Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎

” ..خالق السماء والأرض كل ما يُرى وما لا يُرى.”

1. الخلق والتطوّر

يقول الكتاب المقدس: [ فِي اَلْبَدْءِ خَلَقَ اَللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ] [ تكوين 1 : 1 ]. تلك عقيدة الخلق التي بموجبها نقرّ أن كل الموجودات قائمة في الوجود بإرادة الله وبإرادته فقط، ومُسْتَمِدّة منه وجوده. هذا ما نعبّر عنه في قانون الإيمان بقولنا: ” أؤمن بإله واحد، آب، ضابط الكلّ، خالق السماء والأرض، كل ما يُرى وما لا يُرى”.

* رواية الخلق في سفر التكوين ونظرية التطوّر:

عندما يصف لنا سفر التكوين عملية الخلق، في فصله الأول، فإنه يصوّر لنا الكائنات وكأن كلاّ منه أو كلّ نوع منها قد أوجده الله بشكله الحاضرة مباشرة. ولكن نظرة كهذه تتعارض مع نظترية التطوّر التي يتفق عليها معظم العلماء المعاصرين والتي أصبحت شبه مؤكدة بالإستناد إلى العديد من البراهين. وهنا ينشأ تساؤل عند الكثيرين: كيف يمكن التوفيق بين الوحي الإلهي ومعطيات العلم؟

للجواب عن هذا السؤال الوجيه، ينبغي أن نتذكّر، بادئ ذى بدء، أن الكتاب المقدس كتاب إيمان لا كتاب علم، همّه أن يكشف لنا علاقة الله بمخلوقاته، وبنوع خاص بالإنسان، لا أن يقدّم لنا وصفاً علمياً لتاريخ الكون. لذا فعندما يصف سفر التكوين الخلق في فصله الأول، فإن الوحي الإلهي ينسكب فيه في قوالب بشرية، هي التقاليد التي كانت شائعة في المكان والزمان الذي ظهر فيه هذا الفصل (في القرن الخامس أو السادس قبل الميلاد). ولا قيمة إذاً لتلك القوالب بحد ذاتها. إنما قيمتها في المعاني الروحية التي تتجلّى من خلالها، تلك المعاني التي تلخص بأن الكائنات كلها تستمد من الله الواحد وجودها وترتيبها. هذا ما فهمه آباء الكنيسة اليونانيون خمسة عشرة قرنا قبل ظهور النقد الكتابي الحديث. ففسروا رواية الخلق في سفر التكوين تفسيراً رمزياً أكثر منه حرفياً.

نستنتج مما سبق أن إيماننا بالخلق ليس رهناً بالقالب الحضاري الذي سكب فيه الإعلان الإلهي عن الخلق في سفر التكوين. وأنه يمكننا أن نعبّر عنه بالقوالب الفكرية التي يتميّز بها عصرنا ومن جملتها نظرية التطوّر. هذا ما سنحاول أن نبيّنه، مذكّرين أولاً باختصار بمراحل التطوّر كما يصفها العلم الحديث، ثم متعرضين لما يقتضيه واقع التطوّر من تعليل أخير على ضوء العقل والإيمان.

* مراحل التطوّر:

لقد أثبت العلم الحديث أن التطوّر لم يشمل الكائنات الحية فحسب. إنما هو ملازم لتاريخ الكون برمته. فالكون الذي ننتمى إليه كون متطوّر. وقد بدأ تطوّره على مستوى الطبيعة الجامدة حتى أدى على ظهور الحياة التي تطوّرت بدورها حتى أبرزت ذلك الحيوان المفكر، الإنسان.

أ – تطوّر المادة: إن النظرية المرجحة اليوم بين العلماء تقول بأن الكون، في حالته الحاضرة، قد بدأ منذ مدة تتراوح بين العشرة مليارات والخمسة عشر ملياراً من السنين. وأنه كان في البداية مؤلفا من سحب من ذرات الهيدروجين (وهي أبسط الذرات وأخفها) تسبح في الفضاء. إنطلاقا من تلك السحب تكونت الكواكب. ونشأت فيها بفعل الحرارة الهائلة تفاعلات نووية حوّلت ذرات الهيدروجين إلى ذرّات أثقل من الهيليوم، وهذه بدورها إلى ذرّات أثقل من الكربون، وهلم جراً. هكتذا تكثفت المادة تدريجياً بظهور ذرّات تجمع عدداً أكبر فأكبر من الجسيمات في نظام شبيه بالنظام الشمسي تدور فيه الإلكترونات حول النواة مؤلفة من البروتونات والنيوترونات، إلى أن تكوّن، في قلب الكواكب، الإثنا وتسعون نوعا من الذرات الموجودة في الطبيعة.

ولمّا تكونت أرضنا، منذ حوالي أربعة مليارات ونصف من السنين وانخفضت تدريجياً درجة الحرارة فيها، أمكن للذرّات أن تتفاعل لتتكوّن منها مجموعات أكثر كثافة، ألا وهي الجزيئات. فالذرة عالم صغير، أما الجزئية فإنها تجمع تلك العوالم الصغيرة لتشملها في بنية جديدة.

ولكن عملية تكثيف المادة لم تقف عند هذا الحد. فمنذ ثلاثة مليارات من السنين على وجه التقريب، بدأت الجزيئات تتحوّل، على الأرجح بفعل عوامل فوق البنفسجية الصادرة من الشمس والتفريغات الكهربائية أثناء العواصف وماشابه ذلك. فتكونت بنى تفوق الجزئيات العادية كثافة، ألا وهي الجزئيات العضوية التي تؤلف بين الجزئيات العادية فتجمعها في وحدات ضخمة، معقدة الترتيب، كالسكريات والحوامض الأمينية والهيوليات PROTIDES، وغيرها.

ب – قفزة الحياة: تجمعت تلك الجزيئات العضوية في مياه البحار الساخنة. وكان تجمعها هذا تمهيداً لحث بالغ الأهمية، لا يزال الغموض يكتنف ظروفه إلى الآن، حدث منذ ملياريّ عام على وجه التقريب، فغيّر وجه الكون، ألا وهو بروز الخلية الأولى. إن حركة التكثيف المنظم، التي رأيناها تدفع المادة منذ نشأتها، بلغت هنا درجة فائقة. فالخلية الحيّة تؤلف بين جزيئات عديدة ضخمة من الهيوليات والشحميات والسكريات والفيتامينات وغيرها، في وحدة متماسكة مركزة أروع تركيز، يتناسق فيها حوالي مليار من الجزيئات. ولكن الأمر المدهش هو خاصة في كون هذا التعقيد الفائق قد أدّى إلى ظهور نمط جديد من الوجود، يختلف نوعياً بشكل جذري عن الجوامد، ألا وهو الحياة. فالخلية الحية تتمتع بميزات جديدة بالكلية: فهي تحوّل إلى موادها الذاتية المواد التي تستمدها من الخارج، وتجدد باستمرار العناصر التي تتألف منها مع المحافظة على بنيتها، وتنمو من الداخل، وتصلّح ذاتها إذا عطبت، وتتكيّف مع البيئة، وتتكاثر منتجة كائنات جديدة شبيهة بها. تلك هي قفزة الحياة.

ج – تطوّر الحياة: من ذلك العالم، الصغير في حجمه، الهائل في تعقيده وتركيزه، انطلقت الحياة لترقى سلّما طويلة كان الإنسان قمتها. وفي ترقيها هذ، تابعت الحياة السير في الطريق التي رأينا المادة تسلكه، ألا وهي طريق التعقيد المتزايد. فبعد الكائنات الحية الأولى ذات الخلية الواحدة، ظهرت كائنات تؤلّف بين خلايا متعدّدة في وحدة منسجمة تعمل فيها العناصر كلها لخدمة المجموع. وقد ازداد التعقيد بشكل ملحوظ عندما أخذت مجموعات من الخلايا، ضمن الكائن الواحد، تتخصص للقيام بوظيفة معينة، فتكونت الأجهزة (كالجهاز الدموي والهضمي والتنفسي…) وعملت بإنسجام وترابط لصالح الجسم ككل.

وكان لا بد من جهاز يربط تلك الوظائف من جهة، وبينها وبين العالم الخارجي من جهة أخرى، فبرز الجهاز العصبي وتطوّر تدريجياً نحو تكثيف وتركيز متزايدين، مما أدى إلى نمو الدماغ كمركز أساسي للجهاز العصبي، وإلى سيطرته التدريجية على المراكز العصبية الأخرى. وبتطوّر الجهاز العصبي على هذا المنوال نمت قدرة الكائنات الحية على التكيّف مع بيئتها، وازدادت الغرائز إتقاناً وبرز الذكاء وتزايدت حدته إلى أن بلغت أوجها في أعلى مراتب القردة، كالشمبانزي مثلاً، التي بلغ دماغها درجة ملحوظة من النمو.

ذلك الترقى في سلّم الكائنات الحية كان يتم، كما بيّن داروين وأوضح العلم الحديث، بواسطة تبديلات كانت تحصل من وقت إلى آخر في الميزات الوراثية التي تحملها الخلايا التناسلية (وهذا ما يسمّى بـ “التِغيارات الإحيائية” MUTATIONS) فتظهر عند الحيوان المنحدر من خلية من هذا النوع صفات جديدة. وقد تخدم هذه الصفات في الصراع من أجل البقاء، فيعمّر وينقل صفاته الجديدة بالوراثة إلى نسله، فيثبت هذا في الوجود ويتكاثر. أو قد تعيقه في هذا الصراع، فيزول هو ونسله، وتزول معه صفاته (هذا ما يُدعى “الإصطفاء الطبيعي” Natural Selection). وهكذا بتراكم “التِغيارات الإحيائية” نشأت شيئاً فشيئاً أنواع جديدة انتظمت في هذا الخط التصاعدي الذي سبق وأوجزناه.

