الفصل الثامن عشر
أعمال المسيح بالجسد تظهر قوة كلمة الله وقدرته: بإخراجه الشياطين، وبالمعجزات، وبميلاده من العذراء.
1ـ عندما يتحدث الكتّاب الموحى إليهم عنه أنه يأكل ويشرب وأنه وُلِد، فإنهم يقصدون أن الجسد كجسد وُلِد واقتات بالطعام المناسب لطبيعته. أما الله الكلمة نفسه الذي كان متحداً بالجسد، فإنه يضبط كل الأشياء. وكل أعماله التي عملها وهو في الجسد تظهر أنه لم يكن إنساناً بل كان الله الكلمة(1). وأما هذه الأمور فإنها تُذكَر عنه لأن الجسد الذي أكل ووُلِد وتألم لم يكن جسد أحد آخر، بل كان جسد الرب نفسه(2). ولأنه صار إنساناً كان من المناسب أن تقال عنه هذه الأمور كإنسان حتى يتبين أنه أخذ جسداً حقيقياً لا خيالياً(3).
2ـ وكما أنه بواسطة هذه الأمور عُرِفَ حضوره جسدياً كذلك بواسطة الأعمال التي عملها في الجسد أعلن نفسه أنه ابن الله. لهذا نراه ينادى اليهود غير المؤمنين قائلاً: ” إن كنت لست أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي، ولكن إن كنت أعمل فإن لم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فيّ وأنا فيه”(4).
3ـ وكما أنه ـ بينما هو غير منظور ـ يمكن أن يُعرَف من أعماله في الخليقة، هكذا أيضاً عندما تأنس. فبينما هو غير منظور (بلاهوته) إلاّ أنه يمكن أن يُعرَف من أعماله التي عملها في الجسد أن مَن يستطيع أن يعمل هذه الأعمال لا يمكن أن يكون إنساناً بل هو قوة الله وكلمته(5).
4ـ فأمرُه للأرواح الشريرة (بالخروج) وخروجها في الحال لا يمكن أن يكون عمل إنسان بل عمل الله(6). ومن ذا الذي يراه وهو يشفي الأمراض التي يخضع لها الجنس البشري ويستمر في ظنه عنه أنه إنسان وليس إلهاً؟ فقد طهّر البرّص، وجعل العرج يمشون، والصم يسمعون، والعمي يبصرون، وبالإجمال طردَ من البشر كل مرضٍ وكل ضعف(7). من هذه الأعمال كلها كان ممكناً لأي إنسان بسيط أن يعرف ألوهيته. وأيضاً من ذا الذي يراه يرد للإنسان ما كان ينقصه منذ ولادته مثلما فتح عيني الأعمى منذ ولادته(8)، ولا يدرك أن طبيعة البشر خاضعة له، وأنه هو خالقها وصانعها؟ لأن من يرد للإنسان ما كان ينقصه منذ ولادته لابد أن يكون هو رب وسيد تكوين البشر(9).
5ـ ولهذا فإنه وهو نازل إلينا كوّن لنفسه جسداً من عذراء لكي يقدم للجميع دليلاً قوياً على ألوهيته حيث إن الذي صوّر هذا الجسد هو صانع جميع الأشياء. لأن من ذا الذي يرى جسداً يأتي من عذراء وحدها بدون رجل ولا يدرك أن من ظهر في هذا الجسد لابد أن يكون هو صانع ورب باقي الأجساد أيضاً؟(10)
6ـ أو من ذا الذي يرى تغيير طبيعة المياه وتحولها(11) إلى خمر ولا يدرك أن من فعل هذا هو سيد طبيعة هذه المياه وخالقها؟ ولأجل هذا دخل إلى البحر كسيّد له ومشى عليه كما على أرض يابسة لكي يقدم لكل من يراه برهاناً على سلطانه على كل الأشياء. وعندما أشبع جمعاً غفيراً من طعام قليل، وقدّم لهم الكثير من لا شيء، فأطعم خمسة آلاف نفس من خمسة أرغفة وشبعوا وفضل عنهم الكثير، ألم يظهر ذاته أنه لم يكن آخر سوى الرب نفسه المعتني بالجميع؟
الفصل التاسع عشر
وإذ لم يقتنع الإنسان بطبيعته، فإنه كان يجب أن يتعلّم معرفة الله من أعمال المسيح في الجسد حيث اعترفت كل الطبيعة بلاهوته، خصوصاً عند موته.
