية 8: 9). إ ثيئوذوريتوس سبق في العام 433-434 فقال أن الروح القدس لا ينبثق من الابن (الرسالة 171).
ونعترف بأن الابن يظهره ويمنحه لنا (71). فقد قال: “نفخ في تلاميذه وقال لهم: “خذوا الروح القدس” (يوحنا 20: 22). فكما أن الشعاع والاشراق من الشمس- وهي ينبوع الشعاق والإشراق- كذلك يمنح لنا إشراقة بواسطة الشعاع، فينيرنا به ويكون متعتنا. ولسنا نقول بأن الابن أبن الروح ولا أنه من الروح” (ص 72-73).
جاء في سر التدبير ما يوضح ذلك:
“(الابن) والآب والروح القدس يملكون جوهراً إلهياً واحداً بالتمام غير مجزّإٍ بينهم وبدون أن يكون بينهم أي انفصال أو فراغ. فكل ما في الثالوث جوهر كما قال باسيليوس الكبير (مين 31: 604)”. وليس فيه عرض. أما نحن البشر فأفراد منفصلون عن بعضنا بعضاً. الطبيعة البشرية موجودة فينا، ولكن يمتلكها كل واحد على حدة. لا يسكن أحد منا في الآخر سكنى تامة بل نحن منفصلون (ص 25). وندرك الطبيعة البشرية الواحدة بعملية تفكير منطقي، فنستنتج استنتاجاً أنها واحدة. أما في الثالوث فهي واحدة لا 3.
4- الأقانيم
“يتساوى الأقانيم الثلاثة الإلهيون في اللاهوت الأقدس. وهم متساوون وغير مخلوقين.. الآب وحده غير مولود. وليس وجوده في أقنوم آخر غيره. والابن وحده مولود، لأنه وُلِدَ من جوهر المنزّه عن البدء والزمان.
والروح القدس وحده منبثق من جوهر الآب- غير مولود بل منبثق (يوحنا 26: 15)… أما الكيفيَّة في الولادة والانبثاق فتظّل غير مدركة” (ص 68).
ونقول إن لكل من الثلاثة أقنومه الكامل، لئلا نوهم بأنهم طبيعة واحدة كاملة مركّبة من ثلاثة غير كاملين.
ونقول أيضاً أن في الأقانيم الثلاثة الكاملين جوهراً بسيطاً واحداً فائق الكمال وقبل الكمال، لأنّ كل مجموعة من غير الكاملين تكون حتماً مركبة. ولا يمكن إيجاد مركّب من ثلاثة أقانيم. لذلك فإننا لا نتكلّم عن نوعهم أنه من الأقانيم، بل أنه في أقانيم (72). وقد سميّنا ناقصة تلك الأشياءَ التي لا تحتفظ بنوع الصنع المصنوع منه. فالحجر والخشب والحديد، كل منها كامل بذاته في طبيعته بخاصة. أما بالنظر إلى البيت المصنوع منها، فكل منها ناقص، لأنّ كلاً منها ليس في ذاته بيتاً.
“وعليه فإننا نقول بأن الأقانيم كاملون لئلا نفكّر بتركيب في الطبيعة الإلهية. فالتركيب بدء التقسيم. ونقول أيضاً أن كلاً من الأقانيم الثلاثة هو في الآخر، لئلا نصير إلى كثرة وجمهرة من الآلهة. لذلك نقرّ بعدم تركيب الأقانيم الثلاثة وبعدم اختلاطهم”. لا يمكن تأليف الكاملين لأن الكامل كل لا جزء. الأقانيم 3 كاملين لا 3 أجزاء يتألف منها كامل. مفهوم “الكل” هام جداً.
“ولذلك أيضاً نعترف بتساوي الأقانيم في الجوهر (73) وبأن كل واحد منهم هو في الآخر، وبأنها هي نفسها مشيئتهم وفعلهم وقوتهم وسلطتهم وحركتهم –إذا صحّ التعبير-، وبأنهم إله واحد غير منقسم. فإن الله واحد حقاً، وهو الله وكلمته وروحه” (ص 70).
