المجمع القسطنطيني العاشر

858-867 و877-886

اضطهاد فوتيوس والإفراج عنه: (870-873) وأمر باسيليوس بنفي فوتيوس فأبعد إلى دير سكابي في البوسفور ووضع تحت رقابة فرقة من الجند. واعتراه مرض ثقيل فلم يسمحوا بطبيب يعالجه أو صديق يعزيه. وعرّوه من الكتب والأوراق ولم يسمحوا له بالكتابة إلا نادراً. وظل فوتيوس على هذه الحال ثلاث سنوات ونيف. ثم كتب رسالته المئتين والإحدى والثمانين إلى باسيليوس فقال:

“لا أذكّرك بالصداقة القديمة ولا بالأقسام الرهيبة ولا بمسحك وسيامتك قيصراً ولا بالرباط الذي ربطنا به بتنّي ابنك الصالح بل إني أُذكّرك بحقوق البشر. فملوك الأعاجم واليونان كانوا إذا حكموا بالموت نفّذوا ولم يتركوا من حكموا عليهم أن يموتوا جوعاً وخنقاً بالعذاب. أما نحن فإننا نعيش عيشة أمر من الموت فإننا قد حرمنا الأقارب والخدام والمعارف ثم الكتب. وهذا لعمري أمر جديد وقصاص غريب. وعل ترغبون أن لا نسمع كلام الرب! لا سمح الله أن تتم في عهدك اللعنة القائلة: “ويكون في تلك الأيام جوع خبز وجوع لاستماع كلمة الرب”… فلا نطلب منك كرسياً ولا مجداً ولا سعادة ولا رفاهة بل ما يسمح للمسجونين… فلا تسمح بأن يضاف في ترجمة حياتك أن ملكاً موصوفاً بالحلم والرأفة أسلم إلى المنفى والجوع رئيس كهنة كان صديقاً له وشريكاً وإنه فيما كان رئيس الكهنة يصلي من أجله دفعه إلى الموت”.

الدعوة إلى المجمع القسطنطيني العاشر: (879-880) وحافظ الأساقفة والكهنة أصدقاء فوتيوس على عهودهم له ووفوا. فاضطر اغناطيوس أن يرسم غيرهم للقيام بالخدمات الروحية. فلم يلاقِ العدد الكافي من أصحاب اللاياقة. فكتب باسيليوس إلى أدريانوس في ذلك ورجاه أن يعدل موقفه ممن رسم على يد فوتيوس فأبى. وحذا حذو أدريانوس خلفه يوحنا الثامن (872-882) وأصبحت كنيسة القسطنطينية كنيستين اغناطيوسية وفوتيوسية. وكان الجيش لا يزال يذكر انتصاراته على يد برداس وميخائيل ويعتز بها. فاضطر باسيليوس أن يتقرب من فوتيوس وأعوانه ومؤيديه وأن يشركهم في الحكم.

فدعا الفسيلفس البطريرك من منفاه في السنة 873 وأكرمه إكراماً عظيماً وطلب إليه أن يشرف على تهذيب أولاده قسطنطين واسكندر ولاوون. ولا نعلم ما إذا كان هذا العفو شمل الأساقفة المنفيين. ولعله لم يشملهم. ولما عاد فوتيوس إلى العاصمة انصرف إلى موالاة اغناطيوس ضناً بمصلحة الكنيسة. ولعله استسمحه ونال منه الصفح في السنة 846 فإنه في كتابه عن الروح القدس يدعوه قديساً وفي المجمع المسكوني الثامن (*) صرّح أنهما تعانقا متسالمين. ويرى العلماء الباحثون أن اغناطيوس لم يعترض على شرطونية مناظره من الناحية الكنسية وأنه اعتبره بطريركاً بعد المسالمة وأن فوتيوس مارس السلطة البطريركية في الأشهر القليلة التي سبقت وفاة اغناطيوس وأن هذا وافق على عودة فوتيوس إلى الكرسي بعده. وتوفي اغناطيوس عن ثمانين عاماً في الثالث والعشرين من من تشرين الأول سنة 877 فاستلم فوتيوس عكاز الرئاسة في السادس والعشرين من الشهر نفسه.