1 ـ لقد رأى المخلّص أنه حسن أن يفعل كل هذا، حتى بعدما عجز البشر أن يدركوه في عنايته بالكون ولم يفهموا أنه الإله من خلال أعماله في الخليقة فإنهم على الأقل يستطيعون ـ بمشاهدتهم أعماله في الجسد ـ أن يستردوا بصيرتهم ويعرفوا الآب عن طريقه. ومن عنايته بأبسط الأمور يتبينوا بالقياس عنايته بكل الأشياء كما سبق القول(12).
2 ـ فمن ذا الذي يرى سلطانه على الأرواح النجسة، أو من ذا الذي يرى الأرواح النجسة تعترف بأنه هو سيدها(13)، ويساوره الشك بعد ذلك في أنه هو ابن الله وحكمته وقوته(14)؟
3 ـ لأنه جعل حتى الخليقة نفسها تخرج عن صمتها، فالأمر العجيب أنه في موته، أو بالحري في انتصاره على الموت وهو على الصليب، اعترفت كل الخليقة بأن من ظهر وتألم في الجسد لم يكن مجرد إنسان بل ابن الله ومخلّص الجميع. فالشمس توارت، والأرض تزلزلت، والجبال تشققت(15)، وارتعب كل البشر. جميع هذه الأمور أوضحت أن المسيح الذي على الصليب هو الله، وأن الخليقة كلها خاضعة كعبد له، وأنها شهدت برعبها لحضور سيدها(16). وهكذا أظهر الله الكلمة نفسه للبشر بأعماله.
4 ـ على أنه لابد بعد ذلك أن نروي ونتحدث عن الهدف الذي من أجله جاء وعاش فيما بيننا بالجسد، وعن كيفية موت جسده، حيث إن هذا الأمر هو أساس إيماننا، وهو يشغل أذهان جميع الناس(17) حتى تعرف ويتضح لك يقيناً، بواسطة ما نقدمه، أن المسيح هو الله وابن الله.
الفصل العشرون
إذن فلن يستطيع أحد أن يهب عدم الفساد إلاّ الخالق، ولن يستطيع أحد أن يعيد مماثلة صورة الله إلاّ صورة الآب، ولن يستطيع أحد أن يحيي إلاّ رب الحياة، ولن يستطيع أحد أن يعرّف الآب للبشر إلاّ الكلمة. وهو ـ لكي يفي الدين الذي علينا وهو الموت ـ لابد أن يموت عنا أيضاً ويقوم ثانية كباكورة لنا من بين الأموات. إذن كان يجب أن يكون جسده قابلاً للموت، وأن يصير غير فاسد باتحاده بالكلمة.
1ـ لقد تحدثنا إذن، وباختصار على قدر المستطاع وبقدر ما أمكننا فهمه، عن سبب ظهوره في الجسد(18)، وأنه لم يكن ممكناً أن يحول الفاسد إلى عدم الفساد إلا المخلّص نفسه، الذي خلق منذ البدء كل شيء من العدم. ولم يكن ممكناً أن يعيد خلق البشر ليكونوا على صورة الله إلاّ الذي هو صورة الآب(19). ولم يكن ممكناً أن يجعل الإنسان المائت غير مائت إلاّ ربنا يسوع المسيح الذي هو الحياة ذاتها(20).
ولم يكن ممكناً أن يُعلّم البشر عن الآب(21) ويقضى على عبادة الأوثان إلا الكلمة الذي يضبط كل الأشياء، وهو وحده الابن الوحيد الحقيقي.
