Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎

– الجنس قبل الزواج

تنبع مقولة “الجنس قبل الزواج”، أساساً، من تضخم الجنس في هذا الزمان. وما دامت عقلية الناس مجنسنة على نطاق واسع، عندها من البداهة المطالبة بالجنس قبل الزواج، ومن البداهة كل البداهة التفكير على هذا النحو.

ومقولة “الجنس قبل الزواج” لا تبدو طرحاً غريباً أو مستغرباً اليوم، فالإعلام كله يجيش لترويج السلع، والمنتجات الاستهلاكية المختلفة في إطار جنسي تتبناه المرأة دائماً، وبترحيب منقطع النظير. كذلك فإن المناخ العالمي العام المشبع بروح الحرية الجنسية، والحرية الإعلامية، أدى إلى تأجج الرغبة بالمعرفة الجنسية عند شباب وشابات هذا الزمان. يضاف إلى ذلك تقاعس الأهل عن دورهم، والتراخي العام الذي أصاب الكثيرين تجاه الاضطلاع بالشأن التربوي المتعلق بأولادهم، الأمر الذي أدى إلى ما يمكن تسميّته بالقطيعة بين الآباء والأبناء وعلى غير صعيد.

في الواقع يمكن التفتيش عن باقة كبيرة من العوامل التي أوجدت ما هو قائم على أرض الواقع على هذا الصعيد.

الجنس قبل الزواج هو حركة معاكسة لحركة الحياة، إنه رفض لما عاشت بموجبه الشعوب في كل الأرض وما تزال. الجنس قبل الزواج يشبه إنساناً يضع العربة أمام الحصان بدل أن يكون الحصان أمام العربة ليشدّها. الجنس قبل الزواج هو دخول في المجهول، وتعرّض لنيران الجحيم التي لا تطاق. إن مقولة “الجنس قبل الزواج”، من شأنها أن تجعل الجنس هواية تمارس لا مدرسة للحياة.

لكن الجنس ليس لقمة عسل، إنه في الزواج ممزوج بالقول الكتابي “بعرق جبينك تأكل خبزك”، “وبالأوجاع تلدين البنين”، الجنس المعاصر مسألة رخيصة وسهلة وطيبة، ويستطيع كل إنسان مهما كان عمره ومهما كان وضعه ومهما كان أمره، أن يعرفه ويمارسه. لكن الجنس ليس هكذا. ولم يكن هكذا في يوم من الأيام. 

– الجنس قبل الزواج خطوة غير مسؤولة

يبرر عادة المطالبون بالجنس قبل الزواج، أو الذين يمارسون الجنس قبل الزواج، موقفهم، على أنه طبيعي لأنه ثمرة الحب، أو لأنه يأتي بعد حب، أو لأن هناك حباً. أي أن الجنس بالنسبة لهؤلاء الناس يصبح أمراً شرعياً وسليماً لمجرد أن هناك حباً.

لكن الحب فقط، ليس المقياس لشرعية الممارسة الجنسية، فهو لا يشكل ضمانة ولا يتعهد شيئاً. الحب لا يجيز الجنس قبل الزواج، فهو عاطفة وحسب، وفي أحيان كثيرة، هو عاطفة غير مسؤولة. لا بل كثيراً ما يكون الإقبال عليه نتيجة لضغط الإعلام الجنسي المعاصر على المشاهدين.

و المطالبة بالجنسية على قاعدة الحب (sola amour) فقط، لا تجعل هناك من ضرورة للزواج. ومع ذلك يبقى الزواج الإطار الأكمل والوحيد للحب الاجتماعي. إنه الإطار اللائق، لأنه يجعل الرجل و المرأة مسؤولين أمام الله والناس. وهكذا فالكلام عن الحب قبل الزواج يستتبع الضمانة والمسؤولية، الأمر الذي لا يتحقق خارج الزواج أو بدون الزواج (25).