د – قفزة الفكر: إن عملية نمو الدماغ، التي أصبحت المحور الأساسي لحركة التعقيد المتزايد التي يتميّز بها التطوّر، بلغت ذروتها في الإنسان الذي يتألف دماغه من حوالي أربعة عشر ملياراً من الخلايا (أربعة أضعاف خلايا الشمبانزي تقريباً)، مترابطة بعضها ببعض وبخلايا المراكز العصبية الدنيا، على صورة شبكة إلكترونية هائلة التعقيد. هكذا تأمنت الشروط اللازمة لقفزة لا تقل أهمية عن تلك التي حققتها الحياة، ألا وهي قفزة الفكر. تلك القفزة التي تمت على مراحل منذ أكثر من حوالي مليون سنة، أوجدت نمطا جديداً بالكلية من الوجود، وهو الوجود الإنساني، وجود كائن يتميّز عن سائر الكائنات الحية بكونه، وحده، يعي ذاته ويعي الكون كمتميّز عن ذاته، ولذا لم يعد كالحيوان، أسير أحاسيسه ودوافعه الغريزية، إنما أصبح كائناً ذا فكر وحرية، يُدْرك التطوّر ومكانه فيه ويأخذ على عاتقه مسئولية متابعته بوعيه وعمله الخلاق.

* التطوّر في تعليله الأخير ومعناه:

إن العلم يثبت واقع التطوّر، كما أنه يوضّح العوامل التي تفسّر مراحله المختلفة. لقد توصّل إلى اكتشاف العديد من تلك العوامل – وقد نوهنا ببعضها – وسيتوصّل بلا شك، بفضل جهود العلماء المتضافرة، إلى إلقاء المزيد من الأضواء على النقاط التي لا يزال يكتنفها الغموض، فتتوضّح اكثر فأكثر.

ولكن، إلى جانب التساؤلات التي يترتب على العلم أن يحيب عنه، فهناك تساؤلات من نوع آخر، لا تدخل في نطاق العلم لأنها تُطرح من منظار يختلف عن منظاره. فعندما يقول العلم بالتطوّر، يصف خطا تصاعدياً، ويظهر كيف سلكت مادة الكون هذا الخط. ولكنه لا يُبدي، وليس من شأنه كعلم أن يُبدي، لماذا كان هناك خط تصاعدي؟ هكذا يبقى الباب مفتوحا أمام تساؤلين صميمين، ألا وهما: ماهو التعليل الأخير للتطوّر؟ هل للتطوّر مُبَرّر ومعنى؟

أ – التطوّر لا يعلّل بمجرّد الصدفة: جواب البعض عن السؤال الأول هو: أن هذا التسلسل التصاعدي مرجعه الصدفة وحدها. فبالصدفة تجمعت ذرات المادة بتعقيد متزايد، وبالصدفة تألّفت الخلية الحيّة، وبالصدفة تركب الدماغ الإنساني. كل ذلك سلسلة صدف، تعاقب أرقام رابحة في يانصيب كونى يسيّر دواليبه حظ أعمى.

ولكن تلك النظرة الفلسفية، التي يعود أصلها إلى فلاسفة إغريقيين قدامى كـ ” ديموقريطوس”، لا تثبت أمام ما يكشفه العلم الحديث لنا عن مدى التعقيد والتنسيق الذي تتصف به خلية حيّة واحدة، لا بلّ جزئية واحدة من الجزيئات العضوية. لذا نبذها معظم علماء اليوم، حتى من يدين منهم بالمذهب المادي. فمثلاً نرى العالم البيولوجي السوفييتي الكبير “أوبارين” يدحض محاولة تفسير ظهور خلية حية واحدة بفعل الصدفة بقوله: “إن هذا الإفتراض شبيه بموقف إمرئ يخلط أحرف طباعة تمثّل ثمانية وعشرين حرفا أبجدياً ويحرّكه، راجياً أنها بداعي الصدفة سوف تجتمع لتؤلف هذه وتلك من القصائد التي نعرفها”.

فإذا كان ظهور خلية واحدة بداعي الصدفة أمراً مستحيل، كما يؤكد علم يدين بالمادية، فكيف نفسّر بالأحرى، بمجرّد فعل الصدفة، تدرّج الحياة المتواصل نحو أشكال أرقى فأرقى. إذا اعتبرنا أن هذا التدرج إنما هو تتابع صدف موفقة، فمن أين للصدفة هذا الاستمرار والترتيب في فعلها؟ فكأننا نقول أن تبديلات طرأت صدفة على نص مبادئ الهندسة التي وضعها أقليدوس، أثناء نسخه من قبل ناسخين متتابعين ينقل أحدهما عن الآخر، تعاقبت بشكل متناسق من نسخة إلى نسخة حتى أوجدت بالتوالي كل اختراعات البشرية في علم الهندسة وأدّت في النهاية إلى بروز نظرية أينشتاين. هذا مع العلم بأن خلية واحدة من الخلايا إنما هي أكثر تعقيداً من نظرية أينشتاين، لأن العلم البشري، بكلّ جبروته الحالي، لم يتوصّل حتى الآن، إلى إدراك سرّ تركيب واحدة منها.

ب – التطوّر لا يُعلّل بفعل “الطبيعة”: إذا كانت نظرية الصدفة لا تثبت أمام معطيات العلم الحديث، رغم محاولات “جاك مونو” لإحيائها في كتابه “الصدفة واالضرورة”، فبماذا يمكن الإستعاضة عنها؟ كثيرون ممن يدينون اليوم بالمذهب المادي، وخاصةً الماركسيون منهم، يقولون بأن التطوّر تفسره طبيعة المادة نفسها. فبنظرهم كان لابدّ للمادة، بالنسبة لطبيعتها، أن تنتظم وتتعقد أكثر فأكثر مجتازة بذلك كل مراحل التطوّر.

ولكن السؤال الذي لا تجيب هذه النظرية عنه هو: ما هو سر انتظام المادة؟ وما هو سر سيرها نحو إنتظام متزايد في خط متواصل، مستمر؟ من أين للمادة هذا الانتظام؟ المادة مجموعة من جسيمات ومن طاقات، إنها كثرة وتعدّد. فكيف يتاح لهذه الكثرة أن تتوحّد وتنتظم، وذلك بشكل متزايد، تصاعدي؟ هل نقول أنها تنظم ذاتها؟ ولكن هذا يفترض أن المادة ذات، شخص، يعلو على تعدّد عناصره ليوحّد وينسّق بينه. هذا ما يضمره، من حيث لا يدرون، هؤلاء الذين يقولون أن “المادة” و”الطبيعة” هي علة التطوّر الأخيرة. إنهم بذلك يشخصون “المادة” و”الطبيعة”، ينسبون إليهما كياناً خرافياً، ذات طابع شخصي.

فلنأخذ مثلاً يوضّح ما نحن بصدده. نحن نعلم أن جسم كل من الكائنات الحيّة يتكوّن إنطلاقا من خلية أولى. لقد انكبّ علم الحياة الحديث على درس ذلك التحوّل الذي يجعل من البلوطة سنديانة ومن خلية إنسانية واحدة جسداً إنسانياً مؤلفا من حوالي ستين ألف مليار من الخلايا، منوعة وموزّعة على اجهزة وأعضاء متناسقة بشكل مذهل. وقد أوضح العلماء التفاعلات الكيمائية العديدة المعقدة التي تؤدي تدريجياً إلى هذا التحوّل، ولكنهم يقولون أن تلك التفاعلات موجّهة، مبرمجة، بفعل “تصميم موجّه” كامن في نواة الخلية الأولى، وعلى وجه التخصيص في جزيئات ال D.N.A. بفضل تلك البرمجة تتناسق التفاعلات الكيميائية لتؤول على تكوين كائن حيّ يحمل الصفات التي يتميّز بها نوعه.

فبالقياس إلى ذلك نتساءل: إذا كانت المادة قد سلكت، في تاريخها الطويل، تلك المسيرة التصاعدية التي قادتها من سحب الهيدروجين الأولى إلى الدماغ الإنساني، فقد تم ذلك بلا شك بتأثير عوامل فيزيائية وتفاعلات كيمائية عديدة، أوضحها العلم وسيوضحها أكثر فأكثر. ولكن يبقى هذا السؤال: ما هو سر انتظام تلك العوامل والتفاعلات في خط تصاعدي؟ ما هو سر “برمجة” المادة في مسيرتها المتواصلة نحو كائنات أكثر فأكثر تعقيداً؟ البرمجة التي بموجبها يتكوّن الكائن الحيّ والمرتسمة في نواة خليته الأولى قد أتته بالوراثة من كائن حيّ من نوعه ( او كائنين ) وجد قبله. فمن أين لمادة الكون برمجتها المذهلة؟ إذا كانت المادة هي الكائن الوحيد، المكتفي بذاته. فمن أين استمدّت تصميمها الموجّه؟. هل نقول أنها برمجت ذاتها؟ إننا عند ذاك، كما قلنا سابقاً، ننسب لتلك الكثرة من الجسيمات والطاقات، كياناً شخصياً. إننا ننسب إليها فكراً يفوق الفكر الإنساني بما لا يقاس، لأنه لم “يخترع” الحياة وحسب، تلك الحياة التي لم تستطع العبقرية البشرية ولاتقليدها إلى الآن، بل أوجد الفكر الإنساني أيضاً. إننا خلافاً لكلّ منطق. ننسب لها القدرة على التحوّل، بحد ذاتها، من الأقل إلى الأكثر، ناقلة ذاتها بذاتها لا من نظام إلى نظام أرقى وحسب، بل من صعيد وجود إلى صعيد وجود آخر مختلف عنه بالكلية، أي من مادة جامدة إلى مادة حيّة ثم إلى مادة مفكّرة. وبعبارة أخرى نجعل من المادة شخصا إلهياً يخلق ذاته باستمرار. ولكن مادة مؤلهة كهذه لم تعد المادة التي يعرفها علماء الفزياء والكيمياء ويسخرونها لخدمة الإنسان. تلك المجموعة الغاشمة من الجسيمات والطاقات التي يسميها العلم “مادة”. إنها صنم جديد أقيم عوض الله.