“ونقر بتباين الأقانيم في خواصّهم الثلاثة وحدها: في عدم العلة والابوة، وفي العلة والبنوة، وفي العلة والانبثاق” (74). ونثبت أنهم لا يخرج أحدهم عن الآخرَين ولا ينفصل، بل يظلون متحدين بعضهم ببعض ونافذين بعضهم في بعض بلا اختلاط، ومتحدين بلا امتزاج. فهم ثلاثة ولو متحدون ومتميزون بدون أنفصال، لأن كل واحد منهم ولو كان قائماً بذاته-أي (ولو كان) له أقنومه الكامل، وله امتيازه الخاص أي (ولو كان) حاصلاً على طريقة وجوده المتباينة- إلاّ أنهم متحدون في الجوهر وفي الخواص الطبيعية، وفي عدم الانفصال، وفي عدم الخروج عن الأقنوم الأبوي، وفي كونهم واحداً ويُعرفون بوحدتهم.
“تتحد أقانيم الثالوث الأقدس بلا اختلاط، ويتميزون بال انفصال ويُعدون: ليس من شأن العدد أن يُجري فيهم انقساماً أو انفصالاً أو تغييراً أو قطعاً، لأننا نعرف إلهاً واحداً، الآب والابن والروح القدس” (ص 16).
5- الآب
“نؤمن بالآب الواحد، مبدإ الجميع وعلتهم. لم يلده أحد، وهو وحده أيضا غير معلول وغير مولود. (هو) صانع وأب بالطبيعة للوحيد الجنس وحده (أي) أبنه ربنا يسوع المسيح إلهنا ومخلصنا.
وهو مصدر الروح القدس” (69ب).
“الأب غير معلول وغير مولود- لأنه ليس من أحد، بل له وجوده من ذاته، لم ينل شيئاً مما هو له من غيره، بل بالأحرى هو لكليهما (75)، بالطبيعة، المبدأ وعلةُ كيفية الوجود” (70ب)
“كل ما كان للابن والروح، كان لهما من الآب، حتى الوجود نفسه. ولو لم يكن الآب، لما كان الابن ولا كان الروح. لو لم يكن للآب شيء، لما كان أيضاً شيء للابن ولا للروح.
وبسبب الآب كان للابن والروح كل ما لهما. أي لأنَّ الآب (يملك) هذه كلها –ما عدا عدم الولادة والولادة والانبثاق. فبهذه الخواصّ، الأقنومية وحدها يتميز أحد الأقانيم الثلاثة القدوسين عن الآخرّين. ويتميّزون بلا انقسام في الجوهر، بل ذلك بميزة الأقنوم الخاص” (ص 70). بتعبير أوضح: كل ما هو للآب هو للابن والروح القدس ما عدا: 1- عدم ولادة الأب. 2- ولادة الابن. 3-انبثاق الروح القدس.
6- الابن
“أما وجود الكلمة” فهو لا بدء له ولا نهاية. فلم يكن، إذاً، زمن حيث لم يكن الله الكلمة. إن لله كلمته المولود منه دائماً. فهو ليس بلا أقنوم، بل هو أقنوم حي كامل لا يبتعد خارجاً عنه (76)، بل هو كائن فيه (77) دائماً (78)… كلمته كامل وأقنومي وكائن دوماً وحيّ. له كل ما لوالده… بما أنه قائم في ذاته. فهو يتميز من الله (الآب) الذي ينال منه أقنومه، وهو –فيما يظهر في ذاته ما يراه في الله (ابيه)- له الطبيعة نفسها التي في الله (الآب). فكما يُشاهد الكمال في الآب في كل شيء، كذلك يشاهد في الكلمة المولد منه” (ص 62).