الزواج هو إطار المسؤولية، وفيه يستطيع كل فريق أن يحتضن الفريق الآخر ويصونه ويحميه من المخاطر ويحوطه بالعناية والاهتمام. في الزواج يعطى المرء كل الإمكانية كي يعبّر عن حبه المزعوم، وبالتالي فإن الجنس قبل الزواج ليس علامة حب، بل علامة شهوة تتأكل دعاتها وأصحابها وتأتي بهم إلى نار جهنم. إذا كنت فعلاً صاحب حب كبير، تفضل واقترن شرعياً بمحبوبتك.

وهنا قد ينزعج عدد كبير من الشباب، والبنات من كلماتي هذه، بحجة أن حبهم طاهر وصادق، وأنهم فيما بينهم لا يشعرون بالخطأ أو الخطيئة عندما يفكرون بالجنس قبل الزواج. وكلماتهم في العادة تكون رومنسية، هادئة، وجميلة، لا بل صادقة في أغلب الأحيان. من يدري. ولكن مشكلتهم تبقى أنهم يغفلون الزواج كإطار لحبهم، وكعلامة على صدق مشاعرهم. إن فلسفة “الجنس قبل الزواج” هي مجرد لهفة الجسد إلى الجسد، وهذا أمر منقوص لأن الشاب والفتاة في طور التعارف والخطوبة هما بحاجة ماسة إلى أن يعرف أحدهما الآخر جيداً كي تسلم حياتهما لاحقاً. من هنا يأتي الجنس قبل الزواج طرحاً في غير محله، وقبل الأوان، لا بل مبكراً جداً. وأكثر من ذلك فإن تفعيل الجنس قبل الزواج يحرم الاثنين معاً كل فرص التعارف العميق الضروري لحياتهما.

– المعرفة الجنسية معرفة لاحقة

لقد كبرنا، ونحن نسمع أن البنت الشريفة لا تسلم نفسها، وأن قلبها وعقلها وجسدها هي كلها لرجلها، في الزواج.

ولكن في هذا الزمان المجنسن، كثرت الضغوطات الجنسية وتغيرت القيم، فالجنس في الأفلام على أنواعه، والتلفزيون ذو برامج جريئة أكثر من ذي قبل. الفيديو اليوم يمد الناس بما يتمنون وبما يرغبون. كذلك فإن المجلات، وما أكثرها، لا تخرج من دائرة هذا الزمان المجنسن. لقد ضاع الناس وضلّو، فالحرية الجنسية أعمت العيون وصار المحجوب مرغوباً. الجنس لن يُشفى إلا إذا دعا إليه التابو Taboo وهكذا فالمطالبة بالجنس قبل الزواج ليست فلسفة ذات قيمة، بل هي مجرد رغبة يسعى أصحابها إلى تنفيس الاحتقان الشهواني الذي يتولّد فيهم بسبب من هذا الزمان.

الجنس قبل الزواج هو لإطفاء نيران مشتعلة. ومع ذلك تبقى المعرفة الجنسية معرفة لاحقة، معرفة تأتي متأخرة مهما كانت ضغوطات هذا الزمان.

الجنس عنصر وحدة، وعلامة اتحاد. والكتاب المقدس ما ينفك يذكرنا بذلك في كل مرة نطالع رسالة العرس: “لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلازم امرأته، ويصير الاثنان جسداً واحداً”. ترى لماذا يكون الجنس علامة وحدة واتحاد بين الرجل والمرأة؟ هل الوحدة المذكورة جسدية فقط؟ هل يحققها الجنس وحسب؟

في الزواج يدخل الرجل والمرأة في وحدة المصير فيصبح كل ما يعني الرجل يعني المرأة أيضاً، وتصبح سعادة الرجل من سعادة المرأة، وحزن الرجل من حزن المرأة. يصبح الإنسان في هم مشترك وبودقة واحدة، وكل ذلك في إطار من المسؤولية والتعهد والاهتمام المشترك.

