مقدمة:
كان أبونا الجليل برلعام رفيقاً للقديس أنتوني (راجع سيرته في سير القديسين). كما كان من أوائل رؤساء دير الكهوف في كييف تُعيِّد له الكنيسة المقدسة في 19 تشرين الثاني.
حياته:
وُلِد برلعام في كييف، والده هو جان فيسهافيتش، الذي كان من نبلاء الطبقة الارستقراطية في بلاط الأمير ايزياسلاف. تاريخ ميلاده غير معروف. كان شاباً طويل القامة وقوي البنية، وكان حازماً، وجريئاً، ويُتقِن الفنون الحربيّة، إلا أنه، وبالرغم من ذلك، كان مُتديِّناً ويعيش عيشة نقية و لم يبحث عن المجد الدنيوي في حياته. اعتاد زيارة الرهبان الذين يسكنون دير الكهوف قرب كييف. وقد أثّر فيه الإنجيل تأثيراً بالغاً. ، وقد رأى في حياة الرهبان المسيحيّة الحقّة التي كان يبحث عنها. لذا، قرر برلعام أن يُصبِح راهباً.
فيما كان برلعام يطلب مشورة القديس أنتوني لانضمامه للرهبانية، اشار له بأنه أهل لها و انها دعوة مباركة، لكنه حذره من أن كرامات العالم و التعلق بالدنيويات قد تجبره على التراجع. عاد برلعام إلى بيته مع تصميم أكبر. وفي اليوم التالي، رجع برلعام بثياب فاخرة مُمتطياً جواده، يُرافقه خُدَّامه الذي كانوا يجرّون أحصنة أخرى تحمل خيرات ثمينة. وفيما همّ الرهبان لاستقباله، نزل برلعام عند أقدامهم و خلع ثيابه الأرستقراطية الفاخرة ووضعها أمام القديس أنتوني . وقال بأن كل خيراته العالميه أصبحت تحت تصرُّف الرهبان ليفعلوا بها ما شاءوا. وهو يفعل ذلك إنما ليحظى بنعمة الحياة بالمسيح ويعيش في كهوف الدير.
طلب إليه القديس أنتوني أن يُفكِّر بقراره بجديّة، إلا أن برلعام كان قد صمّم بأن لا يعود إلى العالم حتى ولو سبب له ذلك غضب والده ، و طلب أن تتم سيامته راهباً في الحال. و بالرغم من أن القديس أنتوني كان مُقتنِعاً بإيمان برلعام العميق، لم يُرد أن يؤنبه الضمير أو يحس بالمسؤولية عن اخفاق برلعام يوماً فألحّ عليه أن يرجع إلى العالم الذي تركه. و لكن برلعام لم يلِن. وهكذا، حصل برلعام على السيامة الرهبانية في العام 1056.
و كما هو متوقع فلما علِم والده بما جرى، أتى مصحوباً بمجموعة من الجند إلى الدير، مُطارِداً الرهبان و سحب برلعام من الكهف حيث كان، ونزع عنه كل ثيابه الرهبانية، وألبسه ثياب النبلاء وأعاده إلى المنزل. و لثلاثة أيام حاول والده أن يثنيه عن قراره، لكن دون جدوى. أخيراً، تراجع والده، وعاد برلعام إلى الدير.
إذ أصبح عدد الرهبان في دير المغاور اثنا عشر، انتقل القديس انتوني إلى كهوف أخرى، كان قد حفرها في هضبة قريبة. وبتركه ما أسماه “المغاور البعيدة”، اختار برلعام رئيساً للدير وخليفة له. في العام 1058، بدأ برلعام ببناء كنيسة خشبية فوق المغاور وكرّسها لرقاد السيدة. أما في العام 1062، فقد شيّد الأمير ايزياسلاف روسلافيتش دير على اسم القديس الشهيد ديمتريوس وطلب إلى برلعام أن يكون متقدماً للآباء.
قام برلعام برحلتِيْ حج إلى أورشليم وإلى الأراضي المقدّسة ولاحقاً إلى القسطنطينية. وفي طريق عودته من القسطنطينية إلى كييف، مرِض. رَقَدَ بسلام عندما وصل إلى دير زيمني قرب فلاديمير – فوليسكي في التاسع عشر من شهر تشرين الثاني 1065. دُفِن في دير الكهوف و أعلنت الكنيسة قداسته في القرن الحادي عشر.