“ونؤمن بابن الله الواحد والوحيد الجنس ربنا يسوع المسيح المولود من الآب قبل كل الدهور، النور من النور، الإله الحق من الإله الحق، المولود غير المخلوق، المساوي للآب في الجوهر، الذي به كان كل شيء. فبقولنا أنه قبل الدهور، ببيّن أن ولادته لم تكن في الزمن ولم تبتدئ، لأن ابن الله لم ينتقل من العدم إلى الوجود. فهو بَهَاءُ المجد وميزة أقنوم الآب والحكمة الحية والقوة والكلمة الأقنومي وصورة الله غير المرئيّ الجوهرية والكاملة والحية، بل كان دائماً مع الآب وفي الآب مولوداً منه ولادة سرمدية لا بدء لها. فإنه ما كان قط زمن لم يكن الابن فيه: بل حيثما الآب فهناك الابن المولود منه، لأنه بدون لابن لا يسمَّى آباً. وإذا لم يكن الابن، فليس هو أباً. وإذا صار له الابن بعد ذلك. فبعد ذلك فقط يصير آباً ويتحوّل من أنه لم يكن آباً إلى أنه صار آباً. وهذا افظع من كل كفر!
وبناء عليه لا يمكن القول بأن الله خالٍ من الخصب الطبيعي. والخصب هو أن يلد المِثلُ من ذاته –أي من جوهره الخاص- مثيلاً له في الطبيعة” (ص 66). فالوالد يلد أبناً مثله.
الفكرة الأخيرة تعني أن الطبيعة الإلهية ليست عقيمة ولا مغلقة، بل هي مخصبة (79). سر الثالوث هو سر الانفتاح، سر تجاوز الوحدة المغلقة إلى الشركة الثلاثية، إلى تواجد الأقانيم في بعضها بعضاً. اللاهوتي والدمشقي أجادا التعبير في اللاهوت المسيحي. والدمشقي تلميذ بعيد للاهوتي.
“إنه، إذاً، لكفر القول في ولادة الابن إن الزمن قد تخللها، وإن وجود الابن كان بعد الآب. إن ولادة الابن كانت من الآب أي من طبيعته. وإذا لم نسلم بأن الابن –منذ البدء-” كان مع الآب مولوداً منه، فإننا ندخل استحالة على أقنوم الآب وذلك (بالقول) أنه لم يكن آباً ثم صار آباً”. فالصيرورة من نصيب المخلوق لا الخالق. لا يستحيل الآب في الزمن ليصير أباً وإلا طرأ عليه طارئ يحدث في الزمن، فيستحيل مما لم يكن إلى ما سيصير إليه. هذا كثر فاحش.
“أما الخليقة، وإن كانت قد صارت فيما بعد، فهي ليست من جوهر الله. وقد صارت من العدم إلى الوجود بإرادته وقوته، ولم تطرأ استحالة في طبيعة الله.
“إن الولادة (هي) صدور المولود من جوهر الوالد مساوياً له في الجوهر. أما الخلق والصنع فيصيران من خارج، فلا يكون المخلوق والمصنوع من جوهر الخالق والصانع، ولا مساوياً لهما البتة… الله هو هو دائماً…” (ص 66)
النص قوي وعسير. إن كانت ولادة الابن قد حدثت في الزمن فقد طرأ تحول وتغير على طبيعة الآب. أي كان زمان لم يكن فيه للآب ابن جوهري. طرأ تبدّل فصار له ابن. هذا كفر. الله ثابت الوجود. إذا: الولادة سرمدية من جوهر الآب لا من إرادته. والابن ابن طبيعي، له جوهر الآب نفسه. الابن مولود منذ الأزل وإلى الأبد. بالأمس هو مولود واليوم هو مولود وغداً هو مولود. لم يولد بالانفصال عن الآب. هو دائماً النور الشارق من الآب النور: الشروق دائم سرمدي.
أما الخلق فلا يصدر عن جوهر الله بل عن إرادته. لذلك لا يطرأ تغيير على لله. يخلق الله من العدم في الزمن شيئاً لم يكن موجوداً البتة. والمخلوق ليس من جوهر الخالق أبداً.