ج – نظرة إيمانية إلى التطوّر: هذا النقد الموجز للمذاهب المادية في تعليل التطور يمهد لنظرتنا الإيمانية إليه. فالمؤمن لا يتعبّد لصدفة ومادة تنسب إليهما صفات الخالق. ولكنه ينسب الفكر الخلاق الذي يتجلّى عمله في تطوّر المادة إلى كائن متعالٍ عن المادة، كائن شخصي يمكنه وحتده أن يوجّه تلك الكثرة من الجسيمات والقوى العمياء في الخط التصاعدي الذي سارت بموجبه. كائن يملك الحياة، كلّ الحياة. ولذا، استطاع أن يبث الحياة في الكون. ويملك الفكر، كل الفكر. ولذا، استطاع أن يشعله في الأرض بظهور الإنسان. إن ذلك الموقف الإيماني، وإن كان، تحديداً، يفوق معطيات العقل والعلم، إلا أنه منسجم كلياً، كما يتضح مما سبق، مع متطلبات المنطق ومع المفهوم العلمى للمادة.

ولكن فعل الله هذا في المادة يجب أن يُفهم على حقيقته. ليس هو، كما يتصوّر العديد من المؤمنين وغير المؤمنين، فعلاً يُضاف إلى نواميس الطبيعة ليكمل نقصه. هذا التصوّر يتنكّر بآن واحد لتعالي الله ولحضوره في صميم الكون. لذا، فمن الخطا أن نتصوّر تصميماً مضافاً من الخارج إلى العناصر الطبيعية لتوجيهها وتقويم مسيرتها، كما يوجّه السائق سيارته. فالله يعمل، لا إلى جانب نواميس الكون، بل من خلالها، لأنها منه ومنه وحده تستمد، في كل لحظة، وجودها وانتظامها. بهذا المعنى، الخلق عملية مستمرة، كما أشار الرب بقوله: [ أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ ] [ يوحنا 5: 17 ]. والتطوّر هو المظهر الحسّي لاستمرار الخلق.

الله، في الطبيعة، معلن ومحتجب بآن. للعلم أن يفتش إلى ما لانهاية عن تفسير التطوّر. إنه لن يكتشف الله كما أنه لن يصطدم به، لأنه، بموجب منظاره الخاص، لن يكتشف سوى النواميس الطبيعية التي يعمل الله من خلالها. ولكن، كلما اتضح لنا، بفضل الاكتشافات العلمية، الانتظام الرائع الذي يتجلّى في مسيرة التطوّر المذهلة، كلما انكشف لنا، من خلالها، حضور وفعل ذاك الذي يغمر مجده وبهاؤه الكائنات.

تلك النظرة الإيمانية هي أيضاً التي تستطيع أن تكشف لنا إن للتطوّر مبرراً ومعنى. فلو كان التطوّر وليد الصدفة وحده، لكان ظهور الكائنات كلها، ومنها الإنسان، ظهوراً عبثيا ABSURDE، على سبيل الاتفاق الأعمى، لا تبرير له ولا هدف. وكذلك لو كان التطوّر وليد نواميس مادية غاشمة وحسب، ولكان مسيرة لا غاية له، قدراً أعمى توجد بموجبه المادة زهرتها الفضلى، الفكر البشري، وتسحقها، على التوالى، بموجب “ضرورة فولاذية” أشار إليها أنجلز. ولكن هل يعقل أن تكون تلك المسيرة المذهلة التي قادت الكون من ذرات الهيدروجين الأولى إلى الإنسان وفكره وحضارته، مسيرة لا هدف لها ولا مبرر؟ نعتقد أن نظريتنا الإيمانية إلى التطور أكثر إنسجاماً مع متطلبات المنطق، إذ تكشف لنا أن ذاك الذي هو تعليل التطوّر الأخير يعطيه أيضاً هدفه وغايته، وأن تلك الغاية هي أن تبرز من جسم الكون كائنات بوسعها أن تشترك في حياة الله وفرحة الأبديين. هذا ما حدسه فيلسوف شهير معاصر قاده تأمله العميق في تطوّر الكون وفي تاريخ الإنسان إلى عتبة الإيمان، هنري برغسون، عندما قال: “إن الكون آلة لصنع الألهة”. هذا ما يقودنا إلى الحديث عن خلق الإنسان.

أسئلة :

  1. إقرأ الإصحاح الأول من سفر التكوين، ماهي التساؤلات التي تطرحها رواية الخلق هذه على فكر معاصر؟  هل الرواية تلك، برأيك، موحاة بحرفيتها؟ ماهي الحقائق الموحاة التي تحويها؟
  2. ما هي معلوماتك عن التطوّر ومراحله وعوامله؟
  3. هل المنظار العلمي كاف لتعليل التطوّر تعليلاً نهائياً، صميمياً؟
  4. ما رأيك بالصدفة كتعليل أخير للتطوّر؟
  5. هل يكفي، في تعليل التطوّر، أن نعزوه إلى طبيعة المادة؟
  6. ما هي النظرة الإيمانية إلى التطوّر؟ هل تتعارض مع النظرة العلمية؟
  7. ما هو معنى التطوّر في هذا المنظار الإيماني؟

ملحق:

1 – في كتابه الرائع “كيف تطرح اليوم قضية وجود الله؟” يستعرض “كلود تريمونتان” أستاذ فلسفة العلوم في جامعة السوربون، المذاهب المادية في تعليل التطوّر، ويفنّدها بقوة ووضوح، ومما يقوله:

  • إذا… قلت أن المادة تنظم ذاتها، فإنني أجعل من المادة فاعلاً لفعل نظم. المادة، والحالة هذه، لا ينظمها آخر: إنها تنظم ذاتها.
  • ولكن فلنتساءل أولاً: ما هي المادة؟ إنها تعدّد عناصر، ذرات، حبات طاقة.
  • القول بأن المادة تنظم ذاتها، بإمكانياتها الذاتية، هو إستعارة شعرية جريئة. ولكن ما وراء هذه الإستعارة؟ ليست المادة شخصا لتكون فاعلاً لفعل يُصرّف مع ضمير الفاعل Verbe réflèchi. ليست واحداً من الأشخاص (quelequ’um) لتكون قادرة على تنظيم ذاتها. المادة تعدّد. فكيف لها أن تنظم ذاتها؟ لكي يكون هذا الاكتفاء، هذا التنظيم الذاتي ممكن، يفترض في المادة أن تكون ذاتاً، أن يكون بإمكانها أن تعلو على ذلك التعدّد الذي منه تتكوّن، لكي تنظم ذاتها. لكي يتم دمج هذا التعدّد من العناصر في تأليف Synthèse يُفترض وجود قدرة تفوق تعدّد العناصر هذا، يفترض وجود شيء غير هذا التعدّد…
  • …المادة لا تكفي بحد ذاتها لتعليل إنتظامها الذاتي.

وبعد أن يذكر المؤلف رأي ماركس بأن الكائنات في الطبيعة تنشئ ذاتها (selbsterzengung)، يعلّق على هذا الرأي بقوله:

  • هذا بالضبط ما يحتاج إلى إثبات. ما يحتاج إلى إثبات، هو أن العبارة نفسها لها معنى. لأننا إذا نسبْنا إلى المادة القدرة على تنظيم ذاتها بصورة جزيئات، ثم جزيئات ضخمة، ثم أجسام أحادية الخلية، ثم أجسام متعدّدة الخلايا أكثر فأكثر تعقيداً، فهذا يعني أننا نسبْنا إلى المادة ذكاء وعبقرية يفوقان كل ذكاء الإنسانية المفكّرة، طالما أننا، بعلمنا، لم نزل بعيدين عن إدراك كيف تمّ، وكيف لا يزال يتمّ في هذه اللحظة بعينها، تنظيم المادة الذي يكوّن الأجسام الحية والمفكرة…
  • ولكنني أتساءل مرة أخرى: ماذا يعني فكر المادة؟ المادة كثرة، إنها مجموعة. ما هو إذاً ذلك الفكر الذي تتحلّى به جمهرة من الذرّات وحبات الطاقة.. عبثا أتامل وأدرس الذرات والجسيمات التي تتحدّث عنها الفزياء الحديثة. إنني لا أتوصّل إلى رؤية ما يسمح لي بأن أنسب إليها فكراً قادراً على الإشراف على تنظيمها. لكي تنتظم مجموعة من العناصر، ينبغي أن يوجد مبدأ واحد يعلو على تعدّد العناصر هذا ويجمعه في وحدة مؤلفة في تنظيم مركز. ولكنني لا أرى، في المادة التي تحدثنا عنها الفزياء الحديثة. أي شيء يسمح لي بأن أنسب إلى الذرات شخصية خفية وقدرات كهذه.

