من قرأ رسائل بولس بفهم يعرف انه لم يعتمد، في فهمه حدث قيامة المسيح، حصراً على الإيمان والتصوّرات اليهوديّة التي كان عليها قبل اهتدائه، والتي لم تخلُ وعودها “من الغموض والرمزية” (راجع: قيامة الأموات). وذلك انّ ما كان في القديم وعداً (قيامة الأموات) يصعب تصوّره أو فهمه، أدركه بولس “بوحي من يسوع المسيح” الذي أراه نفسه حياً “ببراهين كثيرة” ودعاه الى خدمة بشارته (غلاطية 1 :11و12؛ فيلبي 3: 10؛ 1 كورنثوس 15: 8)، وتالياً (أدركه) بانخراطه في الجماعة المسيحية وقبوله ايمانها وحياتها وشهادتها.
والواقع أنّ قيامة يسوع التي غيّرت مجرى التاريخ، هي قاعدة ايمان المسيحيين الأوائل، وهي، تالياً، محور رسالة الكنيسة كلها. وهي الأمانة الأساس التي تسلمها الرسول واعتنى أن يسلمها للأمم التي كُلّف بتبشيرها ( 1 كورنثوس: 15: 3و4؛ رومية 4: 24 و25، 10: 9؛ 1 تسالونيكية 4: 14). ذلك انه عرف أن ليس من كرازة او ايمان حقيقي، وليس من تعزية او رجاء لا تقوم على الاعتراف بيسوع الحيّ من موت (1كورنثوس 15: 12-17). ولعل أروع ما كتبه، في هذا السياق، هو ما قاله في رسالته الثانية الى تلميذه تيموثاوس: “واذكر يسوع الذي قام من بين الأموات وكان من نسل داود، بحسب بشارتي. وفي سبيلها أعاني المشقات حتى اني حملت القيود كالمجرم. ولكنّ كلمة الله ليست مقيّدة. ولذلك أصبر على كلّ شيء من أجل المختارين، ليحصلوا هم ايضا على الخلاص الذي في المسيح يسوع وما اليه من المجد الأبديّ. إنّه لقول صدق إننا: اذا متنا معه حيينا معه، واذا صبرنا ملكنا معه، واذا أنكرناه أنكرنا هو ايضاً، واذا كنّا غير أمناء ظلّ هو أميناً لأنه لا يمكن أن ينكر نفسه” (2: 8-13). هذا الكلام البليغ يساعدنا على أن نعرف الحقيقة التي دفعت بولس وجميع الذين عملوا بجهد او استشهدوا حباً بيسوع، الى أن يعيشوا باستقلال عن كلّ خوف وأن يرفضوا الخطيئة التي قضى عليها ابن الله الوحيد، وذلك في سبيل ان يُعرف الرب وأن يحبّ وأن يرث العالم الحياة الأبدية. فكل نقطة دم سفكت وكلّ تعب بذل في التاريخ في سبيل نقل البشارة والحياة الجديدة، أساسه الإيمان بأنّ يسوع قام من بين الأموات.موات.
ما هو أساسي في هذا التعليم الخلاصيّ، ليس فقط أنّ يسوع قام من بين الأموات، بل انه هو ايضاً “البكر من بين الأموات” (كولوسي 1: 18) او “باكورة الراقدين” (1كورنثوس 15: 20)، وهذا يعني أنّه هو الذي فتح، في تاريخ البشريّة، طريق الحياة الجديدة. الإيمان بقيامة الربّ يفترض ايمانا بأن رب الحياة ومعطيها قهر بموته الموت، ايْ موتَ كلِّنا. تعليم الكنيسة الذي حمله بولس وجميع الأبرار في التاريخ وفتحوا به كلّ القلوب، هو أنّ المسيح قام، وأنّ حياته هي وحدها قاعدة حياة الناس وأساس رجائهم بما هو آتٍ. فمن دون الإيمان بأنّ ابن الله حيّ ليست للناس حياة. ولذلك كلّ النظريات القديمة والحديثة التي تفصل بين النفس والجسد، وتتكلم على خلود النفس بانفصال عن الله وقيامة ابنه، هي نظريات خاطئة ومنحرفة. فالخلود الحقيقي قاعدته قيامة يسوع، وهو، من دون ريب، لا يخصّ عنصراً من عنصري الإنسان (اي النفس من دون الجسد)، ولكن الإنسان كله. وهذه القيامة التي افتتحها يسوع، والتي تكلّم بولس عليها مؤكداً انها ستتم للبشريّة في اليوم الأخير، تبيّن عدل الله في سياق البعد الجماعي للحياة الأبدية. وما من شك في أن الإيمان بالقيامة الأخيرة لا يعني أبداً أنّ الله يرجئ كلّ شيء بانتظار ذلك اليوم. فالله الحيّ لا يتوقف عن عمله الخلاصي في التاريخ، وذلك حتى “يسلّم المُلكَ الى الله الآب بعد أن يكون قد أباد كلّ رئاسة وسلطان وقوة… وأَخضع كلّ شيء تحت قدميه… ليكون الله كلّ شيء في كل شيء” (1كورنثوس 15: 24-28).-28).
لقد قام يسوع من بين الأموات وضمّنا اليه ضمّاً أبدياً. هذه الحقيقة التي تمّت في التاريخ حملها الرسل، ومنهم بولس، الى أقاصي الأرض لتعرف البشريّة مكانتها عند الله وأنّها افتديَت من موت (وأن “لا ميت بعدُ في القبر”، كما يقول ابونا القديّس يوحنا الذهبي الفم في عظة الفصح). ونحن، كما هم، مسؤولون عن عيش هذه الحقيقة التي نذوقها في بركات الروح، وعن نقلها الى من يعيش معنا او يأتي بعدنا، ليكون الله وحده سيّد العالمين ومصدر الوجود ومرجعه.
عن نشرة رعيتي 2002