قانون الإيمان الأنطاكي “قبل نيقية”

قام العلامة الألماني كتبوش بتأريخ قانون الإيمان وأتحف الكنيسة بمجلدين ظهر الأول في سنة 1984 والثاني في سنة 1900، وتسرع بالاستنتاج وقال أنه لم يكن لأنطاكية قانون إيمان معيّن قبل بدعة بولس السميساطي. وأن دومنوس أسقف أنطاكية بعد بولس هذا كان قد تبنى قانون إيمان رومة، وجعله قانون إيمان كنيسته. إلا أنه بنى استنتاجه هذا على علة سكوت المراجع. وسكوت المراجع لا يكون حجة إلا بشروط معينة. وهاهي حجة كتنبوش والرد عليها:

حجة كتنبوش: يبدأ كتنبوش بالرسالة السلامية التي وجهها الأساقفة المجتمعون في أنطاكية إلى سائر أساقفة المسكونة فيرى أن أساقفة أنطاكية يكتفون بالقول: “أن بولس لا يريد أن يعترف معنا بأن ابن الله نزل من السماوات وأنه لم يحافظ على الإيمان الذي تسلّمه”. ثم ينتقل كتنبوش من نص الرسالة السلامية إلى نص رسالة الأساقفة الستة، فيقرأ العبارة “الإيمان الذي تسلّمناه منذ البدء فحفظناه وحفظته الكنيسة الجامعة المقدسة ذاك الذي انتقل إلينا بالتقليد من الرسل الطوباويين” ويلاحظ أنها خالية من أيّة إشارة إلى قانون معيّن فيخلص إلى القول بأنه لم يكن هنالك قانون معين محدد!

ثم يشير كتنبوش إلى ما جاء بعد ذلك في ذيامارونرية أفسابيوس الدورلّي من قانون إيمان كنيسة أنطاكية فيجده قريباً جداً من قانون إيمان كنيسة رومة. فيخلص إلى القول أن كنيسة أنطاكية أخذت نص قانونها عن كنيسة رومة. ويلاحظ أن الفرق بين القانونيين موجه ضد بدعة معينة فيرى أن هذه البدعة هي بدعة بولس السميساطي فيحدد زمن الأخذ عن رومة ويجعله في عهد دومنوس خلف بولس على السدة الأنطاكية.

الرد على كتنبوش: ونحن -الدكتور أسد رستم- نرى أن سكوت المراجع لا يكون حجة قبل التثبت من أمور ثلاثة أولها أن نكون على يقين جازم من اطلاعنا على جميع المراجع، والثاني أن لا يعترينا شك في أن ما لدينا من هذه المراجع هو “جميع” ما دوّنه السلف وأنه لم يضع منها شيء، والثالث أن نتثبت من استحالة السكوت في هذه المراجع عن الموضوع الذي ندرس. ونحن لا ننكر على كتنبوش احاطته بأخبار الرواة عن قانون الإيمان وجده واجتهاده ولكننا نرتاب في أمر احاطته بها جميعاً. فقد جاء في رسالة أسقف أنطاكية العظيم اغناطيوس حامل الله إلى كنيسة ترولة ما يمكن اعتباره جزءاً من قانون إيمان معمول به. وجاء في رسالة القديس كبريانوس الخامسة والسبعين أن القديس فرميليانوس أشار إلى قانون إيمان معمول به في كنائس البونط كان يردد في ظروف المعمودية.

  • فإذا كان هذا أمر الكنائس الصغيرة التي كانت تتأثر بأنطاكية فما قول كتنبوش في كنيسة أنطاكية نفسها؟
  • وهل بامكان كتنبوش وغيره من العلماء اليوم أن يجزم في أن ما لدينا من المراجع الأولى لتاريخ كنيسة أنطاكية قبل مجمع نيقية هو جميع ما دوّنه السلف، وأنه لم يضع مما دوِّن شيء؟
  • ثم هل من المنطق أن نقول باستحالة سكوت الآباء المجتمعين في أنطاكية عن ذكر قانون الإيمان بكامله في رسالة سلامية وجهوها إلى إخوانهم في المسيح في جميع المسكونة؟
  • ألا يجوز أن يكون هؤلاء الأساقفة اعتبروا نص قانون الإيمان معروفاً لدى إخوانهم في الرب يسوع فاكتفوا بالإشارة إلى المهم منه أي إلى القول بأن بولس “لا يريد أن يعترف معهم بأن ابن الله نزل من السموات”؟
  • ثم هل نسي أن مرقس افجينيكوس متروبوليت أفسس فاجأ إخوانه العربيين مفاجأة في مجمع فرارة (1438) عندما صرّح أمامهم بأن كنائس الشرق تجهل كل الجهل نص إيمان الرسل الشائع في الغرب؟

ما يجوز قوله: والراهن الثابت هو أن الرسل أوجبوا منذ بداية التبشير والتعميد اعترافات معينة تنبئ باهتداء الموعوظ. ففيليبس فرض على الخصي الحبشي القول: “إني أؤمن بأن يسوع المسيح هو ابن الله”. وبولس -الرسول- استهل رسالته إلى الرومانيين بقوله: “المولود بحسب الجسد من ذرية داود المقام بحسب روح القداسة في قدرة ابن الله بقيامته من بين الأموات يسوع المسيح ربنا الذي به نلنا النعمة”. وقال هذا الرسول نفسه في رسالته الأولى إلى الكورنثيين (15: 3-5): “أن المسيح قد مات من أجل خطايانا وأنه قبر وقام في اليوم الثالث على ما في الكتب”. وقال الرسول بطرس في رسالته الأولى (3: 18-22): “أن المسيح مات مرة من أجل خطايانا وهذا الماء وما رمز به إليه -أي المعمودية- التي ليست إزالة أقذار الجسد بل معاهدة الضمير الصالح لله يخلصكم الآن بقيامة يسوع المسيح الذي هو عن يمين الله منذ انطلق إلى السماء وأخضعت له الملائكة والسلاطين والقوات”.

وهكذا فإن الجوهر في نص قانون الإيمان يعود إلى عصر الرسل أنفسهم أما صيغته فإنها تطورت تدريجياً بتطور ظروف الوعظ والمعمودية. ونظراً لبعد المسافات وتنوع الظروف فإنه نشأ قبل نيقية فصيلتان من النصوص أحدهما شرقية والثانية غربية. وضاعت الأولى بعد نيقية وبقيت الثانية في الغرب. وهذه هي قانون الرسل المشار إليه آنفاً. وأهم الظروف التي دعت لاختلاف النصوص قبل نيقية، ظهور البدع في الشرق ووجوب محاربتها. وأهم هذه النصوص الشرقية نص كنيسة أورشليم كما ورد في إشاردات كيرلس ونص كنيسة قيصرية فلسطين كما حفظه لنا المؤرخ افسابيوس.

arArabic
انتقل إلى أعلى