Claude Tresmontant: Comment se pose aujourd’hui le problème de l’existence de Dieu?
Pages 222, 223, 225, 226, collection «Livre de Vie», Ed. du Seuil, Paris, 1971.

2 – إن أحد مشاهير اللاهوتيين الكاثوليك المعاصرين، ألا وهو الأب شونانبرغ الهولندي، يوضح مضمون عقيدة الخلق، إذ يقول في كتابه “عالم الله في صيرورة”:

  • الله لم يخلق وحسب، بل إنه مستمر بلا إنقطاع في الخلق. إذا كان قد ارتاح في اليوم السابع، فراحته أيضا هي، حسب كلمة يسوع، عمل مستمر: [ أَبِى يَعْمَل حَتّى اَلآَنْ ] [ يوحنا 5: 17 ]. إن الفصل الأول من سفر التكوين يعطينا رواية أخاذة عن عمل الله “في البدء”. ولكن نصوصاً أخرى تظهر لنا الله عاملاً دون إنقطاع. هذا هو شأن المزمور 104(1) والفصول 38 إلى 40 من سفر أيوب. طالما العالم يدوم، فهو محمول بكلمة قدرته. كل كائن وكل عمل في الكون، طالما هما موجودان، مسببان منه. ليس الله مهندساً متقاعداً، إنه ذاك الذي منه وفيه نحيا ونتحرّك ونوجد ( أعمال الرسل 17: 28 ). (ص 207-208).
  • … عندما أشار الله إلى أعماله في الطبيعة، مريداً أن يبرّر أمام أيوب عمل عنايته، فإنه ألحّ على الأعمال الحاضرة بقدر ما ألحّ على العمل الذي قام به “في البدء”. لذا فنحن لسنا بمضطرين بأن نأخذ هذه العبارة المستمدة من تكوين 1:1 بمعناها الحصري. إنها تعني أن عمل الله الخلاق يشكل أساس كلّ شيء، وليس أن هذا العمل قد توقف. (ص 44).
  • إن الخلق يجعل بالحقيقة بين الله والمخلوقات علاقة عمودية تبقي على كل العلاقات الأفقية القائمة في داخل الكون، أو بالأحرى تشملها وتعطيها بأن توجد. الله يخلق عالماً يتطوّر، إن عمله الخلاق لا ينحصر في بداية العالم بل يمتد حتى ملء إكتماله: الله يحقق في كل لحظة هذا الكون ككون متطوّر. (ص 45).
  • الله عامل أبداً. إنه بالضبط من يعطي للعالم بشكل دائم حقيقته، حقيقة في نمو متواصل. (ص 48).

Piet Schoonenberg: Le monde de Dieu en devenir, Ed. du Centution, Paris, 1967

2 – خلق الإنسان

يروي لنا الكتاب المقدس عملية خلق الإنسان في الفصلين الأول والثاني من سفر التكوين. هذا النص يحوي حقائق عقائدية مغلّقة في صور رمزية، وشعرية، وإذا تمعنّا في النص يمكننا إبراز المعاني الآتية:

إرتباط الإنسان بالطبيعة المادية:

يقول لنا الكتاب المقدّس أن الله أوجد الإنسان من تراب. وهذا ما تشير إليه كلمة “آدم” ومعناها: المأخوذ من “أداما” أي الأرض. فالإنسان مرتبط إذاً بكيانه بتلك الطبيعة المادية التي هي أيضا خليقة الله. وبالفعل نرى أن جسم الإنسان مكّون من العناصر نفسها التي تتكوّن منها الطبيعة المادية، فالمواد الكيمائية الرئيسية العشر التي يتألف منها جسده وأهمها الكربون والهيدروجين والأكسيجين والأزوت هي من مقومات الكون المادي، ذلك لأن الإنسان خرج من هذا الكون بفعل الله. أمّا كيفية هذا الخروج فيعبّر عنها الكتاب المقدّس بصورة رمزية شعرية. إذ يقول بأن الله جبل طينا ونفخ فيه نسمة حياة. فالله يشبّه إذاً هنا بفخاري يجبل وينفخ، مع أننا نعلم من الكتاب المقدّس نفسه أن الله روح لا يدان له إذاً ولا فمّ. لذا لا يمكننا أن ناخذ النصّ الكتابي هذا بمعناه الحرفي بلّ أن ندرك المعنى العقائدي الكامن وراء هذه الصور الشعرية، ألا وهو ان الله هو علة بروز الإنسان من جسم هذا الكون. كما أنه علة بروز الكون نفسه إلى حيّز الوجود.

ولا يصف لنا الكتاب المقدّس كيفية بروز الإنسان من جسم الكون وصفا علمياً لأنه ليس كتاب علم ( فالله أعطى الإنسان العقل ليبني به العلم ) بلّ كتاب عقيدة دينية. ولكن هذه العقيدة لا تصطدم مع معطيات العلم. فالعلم يعتقد في أيامنا أن الإنسان وليد تطوّر طويل برزت فيه الحياة إنطلاقا من المادة الجامدة رغم البون الشاسع والهائل بينهما ثم إجتازت خلال نحو مليارين من السنين شوطا طويلاً مكتنفاً بالأخطار الجسيمة إرتقت فيه رغم الصعوبات الهائلة من أبسط الأشكال إلى أسماها تركيباً وإتقاناً حتى بلغت أوجها في الإنسان. هذه المعطيات العلمية لا تتعارض مع إيماننا. ففي النظرية القديمة التي بموجبها خرج الإنسان مباشرة من الطبيعة المادية وفي النظرية الحديثة التي بموجبها لا يخرج الإنسان من الكون إلا من خلال تطوّر طويل، يبقى الله في نظر المؤمن علة وجود الإنسان. لا شيء يمنع أن يكون الله قد استخدم التطور وسيلة لإبراز الإنسان من الطبيعة المادية. والمؤمن يرى في التطوّر البديع الذي يقول به العلم الحديث مظهراً من مظاهر حكمة الله أصل التطوّر وموجهه وغايته.

يروي لنا الكتاب المقدّس أن الله لم يخلق الإنسان إلا بعد أن أوجد الكائنات الجامدة والحية كلّها. فكأن خلق الإنسان آخر أعمال الخليقة وكان الأرض كلها هُيّأت لوجود الإنسان. وتقول نظرية التطوّر الحديثة بأن الإنسان هو قمة التطوّر. هنا يلتقي العلم الحديث بالنظرة الكتابية إلى الإنسان كتتويج الطبيعة وقمّتها. ويُعطي الكتاب شرحاً لمكانة الإنسان الرفيعة هذه إذ يقول بأن الله خلقه على صورته ومثاله.

الإنسان على صورة الله ومثاله:

يقول لنا الكتاب المقدّس: [ نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا ‏] [ تكوين 1: 26 ]. هذا يعني أن الله قد خصّ الإنسان وحده بميزة لم يُنعم بها على آية من المخلوقات الأخرى. وهي أنه جعل شبهاً بين ذلك المخلوق وبين الخالق. فجعل في الإنسان عقلاً وإرادة وحرية وإبداعاً وحباً كلها صفات شبيهة بالصفات الموجودة فيه.

هكذا يظهر لنا أن هذا الإنسان هو، من ناحية، جزء من هذه الطبيعة التي أخذ منها، وهو من ناحية أخرى، متسامٍ بما لا يقاس على هذه الطبيعة لأنه يحوي في ذاته صورة الله خالق الطبيعة الجامدة والحية: [ وَقَالَ اللهُ: نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ اَلْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ ‏اَلسَّمَاءِ وَعَلَى اَلْبَهَائِمِ وَعَلَى كُلِّ اَلأَرْضِ وَعَلَى جَمِيعِ اَلدَّبَّابَاتِ اَلَّتِي تَدِبُّ عَلَى اَلأَرْضِ‏ ] [ تكوين 1 : 26 ]. فسلطة الإنسان على الكائنات مرتبطة إذاً كما يظهر من هذا النصّ بكونه على صورة الله الخالق. وبعبارة أخرى، إذا كان الإنسان -وهو جزء من الطبيعة- قادراً على إدراك أسرارها وتسخير قواها لخدمته، فإنما يعود ذلك إلى صورة الله الكامنة فيه. وقد كان على الإنسان أن يمارس سلطته بالعمل الذي هو، على صورة ما، تكميل للخلق لأنه يجعل الطبيعة أكثر ترتيبصا وجمالاً وإنتاجاً: [‏ وَأَخَذَ اَلرَّبُّ اَلإِلَهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا‏.] [ تكوين 2: 15 ].