ولكن الذين يطالبون بالجنس قبل الزواج لا يضعون الأمور في مكانها بل يطالبون بالمسألة باسم الحداثة والعصرنة، وذلك بحجة أن الزمان تغير والناس تفتحوا وما عاد بإمكانهم البقاء حيث هم. لا بل أكثر من ذلك يتهم كل من يحمل لواء الأخلاق والقيم أنه رجعي ومتخلف. ومع ذلك فالمشكلة ليست ها هنا بل تلخص بالقول التالي: “المحجوب مرغوب”. أي أن انتشار النزعة التحررية لا تتوقف، ولن تتوقف، والذين يعملون ويسلكون ويتكلمون بغير النواميس الأصلية التي تجعلهم أبناء الحياة، لن يقطفوا إلا الهواء والعدم. قد يكون المناقبيون من المتخلفين، ولكن دعاة الحرية الجوفاء هم أناس لا يسألون خبرتهم لتعلمهم.

– الجنس قبل الزواج وصمت الكبار

ما من شك أن العفة الجسدية (26)، ومن ورائها العفة الداخلية، هي كبريات الصعوبات عند شباب وشابات هذا الزمان. وما من شك أيضاً أن الكلام عن العفة ليس مقبولاً عند الجميع، فالعفة أصبحت لفظة تافهة فارغة لا معنى لها ولا طائل تحته، فالشاطر بشطارته.

يضاف إلى ذلك وفي هذا الزمان بالذات أن الأجيال الفتية تنزع إلى استقلالية مسلكية. دون أن تأخذ بإرشاد الكبار وبتوجيهات حكماء القوم. ففي زماننا لا يصغي إلى نصائح الكبار إلا قليلاً. لا بل يمكننا القول أن الكبار الذي نعّول عليهم في مسألة الإرشاد، يلوذون بالصمت وكأن الصغار الذين لهم، ليسوا لهم، ولا يعنيهم أمرهم.

وصمت الكبار، ظاهرة مريعة، فهو من جهة علامة على أن الكبار ليس عندهم ما يقولونه. كذلك فإنه قد يكون بسبب موجة التحرر التي طغت إلى حد بحيث أن الكبار باتوا لا يجدون ضرورة للكلام. كذلك فإن هناك شريحة من الكبار متصلبة لا تقبل بالليونة والحكمة، ولا تأخذ بأسباب التغيير، الأمر الذي يجعل الصغار المعنيين، ينفرون من بطش آبائهم وسطوتهم وهذا يترجم بالعزلة والاستقلال واللااحترام تجاه الكبار.

إلا أن صمت الكبار يجعل الصغار في صحراء، لا بل في جزيرة يغادرها كل منهم على هواه ليعود إليها من جديد متى شاء. وهذا الصمت مرعب لأنه يجعل الكبار غير قادرين أن ينقلوا خبرتهم في الحياة لأولادهم. وهكذا نأتي إلى ظاهرة مريعة مفادها أن خبرة الكبار للكبار، وما يحياه الصغار لا يأخذ بخبرة الكبار، ولا يستفيد منها. وهذه مشكلة لا بل هي سبب لعدد كبير من المشاكل. فإذا افترضنا أن خبرة الكبار للكبار، وخبرة الصغار تشكّلها حياة الصغار، فهذا يعني أن تقدم الإنسانية توقف، وأن الأجيال الطالعة أصبحت بدون ماضٍ، (وهو ما يعرف باسم التراث). كذلك هناك مشكلة أخرى مفادها أنه من العار أن يصمت الأهل فلا يكون عندهم ما يقولونه لأولادهم. من العار أن تُنجب لتترك أولادك لقمة في فم العالم يلوكها كما طاب له. وبالتالي فإذا قبلنا بصمت الكبار، فمن هو الذي سيدرب الصغار على اختيار المهنة؟ من سيقود خطاهم نحو الحياة بكل مثلها؟ أليس مؤلماً أن نرى الصغار يكبرون كل على هواهم، فيتأثرون بالشارع وبما فيه من رفقاء السوء؟ أليس مؤلماً أن ترى أباً لا يعرف عن أولاده؟ أليس غريباً أن يحيا الأولاد دون أن يكون هناك بالتالي من يقول لهم ومن تجربته وخبرته أن بنت الناس ذات كرامة، وأن أبناء الناس ذوي كرامة؟ من سيدربهم على روح العائلة وعلى بناء العائلة؟ من سيقول لهم كيف يصبح الابن أب، والابنة أماً؟ وبالتالي من سيعلمهم بالحب كيف يتعاملون بالحب كيف يتعاملون مع زوجاتهم في المستقبل، وذلك استناداً إلى خبرة عرفوها في صميم حياتهم وأخطائهم وتطلعاتهم؟ يبدو لي أن هذه العبر كلها مفقودة أو ناقصة، إذا شئتم، في هذا الزمان. وكثيراً ما ترى الأم ابنها على خطأ وضلال، فتستر له عيوبه، وهذا يفهم، إلا أنها لا توجه، وربما لأن للذكور ما لهم في هذا الشرق.