وكتب فوتيوس في أواخر السنة 877 إلى بطاركة الشرق رسائل الجلوس ودعاهم إلى مجمع مسكوني يعيد النظر في قرارات مجمع السنة 869-870 وينظر في أمر الانبثاق وبات ينتظر رسائل السلام. فكتب ميخائيل الثاني الإسكندري يعرب عن فرحه وارتياحه ويشكر ويشكر الله على النعمة بارتقاء فوتيوس وأكّد أن سلفه لم ينبذ شركته قط. وكتب ثيودوسيوس الأورشليمي ينعي ما حل بالمدينة المقدسة من خراب ويستنجد بفوتيوس وباسيليوس ثم يقول: “ومن لا يعترف بفوتيوس بطريركاً على المدينة الملكية فليكن محروماً ولينزل من منصبه”. وأظهر ثيودوسيوس الأول الأنطاكي غمه وأسفه على الحكم بمجمع السنة 869 الذي وقّعه توما باسم كنيسة أنطاكية وطلب الصفح لنائبه وختم رسالته قائلاً: “ومن لا يعترف بفوتيوس بطريركاً يكون ملعوناً من الآب والابن والروح القدس”. وأوفد البطاركة قوزما وباسيليوس وايليا ليبوبوا عنهم في المجمع المسكوني. ويلاحظ هنا أن البطاركة لم ينتظروا تعليمات روما وإرشاداتها قبل الإقدام على الاعتراف ببطريركية فوتيوس وأنهم لعنوا من لا يعترف بها!.

ثم كتب باسيليوس إلى يوحنا الثامن بابا روما يعلمه بارتقاء فوتيوس ويرجو الاعتراف به والاشتراك في مجمع مسكوني للتعاون في جعل الوضع في القسطنطينية قانونياً. وكتب فوتيوس كتاباً لطيفاً وأردفه برسائل السلام التي كانت قد وردت من البطاركة الشرقيين.

وكان التيار الإسلامي يهدد إيطاليا وروما. وكانت آمال يوحنا الثامن في مساعدة فرنسية أو ألمانية قد خابت. فأكرم هذا البابا الوفد البيزنطي الذي حمل رسائل الجلوس وأظهر ارتياحاً لما تمّ في القسطنطينية ووافق على رجوع فوتيوس إلى منصبه وألغى المجامع السابقة التي عقدت ضده وطلب لقاء ذلك أن لا يتدخل فوتيوس في أبرشية البلغار وألا يرتقي بعد ذلك علماني عرشاً أسقفياً وأن يعتذر فوتيوس نفسه عما مضى أمام المجمع. وعيّن البابا الكردينال بطرس نائباً عنه وحمله رسائل إلى باسيليوس وفوتيوس وبطاركة الشرق وأساقفة الكرسي القسطنطيني وإلى الاغناطيوسيين وإلى النائبين الرسولين الأسقفين أوجانس وبولس اللذين كانا قد أُرسلا إلى القسطنطينية قبل ارتقاء فوتيوس للبت في القضية البلغارية والقضاء على البطريرك اغناطيوس إذا لم يرفع ولايته عن بلغاريا. وأردف هذه كلها بكتاب التعليمات Commonitorium.

ووصل الكردينال بطرس إلى القسطنطينية فاشترك في المفاوضات التمهيدية التي كانت فد بدأت بين زميليه الأسقفين اوجانس وبولس وبين البطريرك فوتيوس. واتفق الطرفان في جميع الأمور التمهيدية ولم يختلفا إلا في أمر اعتراف فوتيوس بخطأه أمام المجمع. فالبابا كان قد جعل هذا الاعتذار شرطاً أساسياً للاعتراف ببطريركية فوتيوس. وفوتيوس رأى أن ما قاله في مجمع السنة 867 ضد نيقولاوس جاء رداً على تدخل هذا الحبر في شؤون كنيسة القسطنطينية الداخلية وأنه إذا كان قد تجاوز حدود الدفاع عن النفس في ما قاله في هذا المجمع فإن ممثلي روما تجاوزا حدود القانون في الحكم عليه قبل التحقيق والتدقيق. وأضاف فوتيوس أنه اعتذر لاغناطيوس نفسه وتسالم معه. ورأى الوفد الروماني في تنازل فوتيوس وباسيليوس عن أبرشية البلغار واستعداد الفسيلفس للتعاون في صد المسلمين عن إيطاليا وروما ما يبرر التراجع عن أمر الاعتذار موضوع البحث. فوافقوا على ذلك وتحملوا مسؤولية هذا العمل تجاه الحبر الروماني.

