01- رومية 12: 6-14 – مواهب، محبة وشركة أعضاء الكنيسة – جسد المسيح

النص:

6 وَلكِنْ لَنَا مَوَاهِبُ مُخْتَلِفَةٌ بِحَسَبِ النِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لَنَا: أَنُبُوَّةٌ فَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الإِيمَانِ، 7 أَمْ خِدْمَةٌ فَفِي الْخِدْمَةِ، أَمِ الْمُعَلِّمُ فَفِي التَّعْلِيمِ، 8 أَمِ الْوَاعِظُ فَفِي الْوَعْظِ، الْمُعْطِي فَبِسَخَاءٍ، الْمُدَبِّرُ فَبِاجْتِهَادٍ، الرَّاحِمُ فَبِسُرُورٍ. 9 اَلْمَحَبَّةُ فَلْتَكُنْ بِلاَ رِيَاءٍ. كُونُوا كَارِهِينَ الشَّرَّ، مُلْتَصِقِينَ بِالْخَيْرِ. 10 وَادِّينَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً بِالْمَحَبَّةِ الأَخَوِيَّةِ، مُقَدِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فِي الْكَرَامَةِ. 11 غَيْرَ مُتَكَاسِلِينَ فِي الاجْتِهَادِ، حَارِّينَ فِي الرُّوحِ، عَابِدِينَ الرَّبَّ، 12 فَرِحِينَ فِي الرَّجَاءِ، صَابِرِينَ فِي الضَّيْقِ، مُواظِبِينَ عَلَى الصَّلاَةِ، 13 مُشْتَرِكِينَ فِي احْتِيَاجَاتِ الْقِدِّيسِينَ، عَاكِفِينَ عَلَى إِضَافَةِ الْغُرَبَاءِ. 14 بَارِكُوا عَلَى الَّذِينَ يَضْطَهِدُونَكُمْ. بَارِكُوا وَلاَ تَلْعَنُوا.

الشرح:

يتكلم بولس الرسول في هذا المقطع من الرسالة الى اهل رومية، بطريقة عملية، عن عمل كل عضوٍ من اعضاء الجماعة المسيحية وعن العلاقة التي ينبغي ان تقوم بين هؤلاء من جهة وبينهم وبين من هم “في الخارج” من جهة اخرى. ويعتمد بولس في كلامه هنا على تصوّر له ان الكنيسة هي جسد المسيح وان جماعة المؤمنين اعضاء في هذا الجسد، لكل واحد عمله الخاص الذي وهبه اياه الله. الكنيسة بالنسبة لبولس الرسول تقوم على اساس عضوي، واستعلانها هو انها جسد المسيح، والمؤمنون هم اعضاء هذا الجسد يؤدون الخدمة معتمدين على بعضهم البعض.

“اذ لنا مواهب مختلفة باختلاف النعمة المعطاة لنا”. طبيعة الكنيسة تجعلنا امام تحدٍّ وهو ان نحسن استعمال المواهب من اجل صحة الجسد كله وبناء الجسد كله. وينبغي بنا ان نعي ان كل ما يمكننا ان نعمله انما هو من الله الذي اعطانا الموهبة، والموهبة عطية.