– الجنس قبل الزواج، يستهلك زخم الحياة

ما من شك أن فترة التعارف بين الشاب والفتاة، بين من نسميه “الخطيب وخطيبته”، يجب أن تكون بقصد التعارف. فالتعارف، أو الدخول في معرفة شخص الآخر أو الطرف الآخر، مهم جد، فعليه يبنى الزواج السعيد.

ولكن الكثيرين من الناس لا يفسحون للخطيبين ولو ضمن إطار تقبله أخلاقهم وعاداتهم وتقاليدهم أن يلتقيا ليتعرف كل منهما على الآخر. وكثيرون آخرون يفسحون لذكورهم ويسهلون لهم ما يتشددون به تجاه إناثهم. ومع ذلك فإن موجة عارمة تتسع دائرتها يوماً بعد يوم، تمثل تياراً مستقلاً من الشباب والشابات لا يأخذ بهدي الكبار وحضورهم، بل يعمل على هواه دون مراعاة النتائج. وهكذا فإن مسألة الجنس قبل الزواج، تبقى إحدى الأمور الهامة التي تدغدغ أعماقهم، ويعربون عن رغبتهم به، ويظهرون حلاوة في تعاطيها لانعدام عيوبها رغم أنها، تأتي لتلعب دوراً هداماً في زواجهم الآتي، وفي الأجواء العائلية التي يوشكون أن يُقبلوا إليها ويدخلوها ولو بعد حين.

الجنس قبل الزواج، ليس لقمة عسل ترطب كيانهم، ولا ماء عذباً يروي عطشهم، ولا هو لعبة يقتلون بها الوقت والضجر العارم الذي أصبح جزءاً من حياتهم. الجنس قبل الزواج يصبح لكل المتهاونين مصدر قلق كبير. ومن شهادة كثيرين ضلّوا وعادوا، نتبين أن معرفة الجنس قبل الزواج كانت مصدر إحساس بالذنب عندهم، دون أن يقروا بذلك. لقد قال لي أحد الشباب الذي اختبروا الضياع الكبير أنه لم يكن يجد متعة في ما كان يفعله لآن حالة من الخوف والظلمة وتأنيب الضمير والصحراوية وعدم الارتياح كانت تنتابه كل حين. وهذه الخبرة ليست غريبة، إنها صادقة جداً لأن ما يفعله عدد من الشباب، يفتقر إلى الإطار اللائق والسلام الداخلي.

فضلاً عن ذلك، فإن الجنس قبل الزواج يفقد الذين يختبرونه زخم الحياة، بحيث أنهم عندما يدخلون الحياة الزوجية، يكونون فاترين ليس عندهم ما يشتاقون إليه. لا بل أكثر من ذلك، سيشعر الكثيرون من المتحررين جنسياً، الذين يختبرون الجنس قبل الزواج، أن الزواج نفسه غير ضروري. وكأنهم بفعلتهم هذه، وصلوا إلى الغاية التي ليس وراءها شيء، وهذا باب إلى ضجر كبير.

