الصيف النافع

ما نلاحظه عموماً أنّ مؤمنين كثيرين يبعدهم فصل الصيف، في المدينة، عن كنيسة رعيّتهم. فلهذا الفصل نشاطاته وبرامجه المسلّية. وهذه تعطي الإنسان الذي يتعب في عمله، وتعطي عائلته دفعاً جديداً، وتخرجهم جميعاً، ولو لفترة، من قلق الأيّام ومتاعبها، أو هكذا هم يحسبون.

ليس لكاتب هذه السطور اعتراض على النشاطات الصيفيّة، ولا على مشاركة المؤمنين فيها، أو في ما هو نافع منها. ما يخاف عليه، أو منه، هو أن تفرغ الكنائس، في الصيف، من المؤمنين، ويأخذ الناس العبث واللهو. فللناس أصولهم ونشاطاتهم، ومن الشائع، بوجه عامّ، أنّ بعضهم يترك بيته في المدينة ويصطاف في قريته، وأنّ بعضهم الآخر يستأجر (أو بات يملك)، إن كان قادراً، منزلاً في إحدى القرى اللبنانيّة الجميلة الوادعة، وأنّ القلّة تسافر إلى الخارج طلباً للاستجمام والراحة. الملاحظة السريعة التي يمكن أن يأخذ بها المؤمن وعائلته هي أن يحافظوا، أينما حلّوا في الصيف، على التزام قدّاس الأحد.

للأسف، ليس عندنا إحصاء دقيق يساعدنا على معرفة مكان انتقال المؤمنين الذين يتركون بيوتهم في الصيف وينتقلون إلى أخرى (والناس لم يتعوّد معظمهم أن يُعْلِموا كاهن رعيّتهم، في المدينة، إذا أرادوا الاصطياف مثلاً، والقلّة تتّصل بالكاهن المحلّي وتتواصل معه)، ولا نعرف من منهم يلتزم العبادة في مكان اصطيافه، ويواظب على مناولة جسد الربّ ودمه اللذين هما “الحياة الأبديّة ودوامها”. قد يلتزمها بعض الذين يصطافون في قراهم. ولكن، قد يشعر الذين يقصدون قرى لا ينتسبون إليها انتساباً عضويّاً، أي لا ينحدرون منها، أنّهم غرباء، ويهملون العبادة طيلة فترة الصيف (وهذا يصير)، أو قد ينزلون في قرى ليس فيها كنيسة أرثوذكسيّة، ويندرجون في الكنائس الموجودة، أو يهملون أيضاً (وهذا أو ذاك يصير أيضاً). ما يجب أن يعرفه جميع المؤمنين الذين يغيّرون أماكن إقامتهم في الصيف، ويحلّون في قرى ينحدرون منها أو لا ينحدرون، أنّ كلّ كنيسة أرثوذكسيّة، إن كانت كنيسة قريتهم الأصليّة أو لا، هي، إن وُجَدْت، كنيستهم، وهي مسؤولة عن أن تستقبلهم كأعضائها الأصيلين. وهذا يفترض أو يفرض على المسؤولين، في هذه الكنائس، أن يلتفتوا إلى كلّ وجه لا يعرفونه، ويساعدونه على اعتبار الموقع الذي يقيم فيه موقعه أيضاً، والكنيسة التي تستقبله وعائلته هي كنيسته أيضاً. ولا نجد من الصعب، بخاصّة على الذين يصطافون في أماكن قريبة (أو بعيدة) لا توجد فيها كنيسة أرثوذكسيّة، أن يقصدوا أقرب كنيسة إليهم في قرية أخرى، أو أن يعودوا إلى كنيسة مدينتهم، في كلّ أحد، ليقدّسوا، ويلتقوا بأعضاء يعرفونهم عن كثب ولهم معهم مشوار حياة.

ثمّ إنّ بعض المؤمنين الذين غزاهم روح يسوع، إذا تركوا في الصيف مكان إقامتهم، قادرون على زرع روح النهضة في أيّ موقع حلّوا فيه، إن كان حلولهم مرحليّاً أو يكرّرونه في كلّ سنة. ولذلك من واجبهم أن يسألوا عن مكان الكنيسة، وأوقات صلواتها، والنشاطات التي تقام فيها، وأن يحسنوا المشاركة في هذا كلّه. فمن يحسن الترتيل عليه أن يأخذ موقعاً مع المرتّلين، ومن وُهب روح الخدمة أن يخدم، ومن يعلِّم أن يندرج في إحدى الفرق التي يعلَّم فيها إنجيل ربّنا يسوع وفكر كنيسته. ومن نوافل القول أنّه من المفيد جدّاً أن يساهم القادرون على التعليم، بمساعدة الكاهن المحلّيّ ومن يعمل معه، إن لم تكن في رعايا الجبال اجتماعات تعليميّة، (أن يساهموا) في تأسيس فرق تلتقي أسبوعيّاً مرّة أو أكثر.

فمن الواجب أن يجد المؤمنون، في الكلمة وتعليمها، “نشاطاً” نافعاً. لقد تكلّم الرسول بولس، في سياق حديثه عن مواهب الروح القدس، على الذي يتنبّأ “فيكلّم الناس ببنيان ووعظ وتسلية” (1كورنثوس 14: 3). فإذاً هناك تسلية للبنيان. وهذا يلزم المؤمنين، ويسوس حياتهم ونشاطاتهم. فالصيف ليس للهو حصراً. المؤمن الحقيقيّ لا يلهيه عن الله فصل من فصول السنة. هو يعرف أنّ اليوم للربّ، وأنّ له أيضاً “الأرض وكلّ الساكنين فيها”. وهذا يعني أنّ الأيّام التي يمنحها الله للناس إنّما يهبهم إيّاها ليزدادوا تقرّباً منه، ويتوبوا أكثر، ويعني أيضاً أنّ الأمكنة التي يقصدها المؤمنون تزداد جمالاً على جمال إن بوركت بذكر الله، وزرع فيها حبّه ورضاه.

ما يجب أن نحافظ عليه حفظاً جيّداً، أينما حللنا، هو أن نعبد الله الحيّ ونشهد له. إذ لا يليق بالذين يؤمنون بالله أن يهملوا العبادة أو الشهادة. وإذا كان الله هو سيّد الأزمنة والأمكنة فهذا يعني أنّه السيّد على حياتنا بتفصيلها وتفاصيلها. والله نفسه، إن أحسنّا حبّه وأخلصنا له، يساعدنا على أن تكون أيّامنا كلّها نافعة، وأن تكون الأماكن التي ننزل فيها محلاًّ لمجده.

عن نشرة رعيتي
الأحد 6 تموز 2003

arArabic
انتقل إلى أعلى