2 ـ ولما كان من الواجب وفاء الدين المستحق على الجميع، إذ ـ كما بيّنا سابقاً(22) ـ كان الجميع مستحقين الموت، فلأجل هذا الغرض جاء المسيح بيننا. وبعدما قدّم براهيناً كثيرة على ألوهيته بواسطة أعماله في الجسد(23) فإنه قدّم ذبيحته عن الجميع، فأسلم هيكله للموت عوضاً عن الجميع(24)، أولاً: لكي يبرّرهم ويحررهم من المعصية الأولى(25)، وثانياً: لكي يثبت أنه أقوى من الموت، مظهراً جسده الخاص أنه عديم الفساد، وأنه باكورة لقيامة الجميع(26).
3 ـ ولا تتساءل إن كنا نكرر ما نقوله عند الحديث عن نفس الموضوعات(27)، فطالما نحن نتحدث عن مشورة الله الصالحة من جهتنا(28) فيجب علينا أن نشرح المعنى الواحد بطرق عديدة، حتى لا يبدو كأننا تركنا أي شيء بدون تفسير، فنُتهم بالتقصير أو بالعجز في معالجتنا لأمور هامة كهذه. لأنه من الأفضل لنا أن نُتهم ونُنتقد بسبب التكرار من أن نترك أي شيء كان يجب أن نعرضه بوضوح.
4 ـ فالجسد (جسد الكلمة) لكونه من طبيعة البشر ذاتها لأنه كان جسداً بشرياً ـ حتى إن كان قد أُخذ من عذراء فقط بمعجزة فريدة(29) ـ لكن لأنه كان قابلاً للموت(30) لذلك كان لابد أن يموت كسائر البشر نظرائه(31). غير أنه بفضل اتحاده بالكلمة فإنه لم يعد خاضعاً للفساد الذي بحسب طبيعته، بل بسبب كلمة الله الذي حلّ فيه فإن الفساد لم يلحق به(32).
5 ـ وهكذا تم ( في جسد المسيح ) فعلان متناقضان في نفس الوقت: الأول هو: أن موت الجميع قد تم في جسد الرب ( على الصليب ) والثاني: هو أن الموت والفساد قد أبيدا من الجسد بفضل اتحاد الكلمة به. فلقد كان الموت حتمياً، وكان لابد أن يتم الموت نيابة عن الجميع لكي يوفى الدين المستحق على الجميع(33).
6 ـ ولهذا ـ كما ذكرتُ سابقاً(34) ـ طالما أن الكلمة كان من غير الممكن أن يموت، إذ أنه غير مائت، فقد أخذ لنفسه جسداً قابلاً للموت حتى يمكن أن يقدمه، كجسده الخاص نيابة عن الجميع، حتى إذا ما تألم عن الكل باتحاده بالجسد، فإنه “يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس ويعتق أولئك الذين خوفاً من الموت كانوا جميعاً كل حياتهم تحت العبودية”(35).
الفصل الحادي والعشرون
لقد أبيد الموت بموت المسيح. ولكن لماذا لم يمت المسيح سراً، أو بكيفية أكثر وقاراً واحتراماً؟ إنه لم يكن خاضعاً للموت الطبيعي، بل كان لابد أن يموت بأيدي الآخرين. لماذا مات إذن؟ مات لأنه لأجل هذا قد أتى، ولأجل هذا وحده. وإلاّ كيف كان ممكناً أن تكون هناك قيامة بدون موت؟
1 ـ والآن(36) إذ قد مات مخلّص الجميع نيابة عنا(37) فإننا نحن الذين نؤمن بالمسيح لن نموت(38) (بحكم) الموت(39) الذي كان سابقاً(40) حسب وعيد الناموس لأن هذا الحكم قد أُبطل؛ وبما أن الفساد قد بَطُل وأُبيدَ بنعمة القيامة فإننا من ذلك الوقت وبحسب طبيعة أجسادنا المائتة ننحلّ(41) في الوقت الذي حدده الله(42) لكل واحد، حتى يمكن أن ننال قيامة أفضل(43).