تصميم الله في اتحاد الرجل والمرأة:

علاقة الجنسين يرسمها الكتاب المقدّس بشكل شعري، فيروي لنا أنه لم يكن لآدم بين المخلوقات شبيه: [ وَقَالَ اَلرَّبُّ اَلإِلَهُ: لَيْسَ جَيِّداً أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِيناً نَظِيرَهُ‏ ] [ تكوين 2: 18 ]. لذلك ألقى عليه سباتاً عميقاً وأخذ ضلعاً من أضلاعه وكوّن منه المرأة الأولى التي دعيت حوّاء (أي أم الحياة). وأتى بها إلى آدم، فقال آدم: [‏ هَذِهِ اَلآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي ] [ تكوين 2 : 23 ]. ويضيف الكتاب: [ لِذَلِكَ يَتْرُكُ اَلرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَداً وَاحِداً ] [ تكوين 2: 24 ]. ومن هنا تتضح النظرة الكتابية إلى علاقة الجنسين التي يمكن تلخيصها فيما يلى:

أ – الجنسان متعادلان ومكملان أحدهما للآخر: إنهما متعادلان في الطبيعة إذ يقول آدم أن المرأة عظم من عظامه ولحم من لحمه. أى أنها من طبيعته. ولكنهما مكملان أحدهما للآخر إذ يصّور لنا الكتاب ذلك رمزياً بقوله إنهما جزءان من جسد واحد مشيراً إلى أن أحدهما لا يكتمل دون الآخر. فميل كلّ من الجنسين إلى الآخر كإلى مكمله إنما هو إذاً من إرادة الله.

ب – إتحاد الجنسين يتم بالزواج الذي هو صلة عميقة وإرتباط نهائي: ويرسم لنا الكتاب المقدّس أيضا تصميم الله في اتحاد الجنسين. فيقول لنا أن كلاً من الرجل والمرأة يكتملان باتحادهما معا في الزواج الذي به : “يصيران جسداً واحداً” (متى 19: 6). وعبارة “جسداً واحداً” تعني بلغة الكتاب “كياناً إنسانياً واحداً”. وهذا يعني أولاً أن الزواج حسب مقاصد الله رباط عميق يجمع شخصين جسداً وروحاً فيؤلّف منهما كياناً واحداً. كما أنه يعني أن الاتحاد الزوجي نهائي لا ينفصم لأن “الجسد الواحد” لا يمكنه أن يتجزّأ فيما بعد. لذلك عندما علّم الرب يسوع عن الزواج استشهد بهذا النصّ الكتابي وأضاف إليه: [ فَالَّذِي جَمَعَهُ اَللَّهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ ] [ متى 19: 6 ].

هكذا فالله الذي قد أوجد الحب بين الرجل والمرأة، قد “وضع لميل القلب رباطاً لا ينفك” كما تقول طقوس سرّ الزواج. هذا “الرباط الذي لا ينفك” يفترضه الحب الحقيقي لأن الشهوة تطلب الاستمتاع بالآخر إلى أن تملّ منه. أمّا الحب الأصيل فيتوق إلى عطاء متبادل نهائي. الشهوة تطلب التمتع العابر يجسد الآخر، أمّا الحب الحقيقي فيرغب في اتحاد الشخصين في كيان واحد. الحب الحقيقي المكرّس بالزواج حسب إرادة الله لا يلغي الشهوة ولكنه يلطفها ويهذبها بالحنان وإنعطاف القلب، ويسخر قوتها لبناء اتحاد متين بين الزوجين كما أن صناعة الإنسان تستخدم قوة المياه الغاشمة المدمرة لتوليد الكهرباء ومنفعة البشر.

أسئلة:

إقرأ سفر التكوين: الفصلين الأول والثاني.

  1. إلى ماذا تشير كلمة الكتاب بأن الله خلق آدم من تراب؟
  2. هل تصطدم نظرية التطوّر الحديثة مع إيماننا بأن الله علة وجود الإنسان؟
  3. يقول لنا الكتاب المقدس أن الله خلق الإنسان بعد أن خلق سائر الكائنات الجامدة والحية. وتقول نظرية التطورأن الإنسان هو النقطة التي وصل إليها التطور في آخر مراحله. كيف تظهر لنا إذاً، خلال هاتين النظرتين، مكانة الإنسان في الخليقة؟
  4. كيف يفسّر الكتاب المقدس هذ المكانة؟
  5. ماذا يعني قول الكتاب أن الله خلق الإنسان على صورته ومثاله؟
  6. هل أعطى الله الإنسان سلطاناً على الطبيعة؟
  7. ما هي العلاقة بين صورة الله في الإنسان وبين السلطان الذي مُنحه على الطبيعة؟
  8. كيف يُظهر الكتاب المقدس نوعية العلاقات بين الجنسين؟
    1. كيف يظهر انهما متعادلان في الطبيعة” [ أنظر تكوين 2: 23 ]
    2. كيف يظهر أنهما مكملان أحدهما للآخر؟
    3. كيف يظهر أن اتحادهما يجب أن يكون صلة عميقة وإرتباطا نهائياً؟ [ أنظر تكوين 2: 24، متى 19: 6 ]
    4. كيف يميّز هذا الارتباط النهائي وهذه الصلة العميقة الحب عن الشهوة؟
    5. هل يلغي الحب الحقيقى الشهوة أم أنه يلطفها ويوجهها؟

3 – مقاصد الله نحو الإنسان

غاية خلق الإنسان:

حياة الله فرح دائم لا حدّ له. ولكن “الله محبّة” ولذلك شاء أن يوجد كائنات يقيم معها علاقة حب فيشركها بحياته وفرحه. فأوجد هكذا البشر ليكونوا أحباء له متمتعين بخيراته، مساهمين في سعادته. هذا هو مجد الله، أن يحيا الإنسان ويسعد: “مجد الله هو حياة الإنسان” كما يقول القدّيس إيروناوس ( وهو أحد آباء الكنيسة عاش في القرن الثاني وكان أسقفا على مدينة ليون حيث استشهد ).

تصميم الله الخاص بالإنسان:

يخبرنا الكتاب المقدّس أن الله وضع آدم وحواء في حديقة جميلة كانا يتمتعان فيها يثمار شهية. وهذا يرمز إلى أن الله أعّد للإنسان سعادة قصوى هي إشتراك في سعادته تعالى.

أمّا مصدرهذه السعادة فهو اتحاد الإنسان مع الله. هذا الاتحاد الذي يعبّر عنه الكتاب المقدّس بالألفة التي يظهرها بين الله وآدم إذ يروي لنا أن الله أتى بالحيوانات لآدم حتى يسميها بأسمائها: [ وَجَبَلَ اَلرَّبُّ اَلإِلَهُ مِنَ اَلأَرْضِ كُلَّ حَيَوَانَاتِ اَلْبَرِّيَّةِ وَكُلَّ طُيُورِ اَلسَّمَاءِ فَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ ‏لِيَرَى مَاذَا يَدْعُوهَا وَكُلُّ مَا دَعَا بِهِ آدَمُ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ فَهُوَ اِسْمُهَا ] [ تكوين 2: 19 ]. وأنه أتاه بإمرأة لتكون لرفيقة له : [‏ وَبَنَى اَلرَّبُّ اَلإِلَهُ اَلضِّلْعَ اَلَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ اِمْرَأَةً وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ ‏] [ تكوين 2: 22 ].إلخ..

وقد كان هذا الاتحاد بالله حرياً أن يمتع الإنسان بالخيرات التالية:

أ – التنعم بتمام القوى النفسية من عقل نيّر وإرادة قوية توّاقة إلى الخير ونيّة طاهرة ومحبة دون أنانية.

ب – الخلود: لم يكن الإنسان خالداً بطبيعته ولكن إتحاده بالله كان حرياً بأن يهبه الخلود يإشراكه في خلود الله نفسه. لذلك قال الكتاب أن الله جعل: [ شَجَرَةَ اَلْحَيَاةِ فِي وَسَطِ اَلْجَنَّةِ ‏]ٍ [ تكوين 2: 9 ]. حتى إذا أكل الإنسان منها [ َيَحْيَا إِلَى اَلأَبَدِ ] [ تكوين 3: 22 ]. وهذا يعني رمزياً أن الخلود نعمة وهبها الله للإنسان وأن هذه النعمة كانت مرتبطة بسكنى الإنسان في جنّة عدن أي في كنف الله، في الاتحاد مع الله.

ج – السيادة على الطبيعة: وقد كانت الطبيعة مهيأة لتخضع للإنسان بالنظر للصورة الإلهية الكامنة فيه، فلا تثور عليه ولا تضره ولا تسبب له مشقات ونكبات. هذا مانرى أثراً له في سيرة بعض الرهبان القديسين الذين كانت تخضع لهم الحيوانات المفترسة لأن الصورة الإلهية كانت قد تجددت في نفوسهم. وهذا ما يرينا الإنجيل إيّاه في شخص يسوع الذي كان يحمل في إنسانيته الصورة الإلهية كاملة، فيقول الإنجيلى مرقس: [ وَكَانَ هُنَاكَ فِي اَلْبَرِّيَّةِ أَرْبَعِينَ يَوْماً . وَكَانَ مَعَ اَلْوُحُوشِ. ] [ مرقس 1: 13 ].

د – الإنسان كاهن الكون: ومقابل خضوع الطبيعة هذا للإنسان، كان على الإنسان أن يكون كاهن الكون. ذلك أن الإنسان بطبيعته صورة مصغرة عن الكون Microcosme، ففيه تلتقي عناصر المادة ووظائف الحياة وغرائزها بصورة الله التي تطبعها وتسمو بها. وهكذا، فالإنسان بطبيعته نقطة لقاء بين الله والكون ولذا كان عليه أن يكون صلة بينهما: فالله بواسطته يكمّل عمل الخلق في الطبيعة كما رأينا سابقاً؛ والطبيعة بدورها تسبّح الله من خلاله. لأن كل تمجيد يرفعه الإنسان لله بالقول والعمل إنما يرفعه باسم هذا الكون الذي هو صورة مصغرة عنه. وكان الطبيعة قد وجدت في الإنسان عقلاً تسبّح به خالقها. هكذا، كان على الإنسان أن يدير الخليقة باسم الله وأن يرفع إلى الله تسبيح الطبيعة. هذا هو الدور الذي رسمه الله له ككاهن للكون لأن الكاهن هو تحديداً ذلك الكائن الذي هو صلة بين الخالق والمخلوق.