وفي هذا الزمان، لا يبدو الشباب يحسنون الإصغاء إذا سمعوا أمراً نافعاً، وربما لا يطلبون سماع ما يفيد، لأن حرية ذات مفاهيم خاطئة تجتاح أفكارهم وقلوبهم وممارساتهم. العمى الداخلي يجتاح الكثيرين اليوم، ولا أحد ينتبه للدوافع أو النتائج التي يقوم عليها هذا أو ذاك من التصرفات والممارسات. حالة من الغليان تصيب الصغار والكبار، بينما قدوة الكبار شبه معدومة. كذلك ليس للشباب سند، وأغلبهم القلة القليلة فقط تسير في طاعة الله.

الجنس قبل الزواج ليس ثمرة حب، بل علامة فراغ وضياع، علامة استهلاك للآخر، علامة تدمير للآخر. إنه علامة على أن الشعوب أفلست بفقدانها القيم. الجنس قبل الزواج لعبة جهال، وفيه يتصرف القاصرون مادياً، المتحاجون إلى أموال والديهم، وكأنهم كبار مستقلون اقتصادياً. والمسألة ليست اقتصادية أصلاً، إلا أن الذين يريدون أن يتصرفوا على هذا النحو، عليهم أن يدركوا أن الصغير الذي يتصرف وكأنه كبير، يتوجب عليه أن يكون كبيراً بحق، ومستقلاً مادياً عن أهله، فالذي سيسلك وكأنه كأبيه هو إنسان قصير النظر إذا كان بأمس الحاجة إلى مساندة والديه له.

كأني بأغلب الشباب اليوم يقولون، وهذا لسان حالهم: الجنس مني، والمال والسيارة من أهلي.

ونحن أمام الجنس قبل الزواج، نتعامل مع المسألة لم تبلغ بعدها السرطاني المدمر في بلادنا، إلا أنها مسألة مرشحة إلى مزيد من التفجرّات والتأزمات. نحن لا ندرك خطر السكين، إلا إذا جرحتنا. والذين يتعاطون الجنس قبل الزواج، لن يتوانوا قبل أن تهدر طاقاتهم ويُستنفد الأمل والمعنى من نفوسهم. فالفساد إلى مزيد، والشر إلى مزيد، الجهل إلى مزيد، والثمن إلى مزيد، وذلك لأن الإعلام المعاصر يحرض بشكل عنيف داعياً إلى الحرية الجنسية. الضغط الإعلامي مستمر، والضحايا تتساقط هنا وثمة، والناس في غفلة ومع ذلك يصرّ السطحيون أن المسلكيات العصرية المجنسنة هي الحضارة بعينها. وفي هذا كل الغباء.

يضاف إلى ذلك، أن ما يشجع على الجنس قبل الزواج، وفي زماننا بالذات، هو تطور وسائل منع الحمل المختلفة التي أسهمت في جعل الفعل الجنسي بعيداً عن الانفضاح. الإعلام لا سيما في بلادنا بات جريئاً جداً، فهو يعرض وسائل الحمل المختلفة ويشدد على ضرورتها لكونها تقي من مخاطر انتقال السيدا. في الحقيقة يا له من توجيه هذا الذي يدعو الناس إلى استعمال الموانع المختلفة، بما فيها الواقي الذكري. وهي في نظري أمور تسهّل الفلتان، ولا تشكل حلاً علمياً لآفات هذا الزمان. ومع ذلك لا يتكلم أحد بهذا الخصوص وكأن البلد أثر الصمت وأحب قصة أهل الكهف.