2 ـ لأننا ـ كالبذور التي تلقى في الأرض ـ فهكذا نحن لا نفنى عندما ننحلّ بالموت، بل نزرع في الأرض لنقوم ثانية، بما أن الموت قد أبيد بنعمة قيامة المخلّص(44). لهذا إذن أخذ المغبوط بولس على عاتقه تأكيد القيامة للجميع إذ يقول ” لأن هذا الفاسد لابد أن يلبس عدم فساد، وهذا المائت يلبس عدم موت. ومتى لبس هذا الفاسد عدم فساد ولبس هذا المائت عدم موت فحينئذ تصير الكلمة المكتوبة اْبتُلِعَ الموت إلى غلبة. أين ذَنبُك (شوكتك) يا موت … أين غلبتك يا هاوية “(45).
3 ـ وربما تساءل أحد إن كان لابد أن يُسلِّم جسده للموت نيابة عن الجميع، فلماذا لم يضع هذا الجسد (على فراش للموت وفى موضع خاص) كأي إنسان عادي بدلاً من أن يأتي به إلى موت الصليب علناً؟ فقد كان أكثر لياقة له أن يُسلِّم جسده بكرامة بدلا من أن يحتمل موتاً مشيناً كهذا.
4 ـ ولكن لابد أن نتنبه، أن هذه الاعتراضات هي اعتراضات بشريّة أما ما فعله المخلّص فهو حقاً عمل إلهي ولائق بلاهوته لأسباب كثيرة. أولاً(46): إن الموت الذي يصيب البشر عادة يأتيهم بسبب ضعف طبيعتهم وإذ هم لا يستطيعون البقاء لزمن طويل فإنهم ينحلون في الزمن (المحدد). وبسبب هذا أيضاً تنتابهم الأسقام فيمرضون ويموتون. أما الرب فإنه ليس ضعيفاً بل هو قوة الله، وكلمة الله، وهو الحياة عينها(47).
5 ـ ولو أنه وضع جسده (للموت) في مكان خاص وعلى فراش كما يموت البشر عادة لكان الناس قد ظنوا أنه ذاق ذلك (الموت) بسبب ضعف طبيعته، ولظنوا أيضاً أنه لم يكن فيه ما يميّزه عن سائر البشر(48). أما وأنه هو الحياة وكلمة الله، وكان من المحتم أن يتم الموت نيابة عن الجميع، لهذا ولأنه هو الحياة والقوة فقد نال الجسد منه قوة.
6 ـ هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى فما دام الموت لابد أن يتم فإنه لم يَسعَ بنفسه إلى الفرصة التي بها يتمم ذبيحته. لأنه لم يكن لائقاً أن يمرض الرب وهو الذي يشفى أمراض الآخرين(49). ولم يكن لائقاً أيضاً أن يضعف ذلك الجسد الذي به قَوّى ضعفات الآخرين.
7 ـ ولماذا إذن لم يمنع حدوث الموت كما منع المرض من أن يسيطر (على الجسد)؟ ذلك لأنه لأجل هذا (الموت) اتخذ الجسد، ولم يكن لائقاً أن يمنع الموت لئلا تتعطل القيامة أيضاً. ولم يكن لائقاً أيضاً أن يسبق المرض موته لئلا يُظن أن ذاك الذي كان في الجسد كان ضعيفاً. ألم يعان الجوع إذن؟ نعم إنه جاع بسبب أن (الجوع) هو من خواص جسده(50)، على أن (هذا الجسد) لم يهلك من الجوع لأن الرب لبس هذا الجسد. لهذا فإنه وإن كان قد مات لأجل فداء الجميع، لكنه لم ير فساداً(51). فقد قام جسده سليماً تماماً(52) إذ لم يكن سوى جسد ذاك الذي هو الحياة عينها.
الفصل الثاني والعشرون
ولماذا لم يحفظ جسده من اليهود فيمنع عنه الموت: (1) لأنه لم يكن يليق به أن يوقع الموت على نفسه أو أن يتجنبه. (2) لأنه أتى ليقبل الموت المستحق على الآخرين ويموت لينتصر على الموت مُقدماً قيامته دليلاً على انتصاره الأكيد على الموت. وأيضاً لأنه لم يكن ممكناً أن يموت من الضعف وهو الذي يشفى الآخرين.