دور حرية الإنسان:

هذا التصميم الذي رسمته المحبّة الإلهية لإسعاد الإنسان، لم يشأ الله أن يفرضه عليه. ذلك لأن الله خلق الإنسان حراً على صورته، وبهذه الحرية تقوم كرامة الإنسان. لو كان الله فرض تصميمه على الإنسان فرضاً كما فرض الغرائز على الحيوانات والنواميس الطبيعية على المادة، لكان الإنسان آلة دقيقة، بديعة، متقنة وما كان إنساناً، أي كائناً على صورة الله متميّزاً بتلك الصورة عن الطبيعة كلّها.

لقد احترم الله حرية الإنسان لأنها شرط كرامته. ولأن المحبّة الحقة تحرم حرية المحبوب والله هو المحبّة المطلقة التي تتضاءل أمامها كلّ محبة بشرية. الحبّ لا يُفرض فرضاً. وإلا لم يعد حباً بلّ عبودية والله لم يرد عبيداً بل أبناء. الحبّ يقدَّم، والكائن الذي يقدَم إليه يقبله و يرفضه. هكذا عرض الله على الإنسان حبّه وانتظر منه الجواب. فكان على الإنسان أن يجيب بملء إختياره على الحبّ بالحبّ أو الرفض.

هذه مغامرة الحبّ الكبرى أن الله جعل نفسه نوعا ما مقيّداً بالإنسان، جعل تحقيق تصميمه رهن حرية الإنسان، رضى بأن يكون نجاح وفشل هذا التصميم الإلهي متوقف، إلى حدّ ما، على موقف الإنسان.

لاهوت الله يتجلّى لنا في هذا الاحترام الحبّي المذهل لحرية الإنسان. في هذا التخلّي المذهل عن سلطته المطلقة على الإنسان مخلوقه. لذلك كتب الكاتب الهندي الشهير طاغور: “إنني أعبد الله لأنه يترك لى حرية إنكار وجوده”. أي أن لاهوته يتجلّى لي في هذا الاحترام المذهل لحريتي.

كان على الإنسان إذاً أن يتخذ موقفاً من الله. أن يقول لله نعم أو لا. لقد خُلق الإنسان مشابهاً لله ولكن كان عليه أن يحقق هذا الشبه بجهد متواصل وتحرك مستمر نحو الله. كما أن الطفل يحقق بنموه صورة الرجل الكامنة فيه. كان متوقفاً عليه أن ينمّي بلا انقطاع صورة الله فيه أو أن يحاول تعطيلها وإزالتها من كيانه. تلك هي تجربة الحرية التي عنها نشأت مأساة الإنسان.

أسئلة:

إقرأ الفصل الثاني من سفر التكوين

  1. لماذا خلق الله الإنسان؟
  2. ماهو رمز هذه الحديقة التي وضع الله آدم فيها كما يروي الكتاب؟
  3. كيف تظهر إلفة الله والإنسان في هذا الفصل الثاني من سفر التكوين؟
  4. ألا تعتقد أن هذه الإلفة كانت هي مصدر سعادة الإنسان؟ كيف ذلك؟
  5. إلى ماذا تشير شجرة الحياة؟ (أنظر مع الفصل الثاني العدد 22 من الفصل الثالث).
  6. ما هي الخيرات والمواهب التي أعدها الله للإنسان نتيجة إتحاده به؟
  7. ماذا نعني بقولنا أن الإنسان كان معداً ليكون كاهن الكون؟
  8. هل فرض الله على الإنسان مقاصده فرضاً؟ لماذا احترم حريته؟

ملحق:

شارل باغي Péguy كاتب فرنسي اهتدى من الإلحاد إلى الإيمان المسيحي وقتل سنة 1914 على إحدى جبهات الحرب العالمية الأولى بعد أن خلّف أثراً شعرياً خالداً نقتطف منه المقطع التالي الذي يعطي فيه الشاعر الكلام لله متحدثا عن حرية الإنسان:

  • “لأنني أنا حر، يقول الله، وقد خَلَقت الإنسان على صورتي ومثالي،
    هذا هو سرّ، هذه هي قيمة كلّ حرّية.
    إن حرّية هذا المخلوق لهي إنعكاس في العالم لحرية الخالق.
    لذلك نعلق عليها أهمية خاصة.
    إن خلاصاً غير حرّ، غير صادر عن رجل حر ليست له قيمة في عيني، فأي طائل له؟.
    أى معنى له؟.
    أيّة أهمية تكون لخلاص كهذا؟.
    غبطة عبيد، خلاص عبيد، غبطة مستعبدة، كيف تريدون أن تهمني؟ هل يحب أحد أن يكون محبوباً من عبيد؟.
    إن كانت القضية قضية إعطاء البرهان عن قدرتي وحسب، فقدرتي ليست بحاجة إلى هؤلاء العبيد، إنها معروفة كفاية، معلوم كفاية أنني الكلّي الاقتدار.
    قدرتي تسطع كفاية في كل مادة وفي كل حدث.
    قدرتي تسطع كفاية في رمال البحر ونجوم السماء.
    لا إعتراض عليه، إنها معروفة، إنها تسطع كفاية في الخليقة الجامدة…
    ولكن في خليقتي الحية، يقول الله، أردت أفضل من ذلك، أردت أكثر من ذلك.
    أفضل من ذلك بما لا يقاس. أكثر من ذلك بما لا يقاس. لأنني أردت تلك الحرية.
    خلقت تلك الحرية عينها.
    من عرف نفسه مرة واحدة محبوباً بحرية، لا يوجد فيما بعد الخضوع طعماً.
    من عرف نفسه محبوباً من أناس أحرار، لا يجد فيما بعد معنى لسجدات العبيد.
    خضوع العبيد كلهم لا يساوى نظرة جميلة واحدة لرجل حرّ. والأحرى خضوع العبيد كلهم تشمئز له نفسي وأنني أهب كل شيء مقابل نظرة جميلة واحدة لرجل حرّ،
    مقابل طاعة جميلة واحدة وحب جميل واحد وإخلاص جميل واحد صادر عن رجل حرّ.
    في سبيل هذه الحرية، في سبيل هذه المجانية ضحيت بكلّ شيء يقول الله، في سبيل ميلي بأن يحبني رجال أحرار.
    من أجل أن أنال هذه الحرية، هذه المجانية، ضحيت بكلّ شيء،
    من أجل أن أخلق هذه الحرية، هذه المجانية،
    من أجل أن أطلق هذه الحرية وهذه المجانية.”
    {ص 99-100 Charles Péguy: Le Mystère des Saints Innocents}

4 – السقوط

قلّنا فيما سبق أنه كان من الطبيعي على الإنسان أن يشترك في الحوار الذي ابتدأه الله معه عندما خلقه على صورته ومثاله تعالى. هذا الحوار كان ضرورياً حتى تتأصّل صورة الله في الإنسان وتجعل منه أيقونة تشع منها الحضرة الإلهية التي تضفي على الخليقة دفء المحبة. لذا كان يحتاج هذا المخلوق الجديد عيشاً متواصلاً في محبة الله حتى يتلقن منه كيفية القيام بمهمته السامية ألا وهي أن يكون وكيل الله على هذه الأرض ناقلاً إرادته تعالى في كلّ مجالات الحياة ممداً في الزمان والمكان بزرة الفردوس التي صنعتها يد الله.

وأهمية معاشرة الإنسان لله تظهر لنا جلياً من خلال خبرة نعيشها يومياً. كلّنا يعلم أن المولود الجديد يشبه والديه ولكنه ليس مثلهما أو بعبارة أخرى إنه على صورتهما ولكنه لا يماثلهما بعد الكلية. على الأبوين أن يحتضناه ويربّياه ويدخلاه يوما بعد يوم في سرّ الكيان الإنساني حتى يصبح يوماً ما هو أيضا مثلهما يفكّر وينطق وينتج ويعمل في بنيان عالم أفضل لأخوته. أمّا الولد فعليه أن ينصاع إلى تعاليم الوالدين المحبّة إذ أن إنسانيتنا لا تُكتسب بادئ ذى بدء بالقراءة والتحليل الذهني ولكن بمعاشرة أناس آخرين.

وحقيقة ما أوردناه تظهر ساطعة في المثل التالي: أولاداً صغار تاهوا في مجاهل إحدى الغابات وعاشوا فيها في صحبة الحيوانات ومعاشرتها. هؤلاء الأولاد نجدهم بعد مدّة يكتسبون عادات الحيوانات التي يعايشون، فيصوّتون كما تصوّت ويسيرون على شاكلتها حتى أنه يمكنك تعريفهم بأنهم حيوانات في أثواب بشر وهم بشر بدون إنسانية. هذه الإنسانية المفقودة لا يستعيدها هؤلاء الصغار إلا بعد معاشرة طويلة للبشر وتدريب طويل وشاق في جو “إنساني”.

