والدة الإله أم للجميع

يبيّن القديس أفرام ( 306 م- 383 م) إن العذراء هي رمز الكنيسة فيقول حررَ كنيسته من الختان الجسدي واستبدال يشوع بن نون بيوحنا الذي كان بتولاً والذي عهد إليه بمريم، كنيسته، كما عهد موسى برعيته إلى يشوع بن نون (عد 27: 22-23، تث 31: 14، 15، 23 ) وقد كتب القديس جيورجيوس النيقوميدي يقول “هي أُم ليست ليوحنا فقط، بل لكل التلاميذ الآخرين الذين يجّلونها كأمّهاتهم. إن لم يكن واجباً أن أباً إلاَّ واحداً على الأرض وهو المسيح فكذلك لا أحد يجب أن يُكرَم كأُم إلا مريم”.

إن أُم الإله هي أُمَنا أيضاً، هذا هو التعليم الذي قبلته الكنيسة الأرثوذكسية على مرِّ العصور. لقد أطلق عليها القديس أبيفانيوس ( 315-403 ) لقب “أُم كل حي” مثل حواء في الكتاب المقدس (تك 3: 21 ) وبنفس الطريقة عندما أصبحت أُم الإله المتجسد صارت أُم جميع المؤمنين بالنعمة.

القديس غريغوريوس بالاماس ( 1359 ) يكتب عنها أمَنا جميعاً لأنها “وحدها” تضع نفسها بين الّله وجميع الجنس البشري، حملت الّله ابن الإنسان وحوّلت الناس إلى أبناء الله، القديس (أمبروسيوس) يقول إن العذراء هي أم جميع المسيحيين أقرباء المسيح. لأنه هو بكراً بين إخوة كثيرين (رو 8: 29 ) لذلك فهي الأم الروحية لجميع الذين ينتمون إلى ابنها.

وكذلك إن كنت ابن الكنيسة فأنت “ابن الرعد” والمسيح يقول لك من على صليبه: (مر 3: 17 ) “هوذا أمَك” وعندما نرى المسيح المنتصر على الصليب، فابن الكنيسة هو الذي يرى فيها النصر ويعرف صوت المسيح المنتصر. ويكتب أحد القديسين عن أمومة العذراء العالمية فيقول “العالم كالبيت”. بناء وسيِّد البيت هو الخالق، وأب الشعب المسيحي الذي يعيش فيه هو الله. والأم في هذا البيت هي الفائقة القداسة أمّ الرب. التي دائماً تسير تتمشى” في حضور أبينا، بمحبة مقدسة، واحترام وطاعة لها. في احتياجاتك الجسدية والروحية، في أحزانك، في سوء حظّك ومرضك، التفت إليها بإيمان وأمل ومحبة. كن مقدساً كما إن الّله خالقك وأبوك هو مقدّس، ومثل سيدتنا والدة الإله وأمُّك أيضاً وفقاً لكلمات المخلص “يا امرأة، هوذا ابنك… هوذا أمَك”، إن هذه الكلمات التي قيلت في شخص يوحنا اللاهوتي هي موجهة لنا أيضاً نحن المسيحيين “هوذا أمّك”، نعم هي بالحقيقة أمّنا الكلية القداسة، مرشدتنا نحن – أبناءها – إلى القداسة.

من الواضح هنا إن الذين دُعوا إخوة الرب وأخواته ليسوا بالحقيقة أولاد أمِّه، وهذا واضح من أن السيد قد عهد بأمّه قبل موته إلى تلميذه المحبوب يوحنا، لماذا يفعل ذلك لو كان لها أولاد؟ لكانوا هم أنفسهم يعتنون بها. إن أولاد يوسف المدعو أبا ليسوع، لم يعتبروا أنفسهم مسؤولين بالاهتمام والعناية لمن اعتبروها زوجة أبيهم أو على الأقل لم يكنوا لها حباً كحب الأولاد لآبائهم في الدم، كما كان يكنّ لها يوحنا المعهود بها إليه.

كان  القديس أثناسيوس الاسكندري (296-373 ) أول الآباء الذين استعملوا الآية (يو 19: 25-27) للدفاع عن بتولية مريم: “بقوله، يا امرأة هوذا ابنك، يعّلمنا إن مريم لم يكن لها أبناء سوى المخّلص، لو كان حقيقة لها ابناً آخر، لم يكن المخّلص ليُهمله ويعهد بأمِّه إلى آخرين. ولكن لأنها كانت عذراء بعد ولادتها وأمومتها له، عهد بها إلى تلميذ كأمّه.

يقول القديس أبيفانيوس لو كان قد ولد لمريم أولاد آخرين، إذا ما هو السبب الذي دفع السيد لأن يعطي أمه ليوحنا؟ لو كان لها زوج، لو كان لها بيت، لو كان لها أولاد. لما تركت محل إقامتها وذهبت لتقيم في بيت غريب.

يقول القديس يوحنا كرونستادت. إنه بعد الصلب كان قصد الرب أن يوجهنا إلى أمه بعد نفسه أن تكون هي لنا كل شيء. يكتب أنه لأجلنا تجسّد الرب، تألم، صلب، مات ثم قام من الأموات، وإنه من أجلنا أيضاً زيّن أمّه الكلية الطهارة العذراء مريم بكل الفضائل ومنحها كل القوى المقدسة، حتى تكون هي الشفوقة الرحيمة بعد نفسه في كل شيء لنا. ولذلك لاتدع نعمة الّله التي ملأت سيدتنا تذهب سُدى ولا تثمر فينا. دعنا نتقدم بجرأة وثقة من العذراء الدائمة المساعدة والسريعة والاستجابة والحامية لمكرميها.

نشرة مطرانية اللاذقية
الأحد 29 / 7 / 2003
العدد 26

arArabic
انتقل إلى أعلى