هو جاورجيوس المولود في إحدى قرى جزيرة قبرص من أبوين تقيَّين متواضعين في عيشهما. كان لهُ أخ اسمه هيراكليدس خرج إلى الأرض المقدَّسة حاجَّاً ثمَّ نزل إلى نهر الأردن وزار لافرا ( دير مركزي لهُ توابع) وترهَّب فيه.
تيتَّم بعد وفاةِ أبويه, وعاش عند أحد أعمامه الذي كان رئيساً لأحد الأديرة. كونه رفض الزواج بابنة عمه. عمل جاورجيوس بسبب هذا خلافاً بين عمَّيه مما اضطرَّه الهرب إلى الأرض المقدَّسة.
ترهُّبُهُ:
جاء جاورجيوس إلى أخيه هيراكليدس في دير القلمون راغباً في السيرة الرهبانية معه. فلما رأى أخوه أن لحيته لم تنبت بعد, أخذه إلى دير والدة الإله في خوزبيا, على الطريق من أورشليم إلى أريما, لأن الآباء في لافرا القلمون كانوا يمتنعون عن قبول الرهبنة من الشبَّان الصغار. فامتحنه رئيس الدير فألفهُ صالحاً فرهبنهُ. ولم يمض عليه وقت طويل حتىَّ أعطاه الإسكيم المقدَّس وسلَّمه إلى شيخ روماني قاسي الطبع من بلاد ما بين النهرين.
منَّ الله على جاورجيوس بالنعمة والبركة وصار صوتُهُ مسموعاً عند الله. هذا ما لفتَ أنظار رهبان ديره إليه. وإذ شعر هو بتجربة المجد الباطل تحتفُّ به من كل صوب قام فترك الدير سرَّاً وعاد إلى الموضع الذي كان فيه أخوه هيراكليدوس في القلمون. من ذلك الوقت أقام جاورجيوس وأخوه في مكانٍ بقرب اللافرا يعرف بـ” الكنيسة العتيقة”.
عاش الاثنان في تقشُّفٍ شديد لا يُمتِّعان نفسيهما بأية تغزيه من جهة الطعام والشراب, كان الأكبر وديعاً خفراً والأصغر مطيعاً متواضعاً.
عجائبُهُ:
لمَّا كان جاورجيوس وأخوه عائشين سويَّةً، حدث أن فلاّحاً من أريما عزيزاً عليهما, كان لهُ طفلُ وحيد مات فجأة. فأخذه أبوه ووضعه في سلٍّ وجعل عليه بعض الثمار من جني الأرض. ثمَّ غطَّى الجميع بورق الكرمة, وأخذ السلَّ وذهب به إلى اللافرا, فلمَّا نقر على باب الأخوين فتح لهُ جاورجيوس فسألهُ الفلاح أن يقبل السلَّ بركةً من ثمار حقله. ثمَّ تركها وانصرف. فأخذ الأخوان السل ونظرا فيه فاكتشفا الطفل الميت, فاعتبر الأكبر أن في المسألة تجربة ورغب في ردِّ الهدية إلى صاحبها, أما جاورجيوس فأجاب: “لاتحزن يا أخي ولا تغضب! دعنا نبتهل إلى الإله الرحيم بإيمان, فإن عفَّ عن خطايانا وأقام الصبي أخذ الفلاح ابنه حيَّاً بسبب إيمانه. وإن لم تشأ نعمة الإله أعدنا الميت إلى أبيه واعترفنا بأننا خطأة ولا قامة لنا تؤهلنا لمثلِ هذه الجسارة أمام الله”. وهكذا كان. وقف الأخوان يُصلِّيان بدموع وقلب خاشع متواضع, فمنَّ عليهما الرَّب الإله بمنية قلبيهما وأقام الطفل من الموت فسلَّماه إلى أبيه وشدَّدا عليه ألاَّ يخبر بما حدث لئلا يتسبب إلقائهما في الشقاء والضيق.
رقد هيراكليدس في سن السبعين أو يزيد, وبقي جاورجيوس وحيداً, حزيناً على أخيه، ملازماً قلاَّيته. أحبهُ الجميع. وقد صار شماساً وخدم الأخوة بمخافة الله ونخس القلب.
عودتُهُ إلى دير والدة الإله في خوزبيا:
بعد أن رقد رئيس دير اللافرا, أحدث فُراقُهُ فراغاً واضطراباً وانقساماً في الدير, ولمَّا يتمكن الرهبان من اختيار خلف للرئيس الراقد. فحزن القديس للفوضىَ في المكان وسأل ربَّه ما عساه أن يفعل فأتاه أن يصعد إلى الدير الذي اقتبل فيه الرهبنة أولاً . فقام إلى هناك، فسُرَّ به الآباء وأعطاه رئيس الدير قلاَّية إلى الهدوء والصمت والصلاة.
رُقادُهُ:
اشتاقت نفس القديس إلى الخروج إلى ربِّه فمرض. في تلك الليلة التي رقد وصل قومٌ غرباء إلى الدير فاضطر انطونيوس تلميذه وكاتب سيرته, أن يهتم َّبهم، فبعث إليه القديس قائلاً:”تعال أباركُكَ لأني على وشك أن أغادرك. فحزن أنطونيوس، لكنه لم يكن في وضع يسمح له بمغادرة زوار الدير. فشعر الشيخ القديس بذلك وبعث له، من جديد يقول له:” لا تحزن ولا تكتئِب، يا ولدي! تمِّم خدمتك وأنا بانتظارك!” فلمَّا قام الغرباء عن المائدة، وصل آخرون وتأخر إلى منتصف الليل. كل هذا بتدبير من الله الذي شاء أن تظهر مكانة القديس عنده، وانتظر الأب القديس إلى ذلك الوقت. فلمَّا انتهى أنطونيوس من خدمته كمضيف نزل إلى الشيخ, فلما رآه الشيخ ضمَّه إلى صدره وقبَّله وباركه، ثمَّ حوَّل وجهه ناحية الشرق وقال: “هيَّا يا نفسي إلى المسيح، هيا اخرجي!”. فلمَّا أعاد القول إيَّاه ثلاثاً أسلم الروح.
تُعيد له الكنيسة في 8 كانون الثاني
طروبارية
للبرّية غير المثمرة بمجاري دموعك أمرعتَ، وبالتنهُّدات التي من الأعماق أثمرتَ بأتعابك إلى مئة ضعفٍ. فصرتَ كوكباً للمسكونة متلألئاً بالعجائب، يا أبانا البار جرجس، فتشفع إلى المسيح الإله أن يخلص نفوسنا.