كيف يحاول شهود يهوه دحض عقيدة الصليب؟ أمامي أحد كتبهم “المباحثة من الأسفار المقدسة”. فإذا عدت إلى الفصل المتعلق بالصليب اراه يدور حول ثلاثة :
1) معنى الكلمة بالونانية، 2) الأصول التاريخية “لصليب العالم المسيحي”، 3) هل أن تكريم الصليب مؤسس في الكتاب المقدس.
1 – معنى الكلمة باليونانية:
يقولون ان لفظة “ستافروس” ( الصليب تعني مجرد خشبة مستقيمة أو وتد أو عصا ويستنتجون من المعنى اللغوي أن الصليب الذي مات عليه السيد كان عموداً خشبياً. يقولون نصف الحقيقة ولا يشيرون إلى ان الرافدة (القطة الخشبية الأفقية) كثيرا ما كانت تعلق على القسم العلوي من الوتد حتى يأتي الشكل مثل حرف T أو تشكل الصليب المألوف ( القاموس اليوناني – الانكليزي للعهد الجديد دار نشر جامعة شيكاغو). بتر الحقائق اختصاص شهود يهوه. فمن الناحية التاريخية البحتة قطعة العرض واردة كثيراً في صنع أداة الإعدام التي تسمّى الصليب. [للمزيد حول هذه النقطة، نُحيلك عزيزنا القارئ إلى “شرح الإصحاح الخامس عشر من إنجيل مرقس” للدكتور يوحنا كرافيذوبولوس]
يبدو تناقض شهود يهوه هكذا: بالرغم من الحديث عن خشبة واحدة يقولون أن أبسط أشكال الصليب تقاطع خطين (راجع كتابهم: “الحق الذي يقود إلى الحياة الأبدية”، 1968، جمعية برج المراقبة). ثم رسموا في كتاب “قيثارة الله”، 1921، روثرفورد) الصليب كما تعرفه جميع الكنائس بشكل (+) وبعد ثماني سنين صدر لهم كتاب “قيثارة الله” لروثرفورد رسموا فيه في الصفحة 135 الصليب بشكل T. وفي كلتا الحالتين نرى هالة المجد حول رأس المخلص.
ثم في الصفحة 276 يذكرون الكلمة اليونانية “كسيلون” التي تعني خشبة، جذع شجرة، هراوة، عصا وقد أتوا بالآية “ملعون كل من عُلّقَ على خشبة” في غلاطية 3 : 13 ليستدلوا على أن الرب مات على قطعة خشب واحدة ويعودون إلى قاموس ليدل وسكوت الصادر في اوكسفورد. برجوعي إلى هذا القاموس وجدت أنهم لم يعطوا كل المعاني لكلمة “كسيلون” فإنها تعني خشبة كما تعني أشياء مصنوعة من الخشب مثل الطوق الذي يوضع حول عنق السجين أو قدميه. “مَن عُلّق على خشبة” لا تعني بالضرورة من علق على قطعة واحدة. فاللغة اليونانية تسمح بأن نفهم الآية: “من علق على أداة خشبية” من قطعتين أو أكثر.
2 – الأصول التاريخية “لصليب العالم المسيحي”:
هنا أشار صاحب كتاب هذه البدعة أن الصليب استعمل كرمز ديني في الأزمنة السابقة للمسيحية في بضع ديانات. نحن لا يعنينا هذا لأننا ما جئنا من هذه الرموز ولكن من واقع الصليب الذي حدث على تلة الجلجلة واستخدمنا الرمز بسبب المعاني الخلاصية التي شرحتها الأناجيل وبولس. مهما يكن من أمر ماذا يمنع أن نستعير رموزاً قديمة لندلَّ على عقيدة جديدة؟ معنى الفداء بيسوع المسيح هو الشيء الجديد ولو افترضنا اننا استعرنا له صورة الصليب القديمة.
هكذا تستعير الأديان الأشكال بعضها من بعض ولكن تضفي عليها معنى جديداً. فالماء الذي نستعمله في المعمودية موجود قبلنا. استخدمناه لنجري به معمودية ذات معنى جديد بالكلية، الأديان لا تظهر اشكالها من العدم. الأشكال تبقى والأعماق الروحية ذات دلالات جديدة.
3 – هل إن تكريم الصليب مُؤَسَس في الكتاب المقدس؟
لقد تغيّر موقف شهود يهوه من الصليب بتغيّر الأزمان ففي “قيثارة الله” صفحة 168 قالوا: “إن الصليب هو المحور العظيم الذي تدور عليه عليه جميع أجزاء نظام الله ومنه”. وفي كتابهم “ملايين من الذين هم أحياء اليوم لن يموتوا أبداً”، 1920، لا نجد شجباً لتكريم الصليب بل تذكر الكلمة مع الإكرام.
أما وقد استقروا في المرحلة الحاضرة على رفض الصليب فلهم في ذلك حجتان: الأولى ما كان عندهم وعند سواهم ضد الأيقونات. ولكن الحجة التي يختصون بها ساذجة. يقولون مثلاً على سبيل التشبيه: “من يريد تقبيل مسدس جرى استعماله لقتل شخص عزيز عليه” ( انظر كتابهم” الحق الذي يقود إلى الحياة الأبدية، 1968، جمعية برج المراقبة).
المسيحيون جميعاً يعتزون بالصليب بالضبط لأنه عليه تجلّى انتصار المسيح على الخطيئة والموت وكان درب المخلص إلى القيامة. والقيامة اذا ركزنا عليها تكشف لنا ألوهة السيد، هذه التي يتنكر لها شهود يهوه. هناك مسيحيون لا يستعملون الصليب كأيقونة، لكن حياتهم كلها محورها موت المعلم الالهي وقيامته.
لقد دانت كلمة الله هذه البدعة المجدفة على آلام الرب إذ تقول: “إن كلمة الصليب (أو التكلم في الصليب) عند الهالكين حماقة. أما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله” (1 كورنثوس 1 : 18). الكتاب مليء بتعظيم الصليب. ومنه: “أما أنا فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح” (غلاطية 1 : 14) فإذا كانت المسيحية تقوم على الفداء عن طريق الصليب يكون شهود يهوه خارجين بالكلية عن المسيحية.
الأحد 29 آذار 1992، العدد 13