أعمال المجمع: والتآم المجمع في أوائل تشرين الثاني سنة 879 في كنيسة الحكمة الإلهية مؤلفاً من ثلاث مئة وثلاثين أسقفاً خاضعين لفوتيوس ما عدا نواب روما والإسكندرية وأنطاكية وأورشليم. وهو عدد عظيم إذا ما قورن بالرقم الهزيل الذي ضمه المجمع المعادي لفوتيوس قبل عشر سنوات. وتغيب الفسيلفس عن الحضور بداعي الحزن على ابنه قسطنطين فترأس الجلسات فوتيوس نفسه. وبعد تبادل السلام بين فوتيوس ونواب الكنائس الشقيقة ألقى خطبة الافتتاح زخريا متروبوليت خلقيدونية. فأوضح أسباب الاضطراب وذكر المصائب التي حلّت بفوتيوس ثم وجّه كلامه إلى نواب روما فقال: “لقد عقد هذا المجمع لأجلكم ولأجل كنيسة روما المقدسة كي لا يقول المشاقون أنكم رؤساء القلاقل والاضطرابات. لقد حُسِم الخلاف بنعمة الله وبسعي امبراطورنا محب المسيح وبصلوات بطريركنا اللائق للقداسة وبالتفاهم الذي تم بين البطاركة الشرقيين الثلاثة وبصلوات البابا يوحنا اللائق بالقداسة وتضرعاته”. فأمّن المجمع كلامه. وقال الكردينال بطرس: “والبابا يوحنا يشارك فوتيوس في الرأي ولهذا السبب أرسل له بدلة رئاسة الكهنوت”. ثم ختمت الجلسة بالدعاء لجميع البطاركة.

وفي الجلسة الثانية في الثالث عشر من تشرين الثاني قُرئت رسائل البابا إلى الفسيلفس وإلى فوتيوس. وقد اختلف العلماء مدة طويلة من الزمن في صحة نصها. فقال الأرثوذكسيون منهم بصحة النص اليوناني كما ورد في أعمال المجمع. وقال الغربيون بتشويه النص الأصلي واتهموا فوتيوس نفسه بهذا التشويه واعتمدوا النصوص اللاتينية الباقية. ثم قضت العناية بأن ينبري لبحث هذه الرسائل وتدقيقها عدد من جلة علماء الكنيسة اللاتينية الشقيقة نخص بالذكر منهم الأب اميل أمان مدير موسوعة اللاهوت الكاثوليكية والأب فرنسيس دفورنيك أستاذ التاريخ الكنسي في جامعة براغ والأبوين غرومل ولوران. ونظر هؤلاء العلماء في التفاوت بين النصين اليوناني واللاتيني فلم يثبت القول بالدس على فن النقد الحديث وارتأى الأب امان أن يكون الوفد البيزنطي قد اطلع على نصوص الرسائل الباباوية بعد إدراج أصلها في السجل فلما لم يجدها موافقة للتفاهم والاتحاد عرض أن تُعدَّل فعُدّلت فحملها الكردينال بطرس معدلة إلى القسطنطينية فقُرئت مُعدلة وضمت إلى أعمال المجمع بنصوصها المعدلة. وعُني سيادة متروبوليت بيروت وجبيل كيريوس فيليبوس في السنة 1937 بنقل خلاصة ما كان قد تمّ من هذه الأبحاث إلى العربية فدبج بيراع المحبة المسيحية سلسلة مقالات عنوانها “هل زور فوتيوس رسائل البابا يوحنا الثامن” ونشرها في إعداد مجلة المسرة لتلك السنة فأجاد وأفاد.

