الموعظة على الجبل

المقصود بالموعظة على الجبل هو الموعظة التي نقلها متّى الإنجيلي على مدى ثلاثة فصول كاملة(5- 7) وهي غنيّة بالتعليم الذي أراد الرب ّيسوع ان يصل إلى كلّ إنسان ليعمل بموجبه فينال الحياة الأبدية.

من المعروف ان الرسول متّى قد دوّن كتابه حوالي السنة 80, ووزّع اقوال يسوع على خمس عظات كبرى: الموعظة على الجبل, وصايا يسوع لتلاميذه الاثني عشر (الفصل 10), الأمثال(الفصل 13), سلوك الجماعة المسيحية(الفصل 18), وأخيرا الخطاب الوداعي(الفصول 23- 25). أهمية الموعظة على الجبل في أنها تحوي موضوعات كثيرة تطرّق إليها الرّب يسوع مغيّراًمقاييس كثيرة كانت معروفة في ذلك الزمن، ذلك انّه افتتح في هذه الموعظة تعليماً خلاصياً جديداً يقوم على شريعة جديدة.

تحوي الموعظة على الجبل المواضيع التالية: التطويبات(5: 3- 12)، ملح الأرض ونور العالم (5: 13-16)

الشريعة القديمة والشريعة الجديدة (5: 17-48)، حيث يتكرّر قول الرّب يسوع ستّ مرّات: ” سمعتم أنّه قيل للقدماء…أمّا أنا فأقول…” ثم يتكلّم الرّب عن الصدقة(6: 1-4)، والصلاة (6: 5-15) حيث يعلّمهم صلاة “أبانا”، الصوم (6: 16-18)، الكنز الحقيقي(6: 19-21), العين سراج الجسد(6: 22-23), الله والمال(6: 24), وعن العناية الإلهيّة(6: 25-34). ينتقل الرّب بعدها إلى الكلام عن عدم إطلاق الأحكام على الآخرين (7: 1-5), واستجابة الآب طلبات المؤمنين به (7: 7-11), وعن القاعدة المعروفة بالذهبية، أي:”فكل ما أردتم أن يفعل الناس لكم، افعلوه أنتم لهم: هذه هي الشريعة والأنبياء”7: 12). ثم يتكلّم عن باب الخلاص الضيِّق (7: 13-14), ويحذّر من الأنبياء الكذبة(7: 15-20)، ويحدّد مَن هم التلاميذ الحقيقيون (7: 21-27)بالذين يعملون بحسب مشيئة الآب الذي في السموات. ويختم الإنجيلي متّى عرض الموعظة بالقول:” فلمّا أكمل يسوع هذه الأقوال بُهتت الجموع من تعليمه لأنّه كان يعلّمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة” (7: 28-29). الجدير ذكره أنّه في نهاية كل عظة من العظات الخمس المذكورة أعلاه, يكتب متّى: “فلمّا أكمل يسوع هذه الأقوال”.

يورد الرسول لوقا في الفصل السادس من إنجيله, الآيات 20-49، ما يوازي باختصار، الموعظة على الجبل. لكنّه يجعلها في “موضعٍ سهلٍ” (6: 17). تبدأ الموعظة عند لوقا بالتطويبات، ثم تليها وصية محبة الأعداء ووصيّة الرحمة ومعاملة الإخوة ثم الخاتمة.

يبدو أن الموعظة الواردة في إنجيل لوقا هي أقدم في الصياغة من تلك الواردة في إنجيل متّى، ذلك أنّه من المعروف عند علماء الكتاب المقدس أنه إذا وُجدت عدة صياغات لنصٍ واحد يكون النص الاصغر هو الأقدم بينها. فبما أن أغلب ما ورد في موعظة إنجيل لوقا موجود في موعظة أنجيل متّى، فهذا يعني أن أقوال الموعظة كانت متداولة قبل تدوين الإنجيلين, فأخذهما متّى وأضاف عليها أقوالا أخرى كانت معروفة أيضاً في الجماعة الأولى, بينما دوّنها لوقا كما هي من دون إضافة, ودوّن الأقوال الأخرى في أمكنتها بحسب مناسباتها.

فصلاة “ابانا” التي أوردها متّى في الموعظة على الجبل في سياق كلامه عن الصلاة, أوردها لوقا في مكان آخر محدّداً مناسبة تعليم الرّب إياها لتلاميذه::” وإذ كان يصلّي في موضعٍ، لمّا فرغ قال واحد من تلاميذه: يا رب علّمنا أن نصلّي كما علّم يوحنّا أيضاً تلاميذه. فقا لهم: متى صلّيتم فقولوا أبانا…” (لوقا11: 1). وكذلك الأمر بالنسبة إلى موضوع ” الخلاص من الباب الضيّق “, فبينما يورد متّى هذا الموضوع من دون مناسبة في الموعظة, نجد أن لوقا يقدّم له بسؤال يوجّهه إلى يسوع رجل غير معرّف عنه:” يا سيّد أقليل هم الذين يخلصون؟ فقال لهم: اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيّق” (لوقا 13: 23 –24). هذا يعني أنّ الموعظة على الجبل الواردة في إنجيل متّى جاءت مؤلّفة من أقوال متفرّقة ليسوع قالها في مناسبات مختلفة. وبعض هذه الأقوال لا يتعدّى أحياناً الآية الواحدة, كالآية 6: 24 التي تقول: ” لا يقدر أحدٌ أن يخدم سيّدين. لأنّه إمّا أن يبغض الواحد ويحبّ الآخر, أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر. لا تقدرون أن تخدموا الله والمال”. لقد جمع متّى الإنجيلي هذه الأقوال في مكان واحد لفائدتها التعليمية ولأهميّتها.

إذا كانت الموعظة على الجبل مؤلفة من شريعة جديدة وتعليم عن كيفيّة سلوك المؤمن وتحذير من الدينونة, فإنّها أوّلاً قد دُوّنت لأجل خلاصنا. فبالإيمان بيسوع رباً ومخلِّصاً والعمل بموجب وصاياه وتعليمه يُفتح لنا باب الملكوت والحياة الأبدية.

عن نشرة رعيتي 1996

arArabic
انتقل إلى أعلى