“فمن وُهب النبوّة فليتنبأ… والراحم البشاشة”. عمل الانبياء في الكنيسة الاولى، وفي كل وقت، فائق الاهمية، فهو يتركز على اعلان مشيئة الله للكنيسة ككل، ولكل عضو في حياته الخاصة. وقد اعطى بولس الرسول مكانة مهمة للانبياء في الكنائس التي اتى اليها، او كان على اتصال بها. ففي الرسالة الاولى الى اهل كورنثوس نرى انه يجعل الانبياء بعد الرسل مباشرة في ترتيب المواهب. وكما نعلم، الرسولية حالة لا يمكن ان تتكرر على الاطلاق خارج تلاميذ يسوع. الانبياء، عند بولس، يأتون بعدهم في الاهمية كونهم الذين يعلنون مشيئة الله من اجل بناء الكنيسة على الايمان: “اتبعوا المحبة ولكن جددوا المواهب الروحية، وبالاولى ان تتنبأوا … من يتنبأ يكلم الناس ببنيان ووعظ وتسلية، من يتكلم بلسان يبني نفسه، واما من يتنبأ فيبني الكنيسة”. (ا كورنثوس 14: 1-3). لا شأن للانبياء هنا بالمستقبل، ذلك ان يسوع اكمل كل شيء بموته وقيامته ولم يعد المستقبل يحمل اي جديد لنا سوى انه انتظار وترقب للمجيء الثاني. على الانبياء ان يقولوا ما يعطيهم اياه الروح القدس ليقولوه، اي “بحسب الايمان”. والله جعل آخرين موهوبين للخدمة، وخدمة الكنيسة تتم بطرائق عملية شتى. ينبغي في هؤلاء ان يتمموا موهبتهم، كذلك من أُعطوا موهبة التعليم والوعظ والاهتمام بالمحتاجين والتدبير والرحمة. بكلام آخر كل عمل يمكن ان يساهم في بناء الجماعة المسيحية وصحة الجسد هو موهبة من الله.

“المدبّر” هو المشرف او المدير المهتم بالقضايا الادارية. نرى هنا امرا في غاية الاهمية وهو ان كل الاعمال التي في الكنيسة هي من اجل الآخرين. ليست المواهب للاستمتاع الذاتي، بل من اجل بناء الكنيسة. عندما تحدث بولس الرسول عن الموضوع ذاته في الرسالة الاولى الى اهل كورنثوس، اوضح انه لا يرضى بان تكون المواهب موضوع استعراض يترك السامعين في حيرة وعدم فهم. من لا يمكنه ان يتكلم من اجل منفعة الآخرين، احرى به ان يبقى صامتا. النبوءة هي من اجل البنيان والحض على الايمان والنمو الروحي، ولكن اذا خرجت النبوءة من دائرة الكنيسة كجماعة صار الكلام فارغا من كل معنى، او كما يعبّر بولس “كنحاس يطن او صنج يرن” (ا كورنثوس 13: 1). الكلام نفسه يُقال عن المواهب الاخرى التي يعددها بولس: الخدمة، والتعليم، والوعظ. لكل من هذه علامتها المميزة، وينبغي بنا ان نجعل الموهبة المعطاة لنا في خدمة هدفها.

في هذه المرحلة، يدخل بولس موضوع المحبة ويطلب ان تكون بلا رياء، اي اصيلة صادقة. هذا الموضوع مرتبط بشكل قوي بطبيعة الجماعة المسيحية وبكيفية ارتباط كل عضو بهذه الجماعة. ومن اللافت للنظر ان المقطع الطويل في الرسالة الاولى الى اهل كورنثوس الذي يتكلم عن المواهب، ينتهي بالطريقة نفسها، مشيرا الى موضوع المحبة. ان في هذا اقتناعا لدى بولس بأن المحبة هي الاساس الذي تُبنى عليه الكنيسة. من دون المحبة تصبح كل المواهب فارغة بعيدة عن هدفها، الذي هو بنيان الآخر. انت تتوجه الى الآخر بالمحبة اولا ثم تعطيه ما لديك، بذلك يكون العطاء صحيحا وصادقا. المحبة قادرة على ان تحوّل العلاقة البشرية، وتجعلك في عطف وميل اخوي الى الآخر. الرياء يبطل المحبة لانه لا يتوافق وطبيعتها. وتبطل المواهب اذا انعدمت المحبة.

في النهاية يشير بولس الى ان المسيحيين لطفاء مع مضطهديهم. هذه اللطافة نابعة من المحبة عينها التي بها يتواجهون والاعضاء الآخرين داخل الجماعة. المحبة لا تحد بين داخل او خارج. تنطلق منك الى من تلتقي به.

نقلاً عن نشرة رعيتي
الأحد 31 تموز 1994 / العدد 31

arArabic
انتقل إلى أعلى