وبعد قراءة هذه الرسائل سأل الكردينال بطرس: هل يقبل المجمع فحواها؟ فأجاب المجمع أنه يقبل كل ما جاء فيها عن السلام وعن البطريرك. أما ما يتعلق منها بإرادة الفسيلفس فالأمر فيها له. فقال الكردينال: لقد ورد في كتاب التعليمات الذي أحمل ألا يرُسل الشرق بعد الآن اموفوريوناً إلى بلاد البلغار. فذكّر فوتيوس ما كتبه إلى البابا نيقولاوس وأكد أنه لم يشرطن لكنيسة البلغار أحداً بعد عودته إلى الكرسي. ثم قال بركوبيوس قيصرية: إننا نؤمل برحمة الله ودعاء سيدنا ورئيس كهنتنا أن تخضع الأمم كلها لملوكنا المقامين من الله وحينئذ يعينون لكل أبرشية بإلهام من الله. فأمَّن المجمع لكلامه وقالوا إن هذه المسألة ليست روحية بل مدنية وأنهم لم يجتمعوا ليوزعوا أبرشيات. ثم طرح نواب روما مسألة أخرى فقالوا: وكيف رقي فوتيوس إلى الكرسي قبل وصولهم. فأجاب الأساقفة أنه تم باتفاق الأساقفة واعتراف البطاركة كلهم. ثم سرد فوتيوس تاريخ بطريركيته مستهلاً بالقول: “إني لم أشته هذا الكرسي مطلقاً”. ثم ذكر انتخاب الأساقفة والكهنة وإلحاح الحكّام عليه ثم عزله وشكره لله. وأكّد أنه عاد إلى البلاط بدون وساطة وأن اغناطيوس نفسه أقامه نائباً بطريركياً وأنه لم يقبل عكاز الرعاية ثانية إلا بعد وفاة سلفه وضغط الفسيلفس وإلحاح الكنيسة. فقال الأساقفة: “نعم كل هذا جرى تماماً”. وقُرئت رسائل البطاركة وسمع الأعضاء نص الحرم الذي وضعه البطريرك الإسكندري على من مثله في المجمع السابق وعلموا أن توما متروبوليت صور ندم وطلب الصفح.

وفي الجلسة الثالثة في التاسع عشر من تشرين الثاني قُرئت رسالة البابا يوحنا إلى بطاركة الشرق وحُقق في أمر نواب هؤلاء البطاركة الذين اشتركوا في مجمع السنة 869 فتبين أنهم إنما مثلوا أمير العرب لا رؤساءهم.

وفي الجلسة الرابعة في الرابع والعشرين من كانون الأول تليت رسائل جديدة من بطريركي أنطاكية وأروشليم حملها باسيليوس متروبوليت مرتيروبوليس فتبين منها أن اعتراف البطاركة لم يكن ضرورياً لوصول فوتيوس إلى كرسي الرئاسة. وتلي كتاب البابا إلى الفسيلفس ونص الكومونيتوريوم فترك البت في قضية البلغار إلى الفسيلفس ولا سيما وأن يوحنا وفوتيوس أصبحا أخوين متفقين متحابين. وأُعيد البحث في شرطونية العوام فقاوم الأساقفة اقتراح روما مقاومة أشدّ من الأولى. وأُلغيت قرارات مجمع أدريانوس ومجمع السنة 869. وقرر المجمع اشتراك جميع الأساقفة في خدمة القداس في اليوم التالي يوم عيد الميلاد.

وعاد المجمع إلى العمل في السادس والعشرين من كانون الثاني سنة 880 فأقر في جلسته هذه الخامسة أن يعتبر المجمع النيقاوي الثاني مجمعاً مسكونياً وأن يعرف بالمجمع المسكوني السابع. وأوفد المجمع ثلاثة من أعضائه إلى متروفانس متروبوليت أزمير لينقلوا إليه رغبة المجمع في اعترافه برئاسة فوتيوس. فاعتذر متروفانس بداعي المرض فقرر المجمع قطعه من الشركة إلى أن يعترف بسلطة البطريرك. ثم سنَّ المجمع قوانين ثلاثة بناء على اقتراح الوفد الروماني. وقضى الأول أن يحرم فوتيوس من يحرمه ويوحنا من رجال اكليروسه أو أبناء رعيته المقيمين في أوربا وآسية وأفريقيا وأن يقابل يوحنا فوتيوس بالمثل وأن التقدم الذي للكنيسة الرومانية يبقى على حاله بلا أحداث ولا تغيير إن في الحاضر والمستقبل. ومنع القانون الثاني الأساقفة الذين لجأوا إلى الأديار رهباناً عن العودة إلى وظائفهم السابقة. ولعن المجمع في القانون الثالث كل علماني يجرأ على ضرب أسقف.