هكذا – وبقدر ما ينجح التشبيه بين شؤون المخلوقات والأمور الإلهية – علّمنا آباء الكنيسة القديسون أن الإنسان خلق على صورة الله ولكن كان عليه أن يتتلمذ في حضرة الله حتى يتمثل به إذ أن معاشرة الباري تعالى اليومية فقط قادرة أن تجعل من الإنسان كائناً إلهياً. غير أن هذا يعني، كما قلنا أعلاه، أن ينصاع الإنسان إلى أقوال الله المربية بحيث يتعلّم منه تعالى أن الخير الأعظم هو الله نفسه كما نقرأ في المزامير ولدى الأنبياء وأن الشر الحقيقي هو غيابه عن شؤون الإنسان.

هذه الحقيقة العميقة يصوّرها لنا الكتاب المقدّس بشكل رمزي – كما جرت العادة في تلك العصور من تاريخ الإنسان – في قوله أن الله طلب من الإنسان ألا يأكل من ثمار شجرة معرفة الخير والشر. فكان قصد الله إدخال الإنسان تدريجياً في سرّ الألوهة وذلك من خلال تربيته اليومية على أصول الحياة الفردوسية. وكأي تدريب آخر تتطلّب التربية الإلهية معاشرة متواصلة وتفترض طاعة.

أمّا الإنسان فقد فضّل الإستغناء عن محبّة الله وإحتضانه له. أراد أن يغتصب الألوهة إغتصاباً معتقداً أنّ معرفة الخير والشر هي التي تجعله إلهاً بيد أن الألوهة تؤمّن له معرفة الخير والشر. أراد أن يتخلّص مما كان يعتقده وطأة الله عليه. لم يفقه الإنسان أنّ سرّ الحياة الحقيقية هو في الكلمة الإلهية على حدّ قول الرب يسوع: [ قَدِّسْهُمْ فِي حَقِّكَ. كلاَمُكَ هُوَ حَقٌّ ] [ يوحنا 17: 17 ]… و[ وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ ] [ يوحنا 8 : 32 ].

وكانت الكارثة. انقطع الإنسان بإرادته عن جوار الله وتاه في جو لا يناسب أصله. فأصبح منساقاً إلى نواميس غريبة عنه. وكما أن الولد التائه في الأدغال بين الحيوانات يعتقد أن دنياه التي ترعرع فيها هي دنياه الأصلية. هكذا اعتقد الإنسان على مرّ الأيام أن جوّه الجديد هو الأصيل، فإعتاد عليه وأصبح قطعة منه. كالمدمن على الخمرة يعتقدها عنصراً أساسياً في حياته وهي دخيل يولد موتاً ينخر جسده يوماً بعد يوم، هكذا الإنسان أصبح يعتقد أن الخطيئة عصر أساسي في حياته. وترعرعت الأجيال السالفة في هذا الجوّ المضطرب المتسمم وتنشقت عبيره ثم ما لبثت أن نفثت سمومها في من تلاها.

صلتنا بخطيئة الأنسان الأول ليست إذاً صلة وراثة كالتي تتعلّق بشكل الأنف ولون الشعر ولكن صلة جو يترعرع فيه الإنسان ويتغربل كيانه وتبنى ذاته. فمنذ نشأتنا في جو الخطيئة هذا ونحن خطأة. وهذا يعبّر عنه بأن الموت أصبح مهيمناً في حياتنا بعدها يوماً بعد يوم، وإذا ماحاولنا التغلّب عليه بإبعاده عنّا و إبتعادنا عنه، جابهنا في ثياب الضجر والمرض. هذا ما عبّر عنه الرسول بولس في قوله: “بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم وبالخطيئة الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أنهم جميعاً خطئوا” (رومية 5 : 12). خطيئة الإنسان الأول وضعت الإنسانية في حلقة مفرّغة. إذ بغياب الله عن جوّنا الذي اخترنا، أصبح للموت سلطانا في حياتنا. وعدم قدرة الإنسان بدون الله على التخلّص من هذا الكابوس يجعلنا نيأس ونعود إلى مزيد من التلطخ في الخطيئة، وكالعصفور الذي لا مفرّ له من قفصه يعوّد نفسه على العيش فيه مقنعا ذاته بجمال قضبانه الحديدية. وكالمغلوب الهزيل الذي يقبل أولاً مجبراً ثم يقتنع بلطف المستعبد… هكذا يحول الإنسان إقناع نفسه بحلاوة الخطيئة تحت ضغط حتمية الموت الذي ولدته. ويُجبر نفسه على التناسي إلى أن ينسى أ، المشكلة الوحيدة هي إرادته في أن يغيب الله عن عالمه.

أسئلة:

إقرأ الفصل الثالث من سفر التكوين ومثل الابن الضال [ لوقا 15: 11 – 32 ].

  1. كيف كانت تجربة الإنسان نتيجة لحريته؟
  2. من هو الكائن الذي أذكى هذه التجربة في الإنسان؟ ولماذا؟
  3. كيف يتضح من الكتاب المقدس أن الحية المذكورة في الفصل الثالث من سفر التكوين تشير إلى هذا الكائن؟ [ أنظر حكمة سليمان 2: 24، يوحنا 8 : 44، رؤيا 12: 9 ].
  4. ما هي نوعية خطيئة الإنسان الأول؟. كيف تدحض الرأي الشائع الذي يقول به عامة الناس أن تلك الخطيئة كانت زواج آدم وحواء؟. [ راجع تكوين 1: 27، 28]. ألا يُظهر نصّ الكتاب نوعية هذه الخطيئة؟ [ أنظر تكوين 3: 1 – 5 ].
  5. ألا تلقي قصة الابن الشاطر ضوءاً على نوعية هذه الخطيئة؟ ألم يكن الابن الشاطر عائشاً في بحبوحة وينعم في كنف محبة والده، فلماذا شاء الانفصال عنه إذاً؟.

5 – نتائج السقوط

رفض الإنسان لله أوصله إلى حالة غريبة عن أصله. بإبتعاده عن الله أبيه، لم يعد الإنسان يميّز في البشر الآخرين أخوة له أبناء للآب الواحد، إذ أن الأخوّة تُحدّد بالنسبة إلى البنوة تجاه الآب الواحد. وقد تصدّعت أيضاً، صلة الإنسان بالطبيعة من حوله إذ أنه لم يعد يرى فيها مذياعاً لمجد الله ومخبراً لأعمال يديه بل وسيلة لإرواء غليل أنانيته. هذه مأساة الإنسان التي نشأت عن غياب الله عنه وإذا شئنا أن نلخّص الماساة هذه بكلمة يمكننا أن نقول أنها مأساة التفكك. وحدة الإنسان مع الله، أي اتحاده به، كانت أساساً لوحدته مع ذاته، ولوحدته مع الآخر، ولوحدته مع الكون. فلمّا فصم الإنسان وحدته مع الله تصدّعت وحدته مع ذاته ووحدته مع الغير ووحدته مع الكون وساد التفكّك في تلك المجالات الثلاثة:

أ – تصدعت وحدة الإنسان مع ذاته: بإنفصال الإنسان عن الله حصل تفكّك في شخصه أي أن الإنسجام بطُل في كيانه:

  • فالأهواء ثارت على العقل عوض أن تكون خاضعة له، موجهة منه، لذلك أظلم عقل الإنسان إذ أصبح في كثير من الأحيان مسخراً لا للسعي إلى الحقيقة بلّ لخدمة الشهوات. هكذ، انتشرت الآراء والمعتقدات الباطلة بين البشر وأخذ الإنسان ينظر إلى الأشياء لا كما هي بل كما تصوِّرها له أهواؤه. وأصبح وهو الكائن العاقل يؤلّه المال والقوة والجاه والنفوذ ويتعبّد لأناس مثاله من زعماء وغيرهم وأصبح يسخّر العلم نفسه للدمار.
  • كذلك ثارت الغرائز على الإرادة التي كانت وظيفتها في الأساس أن تسيّر هذه الغرايز وفقا لصالح الإنسان الحقيقي. فأصبحت هذه الغرائز تشدّ الإنسان إليها خلافاً لحاجاته الأساسية (فالسكّير مثلاً يسعى إلى إرضاء شهوته دون أن يقيم وزناً لصحته أو كرامته أو مستقبله أو حياته العائلية)، فضعفت الإرادة وأصبحت لا تقاوم الشر إلا بصعوبة ولا تُردع إلا بجهد جموح الشهوات.
  • كذلك طرأ التفكّك على علاقة الإنسان بجسده، فأصبح للجسد إستقلاله وأخذ يحاول فرض شهواته على الإنسان وكأنه غريب عنه. وهذا ما عبّر عنه الكتاب المقدّس بقوله إن آدم وحواء شعرا بأنهما عريانان فسترا جسديهما بأوراق التين (تكوين 3 : 7). وهذا يعني أنهما بدءا يحسّان بجسدهما وكأنه كائن مستقلّ فيهما يطالب بإشباع شهواته بينهما كان فيما مضى مع الشخص كلّه في حركة واحدة إلى الله. هكذا أصبحت الشهوة مستقلّة عن الحب عوض أن تكون مسخّرة له.
  • ومن نتائج التفكّك في الكيان الإنساني الأمراض التي أصبح الإنسان عرضة لها والتي هي إختلال في نظام الجسم البشري، وأخيراً الموت الذي هو إنحلال لكيان الإنسان. لقد كانت نعمة الله تكتنف الإنسان وتحفظه من الأمراض والموت، أمّا وقد رفض هذه النعمة وتعرّى منها فلم يعد من شيء يحفظه من الإنحلال الذي تؤول إليه طبيعه إذا تُركت وشأنها. هذا ما عبّر عنه الكتاب المقدّس بقوله أن آدم أُبعد عن شجرة الحياة التي كانت تجعله خالداً (تكوين 3: 19). أي أنه فقد نعمة الخلود بابتعاده عن الله مصدرها. وبهذا المعنى قال الله لآدم: “تعود إلى الأرض التي أُخذت منها لأنك تراب وإلى التراب تعود” (تكوين 3: 19).

