لماذا تتّجه الكنيسة نحو الشرق في سجودها. – تقليد غير مكتوب: ليس هو من الأمور البسيطة ولا هو على سبيل الصدفة أننا نتّجه في سجودنا نحو الشرق. بل لمّأ كنّا مركَّبين من طبيعة منظورة وغير منظورة، عقليّة وحسيّة، فإننا نقدّم للصانع سجوداً مزدوجاً أيضاً، على نحو ما نترنَّم بالعقل ونترنَّم بشفاهنا الجسدية، ونعتمدُ بالماء وبالروح، ونتّحد بالرب اتحاداً مزدوجاً، باشتراكنا في الأسرار وفي نعمة الروح.
وعليه، بما أنّ الله نورٌ وأن المسيح يُسمى في الكتب المقدسة شمس العدل والمشرق، وجب تخصيص الشرق للسجود له فإنه ينبغي أن كلَّ حسن يقرّب لله، على أنه مصدر كل صلاح. ويقول أيضاً داود الإلهيّ: “يا ممالك الأرض رنِّموا لله، أشيدو للسيّد الراكب على سماء السماوات في المشرق” (مز 67: 33 وما يليها). ويقول الكتاب أيضاً: “وغرس الربّ الإله جنةً في عدن في المشارق وجعل هناك الإنسان الذي جبله” (تكوين 2: 8). ولمّا أخطأ هذا “أخرجه الرب” (تكوين 3: 34) وأسكنه مقابل فردوس النعيم، أي في المغارب. إذاً نحن نلتمس وطننا القديم فنتّجه إليه ونسجد للربّ. وكان المحضرُ الموسويّ أيضاً له خباؤه ومغتفره في المشارق. وإنّ قبيلة يهوذا -بما أنها كانت الأكثر كرامة في القبائل- كان استيطانُها يرتكز ناحية المشارق. وقد كان مكانُ باب الربّ، في هيكل سليمان الشهير في المشارق. لكنّ الربّ -وهو على الصليب- كان نظره متجهاً إلى المغارب. ومن ثمّ فإننا نتجه نحوه ونسجد له. والرب في عودته إلى السماء قد ارتفع نحو المشارق. وعلى هذا المشهد سجدَ له الرسل. و”سيأتي هكذا كما عاينوه منطلقاً إلى السماء” (أعمال 1: 11)، على نحو ما قال لهم الربّ نفسه: “مثلما أن البرق يخرج من المشارق ويظهر إلى المغارب، كذلك يكون مجيء ابن البشر” (متّى 24: 27). إذاً بانتظار مجيء الرب هذا، نحن نسجد نحو المشارق. إنَّ هذا التقليد نفسه لم يكتبه لنا الرسل. ولكنّ الكثير مما قد وصل إلينا غير مكتوب.
عن كتاب “المئة مقالة في الإيمان الأرثوذكسي”
القديس يوحنا الدمشقي