سيبقى الناس على غيّهم وضلالهم. سيبقون على ما هم عليه إلى ساعة لا نعلمها. سيبقى الناس في زيغان. سيبقى صوت الضمير ضعيف، ستبقى القلوب مستسلمة، فالناس في فراغ وضجر وخوف من الفقر ومن المستقبل ومن المجهول.

والناس يتعلقون بحبال الهواء كما يقول المثل، ولكل منهم أسبابه ولهذا أو ذاك من التصرفات. ولكن هنيئاً للعيون التي تُبصر وللأذن التي تسمع. هنيئاً للنفوس التي لا تنفلش ولا يقوى شيء على نخرها وإفسادها. هنيئاً لكل من يعرف دوره ورسالته. هنيئاً للأب إذا عرف مستلزمات أبوته، وللأم إذا عرفت أنها مدرسة لأولادها وسند لزوجها. هنيئاً لكل نفس تقدر أن تقنع بالعلم والعمل، وأن توجه بالنصح والحب. هنيئاً لمن يعرف أنه ولد للحياة لا للموت. هنيئاً لكل نفس رأت في محبة الرب نبع الجمال والفضيلة، لأن رأس الحكمة مخافة الله.

– الجنس قبل الزواج يحول دون التفاهم والتعاون بين الشاب والفتاة

عندما ينشغل العشاق بالجنس، فهذا من شأنه أن يحول دون استكمال شروط الاستعداد للزواج، الأمر الذي يترتب عليه، لا سيما بعد الزواج، مفاجآت وتصادمات، وصراعات وحالات من الغضب، والانفعال والاقتتال قد تأتي بالفريقين إلى التهلكة. لذا يتوجب على الشباب والبنات وضع الهاجس الجنسي جانباً رغم أن الإعجاب الظاهري أو الجسدي يبقى قائماً في العلاقة بينهما. بكلام آخر، لا بد من تحجيم الجنس، ليس بقصد نسيانه، بل بقصد النظر إليه في حجمه الطبيعي.

وهنا قد تظهر عند البعض الرغبة بالسؤال التالي: نحن نريد من كل قلوبنا أن نبلغ السعادة الحقيقية وندرك في الصميم أن حالة من القلق والاضطراب تنتابنا وتؤلمنا عندما نسعى إلى خلق مناخ شهواني لا بل جنسي في اللقاء. لذا فإننا بكل الشوق نرغب في علاقة متوازنة، تأتي بنا وبعلاقاتنا إلى برّ الإيمان، فما العمل؟

إذا صدر مثل هذا السؤال عن العاشقين المتيّمين، فهذا في نظري علامة رصانة واتزان، وعلامة عافية، رغم أنه يوحي بأن الهاجس الجنسي موجود وفاعل. وليس في هذا مشكلة. المشكلة ليست في الجنس بحد ذاته، بل هي كلها طريقة التعاطي معه. فالذين لا يطمعون براحة المحبوب وسلامته وهدوءه واستمرار هنائه، ربما يصعّدون الجنس، لرغبتهم الجامحة به دون أن يدركوا ضرورة مراعاة مشاعر الطرف الآخر وأحاسيسه وحالته ورغبته وراحته وسلامه. لقاء العشاق لا يعني بالضرورة أنهم في موعد مع الجنس. صحيح أن شيئاً من الحرية الجنسية بدأ يتزايد في بلادنا، ولكننا لسنا ملزمين بالانصياع لما يؤذي علاقتنا، فالعقل قبل الجنس. والذين يفرطون في التعاطي مع الجنس تكون حالتهم كحالة من يسير على غير هدى وسط ضباب كثيف. أمام هذه النقطة بالذات، لا بد أن نقول أن للجنس مخاطر لا بد من الانتباه لئلا نقع فيها وندفع فاتورتها.