“فبما أن الله منزّه عن الزمن، ولا بدء له، ولا يتبدّل، ولا يجري، ولا جسم له، وفريد، ولا نهاية له، فتكون ولادته بل زمن وبلا بدء ولا تبدّل ولا جري وبدون علاقة. وولادته التي لا تدرك ليس لها بداية ولا نهاية.
“وهي بال بدء لأنها لا تتحول، وبلا جري لأنها لا تتحول، (وهي) غير جسمانية. وهي بلا علاقة لأنها أيضاً غير جسمانية، ولأن الله واحد أحد وليس بحاجة إلى آخر. وهي بلا نهاية لوا انقطاع، لأنها منزهة عن البدء والزمن والنهاية، وأنها هي هي دائماً.
فالذي هو بلا ابتداء يكون بلا انتهاء. أما الذي هو بلا انتهاء بالنعمة، كالملائكة، فليس هو حتماً بلا ابتداء (ص 67) أي الملائكة ابتدأوا في الزمن لأن الله خلقهم في مرحلة ما من الزمن. ليسوا ازليين. إنما بنعمة الله هم خالدون.
وكنا في بحث الأقانيم قد استشهدنا بفقرة من الصفحة 68 فراجعها (ص 108).
“لا يمكن إيجاد صورة توضح في ذاته حالة الثالوث الأقدس إيضاحاً كاملاً بدون اختلاف” (ص 69). إلا أن الدمشقي أعطى في الصفحة السابقة (68ب) تشبيهاً له دلالته. في الرسالة 38 لباسيليوس الواردة أعلاه تمثيل عن الأقانيم ببطرس وبولس وسلوأن. الدمشقي مثّلَ بآدم وحواء وشيت: “آدم غير مولود وشيت مولود لأنه ابن آدم، وحواء منبثقة من ضلع آدم وهي غير مولودة. ولا يختلف أحدهم بالطبيعة عن الآخر –لأنهم بشر-، بل يختلفون بطريقة وجودهم” (ص 68).
الإنسان صورة الله. فالتمثيل عن الله بالإنسان أفضل من التمثيل بالطبيعة المادية. إنها الشخصانيَّة المسيحية التي حطمت الفلسفة اليونانية فلسفة الماهيات والمثُل.
وسرد في بحث الروح القدس شيء ما عن الابن يسوع.
“أقنوم كلمة الله الآب متقدم على الزمن والأزل. وهو بسيط وغير مركب وغير مخلوق، ولا جسد له، ولا يُرى، ولا يُمسك، ولا يُحصر. له كل ما للآب –بما أنه مسام له في الجوهر omoousios- ومتباين عن الأقنوم الأبوي بكيفية الوجود والعلاقة (80). هو كامل الوجود ولا ينفصل البتة عن الأقنوم الأبوي.
“كان في الكل وفوق الكل” (ص 164).
“إن الكلمة تجسّد ولم يتخلَّ عن لاماديّته الخاصة. وقد تجسّد كله وكله غير محصور… هو إلهناً غير محصور، فلا يتَّسع جسده للاهوته غير المحصور” (ص 165).
7- الروح القدس
“وينبغي الاعتراف اعترافاً نقيّا بوجود روح الله أيضاً في طبيعته الإلهية البسيطة وغير المركبة… إنه ليس بلا أقنوم… بل نفهمه قائماً في جوهره، حراً وفاعلاً وقديراً… روح الله هو الملازم للكلمة والمظهر فعلَه (أي فعل يسوع)… إنه قوة جوهرية، مرئية في نفسها في أقنومها الخاص، منبثقة من الآب، مستريحة في الكلمة. وبما أنها تظهره (أي تظهر الله)، فهي لا تبتعد عن الله الذي هو فيه، ولا عن الكلمة لأنها تلازمه. وهي مقتدرة لا تؤول إلى الزوال.