ووقع بولس أسقف أنكونة أولاً ثم اوجانس فبطرس ثم ممثلوا البطاركة الشرقيين ثم سائر أعضاء المجمع. وكان الفسيلفس لا يزال قامعاً في قصره محزون الصدر لهيف القلب على فقد قسطنطين. وكان لا بد من موافقته على قرارات المجمع لتصبح نافذة سارية المفعول. فأم الأعضاء القصر في الثالث من آذار وخلا الفسيلفس بالوفود وبثمانية عشر متروبوليتاً وبالبطريرك. وقضى العرف بأن يعلن الآباء إيمانهم فاقترح باسيليوس إضافة نص الدستور النيقاوي القسطنطيني إلى أعمال المجمع فوافق الرؤساء. فوقف بطرس رئيس الكتبة وقال: إننا نحافظ على تعليم المسيح وأوامر الرسل وشرائع المجامع المسكونية وتعاليمها كما تسلمناها ونرفض ما رفضوه ونقبل ما قبلوه. وعليه فإننا نقبل بالقلب واللسان دستور الإيمان الواصل إلينا منهم منذ القديم ونقرأه في كل مكان علناً ولا نحذف منه ولا نزيد عليه ولا نبدل فيه ولا نزيفه. لأن هذه كلها من أعمال المحال الخبيث. فالمجمع المقدس المسكوني الحالي يعانق بالشوق الإلهي وباستقامة الذهن دستور الإيمان القديم ويوقره وعليه يؤسس ويبني حقيقة الخلاص ويهتف للجميع أن يرتأوا ويعلموا هكذا:

أؤمن بإله واحد آب ضابط الكل خالق السماء والأرض كل ما يرى وما لا يرى. وبرب واحد يسوع المسيح… إلخ

وبالروح القدس الرب المحيي المنبثق من الآب المسجود له مع الآب والابن الناطق بالأنبياء… إلخ.

فهكذا نعتقد وعلى هذا الاعتراف تعمدنا وبه طحنت كل هرطقة. وأما الذين يغيرونه أو يبدولونه أو يمسونه بكلمات غريبة أو بزيادة أو بنقص فبحسب حكم المجامع السابقة المسكونية إن كانوا من الإكليروس فليقطعوا قطعاً نهائياً وإن كانوا من العوام فليحرموا بالانثمة.

فقال الأساقفة: جميعنا هكذا نعتقد وعلى هذا الاعتراف تعمدنا وعليه أُهلّنا لدرجة الكهنوت. فالذين يعتقدون غير هذا الاعتقاد هم أعداء الله والحقيقة.

وفي الثالث عشر من آذار اجتمع الأعضاء في كنيسة الحكمة الإلهية فتلي اعتراف الإيمان عليهم فصدقوا عليه وعلى أعمال الجلسة السادسة. ونادى الجميع إن كل من لا يعترف برئاسة كهنوت فوتيوس لا ينظر مجد الله.

وأدّت مشاحنات الانشقاق فيما بعد إلى التطرف في الجدل فشاع في الأوساط اللاتينية الغربية أن أعمال الجلستين السادسة والسابعة مزورة وأن فوتيوس نفسه زوّرها. ثم قام الكردينال هرغنزوتر Hergenrother وصارح زملاءه في الغرب بأنه ليس في محتويات هذه الأعمال ما لا يتفق وعرف الآباء وأضاف أن تقاليد القصر في ذلك العهد قضت ببقاء الفسيلفس في قصره في حالة حزن ستة أشهر كاملة. والواقع أن الآباء كانوا قد ذيّلوا أعمال كل مجمع مسكوني باعتراف بالإيمان سموه هوروساً Horos. وأنهم اضطروا اضطراراً في هذه المرة أن يجتمع رؤساؤهم بالفسيلفس في قصره أولاً ليقروا الهوروس وينالوا التصديق وأن يجتمعوا جميعاً لتلاوة الهوروس والاعتراف به. وليس في هذا الهوروس ما لا يتفق وتقليد الكينسة الرومانية آنئذ. فإنها كانت لا تزال تقول بالانبثاق من الآب مخالفة بذلك كنائس اسبانيا وغالية.