1ـ وقد يقول أحد: كان من الأفضل أن يختفي من مؤامرات اليهود(53) لكي يحفظ جسده كلية من الموت. فليسمع مثل هذا أن ذلك الأمر أيضاً لم يكن لائقاً بالرب. لأنه كما لم يكن لائقاً بكلمة الله وهو الحياة أن يُوقِع الموت على جسده بنفسه، كذلك لم يكن لائقاً أن يهرب من الموت الذي يوقعه الآخرون عليه، بل بالحري أن يتعقبه حتى يقضى عليه. ولهذا السبب فإنه بطبيعة الحال لم يسلّم جسده من تلقاء نفسه، كما أنه لم يتهرب من مؤامرات اليهود ضده.
2ـ وهذا لم يُظهِر أن الكلمة ضعيف، بل بالحري بيّن أنه هو المخلّص وهو الحياة، إذ إنه أولاً: انتظر إلى أن يأتيه الموت ليبيده(54) وثانياً: عندما قُدِّمَ إليه الموت فإنه عجّل بإتمامه لأجل خلاص الجميع.
3ـ وفضلاً عن ذلك فإن المخلّص لم يأتِ لكي يتمم موته هو بل موت البشر(55)، لذلك لم يضع جسده ليموت بموت خاص به (إذ إنه هو الحياة وليس فيه موت)، بل قَبِل في الجسد ذلك الموت الذي أتاه من البشر لكي يبيد ذلك الموت تماماً عندما يلتقي به في جسده.
4 ـ وهناك اعتبارات أخرى تجعل المرء يدرك لماذا كان يليق بجسد الرب أن يتمم هذه الغاية. لأن الرب كان مهتماً بصفة خاصة بقيامة الجسد التي كان مزمعاً أن يتممها، إذ إنها دليل أمام الجميع(56) على انتصاره على الموت(57)، ولكي يؤكد للكل أنه أزال الفساد، وأنه منح أجسادهم عدم الفساد من ذلك الحين فصاعداً. وكضمان وبرهان على القيامة المُعَدّة للجميع فقد حفظ جسده بغير فساد.
5 ـ ومرة أخرى نقول لو أن جسده كان قد مات نتيجة تعرضه للمرض وانفصل عنه الكلمة أمام نظر الجميع لكان غير لائق بمن شفى أمراض آخرين أن يترك أداته الخاصة (جسده) أن يموت بسبب المرض. فكيف يُصدّق المرء أنه كان يشفى أمراض الآخرين إن كان هيكله(58) الخاص قد تعرض للمرض؟ لأنه إما أن يُهزَأ به كأنه غير قادر على شفاء الأمراض، أو إن كان قادراً ولم يفعل شيئاً (لحفظ جسده) فيُظن أنه عديم الشفقة على الآخرين أيضاً.
الفصل الثالث والعشرون
ضرورة الموت علانية لأجل الإيمان بحقيقة القيامة.
1 ـ وحتى ولو لم يكن به أي مرض أو وجع، وافترضنا أنه هو نفسه قام بإخفاء جسده ” في زاوية “(59) أو في صحراء أو منزل، أو أي مكان آخر، ثم بعد ذلك ظهر فجأة قائلا أنه قام من بين الأموات، لترآى للجميع أنه يتكلم بكلام هذيان(60) ولَمَا صدقوا ما قاله عن القيامة، لأنه لم يكن هناك أي شاهد على موته.
فالموت لابد أن يسبق القيامة، لأنه لا يمكن أن تكون هناك قيامة ما لم يسبقها موت. فلو أن موت جسده كان قد حدث سراً في أي مكان ولم يكن الموت ظاهراً، ولم يحدث أمام شهود، لكانت قيامته أيضاً مخفيّة ولا يوجد دليل عليها.