أما الروح –على غرار الكلمة- فهو كائن في أقنومه حي، حرّ، متحرك بذاته، فاعل بذاته، يردي دوماً الصلاح، قوته طوع إرادته، لا بداية ولا نهاية له. فالكلمة لا يغرب أبداً عن الآب، ولا الروح عن الكلمة” (ص 63 و 69).
“أما الروح القدس فينبثق من الآب لا بالولادة، بل بالانبثاق. وطريقة الوجود الاخرى هذه لا تُدرك ولا تُعرف، شأنها شأن ولادة الابن. لذلك كل ما للآب هو أيضاً للروح عدا عدم الولادة (81) الذي لا يشير إلى جوهر أو رتبة مختلفَين، بل إلى طريقة الوجود” (ص 68). تبقى نقطة هامة هي تسميات يسوع: “ولادة (الابن) سرمدية لا بداية ولا نهاية لها. وهي ولادة روحية خارج الزمان والمكان (82). الكتاب المقدس نوّع التسميات ليسوع. وكل تسمية منها توضيح لنا جانباً من السر العظيم. فلفظة “ابن” تعني أنه من جوهر الآب، كما أن الابن من أبيه. ولكن الولادة روحيّة سرمدية قبل أن تكون الخلائق جميعاً” (سر التدبير الإلهي 20-21). ليست ولادة من زواج كما قد يتخيل البعض. ليست ولادة بعد حبل. من أجل أن يفهم الإنسان المحدود إستعمال الكتاب المقدس تسميات تقريبية محدودة. سمّى يسوع “كلمة” (يوحنا 1: 1-3). الكلمة تصدر من العقل بدون زواج. المسألة روحية. وولادة يسوع روحية لا جسدية. وهكذا دواليك. المسألة برمتها تعلو كل فهم وإدراك وعقل. وهو “النور” (يوحنا 9: 1 و8: 12). ونور الشمس يصدر منها دوماً منذ لحظة وجودها. ويسوع نور غير مادي يصدر من الآب باستمرار وعلى الدوام بدون فارق زمن بين وجوده ووجود الآب. هما سرمديان. والأبوة والولادة سرمديتان. لا يمكن تصور الشمس بدون نورها وضيائها. وكذلك لا يمكن تصور الآب بدون شعاعه الابن وضيائه الروح القدس وإن كان هذا التشبيه نفسه تقريبي ليفهم البشر. الله فوق كل المفاهيم والتعريفات والحدود. في دستور الإيمان نقول: “وبالرب الواحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور. النور من النور. الإله الحق من الإله الحق. المولود غير المخلوق.”
“نؤمن أيضاً بالروح القدس الواحد، الرب المحيي، المنبثق من الآب والمستريح في الابن والمسجود له والممجَّد مع الآب والابن، على أنه مساوٍ لهما في الجوهر والأزلية، الروح الذي هو من الله، المستقيم صاحب الأمر وينبوع الحكمة والحياة والتقديس، -لأنه إله مع الآب والابن فعلاً واسماً- غير المخلوق، الممتلئ، المبدع، صاحب الاقتدار، كامل الفعالية والقوة، لا حدّ لقوته، المتسلط المطلق على الخليقة كلها. يؤلّه ولا يتألّه. يملأ وليس ما يملأه. يُستمدّ منه ولا يَستمّد. يقدس ولا يتقدس. يُلجأ إليه لتقبُّله استغاثات الجميع، مساوٍ للآب والابن في كل شيء. منبثق من الآب وموهوب بالابن، فتناله الخليقة كلها. خالق بذاته. يكوّن الكل ويقدسه ويعتني به. قيوم بأقنومه الخاص، غير مفترق ولا منفصل عن الآب والابن. له كل ما للآب والابن عدا عدم الولادة، والولادة.
ولادة الابن وانبثاق الروح القدس من الآب كانا معاً” (ص 69-70): أي أنهما سرمديان بلا بداية ولا نهاية. الابن دوماً مولود والروح القدس دوماً منبثق.