ب – تصدعت الوحدة بين الإنسان والغير: ولكن هذا التفكّك الذي ساد في كيان الإنسان الشخصي تعدّاه إلى العلاقة بين الإنسان والإنسان. ذلك أن الإنسان بإنفصاله عن الله انفصل أيضاً عن أخيه الإنسان. فالله وحده يوحّد عميقا بين البشر. ولذا، فالخطيئة بإبعادها الإنسان عن الله تبعده عن قريبه. هذا التفكّك بدأ فوراً بعد السقوط عندما سأل الله آدم عن مخالفته فأجابه: [ الْمَرْأَةُ اَلَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ اًلشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ‏ ] [ تكوين 3 : 12 ]. وهكذا ألقى المسؤولية على إمراته فاصلاً مصيره عن مصيره، بينما كانا قد خُلقا “ليكونا جسداً واحداً” أي كياناً واحداً. هكذا بالخطيئة تسرّب الإنقسام إلى البشرية. فأصبحت الأنانية تفصل حتى بين الإنسان وأقرب الناس إليه وتشوّه الحب على أنواعه بإرادة التسلّط على الآخر وامتلاكه كأنه مجرّد شيء ومتعة دون مراعاة لحرّيته وكرامته ومصلحته وسعادته. وقاد ذلك إلى تنافر بين الأخ وأخيه، وبين الأب وابنه، وبين الزوج وزوجته. ولذا يروي لنا الكاب المقدّس كيف أن السقوط تلاه قتل قايين لأخيه هابيل. وانفجرت الأحقاد بين البشر وحسد بعضهم بعضاً، وتجبّر بعضهم على بعض، واستعبد بعضهم بعضاً، وتطاحنوا في حروب أهلية وخارجية.

ج – تصدعت الوحدة بين الإنسان والطبيعة: أخيراً كان من عواقب السقوط أن بطل هذا الانسجام الذي أعدّه الله بين الإنسان والطبيعة. هذه الطبيعة التي كانت معدّة لتخضع للإنسان الحامل في ذاته صورة الخالق تمرّدت عليه حين تشوّهت صورة الله فيه. [ مَلْعُونَةٌ اَلأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. وَشَوْكاً وَحَسَكاً تُنْبِتُ لَكَ] [ تكوين 3: 17، 18 ]. وهكذا لم يعد الإنسان في مأمن من حتمية نواميس الكون بلّ صار إلى حدّ بعيد ضحية هذه النواميس، فأصبحت مصدر متاعب وكوارث ونكبات للإنسان وأخذت الحيوانات تؤذيه والجراثيم تفتك به.

أسئلة:

إقرأ الفصل الثالث من سفر التكوين.

  1. كيف يظهر انفصال الإنسان عن الله [ تكوين 3: 8 ]؟
  2. ألا يشبه إنفصال الإنسان عن الله إنفصال غصن عن شجرته ؟ كيف ذلك؟ وما هي النتائج المنتظرة لإنفصال كهذا؟
  3. هل بقى الإنسان محافظاً على موهبة الخلود بعد سقطته؟ [ تكوين 3: 19، 22 ]. لِمَ لا؟
  4. كيف ظهر التفكك بين الإنسان وجسده بعد السقوط؟ أنظر تكوين 3 : 7. وحاول أن تفهم معنى هذه الآية.
  5. ألم يكن طبيعياً أن توجد الخطيئة تفككاً بين الإنسان والإنسان؟ لماذا؟ كيف يظهر ذلك في تكوين 3: 12 و4: 8، 9 ؟ وكيف يظهر في علاقات البشر بعضهم ببعض وحتى أقرب الناس إليهم؟
  6. ألم يكن من الطبيعى أن توجد الخطيئة تصدعاً في الوحدة التي أعدها الله بين الإنسان والطبيعة؟ لماذا؟ كيف يظهر هذا التصدع في تكوين 3 : 17، 18؟ وما هي نتائجه بالنسبة للإنسان؟

6 – صورة الله في الإنسان بعد الخطيئة

ولكن السؤال القائم في كل هذا هو: كيف يعرف الإنسان أن الحالة التي هو عليها الآن ليست وضعه الأصيل؟ كيف يستطيع المرء أن يقدر مدى سقوطه بدون معرفة ما كان عليه قبل السقوط؟ للإجابة عن هذا السؤال سنعود إلى المثل الذي اتخذناه منطلقاً لنا في بدء هذا الفصل. فالولد الذي عاش بين الحيوانات منذ طفولته لم يفقه الكارثة التي ألمّت به إلا عندما إلتقى أخوة له في الإنسانية وفهم أن صلته الأصلية هي مع البشر وليس مع الحيوانات. هذا يعني أن معرفته الحقيقية لا تنتج عن مقارنة بين حالته الحاضرة وفردوس مفقود وليد تخيلاته، ولكنها نتيجة لقائه مع أناس يحملون له في كيانهم صورة عن ذلك الفردوس إذ أن الإنسانية التي أضاعها جوّ معين وليست كلمات مقولة أو أحرفاً مسطورة.

هكذا نحن لم نفهم معنى الخطيئة إلا بعدما تعرّفنا على أخينا الكبير كما يسميه الرسول بولس: [هُوَ بِكْراً بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِين] [رومية 8: 29 ]. فلقاؤنا مع هذا الأخ الأكبر، يسوع المسيح، الذي حافظ على صورة الله فيه أيقظنا على الحقيقة مذكّراً إيّانا بأن الإنسانية الحقة تكمن في صلتنا الوثيقة بالله. إذاً مرور يسوع الناصري في بلادنا منذ ما يقارب الألفي عام طبع في أذهان وقلوب البشر وجه رجل يشبهنا ولكننا لا نماثله إذ أن الجو الذي كان يتنشقه لم يكن من هذا العالم بالرغم من حضوره فيه.

في كل هذا ما يبعث إلى التفاؤل، فبالرغم من جوّنا المتسمم الفتاك كان بوسعنا أن نتعرّف إلى يسوع وأن نعرف أنه في نهاية المطاف يحمل في شخصه عالمنا الأصيل. وإذا ان هذا مستطاعا فلأن لجته نادت لجتنا، صورة الله التي فيه نادت صورة تشبههنا فينا. هذا يعني أنه كما الولد الضائع في الأدغال يحمل في خلاياه بالرغم من حيوانيته سمات جذور الإنسانية، هكذا نحن ما زلنا في أحقر أوضاعنا نحمل صورة الله في كياننا، إنما نحن فقد أبطلناها عن العمل يحصرها في زاوية عتمة. ولكن كما أن الله قد أشعّ النور من الظلام هكذا ابنه في لقائه معنا أطلق الصورة الخفية فينا من الظلمة التي ألجأناها إليها إلى مكانها الأصيل في قلبنا وذهننا.

غير أن لقاءنا مع يسوع علّمنا أيضا شيئا آخر مهما للغاية وهو أن تحقيق صورة الله كاملة فينا -أو بعبارة أخرى تألهنا- يكمن في إتضاعنا المستمر إذ أن الله متضع أصلاً. هذا ما يقوله لنا الرسول بولس في كلماته المأثورة: “ليكن فيكم من الأفكار والأخلاق ما هو في المسيح يسوع الذي إذ هو في صورة الله لم يعد مساواته لله إختلاساً لكنه أخلى ذاته آخذاً صور عبد صائراً في شبه البشر وموجوداً كبشر في الهيئة. فوضع نفسه وصار يطيع حتى الموت موت الصليب” (فيليبي 2: 5 – 8). هذا هو سرّ التجسّد الذي فيه تمّ لنا لقاء أفضل من الذي كان يوم الخلق.

أسئلة:

  1. كيف يمكننا القول أن الخطيئة شوّهت صورة الله في الإنسان؟ لقد كانت هذه الصورة تظهر في الإنسان بعقله وإرادته وميله إلى الصلاح واستعداده للعطاء وخلوده وسيادته على الكون فكيف تشوه كل ذلك في الإنسان؟
  2. هل اُمحت صورة الله في الإنسان أم بقيت فيه؟ ألا يختبر كل منا في ذاته إزدواجية بين العظمة والحقارة؟ (أنظر رومية 7: 18 – 20). كيف يمكننا أن نفسر هذه الإزدواجية في ضوء تعليم الله؟
  3. هل بطلت محبة الله للإنسان بعد سقوطه؟ كيف تجلّت هذه المحبة في تكوين 3: 21؟ لقد ترك الإنسان وحده خارج الجنة لأن حريته هكذا شاءت ولكن ألم يكن الله مزمعاً أن يفتقده هناك؟ ما هي الصورة الفائقة للعقل التي اتخذها ها الإفتقاد؟

(1) 103 بموجب الترتيب الأرثوذكسي

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
arArabic
انتقل إلى أعلى