كيف غلب المسيح وركّز راية الغلبةِ الأبدية وفتح لنا الطريق والباب الموصـلين إلـى الـسماء؟ لـم يخطف أسرى الخطيئة عنوة بل أعطى حياته بدلاً وربط القوي (الشيطان) وملك على نفـوس البـشر بعد أن قضى على طغيان العدو، لا لأنه يملك القوة بل لأنه بتضحيته وموته أعطيت له سلطة القضاء على أعمال الشيطان عدلاً وحقّاً. وقد كشف النبي هذا العدل بقوله: “عـدل وحكـم تهيئـة عرشـك” (مزمور 88: 15).
إن العدالة الإلهية لم تفتح فقط أبواب الخلاص، بل أظهرت من خلالها للجنس البشري لأنه لـم يكـن بالإمكان، في الأجيال الغابرة أن يجد الإنسان عدلاً قبل أن يتجسد المسيح. فاالله ذاته الـذي لا تخفـاه خافية ككلي المعرفة، فتش ليجد وقتئذ عدلاً على الأرض فلم يجد “الكلّ زاغوا والتطخوا ولـيس مـن يعمل صلاحاً حتى ولا أحد” (مزمور 13: 3) ولكن عندما أشرقت الحقيقة وأنارت الذين فـي الظـلام وضلال الكذب ظهرت العدالة من السماء بصورة كاملة وحقيقية للناس. وهكذا تبررنا نحـن، أعنـي أعتقنا من الجريرة ومن رباط الخطيئة. حكم على البريء من الخطأ بالموت على الصليب وهو الـذي لم يفعل ظلامه واحدة. دِين من أجل الخطايا التي ارتكبناها نحن وأصبحنا بموت السيد، نحن الخطـأة، أبراراً وأصدقاء الله. فالمخلص لـم يقضِ على طغيان الشيطان فقط ولم يصالحنا مع الآب فحسب بـل أعطانا في الوقت نفسه “أن نكون أولاداً الله” (يوحنا 10: 12) ولما كان قد وحد طبيعتنا بألوهتـه فإنـه بأسرار الكنيسة وحد كلَّ واحد منا مع ذاته وبهذه الطريقة وهبنا نعمته وحياته. الخلاص الحقيقـي إذاً يذوقه الإنسان ويناله بالأسرار التي أسسها السيد.