ابتهال
اقبلْ
عيد القديس بنديليمون 27/7/1993
إلى هنا ينتهي متن الكتاب وما سيأتي موجود كملحق دون ن يُسمى بملحق… ويجب التوضيح أننا لم ننقل هنا ما جاء أعلاه تحت العناوين، أي “ابتهال” و”اقبلْ”… الشبكة
(50) حاشية مرتبطة بالعنوان: الدمشقي
(51) “معلم الكنيسة” كما يسميه معجم الروحانية الكاثوليكي الفرنسي، المجلد 8 العمود 453، العام 1972، باريس.
(52) نص هام جداً: الجوهر (الطبيعة) بسيط غير مركَّب. هو موجود في 3 أشخاص موجودين في الواقع وفعلياً، إنما لا يتركب الله من جوهر وأقانيم. وكذلك بالنسبة للقوى الإلهية. فلا يتركب الله من الجوهر والقوى (بالاماس). يبقى الجوهر بسيطاً. إنما يشعّ الله بواسطة قواه.
(53) يسوع أقنوم واحد في طبيعتين. وجود الطبيعتين فيه لا يجعل أقنومه الواحد مقسوماً أو منفصلاً، أو موزعاً على الطبيعتين، أو متنقّلاً بينهما. في الثالوث نقول جوهر واحد في 3 أقانيم. في التجسُّد الإلهي نقول: أقنوم واحد في طبيعتين.
(54) وإن استعمل الدمشقي هنا لفظة اعراض الأقانيم إلا أن معناها لديه ليس أرسطوياً. فالاعراض هنا تميّز الأقانيم لا الجوهر. والأقنوم يحوي الجوهر والعرض، يحوي العام والخاص: “شقلبة” رائعة للفلسفة اليونانية.
(55) الدمشقي أخذ برأي ديونيسيوس المنتحل (الأسماء الإلهية 2: 3 لا كما في حاشية الترجمة الإنكليزية فنقل عنها غالباً فيرخوفسكوي) الذي أخنا به في “سر التدبير الإلهي”. إلا أننا لم ننقله حرفياً لأن النص لم يرُق لنا انذاك. فنص مين اليوناني المترجم إلى الإنكليزية والفرنسية والآن إلى العربية غير دقيق. في الطبعة اليونانية المدققة هو أصحّ. جاء: “الآب والروح القدس ساهما في التجسد الإلهي عن طريق إظهار الإرادة الإلهية والمسرة والقصد” (ص 330 من طبعة سالونيك، 1976). شرحت الأمر في سر التدبير (ص 97-98 و131-132).*
(56) الترجمة الإنكليزية ترجمت لفظة “قصد” في الفصل 11: 3 (نهايته) ولكنها أخطأت في 6: 3 حيث النص واحد. هذا يدفعني إلى التشدد في التركيز على اللغة اليونانية لمن شاء التضلع. حتى الترجمة اليونانية الحديثة (ص 331) تلبّكت بين النص المقابل المدقق (ص 330 اعلاه) وبين نص مين. فليس كل من طالع كتاب لاهوت صار لاهوتياً. الدمشقي سهل إنما في كتابه الفرنسي “صلاة يسوع”. واستعمل عبارة “جسد المسيح السري”. الآباء ما استعملوا “سري”. واستعمل عبارة “الخطيئة الجدية”. لم يستعملها آباؤنا الشرقيون (ص 115 و 116 و…) كما لما صحَّحتُ تعريب مدخل سكوتيريس الواقع في الخطأ نفسه.
كان بروكلوس القسطنطينية (434-446) سبقهما فقال: “نعترف بتجسد الكلمة الإلهية احد الثالوث”. وحِّورت العبارة بعده فصارت: “احد الثالوث تألّم” (عن التاريخ الكنيسة الجديد 1: 393 وحا 7). فحصِر التجسد والآلام بيسوع فقط دون الآب والروح.