يوحنا الثامن والمجمع: ورضي يوحنا الثامن عن فوتيوس واعتبره بطريركاً شرعياً على كنيسة القسطنطينية وابتهج لحلول السلام والوئام في هذه الكنيسة. وحرر إلى باسيليوس وفوتيوس بهذا المعنى. وظل راضياً حتى وفاته ولم يقطع فوتيوس من الشركة مرة ثانية ولم يقع أي انشقاق آخر بين الكنيستين في أيامه. وقد ضل بارونيوس وهرغنروتر وهفله وغيرهم من علماء الغرب عندما رؤوا أن يوحنا الثامن لم يعترف بفوتيوس نهائياً ولم يؤيد حكم هذا المجمع وأنه أرسل الكردينال مارينس إلى القسطنطينية للتثبت مما جرى فلما أبلغه هذا أن فوتيوس زوّر رسائله عاد فحرمه حرماً عظيماً. والسبب في هذا التساقط في الضلال أن هؤلاء العلماء اعتمدوا مراجع مغرضة أهمها ملحق مجمع السنة 869 الذي نشره لأول مرة الأب رادر اليسوعي سنة 1604 ثم أدرج فيما بعد في مجموعة هاردوين ومانسي. وواضع هذا الملحق عدو لفوتيوس لا تقبل شهادته بدون تجريح وقد انفرد في الحرم الثاني ولم يشر إليه أحد غيره. ولنا في أقوال الثناء التي فاه بها فوتيوس مادحاً يوحنا بعد المجمع ما يؤيد دوام المحبة والوفاق بين هذين الحبرين. فقد دعا فوتيوس يوحنا الثامني “قديساً” في رسالة وجهها إلى رئيس أساقفة أكيلا في السنة 884. وجاء في كتاب فوتيوس عن الروح القدس ما معناه: “أما يوحنا فإنه خاصّتي ويحق لي أن أدعوه هكذا لأسباب كثيرة أهمها أنه انتصر لي أكثر من غيره. وهو قوي بعقله وتقواه وبغضه للظلم والكفر. وهو خليق بأن يدير الشرائع المقدسة والشرائع السياسية وأن يرد كل شيء إلى النظام. وهو الذي ثبت بواسطة نوابه قرارات المجمع فيما هو من قانون الإيمان”.

ولم يحد خلفاء يوحنا عن خطته هذه ولم يقطع أحد فوتيوس عن الشركة وهو قول يؤيده رجال الاختصاص ويجمعون عليه. والشقاق الثاني وهم قضى عليه العلم النزيه ونبذه التاريخ الصحيح.

برهن الدكتور دفورنيك بطريقة لا تقبل الجدل، أن الإنشقاق الثاني المزعوم لم يحدث ابداً، وأن الشركة بين القسطنطينية ورومية لم تقطع في الفترة الثانية من ولاية فوتيوس، وأن البابا يوحنا الثامن لم يكن شديد التعاطف مع الجرمانيين ولم يثر قضية الانبثاق، كما لم يسع إلى فرض سيطرته على الشرق. ولعل مرد ذلك يعود إدراكه إلى أي حد أساءت سياسة سلفه البابا نيقولاوس إلى وحدة العالم المسيحي.

هكذا انتهى الانشقاق، ولكن بدون أن يُصار إلى إيجاد حل صحيح للمعضلتين الرئيسيتين اللتين أثارهما الخلاف بين نيقولاوس وفوتيوس.