2 ـ ولماذا يجعل موته سراً إن كان، بعد ما قام، أعلن قيامته جهاراً؟ أو إن كان قد طرد الشياطين أمام الجميع، وجعل الأعمى منذ ولادته يستعيد بصره، وحوّل الماء إلى خمر(61)، حتى بواسطة هذه الآيات يؤمن الجميع أنه كلمة الله؛ فلماذا لا يُظهِر أمام الجميع عدم فساد جسده(62) الذي كان قابلاً للموت، لكي يؤمن الجميع أنه هو “الحياة” ؟(63)
3 ـ وكيف يكون لتلاميذه الجسارة(64) على أن يتكلموا عن القيامة إن كانوا لا يستطيعون أن يقولوا إنه مات أولاً؟ أو كيف يمكن أن يصدق أحد قولهم إن الموت حدث أولاً ثم بعد ذلك القيامة لو لم يكن هناك شهود على موته من بين الذين يكلمونهم؟
4 ـ لأنه رغم أن موته وقيامته قد حدثا أمام الجميع فإن الفريسيين حينئذ لم يؤمنوا، بل أجبروا حتى أولئك الذين رأوا القيامة أن ينكروها(65). فلو أن هذه الأمور حدثت سراً فما أكثر الحجج التي كانوا سيخترعونها ليبرّروا بها عدم إيمانهم!
5 ـ وكيف كان يمكن تقديم البرهان على إبطال الموت والانتصار عليه لو لم يكن قد واجه(66) الموت أمام أعين الجميع(67) وأظهر أنه ميت، وأنه سيتلاشى كلية في المستقبل، وذلك بواسطة عدم فساد جسده؟
(1) 1 انظر: القديس أثناسيوس الرسالة الرابعة إلى سرابيون عن الروح القدس. فصل 18.
(2) 2 هنا يرد القديس أثناسيوس على بعض الغنوسيين الذين فصلوا بين شخص المسيح وجسده. انظر ايريناؤس: ضد الهرطقات 3، 17: 6.
(3) 3 هنا يرد القديس أثناسيوس على تعاليم فالنتينوس وماركيون والمونارخيين، انظر أيضاً مقالته الثانية ضد الآريوسيين. فقرة 27 “.. ولكنه بالتأكيد اتخذ جسداً حقيقياً برغم ما يهذى به فالنتينوس ” انظر أيضاً رسالته إلى ابكتيتوس. فصل 7.
(4) 4 يو 37:10ـ38.
(5) 1 انظر المقالة الثالثة ضد الآريوسيين. فقرة 31، الرسالة الرابعة إلى سرابيون عن الروح القدس. فصل 16.
(6) 2 انظر فصل 48.
(7) 3 انظر فصل 38.
(8) 4 انظر المقالة الثالثة ضد الآريوسيين. فقرة 40.
(9) 5 الرسالة الرابعة إلى سرابيون عن الروح القدس. فصل 21.
(10) 1 انظر فصل 8.
(11) 2 استخدم القديس أثناسيوس نفس مصدر فعل يحوّل “metab£lein” وذلك في الفصل 20/1 ليصف التحوّل الذي تم في طبيعة الإنسان بواسطة الخالق والمخلّص أي التحوّل من حالة الفساد إلى حالة عدم الفساد.
(12) 1 يكرر القديس أثناسيوس ما سبق أن أوضحه في الفصول 12، 14، 15.
(13) 2 انظر فصول 32، 48.
(14) 3 انظر 1كو24:1.
(15) 4 انظر المقالة الثالثة ضد الآريوسيين. فقرة 56.
(16) 1 انظر ضد الوثنيين. فصل 37.
(17) 2 ما كان يتحدث عنه الوثنيين بشأن المسيحيين كان في الواقع هو أن المسيحيين يؤمنون بشخص حُكم عليــه بمــوت الصليب على أنه هو الله، وهذا يظهـر مما جــاء في كتـاب لوكيانوس perˆ tºj peregrˆnou teleut»j (11) والذي كتبه لجذب المسيحيين نحوه.
(18) 1 انظر بداية الفصلين الأول والرابع.
(19) 2 انظر فصل 13.