(57) أو لا يسيل. المعنى: ولادة الابن هي بدون إنفصال. فلا ينفصل الابن عن الآب ويخرج منه خروج الجدول من الينبوع فيصبح خارجه. العبارة موجهة ضد الغنوسطيين وآريوس (حاشية في مني وسر التدبير، ص 217).
(58) اللفظة من باسيليوس واللاهوتي (سر التدبير 217). راجع خطبة اللاهوتي في العدد 250 ص 180، الحاشية 3. من الينابيع. المترجم العربي استعمل: لا يسيل ولا ينفعل
(59) المزمور 135: 6
(60) متى 28: 19.
(61) كثرة الصفات التي ننسبها إلى الله لا تُدخل الكثرة عليه لأنه واحد.
(62) والواقع بعملية تجريدة عقلي نقول إن للبشر طبيعة واحدة, في الواقع، كل فرد يملكها في ذاته دون تداخل في الآخرين. الأفراد عوالم منفصلة. في الثالوث الطبيعة واحدة بتمامها في الآب وبتمامها في الابن وبتمامها في الروح القدس. وكل منهم موجود في الآخرَين دون امتزاج أو اختلاط.
(63) هذا تفسير لقول الرب (يوحنا 6: 63): “الروح يُحي الجسد، إذ الجسد لا يجدي نفعاً”. وقال يعقوب الرسول إن الجسد بدون الروح هو ميت. فباطلاً تعتم الكتب الغربية في تأليه الجسد والجنس وهما تراب يجذب الروح إلى الفساد والفناء بالجري وراء شهوات الجسد التي طعن فيها بولس الرسول.
(64) الآب هو علة الابن والروح القدس النابعين منه. الأولُ بالولادة والثاني بالانبثاق. فطريقة وجود الابن هي الولادة. وطريقة وجود الروح القدس هي الانبثاق.
(65) يوحنا 14: 11.
(66) العبارة هامة. ليس اللاهوت هو مضمون الأقانيم فقط بل هم اللاهوت أيضا. أرسطو يقول بجوهر وعرض. هنا ليس من عرض. كل شيء جوهر. ليست الأقانيم العرض والألوهة الجوهر. لا.
(67) فهو سرمدي مثل الآب لا بداية ولا نهاية له.
(68أ) (68ب) الثبات هو مطلق. لا تطرأ الاحداث على الله وإلا كان مخلوقاً وعرضة للتبدُّل والتحوُّل.
(69أ) (69ب) الآب وحيد فلا آب سواه. والابن وحيد فلا ابنٌ سواه. والروح وحيد فلا روح سواه.
(70أ) (70ب) الكاثوليك يقولون أنه منبثق من الابن خلافاً للأرثوذكس. إنما يقول الكاثوليك أن الآب هو العلة. زاد الكاثوليك ذلك على صلب دستور الإيمان فكان ذلك سبب الخلاف. لو لم يزيدوه لبقي الأمر بين أخذ وردّ دون انشقاق. فمجمع القسطنطينية (879-880) الذي وافق عليه البابا منع الزيادة على الدستور (دانييلو ومارو: تاريخ الكنيسة الجديد، المجلد 2 ص 125 128 من الطبعة الفرنسية، 1963، بارسي).
(71) الابن يظهر الروح القدس ويمنحه لنا, أرسله إليها في الزمن يوم العنصرة وإلى الآبد. هذا غير الانبثاق السرمدي.
(72) بما أن الأقانيم كاملون فلا يمكن تركيب شيء من كاملين. التركيب يجمع أجزاء. كل أقنوم كامل بحد ذاته فلا يدخل في تركيب مع سواه. ولا يمكن تركيب من أشخاص، كل شخص هو كل. يمكن تركيب الطبائع كوجود الروح والجسد في شخص الإنسان. إنما لا يمكننا تركيب شخصين.
نوعهم (طبيعتهم وجوهرهم) ليس من أقانيم، بل هو واحد أحد موجود في الأقانيم، لا مركب من أقانيم.
(73) التساوي هو في اليونانية –كما أسلفنا-: لهم الجوهر الواحد بعينه.