وفوتيوس، الذي يُعتبر في الشرق قديساً ومن كبار رعاة الكنيسة ولاهوتياً لامعاً، لم يحظَ أولاً بعطف الغرب الذي نظر إليه كأب الانشقاق ليس إلا. أما الآن فلقد وصل الجميع إلى الاعتراف بصفاته الحسنة. ولقد أنهى الدكتور دفورنيك دراسته المهمة عن فوتيوس بهذه الكلمات: “لو صحَّت استنتاجاتي، يمكننا من جديد أن نعترف بفوتيوس كراعٍ كبير أنَسيّ (Humaniste) لامع ومسيحي حقيقي لديه من التسامح ما يجعله يغفر لأعدائه ويقوم بالخطوة الأولى في طريق المصالحة”.

وأهم ما نجد في السعي الذي قام به المؤرخون المعاصرون لإعادة تقويم تاريخ الإنشقاق، هو تصحيح الأحكام المغلوطة القديمة المتعلقة بالقديس فوتيوس الكبير.

سنو فوتيوس الأخيرة: (886-897) وتوفي باسيليوس الفسيلفس في السنة 886 فخلفه ابنه لاوون السادس الملقب بالحكيم (886-912). ولدى ارتقائه دس أعداء فوتيوس الوساوس وأقنعوا الفسيلفس الجديد أن الواشي به لأبيه كان ثيودوروس الساحر واشركوا مع هذا بالتهمة فوتيوس نفسه. فعزل لاوون فوتيوس إما لأنه صدق الوشاية أو لأنه أحب أن يجلس أخاه اسطفانوس بطريركاً أو للأمرين معاً. ونفى لاوون فوتيوس إلى دير الأموريين فقضى البطريرك العظيم سني حياته الأخيرة في المنفى بعيداً عن أصدقائه معتزلاً. وتوفي بعد ذلك بنحو عشر سنوات. ولا نعلم شيئاً عن السنوات الأخيرة التي قضاها فوتيوس في الوحدة.

إعلان قداسة فوتيوس: ولا نعلم بالضبط متى أُعلن فوتيوس أو من أعلنه قديساً. وليس في هذا النقص في المعلومات ما يدعو إلى التحذر والتيقظ. فالتطويب في الكنيستيني اليونانية واللاتينية كان لا يزال عملاً فردياً في غالب الأحيان. ولم يكن منوطاً برئيس الكنيسة وحده بل مباحاً لأي أسقف من الأساقفة أن يطوِّب من يراه لائقاً بالتطويب. وحصر تطويب فوتيوس بين السنتين 966 و998 وجعله عهد البطريرك سيسينيون هو اجتهاد في حد ذاته قام به الأب مرتينوس جوجس. وجل ما يجوز قوله هو أن اسم فوتيوس يرد مطوباً تطويباً كنسياً كاملاً لأول مرة في سينكساريون في دير الصليب الأقدس في القدس يعود إلى القرن العاشر أو الحادي عشر. وأنه بدأ يظهر في هذا الوقت نفسه أيضاً في سينكساريات القسطنطينية. ويرى الأب دوفورنك أن بعض أتباع فوتيوس بدأوا بتطويبه بعد انتقاله بفترة وجيزة.

وبينما نرى سرجيوس والد فوتيوس مطوباً معترفاً Homologetes تحت اليوم الثالث عشر من آذار نجد فوتيوس نفسه مطوباً تحت السادس من الشباط قديساً عجائبياً Thaumatargos وذلك في سينكساريون باريز رقم 1294 والعجيبة التي جرت على يده هي اندحار الروس أمام القسطنطينية في السنة 860.

لنمدح الآن بأزهار النشائد قيثارة الروح القدس اللاهج بالله كوكب الكنيسة الباهر الضياء المرشد الإلهي للمستقيمين للرأي المقاوم للبدع الكلي الثبات ولنصرخ نحوه هاتفين: السلام عليك أيها القديس فوتيوس الكلي الإلكرام…. أورولوغيون


(*) لهذه التسمية تحفظاً عند الأغلبية من اللاهوتيين الأرثوذكسيين ويرفضون وجود مجمع مسكوني ثامن. ويعتبرون هذا المجمع القسطنطيني العاشر فقط. ولهذا تسمى الكنيسة الأرثوذكسية بـ “كنيسة المجامع السبعة”….. (الشبكة)

انتقل إلى أعلى