(20) 3 انظر الفصول 8ـ10 تعبير “الحياة ذاتها” AÙtozw» في تعاليم القديس أثناسيوس يعنى أن الابن هو واحد مع الآب في الجوهر ولهذا فهو صورة الآب. وفي فصل 46 من مقالته ضد الوثنيين يوضح هذه العقيدة ويستخدم صفات أخرى ليصف بها الابن في علاقته الجوهرية بالآب وكل هذه الصفات تبدأ بمقطع “AÜto” الذي يعنى ذات فيقول “.. ولأنه المولود الصالح من الآب الصالح والابن الحقيقي فهو قوة الآب وحكمته وكلمته ليس عن طريق المشاركة ولا كأن هذه الصفات اكتسبها من الخارج كما هو الحال مع مَن يشتركون فيه ويصيرون حكماء به وينالون منه قوة وتعقلاً، بل أنه هو “حكمة (الآب) ذاتها” AÙtosofˆa، “كلمة (الآب) ذاته AÙtolÒgoj“، “قوة (الآب) ذاتها AÙtodÚnamij“، “نور (الآب) ذاته AÙtofèj“، “الحق ذاته AÙtoal»qeia“، “البر ذاته AÙtodikaiosÚnh“، “الفضيلة ذاتها Autoaret»“.
(21) 1 انظر فصل 14.
(22) 2 انظر فصل 9.
(23) 3 انظر فصل 16.
(24) 4 انظر فصل 8/4، 10/5.
(25) 5 انظر فصل 5.
(26) 6 انظر 1كو20:15. في الفقرتين1، 2 من هذا الفصل يلّخص القديس أثناسيوس تعليمه عن عقيدة الفداء.
(27) 7 في كتاباته اللاهوتية، يفضل القديس أثناسيوس تكرار المعنى الذي يريد توضيحه باستخدام طرق متعددة في شرحه، وهو ينبه القارئ دائماً إلى عملية التكرار هذه. انظر فصل 45/2. والمقالة الأولى ضد الآريوسيين. فقرة 29، 31، المقالة الثانية ضد الآريوسيين. فقرة 22، 80.
(28) 8 يقصد ما جاء في فصل 19/1.
(29) 1 انظر فصل 35/7.
(30) 2 لكنه كان جسداً طاهراً وخالياً بالحق من زرع البشر فصل 8/3.
(31) 3 انظر فصل 3/4.
(32) 4 انظر فصل 9/2.
(33) 5 يشدّد القديس أثناسيوس هنا على النصرة التي أتمها الكلمة المتجسد على الموت وأيضاً يشدّد على الشفاء الجذري للفساد. ولقد كان جسد الكلمة هو الأداة التي تمت بها هذه النصرة. وهنا يشدّد القديس أثناسيوس مرة أخرى على ما ورد في الفصلين 8، 9.
(34) 6 انظر الفصول 8ـ10.
(35) 1 عب 14:2، 15.
(36) 1 استعمال ظرف الزمان “الآن” عند القديس أثناسيوس وفي العهد الجديد وعند آباء الكنيسة الذين سبقوه يقصد به زمن الخلاص الذي بدء بالمسيح.
(37) 2 انظر فصل 4/8.
(38) 3 الخلاص تم للجميع غير أنه فاعل فيمن يؤمنون فقط.
(39) 4 انظر فصل 3/5.
(40) 5 سابقاً تعنى الوقت قبل مجئ المسيح أو قبل الإيمان بالمسيح.
(41) 6 يستخدم القديس أثناسيوس نفس المصطلح ننحل di¦lusij في الفصل 28/2.
(42) 7 انظر أيضاً ضد الوثنيين فصل 33/3 وفي مقالة الدفاع عن هروبه. فصل 14 حيث يؤكد القديس أثناسيوس أن لحظة الموت يحددها الله وليست بالصدفة كما يزعم بعض اليونانيين.
(43) 8 انظر عب 35:11.
(44) 1 انظر فصل 9.
(45) 2 1كو 53:15ـ55 انظر أيضاً هوشع14:13. يستخدم القديس أثناسيوس نفس الآية في فصل 27 فقرة 4.