(74) الآب علة الابن والروح. الابن والروح معلولان.
(75) أي للابن والروح. وهو مبدأ لهما بالطبيعة. لاآب آب ليسوع بالطبيعة، لا بالتبني. الولادة جوهرية، الانبثاق جوهري، من أقنوم الآب.
(76) أي للابن يسوع.
(77) عن الآب.
(78) الآب في الابن والابن في الآب سرمداً. والولادة سرمدية لا تنقطع. ليس لها بداية ولا نهاية. يسوع هو دوماً “المولود”. لم يولد قبل مليار سنة مثلاً.
(79) كيرللس الإسكندري وسواه
(80) كيفية الوجود هي الولادة. العلاقة هي صدور الابن من الآب. الآب العلة. الابن هو المعلول: علاقة الابن بأبيه. الفكرة من باسيليوس.
(81) عدم الولادة ليس جوهراً ولا رتبة. يدلّ على كيفية وجود الآب، كما أن الولادة تدل على كيفية وجود الابن، وكذلك الانبثاق على كيفية وجود الروح القدس.
(82) هذا فارق كبير بين ولادة يسوع من الآب وخلق البشر. ولادة يسوع سرمدية. البشر اتوا بخلق في الزمن. لكل منهم بداية ونهاية. الابن ينفصل من بطن آمه ويستقل عنها منفرداً. يسوع لا ينفصل عن الآب. ولادة البشر تُجري تعديلاً وتبديلاً فيُنقص الجنين شيئاً من أمه. وتصير الولادة بالآلام. ولادة يسوع لم تنقص الآب ولم تزده. لم يحدث بها في الآب أي تغيير وتبديل واستحالة. وهي ولادة إلهية روحية بدون الم ومخاض. الذين يقيسون ولادة يسوع على ولادة الأمهات يرتكبون شططاً. الله فوق تصورات البشر. الله روح لا جسد. جوهره ثابت سرمدياً لا تطرأ عليه الأحداث. لو خلق الكون من جوهره لطرأ حادث في الزمن على جوهره. خلق الكون من إرادته فلم يطرأ حادث ما على جوهره. لا يقبل جوهر الله الزيادة والنقصان والاحداث والتبدلات. كل ذلك يعني نقصاً في كمالاته التي لا تحد ولا توصف، له المجد إلى الأبد.
ولا بد هنا من التنويه بأن ديمتري ستانيلواي قال في الصفحة 98 من كتابه المذكور أن “الروح القدس هو رابط المحبة بين الآب والابن”. وسبق إلى ذلك في كتابه “لاهوت الكنيسة” (ص 29-33- إنكليزي، عن بالاماس). وبولغاكوف عليه. لا أساس لهذا الكلام لدى الدمشقي واسلافه من الكبادوكيين والذهبي وكيرللس الإسكندري وديونيسيوس ومكسيموس المعترف. التفريق بين الجوهر والقوى جعل المحبة قوة إلهية (ديونيسيوس ص107-108 و94-176 من الفرنسي) مثل باقي الأوصاف الإيجابية من صلاح وبرّ وعدل وقداسة وحق وحكمة وحياة وعقل وو… (الدمشقي 1: 12). لوسكي انتقد بولغاكوف لأنه جعل الحكمة الإلهية جوهراً. وينطبق نقده هذا على ستانبلواي وأمثاله لأنهم يجعلون المحبة أقنوماً.
وأرجو أن يفهم القراء حرصي على الدقة اللاهوتية لا الرغبة في النقد والتجريح. فالحقيقة التامة لا تقبل التقسيم والتبعيض. أرثوذكسية الإيمان شرط لاستقامة كل شيء. يجب أن يكون الإيمان ارثوذكسياً أي قويماً 100% ليكون كل ما يقوم عليه قويماً 100%. والله الحمد على انواره النازلة إلى ضعف البشر لتنيرهم وتجعلهم يعرفون شيئاً عن الله غير المدرك.