ولكن العشاق يتزايدون، لأن المراهقة تنسحب، رجوعاً إلى سن الطفولة. فالإنسان اليوم يتفتح جسدياً في سن مبكر ويأتي الإعلام ليكمل ما نقص. من هنا نشعر أن الكلام عن إعمال العقل قبل الوقوع في المتاهات الجنسية، قد يكون أمراً غير ممكن بسبب حداثة السن لا سيما إذا كان العاشق ابن الخامسة عشر من العمر. هنا لا بد من اضطلاع الأهل بمسؤوليتهم كاملة وإلا ضلّ الأولاد وانزلقوا إلى الهاوية. وكلامي دائماً إلى الأهل والشباب: الجنس ليس كل شيء. ليس هو وجه الحضارة والحداثة والرقي. صحيح أن ليس عند الإنسان إيقاع موسمي يحد من غريزته الجنسية كما هو الحال مع الحيوان، ولكن الصحيح أيضاً أن الجنس ليس كل شيء، فالتعاطي معه لا يكون بدون انتباه وتعقل. إذاً فلينته الأهل، وليتعاملوا مع أولادهم بالحب الكبير والاحتضان الكبير.

ولكن مع الأسف ربما يقبل الشباب على اختيار هذه أو تلك من الفتيات بمقدار ما عند هذه وتلك مما يشد القلب ويثير الإعجاب ويحرك الجسد. وللتربية والبيئة دور في إطلالة هذه وفتور تلك. ولكن مع ذلك علينا أن ننشغل بالصفات الشخصية والصفات التي نتطلع إليها في زوجة المستقبل. علينا أن نكون على درجة من الوعي تسمح لنا بمساعدة الفتاة كي تحب هي أيضاً الصفات التي تحب وتتمنى، في زوج المستقبل. والتعارف لا يعني أن نسأل الفتاة أين تسكن وما نوع السيارة التي تريد و … وإنما هو أن نعالج مشاكلنا ونكشف ما عندنا، وذلك من أجل بنيان حياتنا وضمان السعادة لحاضرنا ومستقبلنا. التعارف يعني أن ترعى المستقبل من الآن. وفي قناعتي أن هذا المشوار نفسه قد لا يأتي إلى نهاية محمودة بدون مرشد، الأمر الذي أراه ضرورة ملحة. لا بد أولاً من تحجيم الجنس ليس فقط في فترة التعارف بل أيضاً بعد الزواج.

أنا أخاف عندما أرى الشباب والفتيات يتعاطون مسائل الحياة ولاسيما الجنس، بخفة وطيش، فالتعاطي مع الحياة لا يكون على هذا الشكل، والحياة لا تسلم لنا إذا أهملنا نواميسها.

مشكلتنا مع هذا الزمان أن الناس يتعاملون مع الحياة، كأنها مجرد باقة ملذات لا بد أن تقطف وتذاق. وربما لأن الأمور هي بهذه السذاجة، فإن الناس يتوجب عليهم دفع الثمن الكثير حتى تجري الأمور وفقاً للمقاييس التي جُعلت فيها. الطيش لا يأتي إلا بالطيش، والغباء ثمنه الغباء، ومن يزرع الريح لا يقطف إلا العاصفة.