(46) 3 يبدأ القديس أثناسيوس في ذكر الأسباب بكلمة “أولاً” غير أنه بعد ذكر السبب الأول لا يستتبع ذلك بكلمة ” ثانياً “، و” ثالثاً “،.. ألخ.
(47) 4 انظر ضد الوثنيين فصل 41/2. وهنا أيضاً يستخدم القديس أثناسيوس تعبير “الحياة ذاتها” الذي سبق أن استخدمه في الفصل 20/1.
(48) 1 انظر المقالة الثانية ضد الآريوسيين. فقرة 67 حيث يذكر القديس أثناسيوس أن الابن يتميز عن سائر البشر.
(49) 2 انظر فصول 18، 49.
(50) 3 يذكر القديس أثناسيوس أن الحديث عن أن يسوع كان يأكل هو لاثبات أن الكلمة قد اتخذ جسداً حقيقياً. انظر فصل 18. والجدير بالذكر أن القديس أثناسيوس يشير إلى أن الجوع والحزن والألم والتعب التي يشعر بها الجسد هي نتيجة لمخالفة آدم. انظر مقالته الكبرى عن الإيمان. فصل 24.
(51) 1 مز 10:16، أع27:2،31. انظر أيضاً المقالة الثالثة ضد الآريوسيين. فقرة 57.
(52) 2 هنا يوضح القديس أثناسيوس أنه مع أن الجوع والموت هما من خصائص الجسد إلاّ أن هذا الجسد الذي اتحد به الرب لم يهلك بسبب الجوع ولم يفسد بالموت وذلك بسبب اتحاد الكلمة به.
(53) 1 في تعليق القديس أثناسيوس على إجابة السيد المسيح على اليهود عندما جاءوا ليقبضوا عليه “أنا هو مَن تطلبونه” (يو5:18) يقول “أن المسيح لم يترك نفسه ليُسلم قبل أن يحين الوقت، وعندما جاء الوقت لم يختف، لكنه أسلم نفسه لطالبيه”. راجع كتاب الدفاع عن هروبه. فصل 15.
(54) 2 انظر فصل 16/4.
(55) 3 انظر الفصول 8، 9.
(56) 1 يرى القديس أثناسيوس أن موت المسيح على الصليب بهذه الطريقة العلنية وأمام أعين الجميع هو علامة ودليل على انتصاره على الموت، وهو يذكر ذلك عدة مرات. انظر الفصول 19/3، 23/4، 30/1.
(57) 2 سيتكلم القديس أثناسيوس عن هذه النقطة في الفصل التالي.
(58) 3 انظر فصل 8 هامش رقم (8) ص 21.
(59) 1 انظر أع 26:26.
(60) 2 لو 11:24.
(61) 3 سبق أن ذكر القديس أثناسيوس هذه المعجزات في فصل 18 وبيّن كيف أن الرب وقد أتمها في الجسد فقد كانت كافية لكي يعرف البشر حقيقة الابن المتجسد وبه يعرفون الآب (ومعرفة الآب هي السبب الثاني للتجسد).
(62) 1 والقيامة تعيد للإنسان حالة عدم الفساد (وهذا هو السبب الأول للتجسد). وعندما يحقق المسيح القيامة وبطريقة علنية فإن السبب الأول يتحقق وإن كان لا يرى.
(63) 2 انظر فصل 9/2.
(64) 3 انظر أع 13:4.
(65) 4 انظر أعمال الرسل 17، 18.
(66) 5 حرفياً (واجه قضائياً). ولقد استخدم القديس أثناسيوس هذا المصطلح القانونى ليوضح أن موت المسيح على الصليب نيابة عن البشر هو إتمام للحكم الإلهي ولهذا فبموته جسدياً صان صدق الآب من جهة الجميع وفي نفس الوقت أبطل عن البشر ناموس الفناء وذلك لأن سلطان الموت قد استنفذ في جسد الرب فلا يعود للموت سلطان على أجساد البشر (انظر فصلى 7، 8).
(67) 6 انظر فصل 22 هامش رقم (1) ص 65.