قال القديس كيرلس الإسكندري: “إذا كان ربنا يسوع المسيح إلهاً، كيف أن العذراء القديسة التي ولدته لا تكون والدة الإله”. انعقد مجمع أفسس سنة 431 وأقرّ ذلك. المسيح في ألوهيته من جوهر واحد مع الآب، وفي بشريته من جوهر واحد معنا. ذاته واحدة، ولذلك يصحّ أن تُسمّى مريم والدة الإله.
المجمع المسكوني الخامس المنعقد في القسطنطينية سنة 553 يعلن أن والدة الإله هي دائمة البتولية. والمعنى أن ميلادها ليسوع كان بلا مشاركة رجل، وأنها بعد هذا الميلاد لم تقترن برجل. في تأملنا في سر مريم نتحرك بين هذين الحدين.
بعد هذا غنّينا مريم، دعوناها، خاطبناها، أقمنا لها الأعياد ولم نتجاوز في عباداتنا هذا الذي تسلّمناه من آبائنا. رقاد والدة الإله أي موتها وانتقالها إلى السماء لم نحوّله إلى عقيدة في قرار مجمعيّ رسمي. بقي احتفالا وقناعة عامة أن التي أعطت المسيح جسده وإن كانت معدّة للموت وماتت إلا أنها مثل ابنها لا ترى فسادا وقد صارت بتجسده أكرم من الملائكة أي أعلى مرتبة من المخلوقات المنظورة وغير المنظورة.
لقد أَمرَنا الإنجيل أن نكلّمها إذ كيف ننفّذ كلمتها ” ها منذ الآن يطوّبني سائر الأجيال ” (لوقا 1: 48) إنْ لم نتوجّه إليها لنقول لها إنّ الطوبى (أو الهناء) لها.الذين مع الله في الملكوت أحياء لأن ” الله إله أحياء وليس إله أموات”. كيف يظهرون حياتهم إن لم يكونوا في حوار صلاة مع ربهم من جهة ومعنا من جهة أخرى؟ عندما يقول بولس أنه يتمنى أن يموت ليكون مع المسيح، ماذا تعني هذه المعية سوى أنه قادر أن يكلّم المسيح؟ هل الذين تقدَّسوا وانتصروا هم مع السيد بلا وعي؟
“لقد أتت الساعة وهي الآن حاضرة حين يسمع الأموات صوت ابن الله”. هي الآن حاضرة لأن قيامة المخلّص فاعلة في النفوس منذ الآن وإلا كانت حياة المسيح فينا قد انطفأت أو انقطعت. استمرارية حياة المسيح في أتباعه بعد موتهم هي التي تجعلنا نقول أنهم منتصبون أمام وجهه وإننا نحن الذين استبقانا على الأرض أمام وجه القديسين كما أن وجوههم إلينا.
هنا لا بد لنا أن نجيب عن اعتراض نسمعه عند بعض، وهو لماذا لا نتوجّه إلى المسيح مباشرة في الصلاة؟ من سمع طقوسنا يلاحظ أننا في معظم صلواتنا نتوجّه إما إلى الثالوث المقدس أو إلى الابن، وأن القداس يتوجّه إلى الآب. هذا هو توجُه العبادة. أما القديسون ومنهم والدة الإله فلا عبادة لهم، وتوجُّهُنا إليهم توجُّه تكريم وتوسُّل أو مديح ضمن علاقة التكريم.
أما لماذا لا نكلّم المسيح وحده فاعتراض نُجيب عنه أن المسيح ليس وحده في السماء ولكن يحيط به أحباؤه. “أنا الكرمة وأنتم الأغصان”. الكنيسة المنتصرة في السماء، كما الكنيسة المجاهدة على الأرض، هي “جسد المسيح”، امتداده، حضوره فوق أو هنا. المسيح يُسَرّ بالذين هم له. هؤلاء لا يقللون من مجده. إنهم سطوع مجده. في الدنيا إذا كرَّمتَ صديقاً فتكرّم أيضا زوجته وأولاده. ليس في السماء من كان غريبا عن السيد. كلهم حول السيد.
القديسون ليسوا طريقنا إلى الرب. هم معنا حوله. يبقى وحده مركز الدائرة ونحن أهل السماء والأرض معا مركَّزون عليه فإذا خاطبْنا أهلَ السماء نكون مخاطبين حبيبهم الأوحد بآن معا. ذلك أنه في القديسين.
كذلك هنا نطلب من كل تقيّ أن يصلّي من أجلنا. ذلك لإيماننا بأن المسيح فيه وبأنه قادر أن يكون لنا رفيقا أمامه. فإذا كان لأهل الأرض قوة في السماء، فبالحري الذين تحرروا من وطأة الجسد لهم عزة ومكانة عند الرب من أجل أهل الأرض.
المهم أن نؤمن أن ليس أحد له قوة إلا تلك التي استمدَّها من الله. فنحن نلتمس الله في العذراء وبقيّة القديسين. مَن توقف عند القديسين ولم يذهب إلى الرب الذي يعبّرون هم عنه فهذا قد جعل في المخلوق قدرة منعزلة عن قدرة الخالق. وأما من لم يكن له حديث مع والدة الإله والقديسين فقد عزل المخلّص عن أحبائه. هكذا يكون قد بتر المسيح.
للرب مكانة ولصحبه مكانة. والمكانتان في المدى الروحي الواحد. طوبى لمن استطاع أن يرى المسيح وحيداً وأن يراه مع اخوته الصغار الذين اصطفاهم ليُشركهم في حبه إلى الأبد.
عن نشرة رعيتي 1999