أخيراً لا آخراً أريد أن أقول أن جماعة المتزوجين يعرفون جيداً أن إيقاعات الجنس تتغير واللهفة تتغير والأحاسيس تتبدل، مع الزمن. إنهم يعرفون جيداً أن الجنس والنضارة عرضة للتبدل والزوال. وقد سمعت بعض المتزوجون يقولون صراحة أنه لولا الاعتبارات الأدبية والاجتماعية والإنسانية والتربوية، لعدلوا عما هم عليه، وعادوا إلى حظيرة العازبين، إلى رحاب الحرية غير المسؤولة التي لا يقيدها شيء، ولا يردعها رادع أو وازع. أليس بين المتزوجين أيضاً كثيرون ممن يحسدون العازبين على حالتهم؟ ولكن أليس أيضاً بين العازبين من يحسدون المتزوجين على حالتهم؟ ولكن أليس أيضاً بين العازبين من يحسدون المتزوجين على ما تصل إليه رغباتهم؟ يا للتناقض والمفارقة! وإذا كان معنى الحياة لا يدرك إلا بمذاقة الجنس، فبئس المصير عند المتزوجين الذين يفقدون رفيق الدرب فيترملون. نحن كثيراً ما ننسى هذه الحقائق التي لا نبلغها إلا بالهدوء والسكينة. لا نبلغها إلا في التأمل الصافي. كثيراً ما ننسى الحقيقة عندما ننهمك بتجميل الجسد وتجميل الجنس. كثيراً ما ننسى أن للحياة نهاية، وأن هذه النهاية قد تكون مباغتة تتبخر معها الأحلام والآمال. إن تجميل الجنس والجسد في حياة تنتهي حتماً لكننا لا نعرف متى، هو غباء كبير، وعلامة على قصر النظر. وبولس الإلهي لم يكن غبياً أبداً بل كان حكيماً جداً عندما قال: “… أيها الأخوة، الوقت منذ الآن مقصّر، لكي يكون الذين لهم نساء كأن ليس لهم (27). والذين يبكون كأنهم لا يبكون … والذين يستعملون هذا العالم، كأنهم لا يستعملونه، لأن هيئة هذا العالم تزول” (1كور7: 29-31). وهذا يعني بصدد ما نحن فيه، لأنه لا يجوز أن نعبد الجنس ونؤله الجسد فنلونه ونستعبد لتقنيات العلاقة الجنسية التي يضخمها الإعلام المجنسن إلى حد تذويب المقاومة عند الإنسان. لا يجوز أن نركع أمام إيحاءات التجار العصريين، الذين يحركون الشهوات ليستعبدوا الناس ويجمعوا المال.

قد عرف الإلهي بولس معنى الحب دون أن يتزوج (رومية 8: 38-39). ومعنى الحب عنده لا يقاس بالزواج أو العزوبية، بل هو كله في عطاء القلب لله. فلو كان الحب يعاش في الزواج فقط، لكان العازبون غرباء جهلاء. ولو كان معنى الحب يعاش في العزوبية لكانت العائلات صحراء قاحلة لا اخضرار فيها ولا ماء. والغريب أن معنى الحب لا نلمسه في العائلة التي تعرف العاطفة الفئوية ولا تنشغل إلا بحب من تربطها بهم صلة اللحم والدم. إن معنى الحب في الكنيسة لا يقوم في نموذج كرونستادت وحسب، ولا ينحصر في من هم على نمط القديس أنطونيوس الكبير وحسب. معنى الحب ليس في الوضع الاجتماعي، بل هو كله في معرفة يسوع المسيح الذي وحده يكشف معنى الحب ومعنى الوجود، لأنه وحده يقدر أن يقودنا إلى ملء الحياة فهو وحده، الطريق والحق والحياة.


(25) الفتاة هي بأمس الحاجة إلى ضمانة. اسألوها وهي تقول لكم حقيقة شعورها. قد يكون الحب بمثابة لعبة وشهوة عند الشاب، إلا أن حواء صادقة في حبها. لكن مع ذلك تبدو حواء وقد ضللت نفسها بما تفعله على الشاشتين الصغيرة والكبيرة.

(26) كنت وما أزال أشتهي وأتمنى أن تعبر في الشارع امرأة دون النظر إليها من الرجال. الجهاد ضد العين أو لتهذيب العين هو أصعب من خوض معركة. والانتصار على العين هو أعظم من الفوز بغنائم كل الحروب.

(27) ليس من السهل فهم كلمات الرسول في عصرنا المجنسن. إلا أن هذه الكلمات لا تعني أن يطلق رجل امرأته، والمرأة رجلها. هذه الكلمات بالمختصر، تعني أن يقترب الزوجان من الله ليكون لهما الأب والأم وكل شيء. لا شيء يدوم، إلا الله وأحباؤه.

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
arArabic
انتقل إلى أعلى